الأسلوب الترابطي في فيزياء الكم هو أسلوب بديل لتفسير ميكانيكا الكم. يرى مؤيدو هذا الأسلوب أن دراسة العالم الفيزيائي لا بد من أن تكون عن طريق تحليل العلاقات والروابط بين الأنظمة الفيزيائية نظرًا إلى أن جميع الحقائق المُثبتة بالتجربة تقتضي حدوث تفاعل من أي نوع ( مثل التفاعل بين مجال الضوء وجهاز الكشف عن الضوء). طبقًا للأسلوب الترابطي فإن الافتراض القائل بأن الأجسام تمتلك خصائص مطلقة (مثل الجسميات المطلقة التي لا تعتمد خصائصها على أي إطار مرجعي) يؤدي إلى التباسات ومفارقات في حالة دراسة تلك الأجسام عن قرب. يعود تاريخ الأسلوب الترابطي إلى عام 1985 عندما اقترح العالم سايمون كوشن أنه يمكن التغلب على مفارقات الفيزياء الكمية عن طريق تطوير أسلوب ترابطي مثل الذي ابتكره العلماء ذات مرة لحل مفارقات الفيزياء النسبية التي تتعامل مع الزمان والمكان.[1][2] بينما يأمل البعض أن هذه الإضافة لعلم الفيزياء قد تكون بمثابة تكملة لميكانيكا الكم الترابطية التي ابتكرها العالم الفرنسي كارلو روفيلي. وعلى مدار الفترة 1992-1996 تبنى العلماء تشنغ وهيوز وتاكايوشي كوباياشي من جامعة طوكيو هذا الأسلوب في تفسير الفيزياء الكمية.[3]
في الماضي كانت نظرية النسبية ونظرية ميكانيكا الكم متشابكتان مع بعضهما، وكانت مسألة التوافق بين النظريتين هي السمة الرئيسية في الجدال بين أينشتاين وبور.[4] ففي كلتا النظريتان شدد العلماء على أن النظرية تهتم فقط بالكميات المقاسة، أي كل ما يمكن رصده في الكون. قارن بور هذا الأسلوب بنظرية النسبية لأينشتاين وأكد على أنه في حالة التعامل مع العمليات الكمية فلا يمكن تجاهل مكاملة النتائج المقاسة، وبالمثل في حالة الظواهر التي تحدث عند سرعات عالية فلا يمكن تجاهل تأثير النسبية على تزامن الأحداث بالنسبة لكل إطار مرجعي. ولكن أيشتاين رد قائلًا: «لا تصح إعادة إلقاء دعابة جيدة بصفة متكررة».[5] واستمر الجدال بينهما بشأن مفارقة أينشتاين-بودولسكي-بور (مفارقة إي بي آر)، وبادر بور باقتراح مفهوم ترابطي للحالات الكمية.[6] واستنتج كلًا من بوم وشاوماخر من خلال دراساتهما أن السمة المميزة لهذا الجدال هو تعذر التواصل بين الطرفين نظرًا لغياب التوافق التام بين الميكانيكا الكمية والفيزياء النسبية.[7]
حاول العديد من العلماء استخدام الأسلوب الترابطي في تفسير الميكانيكا الكمية عدة مرات على مدار العقود الماضية، بدءً من نظرية العوالم المتعددة (التي تعرف أيضًا بصيغة الحالة النسبية) من تطوير الفيزيائي هيو إيفرت عام 1957، ومرورًا بتطبيق جبر السيغما على الكميات المتفاعلة (من تطوير كوشن عام 1979)، وأنظمة المرجع الكمي عام 1992، ونظرية الكون الكمية عام 1996، وميكانيكا الكم الترابطية عام 1996. تشدد تلك النظريات على الطبيعة الترابطية الخاصة بالحالات الكمية بصفة أو بأخرى.
