يتميز المغرب بتنوع كبير في موارده البحرية الحية، بفضل امتداده على طول 3500 كلم من السواحل، حيث يتوفر على ما يقرب من 500 نوعا منها 60 نوعا في طور الاستغلال.[1] التي تتركز بشكل أساسي في وسط وجنوب المحيط الأطلسي، وتشكل الأسماك السطحية الصغيرة أساس هذه الموارد. وتساهم صناعة صيد الأسماك في اقتصاد المغرب، كما تساهم في توفير آلاف مناصب الشغل.
وحسب احصاءات منظمة الأغذية والزراعة سنة 2014 فإن المغرب حلّ المرتبة 18 عالمياً والأول عربيا بإنتاجه 4 % أي مليون طن من الأسماك.[2] ويسعى المغرب إلى الرفع من مستوى الاستهلاك المحلي للأسماك، وذلك عبر تحسين الجودة، ورفع العرض وضمان فعالية شبكات التوزيع بكافة أنحاء البلاد.
تاريخ
ثراء السواحل المغربية بالموارد البحرية الحية كان معروفاً منذ القدم، فقد خلدت رسومات الأحجار ولوحات الفسيفساء الباقية إلى حد الآن اهتمام الشعوب التي استوطنت المغرب بالثروة السمكية[3] وعلى الرغم من أن دراسة تاريخ الصيد البحري بالمغرب ظل ولمدة طويل بعيداً عن انشغال المؤرخين،[4][5][6] إلا أنه منذ القرن الخامس عشر والمصائد البحرية المغربية محط أنظار إسبانيا والبرتغال، وسعت هاتان القوتين البحريتين من أجل تمكين أساطيل صيدها من احتكار استغلال الموارد السمكية للسواحل المغربية، ترتب عن ذلك من تقويض نشاط الصيد والحياة الاقتصادية لمجموعة من موانئ بلاد المغرب الأقصى. ولعب عامل السيطرة على الموارد السمكية إلى اقتطاع أجزاء من سواحل المغرب، بل وأحياناً كان هو العامل الأساسي لاحتلال بعض الموانئ المغربية، أو لإنشاء مراكز على طول الساحل المغربي واستغلالها فيما بعد كقاعدة لبسط سيطرتها نحو الداخل.[7]
العصور الوسطى
وعلى الرغم من انكار المستشرقين والباحثين الاستعماريين وجود أي حياة بحرية في التاريخ المغربي، بل اعتبر أحدهم، وهو لويس برينو أن الحضارة البحرية المغربية ما هي: «إلا حادث عابر من صنع الأجانب». فإن المصادر المغربية تنفي هذا الادعاء، فقد أورد الرحالة الشريف الإدريسي في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، تفاصيل عن ما كانت تعرفه بعض الموانئ المغربية من نشاط صيد، وذكر خبرة وحنكة الصيادين المغاربة باستغلال هذه الموارد وتصنيعها وتسويقها.[8][9] وهو ما أكده الجغرافي الحسن الوزان في كتابه "وصف أفريقيا"، حيث ذكر اعتماد بعض المدن المغربية في اقتصادها على الصيد، كما هو حال مدينة ترغة التاريخية، التي مارس سكانها الصيد، «وكانوا يملحون ما يصطادونه من سمك ويبيعونه لتجار الجبل، ويحمل إلى مسافة تناهز مائة وعشرين ميلاً في داخل البلاد».[10] كما ذكر المرؤخين مدينة بادس التي اعتمدت على الصيد، ومليلية التي اشتهرت قديماً باصطياد صدف اللؤلؤ. كما عرفت مصبات الأنهار صناعة سمكية مهمة كما هو حال مدينة سلا في مصب وادي أبي رقراق وميناء أزمور الذي يقع على مصب نهر أم الربيع، الذي اختص بصيد الشابل والمتاجرة به مع البرتغاليين.
قرصنة وغزو موانئ المغرب
بسبب هذه الثروة السمكية والنشاط البحري جعلت هذه الموانئ مستهدفة بل ومهجورة بسبب القراصنة الإسبان والبرتغاليين.[11] تطور الوضع من قرصنة إلى غزو واحتلال، فتم احتلال مدن سبتة وترغة وآسفي وأزمور، حيث تمكن البحارة البرتغاليين الذين كانوا يؤدون رسوم الصيد من إقناع ملك البرتغال من احتلال بعض الموانئ، كما هو شأن أزمور. هذا الغزو الإيبيري أدى إلى القضاء على هذه الحياة البحرية النشطة.
