أوفي بن أبي بكر الألفغي الشمشوي (1232-1300هـ/ 1817-1881م)
اسمه وحياته:
أوفى هي كنية غلبت على أحد علماء القرن 13هـ/19م في موريتانيا أو ما كان يعرف سابقا ببلاد شنقيط. وهو مصطفى بن أبي بكر بن عبد الله بن أشفغ مصر بن محنض الألفغي ثم الشمشوي. ولد أوفى في منطقة إيكيدي التاريخية في الجنوب الغربي في ولاية الترارزة حاليا بموريتانيا. ظهرت عليه علامات النبوغ وهو صبي حيث حفظ القرآن في سن مبكر. ودرس المتون الفقهية الأولية في بيت والده أبو بكر بن عبد الله ولد أشفغ مصر. ثم شد الرحال إلى العلامة محمذا فال ولد متالي التندغي (ت 1288 هـ/1871 م). فأكمل تعلم الفقه وباقي فنون الثقافة العربية الإسلامية من لغة وأدب وحديث وتاريخ وغيرها. كما أخذ عليه الطريقة الشاذلية في التصوف. وبعد رحلة الدراسة، عاد أوفى إلى أهله وبدأ يمارس مهنة التعليم فاجتمع عليه عدد كبير من التلاميذ وأسس حيا كبيرا عرف بحي: الرحمة. ظل يمارس التعليم ويدير شؤون حيه إلى أن توفي- - سنة 1300هـ /1881م في مطلع القرن 14هـ. لكن التخصص الذي اشتهر به أوفى هو الطب.
أوفى والطب
كان أوفى شاعرا وعالما وفقيها كما تشهد على ذلك آثاره التي خلفها والتي سنعرضها فيما بعد. لكن التخصص الذي اشتهر به حتى غلب على معارفه الأخرى هو الطب. فلا يكاد يذكر اسم أوفى في موريتانيا إلا وذكر الطب والعكس صحيح. فقد عرف بفهم الأمراض والقدرة على معالجتها. وشفى الله على يديه العديد من الناس والكثير من الأمراض. وتحتفظ الذاكرة الجمعية الشعبية للموريتانيين بالكثير من القصص، التي لا يتسع المجال لذكرها هنا، من غريب طب أوفى.
أوفى الشاعر
ربما لا يعرف الكثير من الموريتانيين أن أوفى كان شاعرا، رغم أنهم يحفظون بعض الأبيات التي نظم بها نصائح طبية مفيدة بأسلوب شاعري ظريف ورقيق كقوله: واحذر أخي برد الخـريف فـإنـه مستـلطف مستـعذب خـطـاف يسري إلى الأبدان في غسق الدجا بلطافة ومن اللطيف يخاف لم يترك أوفى غرضا شعريا إلا ونظم فيه. ورغم ذلك، فقد غلب على شعره الطابع الديني بسبب نزعته الصوفية التي طبعت ديوانه لتمثل الابتهالات الدينية والمديح النبوي نسبة كبيرة من الديوان. ومن ذلك قوله:
لساني كليل و قلبي شديـد و عــيـنـي بأدمعـها لا تجـود و نفسي تنازعني عن هواها فـفي كـل حـيـن ذنوبي تـزيـد وعـمري يبيد و أيـامـــه عـلـي بعـصيـان ربـي شــهـود و جسمي ضعيف فما حـيلتي؟ إذا قالت النار: هل من مزيد؟
ومن جيد شعره، قوله يرثي سهله بن ياعبيد، وهو من علماء إداشفاغه: كيف اهتداء أخ الحاجات في سفره والشمس قد أفلت بالنور من بصره حار الزمان وأهل الأرض مـن حـدث فاجا بتعطيل برج العلم من قمره هو الجواد إذا ما الغيث أخلفنا يروي العفاة وأهل الأرض من بذره هو المجـلي من أفراس السماح ولا يرى له دهره السكـيـت في مطـره صـاف المـودة للإخـوان خـلـفــه فيهم أبوها ليدركوا كنه مختصره فمدحـه طول لفظي ليس يـبـلغــه فلسـت أوثره فيه عــلى قــصـره ويقول في وصف قافلة: لله عير لها بعـد الهُـدوِّ سُـرًى وفي الهواجير أخـلاق الشياطين تقود قطرانَها بُزلٌ مـوقـــرة لها توأد من يمـشي عـلى طـين تخال آثارها لنسـف أرجـلـها عـلى اللواحب آثار الخـراطين تبتاع بالملح أرزاقا مضاعفة تعلو السقوف بها مثل الأساطين فعاق أصحابَها عن فعل عادتهم خوف البغـاة وطغيان السـلاطين.
