الاستعمارية الأمريكية كما تُعرف باسم الإمبريالية الأمريكية (American imperialism) هو مصطلح يستخدم للإشارة إلى سياسة حكومة الولايات المتحدة في ممارسة الهيمنة على دول أخرى من خلال القوة العسكرية، الاقتصادية والسياسية. البعض ينكر وجود إمبريالية، والبعض الآخر يعتقد أنها ذات طابع جيد حسنة النية، والبعض الآخر يرى فيها قهراً وتدهوراً للدول والشعوب المستهدفة.
التوسع
النشأة
بدأ تكوين ما يسمى اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية عبر حرب ضد الهنود الحمر، تم من خلالها تدمير المنازل والتهجير الجماعي وحرق المحاصيل، بل وصل الأمر إلى قتل ما يقرب من 18 مليون شخص من الهنود.
وما أن تم تشييد المجتمع الأمريكي الحديث حتى ظهرت الميول الاستعمارية وتم البدء بدول الجوار في الأمريكتين. ففي عام 1833 تم غزو نيكاراغوا وتبعها غزو بيرو عام 1835 لفرض آراء سياسية بالقوة على تلك البلاد. وفي عام 1846 تم شن عملية عسكرية كبرى على المكسيك انتهت باحتلال مساحات من الأراضي المكسيكية فيم يطلق عليه اليوم ولايات تكساس وكاليفورنيا ونيو مكسيكو الأمريكية. وفي عام 1855 شنت عمليتين عسكريتين الأولى استهدفت غزو الأوروغواي والثانية السيطرة على قناة بنما. وعلى مدار الربع قرن الأخير من القرن الـ 19 تم غزو كولومبيا عدة مرات، تلاها هايتي عام 1888، ثم شيلي 1891، ومرة أخرى إعادة اجتياح نيكاراغوا عام 1894، ثم اختتم القرن بغزو كوبا على مدار ثلاث سنوات انتهت باستيلاء أمريكا عام 1901 على أراضي جزيرة جوانتانامو التي تضم الآن أشهر معسكر اعتقال في العالم يضم العديد من الأسرى من معظم دول العالم.[4]
القرن العشرين
بدأ القرن العشرين بإحكام السيطرة على جزيرة جوانتانامو تلاها مباشرة في نفس العام العديد من العمليات العسكرية في كولومبيا، وفي العام التالي عملية أخرى في هندوراس. وفي العام 1914 قامت قوات المارينز بغزو هايتي والاستيلاء على البنك المركزي لتحصيل ديون هايتي لأمريكا بالقوة، وفي العام التالي تم احتلال هايتي لمدة 19 عام.
وفي الحرب العالمية الأولى دخلت أمريكا حليفاً لبريطانيا وفرنسا في حرب إعادة اقتسام المستعمرات في العالم. في نفس الوقت قامت بشن حملة عسكرية في عام 1916 على جمهورية الدومينكان لفرض سيطرتها وتعيين حكومة عسكرية استمرت ثمان سنوات، بدلا من الحكومة الثورية التي قامت بإسقاطها. وفي عام 1932 شنت القوات الأمريكية عمليات عسكرية بهدف غزو السلفادور.
اشتركت أمريكا في الحرب العالمية الثانية التي أنهتها بإلقاء قنبلتين ذريتين هيروشيما وناجازاكي لتقتل ما يقرب من 200 ألف وتصيب وتشوه مئات الآلاف من المدنيين. وفي عام 1954 أطاحت أمريكا بحكومة جواتيمالا. وفي عام 1961 فشلت أمريكا في عميلة إنزال لقواتها بكوبا فيما عرف بعملية غزو خليج الخنازير. وفي عام 1967 دعمت المخابرات الأمريكية الحكومة العسكرية في بوليفيا لمحاربة الثوار بزعامة جيفارا. وفي نهاية الستينات وإلى بداية السبعينيات حاولت أمريكا غزو فيتنام وبالرغم من هزيمتها إلا أنها خلفت ورائها ما قد يصل إلى ثلاثة مليون قتيل من الشعب الفيتنامي. وفي عام 1973 ساهمت أمريكا في إنهاء حكم سلفادور أليندي في شيلي ونجاح اليمين في إقامة حكومة ديكتاتورية عسكرية.[4]
في عام 1982 دخلت أمريكا بقوات في لبنان لمطاردة عناصر المقاومة الفلسطينية ولدعم إسرائيل في غزوها للبنان تحت ستار قوات حفظ السلام الدولية واضطرت للانسحاب في عام 1983 بعد قتل 241 جندي من المارينز في عملية واحدة. في عام 1986 غارت الطائرات الأمريكية على الأراضي الليبية بحجة تورط ليبيا في عمل إرهابي ضد أمريكا، أسفرت الغارات عن قتل وإصابة العشرات. وفي عام 1989 تم اجتياح بنما لعزل الديكتاتور نورييجا الذي كانت قد نصبته للحكم من قبل، وأسفر الغزو عن قتل عشرة آلاف بنمي والسيطرة على قناة بنما الهدف الوحيد من الغزو. وفي عام 1992 حصلت أمريكا على تفويض من الأمم المتحدة بقيادة تحالف لاحتلال الصومال، قتل فيها عشرة آلاف صومالي، بحجة إعادة الاستقرار إليه بعد حرب أهلية طاحنة.