فتم اكتشاف أسراب السمك الموجودة في المجالات البحرية المغربية الجنوبية على يد البرتغاليين.[12] وسنة 1444م توجه البحارة المنتمين إلى مناطق الغرب ولاغوس البرتغالية، للصيد في سواحل رأس بوجدور ورأس غير ووادي الذهب. فوصف هؤلاء البحارة والرحالة أنواع السمك بالمنقطة بالجميلة والرفيعة وشبهوا بعض منها بالأنواع التي تصطاد في البندقية، ومنهم من اعتبر المصايد الواقعة بينأزمور حتى ماسة المناطق الأكثر ثراء بالصيد الكبير.[13] فعمد البرتغاليون إلى إنشاء عدة مستعمرات دافعها الأساسي هو استغلال الموارد البحرية، كما حدث مع مدينة سبتة والقصر الكبير وأصيلة وطنجة وآسفي ومازغان وموغادور ، وسانتا كروز دي اغوير وأزمور. ويذكر مارمول كاربخال كيف أن وفرة سمك الشابل والتون بأزمور وتهاتف التجار الأوربيين على مينائها، عجل البرتغاليين الاستيلاء عليها.[14] هذا النشاط البرتغالي، وبسبب اعتماد موائد الإسبان على السمك، قامت إسبانيا بانشاء برج بمصب وادي الشبيكة سنة 1476.[15] وبفضل مستعمراتهم استحوذ الصيادين البرتغاليين على المصائد المغربية، وتذكر المصادر المبرتغالية ابرام اتفاقية سنة 1537 مع بعض الحكام المغاربة لتمكين البرتغاليين والإسبان من الصيد بأمان بين رأس سيم ونهر درعة. وتظهر المكانة البارزة لصيد السمك في السياسة الاستعمارية لكل من إسبان والبرتغال من خلال الاتفاقيات العديدة التي ابرمت بينمها، منهاتفاقية طورديسياس، التي تنازلت فيها البرتغال عن مليلية مقابل تخلي إسبانيا عن حق الصيد في منطقة بين رأس بوجدور ووادي الذهب.[16]
استرجاع الموانئ
قام المغاربة بالتصدي لهذا المستعمرات، مما أسفر عن طرد الإسبان من حصن إفني سنة 1527. كما قام المغاربة بالهجوم على أكادير وأجبروا البرتغاليين على التخلي عنه سنة 1541. وبعد سلسلة من الهزائم فقد البرتغاليون كل مستعمراتهم على الساحل المغربي، جعل مصالح الصيد الإسبانية في المنطقة تتقوى بشكل كبير، حيث انتشرالعديد من الصيادين القشتاليين والكناريين والباسكيين في سواحل المغرب. وأصبح مع مرور الوقت في يد صيادي جزر الخالدات، فأصبح أسطول صيد الكناريين يتردد على سواحل رأس بوجدور والرأس الأبيض ثمان إلى تسع مرات في السنة، شجعه على ذلك وفرة السمك والرياح المعتدلة والمنتظمة وكان يقوم باصطياد عدة أنواع من الغادسيات وأنواع أخرى من تحضر عن طريق عملية التمليح والتجفيف. هذا النشاط الكثيف أدى لتحرك المغاربة والقيام بالهجوم على مراكب الكناريين لإبعادهم، فضعفت صناعة الصيد بشكل كبير.
انفراد الإسبان بالمصائد المغربية
استطاع الإسبان انفرادهم بالصيد في المياه المغربية بعد توقيعهم لاتفاقيات سنوات 1767 و1799 و1860 و1861 مع المغرب، التي يحصلون بمقتضاها على حقوق امتيازية حيث يتنازل فيها المغرب لإسبانيا بالخصوص عن حق الصيد في المياه البحرية المغربية. وَقَّعَ المغرب على أغلب هذه المعاهدات تحت الضغط والإجبار.[17] ويعتبر تنازلاً مهماً من قبل المغرب، على رغم كونها مجرد اتفاقيات تجارية. وفي سنة 1881 طلبت شركة المصايد الكانارية الأفريقية (بالإسبانية: Sociedad de Pesquerías Canario-Africanas) على الإذن بالاستقرار في مدينة الداخلة،[18] وحصلت عليه فعلا، وتبعتها بعد ذلك شركات أخرى للاستقرار على طول الساحل الصحراوي.
