تُعنى الأنثروبولوجيا السياسية بدراسة بُنية النظم السياسية - عبر النظر إليها كجزء من أسس بُنية المجتمعات - وتتبع تطورها ومختلف الأشكال التي اتخذتها، عبر التاريخ، وفي المجتمعات البشرية المختلفة.[1][2][3] ومن أشهر علماء الأنثروبولوجيا السياسية: بيير كلاستر، وايفانز بريتشارد، وميير فورتس، وجورج بالانديه.
تاريخها
تعود الأنثروبولوجيا السياسية في جذورها إلى القرن التاسع عشر. حين حاول باحثين كلويس مورغان، و هنري ماين تتبع تطور المجتمع البشري من الطور "البدائي" (أو: الوحشي) إلى أشكال أكثر تطوراً و تعقيداً. و لكن هذه المحاولات المبكرة كانت تتسم بطابع العنصرية و المركزية العرقية، و مع ذلك فقد أرست هذه الدراسات قواعد الأنثروبولوجيا السياسية من خلال إجراء دراسات حديثة متأثرة بروح العلم الحديث، و على وجه الخصوص: الداروينية. و في خطوة ستكون مؤثرة في مستقبل الدراسات الأنثروبولوجية، فقد قاموا بالتركيز على روابط القرابة كمفتاح لفهم النظام السياسي في المجتمع البشري، و أكدوا على دور النَسَب كموضوع للدراسة.
أما الأنثروبولوجيا السياسية المعاصرة فيمكن الرجوع بها إلى عام 1940، حين نشر ميير فورتس، و ايفانز بريتشارد كتابهما: النُظم السياسية الإفريقية، حيث رفضا في هذا البحث طريقة اعادة بناء التاريخ من خلال التأمل و بناء الفرضيات التي مارسها الباحثين الأوائل، و اعتبروا بأن الدراسة العلمية لتطور المؤسسات السياسية يجب أن تكون استقرائية و مقارنة، و تهدف فقط إلى تفسير الإتساق الداخلي الذي اتسمت به تلك المؤسسات، و تفسير ارتباطاتها بالأنظمة الاجتماعية الأخرى. كان هدفهما من الكتاب هو التصنيف؛ تصنيف المجتمعات إلى كيانات صغيرة منفصلة، و بعد ذلك مقارنتها ببعضها البعض، من أجل الخروج باستنتاجات عامة عنها. لقد تأثر مؤلفَيْ هذا الكتاب بالباحث رادكليف براون و المدرسة البنيوية الوظيفية عموماً؛ و لهذا قد افترضوا أن كل المجتمعات هي عبارة عن كيانات ثابتة واضحة المعالم، تسعى للمحافظة على التوازن و النظام الاجتماعي الخاص بها.
أما فيما يتعلق بالنقودات على أطروحتهما فيمكن أن نجدها عند تحليلهم لعلاقة هذه المجتمعات بالقوى الأوروبية المستعمرة لها و اعتبارهم أن هذه المجتمعات مهيئة للخضوع لغيرها.. فعلى الرغم من أن المؤلفين مدركين أن معظم هذه المجتمعات التي خضعت للاحتلال الأوروبي - سواء عن طريق الغزو أو الإستسلام خوفاً - لم تكن لترضخ لو لم يكن التهديد بالقوة من قبل الأوروبيين موجوداً، و هذه الحقيقة هي التي تحدد الأدوار السياسية التي لعبتها الدول الأوروبية في حياتهم السياسية.. و هكذا يمكن القول بأن المؤلفَين قد مالا في كتابهما إلى الممارسة من أجل اختبار النُظُم السياسية الإفريقية من حيث البُنية الداخلية الخاصة بها، إلا أنهما تجاهلا التاريخ السياسي الأوسع لها، و الذي هو سابق على الإستعمار الأوروبي.
