الرئيسيةعريقبحث

الغزو الروماني لشبه الجزيرة الإيبيرية


☰ جدول المحتويات


الغزو الروماني لشبه الجزيرة الإيبيرية هو عمليةٌ استولت الجمهورية الرومانية من خلالها على أقاليم ضمن شبه الجزيرة الإيبيرية التي خضعت سابقًا لحكم قبائل السلتيأيبيرين الأصلية والإمبراطورية القرطاجية. شكلت شبه الجزيرة موطنًا لمجموعات إثنية متنوعة وعدد كبير من القبائل. تعرضت أقاليم قرطاجة للغزو في جنوب وشرق شبه الجزيرة عام 206 قبل الميلاد خلال الحرب البونيقية الثانية (218-201 قبل الميلاد). امتدت السيطرة الرومانية تدريجيًا على أغلب أراضي شبه الجزيرة الإيبيرية دون إلحاقها بالجمهورية الرومانية. اكتملت السيطرة بعد نهاية الجمهورية الرومانية عام 27 قبل الميلاد وقيام الإمبراطورية بقيادة أغسطس الإمبراطور الروماني الأول، والذي ألحق كامل شبه الجزيرة بالإمبراطورية الرومانية عام 19 قبل الميلاد.

بدأ غزو شبه الجزيرة باستحواذ الروم على أقاليم قرطاج في هسبانيا الجنوبية وعلى امتداد الساحل الشرقي نتيجة هزيمتهم القرطاجيين عام 206 قبل الميلاد، تلا ذلك مغادرة القوات القرطاجية شبه الجزيرة.

نجم عن هذا الانتصار تواجد روماني مستمرفي هذه الأقاليم جنوب وشرق هسبانيا. بعد أربع سنوات من انتهاء هذه الحرب، أي في عام 197 قبل الميلاد، أسس الرومان مقاطعتين. الأولى كانت هسبانيا سيتيريور (إسبانيا الأقرب) التي امتدت على أغلب الساحل الشرقي (منطقة تتوافق بنسبة كبيرة مع مجتمعات الحكم الذاتي الحديثة التي تشمل فالنسيا وكاتالونيا وجزءًا من منطقة أرغون) والثانية هسبانيا أوليتير (إسبانيا لأبعد مدى) في الجنوب، والتي تتوافق مع أندلُسيا الحديثة.

على مدى 170 سنةً تاليةً، وسعت الجمهورية الرومانية سيطرتها على هسبانيا، ولم يكن هذا نتيجة سياسة الغزو، بل عبر عملية تدريجية من إقرار السلام. عادت نشاطات الرومان في هسبانيا للظهور ثانيةً، إذ قمعوا تمردات القبائل الهسبانية بدلًا من السعي لإلحاق أقاليم جديدة بالجمهورية. نجم هذا عن تمردات عديدة قادتها القبائل المحلية.

كانت الأولوية إقرار السلام واستبقاء الأراضي وتوسيع السيطرة على القبائل المحلية. حول الرومان بعض المدن الأصلية الواقعة خارج المقاطعتين إلى مدن «ترفيد» وأسسوا بؤرًا استيطانية ومستعمرات رومانية (مستوطنات) لتوسيع سيطرتهم. كانت الترتيبات الإدارية مخصصةً لهذا الغرض.

مال الحكام المرسلون إلى هسبانيا إلى التصرف بشكل مستقل تمامًا عن مجلس الشيوخ بسبب المسافة الكبيرة التي تفصلهم عن روما. في الفترة الأخيرة من هذه الحقبة، حاول مجلس الشيوخ الروماني إحكام السيطرة على هسبانيا، وكان هذا بقصد الحد من الاضطهاد والسلب الذي مارسه بعض المسؤولين (الحكام) الرومانيين في شبه الجزيرة. خلال هذه الفترة، كان الغزو الروماني عملية ضم للقبائل المحلية إلى العالم الروماني ونظامه الاقتصادي بعد إقرار السلم.

تغير هذا بعد نهاية الجمهورية الرومانية وتأسيس حكم الأباطرة في روما. بعد انتصار الرومان في حروب كانتابريا شمال شبه الجزيرة (آخر تمرد ضد الرومان في هسبانيا)، فتح أغسطس شمال هسبانيا، مُلحقًا كامل شبه الجزيرة بالإمبراطورية الرومانية ومجريًا إعادة تنظيم إداري عام 19 قبل الميلاد.

توست مقاطعة هسبانيا أوليتير الرومانية بشكل كبير لتشمل الجزء الشرقي من هسبانيا الوسطى وهسبانيا الشمالية، وأُعيدت تسميتها هسبانيا تاراكونيس. انقسمت مقاطعة هسبانيا أوليتير إلى مقاطعتي هسبانيا بايتيكا (تشكل أغلبية الأندلس الحديثة) ولوسيتانيا، التي تغطي المناطق الممتدة من البرتغال الحالية حتى نهر دويرة (دوريوس) ومجتمع الحكم الذاتي الحالي إكستريمادورا وجزءًا صغيرًا من مقاطعة سلامنكا في إسبانيا الحالية.