القرن العشرين
يعتبر بنسالم الصميلي أول من يشغل منصب وزير الصيد البحري بعد إنشاء الوزارة سنة 1981.[19]
الأصناف
التقاء التيارات الباردة بالدافئة يسمح بنمو العوالق وتجمع الأسماك، مما يجعل الثروة البيولوجية في المياه المغربية تتكون من الأنواع التي تصطاد بالشبكات الجيبية والأنواع التي لا يتم صيدها بهذه الطريقة. وهذه الأنواع تعيش في السطح أو بين النهر والبحر، كالأسماك المهاجرة التي تشكل النوع الصغير مثل السردين والإسقمري والأنشوبة إضافة إلى الأسماك الكبيرة التي تشكل مخزون سمك التونة.[20] إن الأسماك المحيطية الصغيرة تمثل المخزون الرئيسي الممكن للمغرب، مادام يساهم بنسبة 80 في المائة من المنتوج الوطني ويضمن تزويد وحدات التحويل (التصبير) إضافة إلى تموين سوق الاستهلاك الداخلي المغربي.
الصيد
المصايد
إضافة إلى منطقة الصيد المتوسطية، هناك أربعة أنواع من مصايد أسماك المحيط الصغيرة تم إقامتها بالمحيط:
- منطقة الصيد بالشمال (شمال آسفي).
- منطقة المخزون أ (آسفي، سيدي إفني)
- منطقة المخزون ب (رأس درعة العيون)
- منطقة المخزون ج (رأس بوجدور لكويرة)
الأسطول
تعزز النشاط البحري للمغاربة نتيجة اتصالهم بالشعوب البحرية عقب الفتح الإسلامي للمغرب. إذ وجد المغاربة أنفسهم ملزمين بتشكيل أسطول عسكري للدفاع ضد الغزو الأجنبي، وأسطول تجاري لتأمين التبادل التجاري، وأسطول صيد يمكنهم من تلبية حاجاتهم الغذائية.
كما للمغرب أسطول صيد ساحلي يتكون من مراكب صغيرة يكتفي في الصيد بالمياه الإقليمية لضعف تجهيزاته، حوالي 75% من إنتاجه السمكي يوجه نحو الاستهلاك الداخلي والصناعة التحويلية.
يمتلك المغرب أسطولا للصيد في أعالي البحار، مكون من سفن ضخمة وتجهيزات متطورة، وهذا الأسطول مرتبط بمينائي أكادير وطانطان، و90% من إنتاجه القاعي يوجه نحو التصدير. ورغم تراجع الإنتاج السمكي في أواسط الثمانينات، عرف مدخول الأسماك ارتفاعا بسبب ارتفاع أسعار السمك القاعي.
سنة 2002 كان أسطول قطاع الصيد البحري بالمغرب يتكون من حوالي 3000 باخرة صيد تعمل 80% منها في المناطق الساحلية والنسبة المتبقية في أعالي البحار.[21]
السوق
حسب أرقام سنة 2007، فإن قطاع الصيد البحري يساهم ب 2 % إلى 3 % في المائة من الناتج الوطني الخام بانتاج سمكي سنوي يقدر بمليون طن من الأسماك، تعادل قيمته المالية 6,3 مليار درهم. ورغم أن السمك السطحي، يتصدر حجم الإنتاج السمكي الوطني بحوالي 85%، إلا أن نسبة القيمة المالية الإجمالية للرخويات تبلغ 40% متبوعة بنسبة القيمة المالية لمفرغات السمك السطحي المقدرة ب 26%.
ويلعب قطاع الصيد البحري بالمنطقة الأطلسية الجنوبية للمغرب دورا اقتصاديا واجتماعية حيث تنعم تلك المنطقة بثروة سمكية مهمة تتشكل أساسا من أسماك السمك السطحي الصغير والإخطبوط والقشريات وتوفر حوالي 55 % من مجموع المصطادات السمكية الوطنية وتدر أزيد من 62 % من مداخيل قطاع الصيد البحري.
الاستهلاك المحلي
يتوفر المغرب حاليا على سبعة أسواق للجملة، و22 ميناء لصيد الأسماك، وقرى للصيد تم إنشاؤها حديثا على فضاءات محددة في 40 كيلومترا، تساهم هذه الأخيرة في معالجة مشكلة تشتت مجموعات الصيادين، وتوفر بنية تحتية مندمجة لاستقبال وتسويق المنتوجات البحرية من خلال توفرها على سوق منظم لبيع المنتوج بالقرب من نقط التفريغ.[22]
التصدير
بلغت صادرات المنتوجات البحرية في المغرب 535 ألف طن بقيمة تعادل 15,7 مليار درهم خلال سنة 2013.[23]
اتفاقيات دولية
وقع المغرب سنة 2011 اتفاقية مع الاتحاد الأروبي. تمكنت بموجبها مجموعة من الأساطيل الأروبية من الصيد بالسواحل المغربية مقابل مبلغ مالي سنوي. الشيء الذي أدى إلى انخفاض الصادرات السمكية المغربية إلى أروبا.
الموانئ الرئيسية
ظهرت منذ القرن الحادي عشر إلى القرن الخامس عشر الميلادي عدة موانئ صيد انتشرت على طول السواحل المغربية المتوسطية والأطلسية.
