وقعت الحرب البولندية الروسية عام 1792 (أيضًا، حرب التقسيم الثاني، وفي المصادر البولندية، كانت الحرب دفاعًا عن الدستور (بالبولندية: wojna w obronie Konstytucji 3 maja)) بين البولندي الليتواني من جهة، وكونفدرالية تارغوويكا (يعارض النبلاء المحافظون في الكومنولث الدستور الجديد الصادر في 3 مايو 1791) والإمبراطورية الروسية تحت قيادة الإمبراطورة كاترين العظيمة من جهة أخرى.[1][2]
وقعت الحرب في ساحتين: الشمالية في ليتوانيا والجنوبية في أوكرانيا. في كليهما، تراجعت القوّات البولندية أمام القوّات الروسية المتفوّقة عدديًا، على الرغم من أنها أظهرت مقاومًة أكبر بكثير في الجنوب، وذلك بفضل القيادة الناجحة للقادة البولنديين، مثل الأمير يوزف أنتوني بونياتوفسكي وتاديوش كوسيوسكو. خلال الصراع الذي استمر ثلاثة أشهر، جرى خوض عدّة معارك، لكن لم يحرز أيٌّ من طرفي الصراع نصرًا حاسمًا. كان أكبر نجاح للقوات البولندية هو هزيمة أحد التشكيلات الروسية في معركة زيلينسو في 18 يونيو. في أعقاب تلك المعركة، تأسّست أرفع جائزة عسكرية بولندية، وسام الفضيلة العسكرية (Virtuti Militari). انتهت الحرب عندما قرّر الملك البولندي ستانيسواف أغسطس بونياتوفسكي البحث عن حلٍّ دبلوماسي، وطلب وقف إطلاق النار مع الروس وانضمّ إلى كونفدرالية تارغوويكا، كما طلبت الإمبراطورية الروسية.[3][4]
خلفية
أفول الكومنولث
بحلول أوائل القرن الثامن عشر، سيطر قطبا بولندا وليتوانيا على الدولة –أو بالأحرى، تمكنا من ضمان عدم إجراء أي إصلاحات قد تُضعف من امتيازات مكانتهما («الحريات الذهبية»).[5] من خلال إساءة استخدام حق النقض (الفيتو) الذي يمكّن أي نائب من شلّ إجراءات مجلس النواب البولندي (سيم Sjem)، فإن النواب الذين تلقّوا الرشوة من أقطاب أو قوى أجنبية، أو أولئك الذين يكتفون ببساطة بالاعتقاد بأنهم يعيشون في «عصر ذهبي» غير مسبوق، قد أصاب حكومة الكومنولث بالشلل. لأكثر من قرن.[6][7]
لاقت فكرة إصلاح الكومنولث صدى منذ منتصف القرن السابع عشر؛ ومع ذلك، كان يُنظر إليها بعين الشك ليس فقط من قبل أقطابها، بل من قبل البلدان المجاورة أيضًا. كانت البلدان المجاورة راضيةً عن فساد الكومنولث واستنكرت فكرة وجود قوّة ديمقراطية تزدهر على حدودها. مع انخفاض تعداد جيش الكومنولث إلى حوالي 16 ألف جندي، كان من السهل على جيرانه التدخل مباشرة (بلغ تعداد الجيش الإمبراطوري الروسي 300 ألف جندي بشكل عام؛ أما لجيش البروسي والجيش الإمبراطوري للإمبراطورية الرومانية المقدّسة، فقد وصل تعداد جيشهما 200 ألف لكلٍ منهما).[8][9][10]
محاولات الإصلاح
سنحت فرصة كبيرة للإصلاح من خلال «البرلمان الكبير» في الفترة التي تراوحت بين عام 1788 و1792. كان جيران بولندا منشغلين بالحروب وغير قادرين على التدخل عسكريًا في الشؤون البولندية. في الوقت الذي شاركت فيه الإمبراطورية الروسية والأرشدوقية النمساوية في الأعمال العدائية ضد الإمبراطورية العثمانية (الحرب الروسية التركية، 1787-1792 والحرب النمساوية التركية، 1787-1791)؛ وجد الروس أنفسهم منغمسين في القتال ضمن الحرب الروسية السويدية (1788-1790) أيضًا. بدا أن التحالف الجديد بين الكومنولث البولندي الليتواني وبروسيا سيوفّر الأمن إزاء التدخل الروسي، وفي 3 مايو 1791 أُقرّ الدستور الجديد وحصل على الدعم الشعبي الساحق.[11][12][13][14]
