الجمارك السودانية
نبذة تاريخية
قبل إنشاء إدارة الجمارك عام 1905م كان تحصيل الرسوم الجمركية يتم على نظام التوكيلات، إذ تصدر المنشورات من الحاكم العام إلى مديرى المديريات الذين يقومون بتحصيل الرسوم والضرائب الجمركية ويوردون الحصيلة للسكرتير المالى.
بقيام إدارة الجمارك عام 1905م إستقلت من مصلحة المالية وأصبحت تحصل إيراداتها وتحدد منصرفاتها وتراجع حساباتها دون تدخل من مصلحة المالية، وفي نفس هذا العام تم تعيين أول مدير للجمارك الكابتن هايس سادلر وكان برتبة العميد، ومارس أعماله في بداية يناير 1906م. أهم ماقام به كابتن هايس سادلر هو وضع خطة لإنشاء وتطوير العمل الجمركى وقد كان العمل يسير في كل المحطات الجمركية سواكن، وادى حلفا، ثم بورتسودان وفقا للنظام الجمركى المصرى. ثم قام بتحديد المواقع وأنشأ سبعة عشر مركزاً جمركياً هي: سواكن، وادى حلفا، بورتسودان، الخرطوم، كسلا، القضارف، قمبيلا، قلابات، الروصيرص، الكرمك، أبوهاشم، شنينة، قرورة، سنار، الدندر، وأبونعامة. ويلاحظ أنه أهمل الشمال والغرب، ذلك أن الشمال وبه محطة وادى حلفا وكان التحصيل فيها يتم لصالح الحكومة المصرية، أما الغرب فلم يتم الالتفات له إلابعد سقوط مملكة على دينار وافتتاح مطار الجنينة عام 1940م. بالإضافة إلى ذلك فان من أهم أعمال الكابتن سادلر تنظيم العلاقة بين إدارة الجمارك الوليدة من جهة مصلحة المالية ومصلحة التجارة من جهة أخرى[1].
تعاقب على إدارة الجمارك ثمانية من الإنجليز كان آخرهم المستر ووكلى، والذي لم يبقى كثيراً إذ أن فترته لم تزد عن ستة أشهر تمت بعدها سودنة الوظائف بالجمارك. عندما تمت سودنة الوظائف العليا بالجمارك كان عدد الإداريين الإنجليز سبعة فقط على رأسهم المستر ووكلى آخر مدير للجمارك في العهد الثنائى، فتم اختيار أحد الإداريين من الحكومات المحلية ويسمى السيد (خليل عبد النبى) ليشغل وظيفة مدير الجمارك، ولكنه لم يستمر أكثر من أسبوع فقد رفضت القاعدة الجمركية هذا التعيين وتمسكت بتعيين السيد (محمد كمال فريد) ليصبح أول مدير فعلى للجمارك بعد الاستقلال.
تعاقب على إدارة مصلحة الجمارك بعد الاستقلال عشرة مدراء، كان آخرهم اللواء صلاح الدين أحمد الشيخ.
رئاسة الجمارك
إتخذت رئاسة الجمارك سواكن مقراً لها منذ العام 1906م وحتى عام 1909م حيث إفتتحت جمارك ميناء بورتسودان رسمياً وإنتقل لها معظم النشاط الجمركى. ومنذ عام 1909م حتى عام 1914م ظلت رئاسة الجمارك تنتقل شتاءاً ببورتسودان وصيفاً بسنكات القريبة منها والقريبة من منتجع أركويت الصيفى والذي يقع على ارتفاع أكثر من ستة آلاف قدم فوق سطح البحر.
في عام 1914م إنتقلت رئاسة الجمارك إلى الخرطوم، وبالتحديد في الجزء الجنوبى الغربى من مصلحة المالية (وزارة المالية والاقتصاد الوطنى الآن)، وفي عام 1934م إنتقلت للمبنى الذي يقع شرق القصر الجمهورى، والذي تحتله محافظة الخرطوم الآن، ثم أخيراً في موقعها الحالى شمال شرق كوبرى الحرية عام 1984م[2].