في عام 1991 دخلت أمريكا على رأس تحالف دولي في حرب مع الجيش العراقي فيما سمي بعملية تحرير الكويت، أسفرت عن إلقاء 880 ألف طن من القنابل ليتم قتل ما يقرب من 200 ألف عراقي وإصابة ما يزيد على نصف مليون آخرين علاوة على عشرات الآلاف الذين أصيبوا بالسرطان على أثر ضرب الأراضي العراقية بقنابل اليوارنيوم المخضب.
قصفت الطائرات الأمريكية ملجأ العامرية. مما أدى إلى قتل 400 مدني وجرح أكثر من 1.500 آخرين، العديد منهم من النساء والأطفال.
تم قتل عشرات الآلاف من الجنود العراقيين العزل عند نهاية حرب الخليج الثانية.
تم فرض حصار وعقوبات شاملة ضد العراق، الذي عانى من جرّائه الجماهير العراقية لعملية نقص في الغداء. فبسبب العقوبات مات نصف مليون طفل عراقي خلال عقد التسعينات فقط، ومات أكثر من مليون عراقي آخرين.
في عام 1999 أمطرت قوات التحالف الأمريكي ـ البريطاني العراق بوابل من القنابل والصواريخ أدى إلى سقوط مئات الضحايا وآلاف المصابين علاوة على تدمير العديد من منشئات البنية الأساسية والمنازل وخسائر جمة في مخازن السلع. وذلك لإجبار صدام على دخول المفتشين الدوليين للعراق.
الحرب على الإرهاب
- مقالة مفصلة: الحرب على الإرهاب
أتاحت "الحرب ضد الإرهاب" للولايات المتحدة الأمريكية إقامة مجموعة قواعد عسكرية في آسيا الوسطى- وهي منطقة جديدة بالنسبة لها، وإرسال قواتها من جديد إلى الفليبين التي ُسحبت منها خلال سنوات 1990. ليس الحفاظ على السيطرة العسكرية الأمريكية الهدف الوحيد للاستراتيجية الكبيرة لإدارة بوش. إنها تسعى أيضا إلى فرض النموذج الانجلو-أمريكي من الرأسمالية اللبرالية على العالم برمته. يؤكد بوش في تقديمه لوثيقة الاستراتيجية القومية للأمن:" انتهت الصراعات الكبرى للقرن العشرين بين الحرية والتوتاليتارية بنصر حاسم لقوى الحرية وبنموذج مستديم وحيد لنجاح أمة: الحرية والديمقراطية والسوق الحرة." إنه بالفعل نمط خاص جدا من النزعة الأممية التي تترك للشعوب حرية اختيار "النموذج الوحيد المستديم"، الرأسمالية الليبرالية. بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 قررت أمريكا اجتياح أفغانستان لإسقاط حكم طالبان ومطاردة بن لادن ضمن عملية كبيرة استهدفت القضاء على ما سمته بالإرهاب. أسفرت عن قتل ما يزيد عن خمسة آلاف شخص وتشريد وتجويع ملايين الأفغان لينتقلوا من وضع سيئ لوضع أكثر سوءاً.
المسلمون والإمبريالية الأمريكية
حسب بعض المؤيدين لفكرة "المؤامرة الطائفية" (sectarian conspiracy) فإن ما يشهده العراق حالياً هو جزء من خطة واسعة يمكن أن ندعوها - صناعة أمريكية- لتقسيم وتشتيت شعب العراق، بخاصة، والعالم العربي- الإسلامي، بعامة. فحسب فكرة المؤامرة الطائفية، فأن مئات آلاف المسلمين قُتلوا عندما دفعت الولايات المتحدة نحو إشعال الحرب العراقية-الإيرانية مع استمرارها تزويد الطرفين بآلة الدمار بغية إنهاك الدولتين وبذر عوامل الكراهية والشقاق والاحتراب بين المذهبين الإسلاميين. كذلك قُتل مئات آلاف أخرى عندما قررت الولايات المتحدة التخلص من النظام العراقي السابق.[5][6]
النظام السياسي
الوضع الأمريكي الجديد قائم على القوة القطبية الواحدة، حيت تم التحول إلى الولوج في القرن الأمريكي الجديد (The New American Century)؛ وهو ما يعني تغيير الأدوات والإستراتيجيات المؤدية إلى ذلك وفقًا لمتطلبات هذه المرحلة، وبالتالي التحول عن سياسة الاحتواء المزدوج التي فشلت في التعامل مع العراق على مدار أكثر من عقد إلى اتباع سياسة الاقتلاع من الجذور وفق الحكمة الشهيرة "الوقاية خير من العلاج" أو حسب المنهج الوقائي الأمريكي الجديد Preemptive. فالولايات المتحدة تمسك حاليًا بناصية العوامل المؤهلة للعب دور إمبراطوري بشكل نادر الحدوث؛ فهي تمتلك القوة العسكرية والأرضية الاقتصادية القوية، وكذلك القوة العلمية والتكنولوجية، كما تمتلك أيضًا القوة الناعمة "Soft Power"، ويقصد بها القوة الثقافية -وليست الروحية- التي تبدأ من سيجار المارلبورو، ومرورًا بأفلام هوليود، هذه القدرات لم تجتمع أبدًا في قوة عالمية مثلما اجتمعت في الولايات المتحدة.