الخلفية
كما يعلم معظم الناس اقترحت نظرية النسبية التي تتعامل مع مفهوم الزمان والمكان تغييرات جذرية في مفاهيمنا الأساسية إلى جانب طرق الاستدلال الفيزيائي الخاصة بنا. والفكرة الجوهرية في نظرية أينشتاين هو تبني أسلوب ترابطي لدراسة مفهوم الزمان والمكان،[8] ويمكن التعبير عن ذلك رياضيًا باستخدام تحويلات لورينتز الزمكانية.
رغم أن البنية الرياضية الخاصة بنظرية الأثير للورينتز (التي تفترض أن سرعة الضوء في الفراغ ثابتًا كونيًا) مكافئة لنظرية أينشتاين، لكن كلاهما يخلتفان بشكل جذري في طريقة تصورهما. فمن ناحية بدأ لورينتز عمله بالاحتفاظ بمفهوم الزمان والمكان المطلقين الخاصة بالميكانيكا الكلاسيكية مع النظر في تغيير أدوات القياس المتاحة. وقد نجحت نظرية لورينتز في تفسير القيمة الثابتة لسرعة الضوء التي نتجت من تجربة ميكلسون ومورلي عن طريق ما يمسى بظاهرة تقلص لورينتز التي تنتقل عبر الأثير الافتراضي. ولكن أدت تلك النظرية إلى عدة مشاكل من بينها أن طريقة حساب المسافات والأزمنة «الحقيقية» بالنسبة إلى جهاز قياس ساكن بالنسبة للأثير هي طريقة مبهمة وغير معروفة. من ناحية أخرى بدأ أينشتاين عمله مستندًا على الحقائق القابلة للرصد، واعتبر الزمان والمكان فئات معينة من الإحداثيات لا تعدو وظيفتها التعبير عن ارتباط الأحداث بأدوات القياس. وبافتراض ثبوت سرعة الضوء توصل أينشتاين إلى أن الزمان والمكان مفاهيم نسبية تعتمد بشكل أساسي على المراقب.
وبطريقة مشابهة أدى تطور النظرية الكمية في مطلع القرن العشرين إلى تشكك العلماء من المفاهيم الكلاسيكية عن الأجسام الفيزيائية مثل الجسيمات والموجات. وبالتبعية طور الفيزيائي هايزنبرغ إطارًا مفهاميًا[9] يحتفظ بالمفاهيم الكلاسيكية إلى حد ما، وهو يلعب دور هام في تفسير كوبنهاغن لفيزياء الكم. واقتضت الخطوة التالية دراسة الاضطرابات التي تتعرض لها أجهزة القياس، ولهذا الغرض ابتكر هايزنبرغ تجربة تيليسكوب الشهيرة التي تهدف إلى قياس مكان الإلكترون بدقة متناهية. وجد هايزنبرغ أنه نظرًا إلى أن عملية القياس تستلزم كم معين من الطاقة لا يمكن تجاهله في عملية القياس فإن الاضطرابات التي تتسبب بها تلك الطاقة تجعل قياس موقع الجسيمات ومقدار زخمها آنيًا بدقة متناهية أمرًا محالًا. إذن نستنتج أنه عندما نأخذ تأثير القياس الذي لا يمكن التحكم فيه بعين الاعتبار فسوف يظل مفهوم الجسيم في الفيزياء الكمية قائمًا، ومن هنا توصل هايزنبرغ إلى مبدأ اللايقين.