مع انتهاء الحروب بين تركيا وروسيا، والسويد وروسيا؛ كانت الإمبراطورة كاترين غاضبة من اعتماد الوثيقة، التي تعتقد أنها تهدد النفوذ الروسي في بولندا. لقد اعتبرت روسيا بولندا محمية فعلية. «إن أسوأ الأخبار المحتملة قد أتت من وارسو: لقد أصبح الملك البولندي يتمتّع بالسيادة تقريبًا»، كان ذلك ردّ فعل أحد كبار مؤلّفي السياسة الخارجية في روسيا، ألكسندر بيزبورودكو، عندما اطلع على الدستور الجديد. كما عارضت مملكة بروسيا بشدّة الدستور البولندي الجديد، وتلقّى الدبلوماسيون البولنديون ملاحظةً بأن الدستور الجديد غيّر الدولة البولندية لدرجة أن بروسيا لم تعتبر التزاماتها مُلزمة. تمامًا مثل روسيا، كانت بروسيا قلقةً من أن الدولة البولندية المعزّزة حديثًا يمكن أن تصبح تهديدًا، وأبلغ وزير الخارجية البروسي فريدريش فيلهلم فون شولينبرغ كينيرت، بوضوح وصراحة نادرين البولنديين أن بروسيا لا تؤيّد الدستور ورفضت مساعدة الكومنولث في أي شكلٍ من الأشكال، حتى كوسيط، لأنه لم يكن من مصلحة بروسيا رؤية الكومنولث يتعزّز إلى أن يصبح باستطاعته تهديد بروسيا في المستقبل. عبّر رجل الدولة البروسي إفالد فون هيرتزبرغ عن مخاوف المحافظين الأوروبيين: «أطلق البولنديون على الملكية البروسية رصاصة الرحمة بتصويتهم على الدستور»، موضّحًا أن حكم الكومنولث القوي سيطالب على الأرجح بإعادة الأراضي التي حصلت عليها بروسيا خلال تقاسم بولندا الأول.[15][16][17][18][19][20] التي لم يُعتمد الدستور دون مواجهة معارضة في الكومنولث ذاته أيضًا. طلبت الشخصيات الكبيرة التي عارضت مسودة الدستور منذ البداية، وهم فرانسيسك كسويري برانيكي، وستانيساو شتشيني بوتوكي، وسويرين رزيوسكي، وسزيمون ويوزف كوساكوفسكي، من كاترين العظيمة التدخل واستعادة امتيازاتهم مثل قانون الكاردينال الروسي المكفول الذي أُبطل بموجب النظام الأساسي الجديد. تحقيقًا لهذه الغاية شكّلت تلك الشخصيات تارغوويكا الكونفدرالية. انتقد إعلان الكونفدالية، الذي جرى الإعداد له في سان بطرسبرغ في يناير 1792، الدستور لإسهامه، على حدّ تعبيرهم، في «انتقال عدوى الأفكار الديمقراطية» في أعقاب «الأمثلة المميتة التي وُضعت في باريس». أكّد أن «البرلمان ... قد خرق جميع القوانين الأساسية، وجرف كل حريات النبلاء، وفي الثالث من مايو عام 1791 تحوّل إلى ثورةٍ ومؤامرة». أعلن الكونفدراليون نيّتهم في التغلّب على هذه الثورة. وكتبوا: «لا يمكننا فعل شيء سوى اللجوء بكل ثقة إلى الإمبراطورة كاترين، الإمبراطورة المرموقة والنزيهة، وصديقتنا المجاورة وحليفتنا»، التي «تحترم حاجة الأمة إلى الرفاهية وتقدّم دائمًا يد العون». تماشى الكونفدراليون مع الإمبراطورة كاترين وطلبوا منها التدخل العسكري. في 18 مايو 1792، سلّم السفير الروسي في بولندا، ياكوف بولغاكوف، إعلان الحرب إلى وزير الخارجية البولندي يواكيم تشريبتوفيتش. دخلت الجيوش الروسية بولندا وليتوانيا في نفس اليوم، وبدأت الحرب.[21][22][23][24][25][26]
مراجع
- Wojciech Mikuła (1995). Zieleńce Dubienka: z dziejów wojny w obronie Konstytucji 3 maja [Zieleńce Dubienka: From the History of the War in Defense of the 3 May Constitution] (in Polish). Ajaks. . Retrieved 25 October 2012. نسخة محفوظة 25 أبريل 2016 على موقع واي باك مشين.
- Norman Davies (1982). God's Playground, a History of Poland: The origins to 1795. Columbia University Press. p. 535. . Retrieved 26 April 2012. نسخة محفوظة 8 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- Jerzy Łojek (1986). Geneza i obalenie Konstytucji 3 maja [Genesis and Fall of the 3 May Constitution] (in Polish). Wydawn. Lubelskie. pp. 304–306. . Retrieved 17 December 2011. نسخة محفوظة 4 ديسمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
- Jerzy Skowronek (1986). Książę Józef Poniatowski [Prince Józef Poniatowski] (in Polish). Wrocław: Ossolineum. pp. 58, 60. .
- Norman Davies (30 March 2005). . Columbia University Press. p. 274. . Retrieved 13 August 2011.
- Francis Ludwig Carsten (1 January 1961). The new Cambridge modern history: The ascendancy of France, 1648–88. Cambridge University Press. pp. 561–562. . Retrieved 11 June 2011.