أهمها حاليا موانئ الدار البيضاء والصويرة وآسفي وأكادير وطانطان التي توفر نحو 79 في المائة من إجمالي كمية المنتوج السمكي و94.5 في المائة من أسطول بواخر الصيد بالأطلسي.[24]
تحديات
وصلات خارجية
- دليل تعريف الموارد البحرية الحية في المغرب (بالفرنسية).
مراجع
- الأصناف وزارة الفلاحة والصيد البحري، تاريخ الولوج 31 أكتوبر 2014 نسخة محفوظة 10 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
- المغرب الأول عربياً في صيد الأسماك الحياة (صحيفة)، تاريخ الولوج 2 نوفمبر 2014 نسخة محفوظة 19 أبريل 2018 على موقع واي باك مشين.
- A. Simoneau, «Le poisson, symbole du finistére atlasique», in Hesperis Tamuda, 1965, p. 53-79.
- Halima Ferhat, «Le Maroc et la mer: approche historique», in revue juridique politique et économique du Maroc, N° 6, 1980, p. 25;
- Abdelkader Timoule, «Le Maroc a travers les chroniques du Maroc», N° 6, 1980, p. 25
- Abdelkader Timoule, Le Maroc à travers les chroniques maritimes, Tome 1: de la préhistorique à 1912, ed. SONIR, Casablanca, 1988, p. 10.
- Jean Louis Miège, «Despêches traditionnelles à la pêche moderne», in Revue Maroc Europe, N° 9, 1996, p. 24.
- الشريف الإدريسي، وصف أفريقيا الشمالية الصحراوية، مأخوذ من كتاب "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" (نحو 548 ه/ 1154 م)، مكتبة معهد الدروس العليا الإسلامية بالجزائر،1957، صص. 107-108 عند حديثه عن مدينة سبتة.
- محمد بن القاسم الأنصاري، اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة من سني الآثار، تحقيق عبد الوهاب بن منصور، الرباط، 1983، ص. 51.
- الحسن بن محمد الوزان، وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، الرباط، 1980، ج 1، ص. 252.
- الحسن بن محمد الوزان، وصف أفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، الرباط، 1980، ج 1، ص. 254.
- Sabin Berthelot, De la pêche sur la cote occidentale d'Afrique et des établissements les plus utiles aux progrès de cette industrie, Paris, 1840, p. 24.
- Robert Ricard, «La cote atlantique du Maroc au début du 16° siècle d'après des institutions nautiques portugaises», in Hesperis, 1927, pp. 225-259.
- مارمول كاربخال، أفريقيا، ترجمة عن الفرنسية محمد حجي وآخرون، ج 2، صص. 87-88 و 89-97.
- محمد بن عزوز حكيم، السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية من خلال الوثائق المغربية، ج 1، ص. 11-12
- Sources inédites de l'histoire du Maroc, Première série, Portugal, T. 1, pp. 203-212.
- Ouazzani Chahidi, La pratique marocaine du droit des traités, L.G.D.J, 1982, p. 37
- Jean Louis Miège, Le Maroc et l'Europe, T. 3, p. 329
- وفاة أول وزير للصيد البحري في تاريخ المغرب - تصفح: نسخة محفوظة 3 نوفمبر 2014 على موقع واي باك مشين.
- المصايد وزارة الفلاحة والصيد البحري، تاريخ الولوج 31 أكتوبر 2014 نسخة محفوظة 01 نوفمبر 2014 على موقع واي باك مشين.
- إنتاج المغرب من الأسماك يحقق معدل نمو قياسيا وعائداته اقتربت من 850 مليون دولار أميركي الشرق الأوسط، تاريخ الولوج 2 نوفمبر 2014 نسخة محفوظة 02 نوفمبر 2014 على موقع واي باك مشين.
- قرى الصيادين بالمغرب.. بنيات نموذجية لتحسين ظروف الاشتغال بقطاع الصيد التقليدي وتكريس دوره في التنمية المحلية منارة، تاريخ الولوج 13 نوقمبر 2014 نسخة محفوظة 13 نوفمبر 2014 على موقع واي باك مشين.
- أخنوش: صادرات المنتوجات البحرية ارتفعت ب4% خلال الـ9 أشهر الأولى من 2014 المغرب الأزرق، تاريخ الولوج 13 نوفمبر 2014 نسخة محفوظة 14 أبريل 2016 على موقع واي باك مشين.
- إستراتيجية مغربية نشطة للنهوض بقطاع الصيد الحرفي المغرب الأزرق، 13 نوفمبر 2014 نسخة محفوظة 14 أبريل 2016 على موقع واي باك مشين.