الغموض المتأصل في مبدأ اللايقين لهايزنبرغ
بالرغم من نجاح مبدأ هايزنبرغ فقد أدى كذلك إلى حدوث مشكلة مشابهة لمشكلة نظرية لورينتز،[10] وهي أن المفاهيم الأساسية (مثل مفهوم الجسيمات في ميكانيكا الكم) هي في الواقع مفاهيم مبهمة تمامًا. إذ ينص مبدأ اللايقين على أنه لا يمكن تحديد الموقع «الحقيقي» للجسيم ومقدار زخمه آنيًا. وقد تعرضت تلك الفكرة إلى نقد حاد من قبل بعض العلماء المشهورين مثل أينشتاين الذي كان يعتقد أنه حتى في حالة الفيزياء الكمية لا بد من وجود عناصر قابلة للتعريف بدقة متناهية أو متغيرات ديناميكية من أجل تحديد سلوك جميع الأنظمة الفردية.[11] وفي ضوء هذا الغموض المتأصل من الواضح إذن أن مبدأ ضرورة التعامل مع مفهوم الجسيم بناءً على الحقائق المقاسة هو مبدأ مماثل لطريقة تعامل أينشتاين مع مفهوم الزمان.
نشر العالم شينغ وزملاءه ورقة بحثية عام 1996،[12] وطوروا فيها الأسلوب الترابطي في التعامل مع ازدواجية الموجة والجسيم مع تجنب الغموض الذي تسببت فيه نظرية هايزنبرغ. وشدد هؤلاء العلماء بالتوازي مع النسبية الخاصة لأينشتاين على أن الطريقة الصحيحة في التعامل مع قياسات البصريات الكمية تستلزم الاستعانة بخريطة ذهنية للأحداث مع أخذ منظور المراقب ضمنيًا بعين الاعتبار. شدد العلماء في الآونة الأخيرة على أهمية الأحداث في نظرية الكم،[13] والتي يمكن وصفها في حالة البصريات الكمية بدلالة عمليات الكشف عن الضوء التي طورها الفيزيائي روي جاي غلاوبر.[14]
يمكن تحديد وجود أي جسم مادي عن طريق تفاعل الجسم بأداة القياس، وفي تلك الحالة يُعد الكشف عن الجسيم بمثابة العلاقة بين الجسم وأداة القياس. أو بعبارة أخرى فإن جل معرفتنا بالأجسام الفيزيائية تعتمد من حيث المبدأ على العلاقة المحددة تجريبيًا بين الجسيم وأداة الكشف المناسبة.
مراجع
- S. Kochen, Symposium of the Foundations of Modern Physics: 50 Years of the Einstein-Podolsky-Rosen Gedankenexperiment, (World Scientific Publishing Co., Singapore, 1985), pp. 151-69.
- For later work, see John Conway and Simon Kochen The Free Will Theorem. نسخة محفوظة 26 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- Zheng et al. (1992, 1996) - تصفح: نسخة محفوظة 11 يونيو 2016 على موقع واي باك مشين.
- M. Jammer, The Philosophy of Quantum Mechanics, (Wiley, New York, 1974), p. 109.
- P. Frank, Einstein-His Life and Times, (Knopf, New York, 1947), p. 216.
- M. Jammer, The Philosophy of Quantum Mechanics, (Wiley, New York, 1974), p. 197.
- D. Bohm and D. L. Schumacher, On the failure of communication between Bohr and Einstein, (Preprint, 1972).
- D. Bohm, The Special Theory of Relativity (Benjamin, New York, 1965).
- W. Heisenberg, Z. Phys. 43, 172 (1927). For an English translation, see Quantum Theory and Measurement ed. J. A. Wheeler and W. H. Zurek (Princeton Univ. Press, New Jersey, 1983), pp. 62-84.
- D. Bohm, The Special Theory of Relativity (Benjamin, New York, 1965), p. 40.
- D. Bohm, Phys. Rev. 85, 166 (1952).
- Q. B. Zheng and T. Kobayashi, Physics Essays 9, 447 (1996).
- C. F. von Weizsäcker and Th. Görnitz, in Symposium on the foundations of Modern Physics 1993 ed. P. Busch, P. Lahti, and P. Mittelstaedt (World Scientific, Singapore, 1993).
- R. J. Glauber, Phys. Rev. 130, 2529-2539 (1963).