التطور القانونى للجمارك
قانون عام 1905م
كان أول قانون للجمارك أصدره المستر ونجت باشا حاكم عام السودان عبارة عن موجهات بسيطة جداً لاتتعدى النصف صفحة مأخوذه أغلبها من إتفاقية الحكم الثنائى لعام 1899م، وأهم ما جاء في هذا القانون هو إعفاء البضائع المستوردة من مصر من الرسوم الجمركية وتخفيض الرسوم الجمركية على السلع المتعلقة بالإنشاء والتعمير والمواد الغذائية.
قانون عام 1913م
صدر هذا القانون مع ظهور أول ميزانية لحكومة السودان، كما تزامنت مع وقف الدعم المصرى لتغطيه العجز في الموازنة العامة، بالإضافة لذلك وقف توريد الإيرادات للحكومة المصرية وبوابة التوريد لحكومة السودان. كما كان لإرهاصات قيام الحرب العالمية الأولى جانب من ذلك، والتي حدثت فعلاً في عام 1914م.
كان الهدف الرئيسى من إصدار هذا القانون وضع نظام أفضل لتحصيل الرسوم الجمركية، ويلاحظ أنه قد وردت في هذا القانون بعض الأنظمة الخاصة مثل (الدروياك والترانسيت والنقل من سفينة إلى أخرى). كما ظهرت البضائع الممنوعة ضمن باب البضائع المهربة، وكان التهريب قبلها يعنى التهرب من الرسوم الجمركية فقط.
قانون عام 1926م
هذا القانون لايختلف كثيراً عن قانون 1913م وإنما ضم كل التعديلات التي تمت في هذه الفترة، وأهم هذه التعديلات رفع الفئات الجمركية على السلع الشمالية بنسبة كبيرة جداً، وهي (السجائر والخمور والتمباك).
وقد ظهرت الحوجة لصدور هذا القانون بعد مقتل السيرلى ستاك عام 1924م بالقاهرة وطرد على أثرها جميع الموظفين العاملين بالجمارك السودانية .
قانون عام 1939م
كانت أسباب صدور هذا القانون أسباب أمنية خالصة، وقد صدر مع إرهاصات قيام الحرب العالمية الثانية لدرء آثارها السالبة عند نشوبها.
هذا وقد إشتمل اشتمالاً واضحاً على تقييد بعض السلع عند الإستيراد والتصدير، وارتفاع قيمة التعريفة الجمركية عموماً. ويلاحظ أن هذا القانون قد ألحقت به اللوائح التي تنظم عمل المصالح الأخرى ذات الصلة بالعمل الجمركى، كما ألحق به كتاب تعليمات ضباط الجمارك، وهو المرشد المهم الذي ينظم العمل الجمركى.
قانون عام 1404هـ
استمر العمل بقانون 1939حتي عام 1984م عندما أمر الرئيس الأسبق جعفر نميري العمل بموجب الشريعة الإسلامية، فاصدر ضمن ما سن من قوانين سبتمبر قانون الجمارك لعام 1404هـ.
كان قانون الجمارك من أطول قوانين الجمارك عمراً وظل يخضع لتعديلات كثيرة بلغت في جملتها أربعة وثلاثين تعديلاً.
وكان من الأسباب الهامة التي دعت لصدور هذا القانون:
- تحويل مصلحة الجمارك من مصلحة مدنية إلي قوات نظامية عسكرية.
- العمل بقوانين الشريعة الإسلامية بديلاً للقوانين المدنية الوضعية
- تطور الحياة التجارية وتنوع واختلاف أساليب الشحن والتهريب والتحايل علي الجمارك، كما اصبح السفر خارج الحدود متاحاً لقطاعات كبيرة كانت لاتعرف الأسفار.
- تنقية الحياة التجارية من الغش والفساد في المعاملات وعلي أن تفرض المكوس والضرائب والعشور علي أسس واضحة وفق نهج الإسلام.
أهم مايميز هذا القانون أنه:
- صدر باللغة العربية
- تم تغيير بعض الألفاظ والمعاني فأصبح المسئول الأول عند الجمارك (أمين عام الجمارك).
- أعيد النظر في تعريف الحدود الجمركية وإبتدع النطاق الجمركي توسع دائرة الرقابة الجمركية.
- تحويل الجمارك لقوة نظامية تتبع لرئاسة الجمهورية.