فيما بعد.. تم تداول الكتاب بين الباحثين، و كان لهم ردات فعل متباينة ازاءه، ففي كتابه "الأنظمة السياسية في مرتفعات بورما" يجادل إدموند ليش على أن دراسة الكيفية التي تتغير بها المجتمعات عبر الزمن أكثر ضروروة من دراستها في حال الثبات و الإتزان. لاحقاً.. تطورت أشكال جديدة من الجدالات في الأنثروبولوجيا السياسية ضمن ما عرف ب "مدرسة مانشستر"، بدأت مع ماكس غولكمان، و الذي ركز في ابحاثه على دراسة العمليات الاجتماعية، و تحليل الأنظمة و البُنى المبنية على الإستقرار النسبي. حافظت الصراعات على استقرار النُظُم السياسية من خلال تأسيس و إعادة تأسيس الروابط المتداخلة بين الفاعلين الاجتماعيين، و اقترح غولكمان بأن درجة معينة من الصراع لا بد منها من أجل تدعيم المجتمعات، و أن هذا الصراع مؤسس للنظام الاجتماعي و السياسي.. في رأيه، حافظ الصراع على استقرار الأنظمة السياسية من خلال إنشاء وإعادة إنشاء العلاقات الشاملة بين الفاعلين الاجتماعيين. و مع حلول الستينيات من القرن الماضي أسفرت هذه الجدالات عن تطور حقل متكامل و مستقل تمظهر في أعمال موسوعية ك "الأنثروبولوجيا السياسية" (صادر سنة 1966)، و الذي قام بتحريره فكتور تورنر و مارك شوارتز، و مع أواخر الستينيات كانت الأنثروبولوجيا السياسية حقلاً مزدهراً، حيث صنّف في سنة (1969) 200 باحث انثروبولوجي الأنثروبولوجيا السياسية كأحد اهتماماتهم.
في الولايات المتحدة أخذت الأنثروبولوجيا السياسية منحاً مختلفاً؛ حيث تبنى باحثون مثل: مورتن فريد، و إيلمان سيرفس، و إلينور ليكوك، مقاربة ماركسية، حيث سعوا في فهم أصول و تتطور غياب العدالة و المساواة في المجتمعات البشرية. و ليست المقاربة الأنثروبولوجية بغريبة عن الماركسية؛ فكثير من أطروحات ماركس و إنجلز كانت مبنية على دراسات الاثنولوجي لويس مورغان.
منذ الستينيات تطورت منهجية جديدة، تعرف ب"منهجية العمليات"، تؤكد على دور مختلف العوامل المؤثرة في المجتمعات (ظهرت هذه المنهجية مع أعمال بايلي (1969) و بارث (1969))، لقد كان هذا تطوراً مهماً خاصة مع بدء الأنثروبولوجيين بدراسة مجتمعات أخذ الإستعمار بالزوال عنها. و في نفس الفترة أيضاً انتقلت منهجية التركيز على الصراعات، و التي اختصت بها المقاربة الماركسية، لتأخذ طريقها للسيطرة على الأنثروبولوجيا السياسية الفرنسية. و قد كانت دراسات بيير بورديو عن القبيلة في الجزائر (1977) متأثرة بهذه التحولات المنهجية، و كان عمله هذا بمثابة تزاوج بين ما بعد البنيوية الفرنسية، و الماركسية.
تنامى الاهتمام بالالأنثروبوولجيا السياسية في السبعينيات. و في عام (1973) تم تنظيم دورة مخصصة لها في المؤتمر الدولي التاسع للعلوم الأنثروبوولجية و العرقية، و تم نشر الأوراق التي قدمت فيه لاحقاً عام (1979) في مجلد خاص، و لاحقاً تم استحداث نشرة خاصة تطور عنها مجلة "الأنثروبولوجيا السياسية و القانونية".
مراجع
- Lewellen, Ted (1983). Political Anthropology: An Introduction. Boston, MA: Bergin and Garvey. صفحات 2–4.
- Vincent, Joan (1990). Anthropology and Politics. صفحة 313.
- Fortes, Meyer (1940). African Political Systems. London: Keegan Paul International. صفحة 4.