يعتقد بعض المحللين أن وجود القانون الدولي وهيئة الأمم المتحدة شكل عقبة أمام أمريكا، لذلك عمدت إلى تجاوز الأمم المتحدة ومحاولة إلغائها، وسيطرت على مجلس الأمن وجعلته لعبة بين يديها ودائرة من دوائرها وصاغت قراراته كما تريد.[7]
النظرة الجيوسياسية التي تهيمن على فكر الإدارة الأمريكية تجاه العراق، والتي تنبع من الرغبة في بسط الهيمنة العالمية، لا تقتصر فقط على الاحتفاظ بقواعد عسكرية حول العالم في أي وقت تريده، ولكنها أيضًا ترى ضرورة التحكم في مختلف مصادر الموارد الطبيعية المؤكدة والمحتملة، والتي يأتي على رأسها النفط، وخاصة نفط الخليج.[8]
الرأسمالية الأمريكية
- مقالة مفصلة: أركان العولمة
الرغبة الأمريكية في السيطرة على النفط الخليجي لا تنبع من حجم مساهمته في الاحتياجات النفطية الأمريكية، بقدر ما هو السبيل لجعل الولايات المتحدة تحتفظ بمفاتيح الطاقة العالمية في يدها، وما يعنيه ذلك من التحكم في حركة منافسيها العالميين. بسط الهيمنة على واحد من أهم مصادر الطاقة في العالم كي تكتمل مقومات الإمبراطورية الأمريكية المزمع بناؤها، وليس أدل على ذلك مما ورد في إستراتيجية الطاقة القومية ( National Energy Policy) أو ما يعرف بـ"تقرير تشيني Cheney Report " الذي يشير إلى ضرورة أن يكون هناك قواعد عسكرية على رأس جميع منافذ النفط في العالم بدءا من كازاخستان، وانتهاء بأنغولا في أفريقيا.
كما تشير تلك الوثيقة أيضًا إلى أنه بحلول عام 2020 فإن النفط الخليجي سيساهم بما يتراوح بين 54 و67% من معروض النفط العالمي الخام "... وهو ما يجعل هذا الإقليم حيويًا بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة..." هكذا يقول التقرير حرفيًا، كما تشير بعض التقديرات إلى أن السعودية التي تصل طاقتها الإنتاجية حاليًا إلى نحو 10.5 ملايين برميل يوميًا، والعراق بنحو 2.5 مليون برميل يوميًا، سوف ترتفع طاقتاهما الإنتاجيتان كي تصل إلى نحو 22.1 و10 ملايين برميل يوميًا لكل منهما على التوالي، وذلك خلال الـ17 عامًا القادمة.[8]
مقالات ذات صلة
مراجع
- "Base Structure Report : FY 2013 Baseline" ( كتاب إلكتروني PDF ). United States Department of Defense. مؤرشف من الأصل ( كتاب إلكتروني PDF ) في 21 فبراير 2015.
- "Protesters Accuse US of 'Imperialism' as Obama Rekindles Military Deal With Philippines". VICE News. مؤرشف من الأصل في 13 سبتمبر 2017.
- "Anti-US Base Candidate Wins Okinawa Governor Race". PopularResistance.Org. مؤرشف من الأصل في 19 أبريل 2019.
- الإمبريالية الأمريكية.. تاريخ من القتل والتآمر والاستعمار راية الاشتراكية، تاريخ الولوج 09/08/2009 نسخة محفوظة 04 مايو 2012 على موقع واي باك مشين.
- المسلمون ضحايا مؤامرة الإمبريالية الأمريكية التجديد العربي، تاريخ الولوج 09/08/2009 نسخة محفوظة 04 ديسمبر 2009 على موقع واي باك مشين.
- Muslims pay for the U.S. imperialistic game, By: Ahmed Abdulla, Aljazeera.com-March,26,2007.
- الإمبريالية الأمريكية وأحلام السيطرة على العالم جريدة النور، تاريخ الولوج 09/08/2009 نسخة محفوظة 03 ديسمبر 2010 على موقع واي باك مشين.
- النفط وقود إمبريالية أمريكا إسلام أن لاين، تاريخ الولوج 09/08/2009 نسخة محفوظة 21 فبراير 2011 على موقع واي باك مشين.