- ادخل القانون الرسمي الموحد لأول مرة علي لحق الركاب كما أدخل التحصيل للعملات الحرة.
- نص القانون لأول مرة علي تقنية تجارة الحدود.
- عالج القانون الأسواق الحرة ضمن المستودعات وألزم الأمين العام بالتصديق بفتح فروع في المدن والأسواق والمحطات الجمركية.
- نص علي تجريد محترفي التهريب من كافة أموالهم، كما نص علي عقوبة المحرضين والمساعدين.
- حدد حقوق العاملين وشدد في العقوبات والجزآءات علي المخالفين.
- أعيد النظر في فئات التعريفة الجمركية، حيث حظرت الخمور ورفعت علي سلع الترف وخفضت علي السلع الضرورية.
قانون 1986م
لم يعمل بقانون 1404هـ طويلاً وثار حوله جدل كبير بعد سقوط نظام مايو وقيام انتفاضة أبريل التي أعيدت علي أثرها الجمارك إلي مصلحة مدنية كما كانت سابقاً.
بصدور قانون 1986م ألغي قانون 1404هـ والذي تعمل الجمارك بموجبه حتي اليوم، وأضيف له العمل بقانون الشرطة بعد أن تحولت الجمارك مرة أخري إلي قوة نظامية شرطية ضمن قوات الشرطة الموحدة.
قانون 1986م هو ترجمة تكاد تكون حرفية لقانون 1939م، وأهم ما يميز هذا القانون:
تقنين حق ضابط الجمارك من عائد المخالفات والبضائع المصادرة.
تقنين وضع العمل الجمركي.
الأوضاع الإدارية للجمارك
ظلت الجمارك تحتفظ باسم (مصلحة الجمارك) والهيكل التنظيمي بها حتي 1972م حيث إنقسمت إلي مصلحتين مصلحة الجمارك وأخري لرسوم الإنتاج لكل مديرها وميزاتها وتخضع المصلحتين في النهاية لمدير عام الجمارك ورسوم الإنتاج.
في عام 1974م عادت رسوم الإنتاج إلي وضعها الأول كجزء من مصلحة الجمارك ولكنها إحتفظت بالاسم (مصلحة الجمارك ورسوم الإنتاج) ولكن تم فصل قسم السكر من الجمارك وأنشئت بموجب ذلك شركة تجارة وتوزيع السكر. وضم ضابط الجمارك العاملين بهذا القسم إلي الشركة الوليدة.
ظلت الجمارك تتحول بين مصلحة مدنية وقوات نظامية، فقد تحولت بموجب قانون 1404هـ إلي قوة نظامية، وقبل أن يتم تحويل القوة العاملة إلي نطاميين تم إلغاء التحويل وعادت مصلحة مدنية مرة أخري حتي عام 1991م عندما صدر القرار 1137 الذي نص بتحويل الجمارك إلي قوة شرطة مكافحة التهريب.
أهداف الجمارك
تقوم هيئة الجمارك بتحقيق أربعة أهداف رئيسية في الإطار العام لتنفيذ سياسات الدولة، هي:
- الهدف المالى: ويتجسد في السياسة الجمركية المتعلقة بفرض وتقدير وتحصيل الضرائب الجمركية على الصادرات والواردات والإنتاج الصناعى الوطنى وتغذية الخزينة العامة للدولة بالإيرادات المتحصلة.
- الهدف الإقتصادى: يتمثل في تطبيق السياسة الاقتصادية للدولة فيما يتعلق بالتجارة والصناعة والإستثمار والسياسات النقدية بغرض تنظيم حركة الصادرات والواردات.
- الهدف الإجتماعى: ويتجسد هذا الهدف في حماية الأمن الإجتماعى بمنع دخول السلع المحظورة والمقيدة وحماية اللأخلاق العامة والمعتقدات الدينية.
- الهدف السياسى: ويتمثل في تمثيل سيادة الدولة من خلال الرقابة على حركة السلع والأشخاص عبر المخارج والمداخل الجوية والبحرية والبرية.
مراجع
- موسوعة السودان الرقمية
- "الموقع الرسمي للجمارك السودانية". مؤرشف من الأصل في 13 يوليو 201928 يناير 2020.