علاقته بمعاصريه
ربطت أوفى علاقات كثيرة مع معاصريه من شعراء وعلماء وأعيان. فمدح بعضهم ومدحه بعضهم وتبادل الرسائل مع بعضهم الآخر. فممن مدحهم أوفى، الجواد أواه وفيه يقول:
إلى أواه مكتسـب المعال تحـية مـن تـشـوق لـلوصـال عليك من السلام عُـلا سـلام يؤمن ما لـديك مـن الخـصال وذلك أن جـزاك الله خـيـرا على الخير المضاغف بالتوال فلا زالت جفانك متـرعـات تُنال عـلى الـدوام بلا سؤال ولازالت خصالك في الترقي وإن كملت تزيد على الـكمال
ومن الذين مدحوا أوفى، أبو بكر بن فتى الشقروي بمقطوعة منها:
على الشيخ أوفى ما سيأتي وما غبر سلام كريا المسك قد فاح بالسحر سـلام عـلى من باسمه يشتفى الضنـا وتقضى به الحوجى وينكشف الضرر
ومن الذين مدحوا أوفى، الشاعر الشيخ السالم ولد آبوده بقوله:
جـزى الله عـنا والجـزاء بـفضلـه جزاء وفاقا فوق ما ترتجى أوفى وكال له الخير العميم متمـمـا على سنن التقوى بمكياله الأوفى بمكياله الشرعـي كـال أمــوره وكل على مقدار ما كالـه أوفـى وما قلت هذا القول حتى بـلوته فلم أبلُ فحاشا ذميما ولا جلفـا ولكن فتى الفتيان لا وصف فيهـم حميدا يرى إلا وكان لـه وصـفـا
ومن الذين تبادل معهم رسائل، امام ولد عبد الودود الذي يقول مخاطبا أوفى:
أوفى العباد بحق الناس والباس وأدفـع الناس للمكروه والباس و خير نـدب كـريـم عـالـم ورع لله درك مـن نـــدب و مـن آسـي وافيتك اليوم أستشـفي بـرأيكم مما بجسمـي ومن نفسي ووسواسي أدامـك الله مـلحـوظـا بـبـاصـرة من العناية ذا فضل على الناس
فرد عليه أوفى:
شـفاك واقيـُّك المولى مـن الباس مـن كـل ضـر ومكـروه و وسواس نسبت للغير ما في النفس تعرفته وليسـت النـفس للأخرى بمـقياس جزيت خيرا وعـفوا عـن ثنائك إذ مدحت من ما له مدح على الناس حاشـى لمثلك من لغو الحديث كأن تسمي النذل باسـم الندب الآسي
مؤلفاته
ترك عددا من المؤلفات التي خلدت ذكره. ومن أبرزها:
- عمدة الالعمدة
طبيب، وهي ألفية هي الطب بلغت 1204 أبيات.
- قواعد التدبير، وهو نظم قصير يجمل فيه قواعد الحفاظ على الصحة.
- أجوبة العلامة محمذا فال ولد متالي، وهي أجوبة هذا الشيخ الجليل على أسئلة فقهية. وقد دونها أوفى عندما كان طالبا للعلم في محظرة ولد متالي.
- فتاوي فقهية متفرقة حول بعض النوازل التي وردت إليه.
- ديوان شعري.
ورغم هذه المكانة العلمية السامقة، لم يحظ أوفى بعدد كاف من الدراسات. فلم يطبع من مؤلفاته سوى مؤلفه: “أجوبة ولد متالي”، الذي جمعه وحققه لمرابط ولد النح في إطار بحث للتخرج من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية سنة 1988م.