- Jacek Jędruch (1998). Constitutions, elections, and legislatures of Poland, 1493–1977: a guide to their history. EJJ Books. p. 156. . Retrieved 13 August 2011. نسخة محفوظة 10 أغسطس 2019 على موقع واي باك مشين.
- Józef Andrzej Gierowski (1986). Historia Polski, 1764–1864 [History of Poland, 1764–1864] (in Polish). Warszawa: Państwowe Wydawnictwo Naukowe. pp. 60–63. . Retrieved 18 June 2012.
- John P. LeDonne (1997). The Russian empire and the world, 1700–1917: the geopolitics of expansion and containment. Oxford University Press. pp. 41–42. . Retrieved 5 July 2011.
- Krzysztof Bauer (1991). Uchwalenie i obrona Konstytucji 3 Maja [Passing and defense of the Constitution of 3 May] (in Polish). Wydawnictwa Szkolne i Pedagogiczne. p. 9. . Retrieved 2 January 2012. نسخة محفوظة 19 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- George Sanford (2002). Democratic government in Poland: constitutional politics since 1989. Palgrave Macmillan. pp. 11–12. . Retrieved 5 July 2011. نسخة محفوظة 9 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- Piotr Stefan Wandycz (2001). The price of freedom: a history of East Central Europe from the Middle Ages to the present. Psychology Press. p. 128. . Retrieved 5 July 2011. نسخة محفوظة 8 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- Jacek Jędruch (1998). Constitutions, elections, and legislatures of Poland, 1493–1977: a guide to their history. EJJ Books. pp. 172–173. . Retrieved 13 August 2011. نسخة محفوظة 10 أغسطس 2019 على موقع واي باك مشين.
- Jacek Jędruch (1998). Constitutions, elections, and legislatures of Poland, 1493–1977: a guide to their history. EJJ Books. pp. 184–185. . Retrieved 13 August 2011. نسخة محفوظة 10 أغسطس 2019 على موقع واي باك مشين.
- Jerzy Lukowski (3 August 2010). Disorderly liberty: the political culture of the Polish-Lithuanian Commonwealth in the eighteenth century. Continuum International Publishing Group. p. 226. . Retrieved 23 September 2011. نسخة محفوظة 8 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- باول دبليو. شرودر (1996). The transformation of European politics, 1763–1848. Oxford University Press. p. 84. . Retrieved 5 July 2011. نسخة محفوظة 17 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
- Robert Bideleux; Ian Jeffries (28 January 1998). A history of eastern Europe: crisis and change. Psychology Press. p. 160. . Retrieved 11 September 2011. نسخة محفوظة 9 أبريل 2015 على موقع واي باك مشين.
- Jerzy Lukowski; Hubert Zawadzki (2001). A concise history of Poland. Cambridge University Press. p. 84. . Retrieved 5 July 2011. نسخة محفوظة 8 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- Krzysztof Bauer (1991). Uchwalenie i obrona Konstytucji 3 Maja [Passing and Fall of the 3 May Constitution] (in Polish). Wydawnictwa Szkolne i Pedagogiczne. p. 16. . Retrieved 2 January 2012. نسخة محفوظة 19 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- Jerzy Łojek (1986). Geneza i obalenie Konstytucji 3 maja [Genesis and Fall of the 3 May Constitution] (in Polish). Wydawn. Lubelskie. pp. 325–326. . Retrieved 17 December 2011. نسخة محفوظة 4 ديسمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
- Hon. Carl L. Bucki (3 May 1996). "Constitution Day: May 3, 1791". Polish Academic Information Center. Archived from the original on 5 December 2008. Retrieved 21 September 2008. نسخة محفوظة 8 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- Robert Howard Lord (1915). The second partition of Poland: a study in diplomatic history. Harvard University Press. p. 275. مركز المكتبة الرقمية على الإنترنت 579571081. Retrieved 22 September 2011.
- Michal Kopeček (2006). Discourses of collective identity in Central and Southeast Europe (1770–1945): texts and commentaries. Central European University Press. صفحات 282–284. . مؤرشف من الأصل في 8 يناير 202022 سبتمبر 2011.
- Michal Kopeček (2006). Discourses of collective identity in Central and Southeast Europe (1770–1945): texts and commentaries. Central European University Press. صفحات 284–285. . مؤرشف من الأصل في 28 يناير 202022 سبتمبر 2011.
- Alex Storozynski (January 2011). Kościuszko Książe chłopów [Kosciuszko Prince of Peasants] (in Polish). W.A.B. p. 223. . Retrieved 2 January 2013. نسخة محفوظة 29 أبريل 2016 على موقع واي باك مشين.
- Jadwiga Nadzieja (1988). Od Jakobina do księcia namiestnika [From Jacobin to Prince Namestnik] (in Polish). Wydawnictwo "Śląsk". pp. 38–39. .