الحرب البونيقية الثانية

إيبيريا القرطاجية

بين القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، أسس الفينيقيون (والقرطاجيون لاحقًا) علاقات تجارية في الأجزاء الجنوبية من شبه الجزيرة الإيبيرية وعلى امتداد جزء من الساحل الشرقي. صدرت مراكزهم التجارية على الساحل المعادن والموارد الأخرى المتاحة في إيبيريا واستوردوا المصنوعات من بلدان شرق المتوسط.

خلال القرن السابع قبل الميلاد، قام التجار اليونانيون في مدينة ماساليا (مارسيليا الفرنسية حاليًا) بالتجارة في جميع مراكز التجارة الساحلية في المنطقة دون الحفاظ على وجود دائم لهم، ثم أنشؤوا لاحقًا مدينتي إمبوريون (إمبيوريز) ورود (روساس) التجاريتين. شاركت القوارب الفينيقية في عمليات النقل التابعة لهذه التجارة اليونانية. نتج عن الاحتكاك مع اليونانيين والفينيقيين اقتباس بعض الشعوب الأصلية في شبه الجزيرة بعض النواحي من ثقافات شرق المتوسط.

بعد هزيمة قرطاج من قبل الروم في الحرب البونيقية الأولى (264-241 قبل الميلاد) وخسارة جزر صقلية وسردينيا وكورسيكا لصالح الرومان، فتح القائد القرطاجي حملقار برقا إسبانيا الجنوبية. أسست عائلته سلطةً قرطاجيةً على أغلب هسبانيا الجنوبية. اُستخدمت القوة أو نظام الترفيد (الجزية) أو التحالف أو الزواج من عائلات زعماء القبائل لإخضاع قبائل هسبانيا، الذي امتد لاحقًا ليشمل الجزء الأكبر من الساحل الشرقي في شبه الجزيرة. ستزود شبه الجزيرة لاحقًا قرطاجة بعدد من المجندين من المناطق الواقعة تحت حكم القرطاجيين، إضافةً إلى المرتزقة خاصةً القاذفين البلياريين والسلتيأيبيرون.

معاهدة إبرو

خلف حملقار زوجُ ابنته صدر بعل العادل عام 226 قبل الميلاد. خلص الرومان إلى معاهدة مع صدر بعل «شرط ألا يتجاوز أي من الطرفين ممتلكاته التي يحدها نهر إبرو، بينما يبقى سكان ساغونتو الواقعة بين الإمبراطوريتين مستقلين».[1]

تخوفت المدن الواقعة في الجزء الشمالي من الساحل الشرقي من التمدد القرطاجي الإضافي وتحالفوا مع الرومان لينالوا حمايتهم. قاد هذا إلى جعل نهر إبرو حدًا لمناطق نفوذ القرطاجيين والرومان في هسبانيا الشرقية. تحالفت مدينة ساغونتوم (ساغونتو حاليًا، مُرْبَاطَرُ سابقًا) أيضًا مع الرومان. تقع ساغونتو في منتصف الطريق الواصل بين إبرو وقرطاجة الجديدة، (باللاتينية كارتاجو نوفا Cartago Nova، حاليًا كارتاخينا). كانت قرطاجة الجديدة مركزًا أوجده صدر بعل العادل. في ذلك الوقت، امتدت أقاليم القرطاجيين حتى جنوب ساغونتوم. قام حنا بعل، ابن حملقار وخليفة صدر بعل، بتوسيع الأقاليم القرطاجية شمالًا نحو ضفاف نهر إبرو. نتيجةً لذلك، وجدت مدينة ساغونتوم نفسها محاطةً بالأراضي القرطاجية.[2]

قضية مدينة ساغونتوم

اندلعت الحرب البونيقية الثانية بين القرطاج والروم بهجوم شنه حنا بعل على ساغونتوم. وجد حنا بعل ذريعةً لشن حرب على ساغونتوم نتيجة خلاف حصل بين المدينة والشعب التوردولي Turduli المحيط بها (شعب قديم عاش في المناطق الجنوبية من شبه جزيرة إيبيريا). أرسلت المدينة مبعوثين إلى روما لطلب المساعدة. قرر مجلس الشيوخ الروماني إرسال مندوبين إلى هسبانيا لاستقصاء الوضع هناك، وتحذير حنا بعل إذا ما دعت الحاجة من التدخل في قضايا ساغونتوم، ثم المتابعة إلى قرطاج لعرض شكاوى مدينة ساغونتوم على المجلس القرطاجي، لكن حنا بعل كان قد بدأ حصار ساغونتوم قبل مغادرتهم. أصر مجلس الشيوخ على إرسال المندوبين إلى حنا بعل، وفي حال رفضه وقف العدوان، وجب عليهم وفق معادة إبرو الذهاب إلى قرطاج وطلب استسلامه تعويضًا عن خرق المعاهدة.[3]

ردت تحصينات ساغونتوم القوية ومقاومتها الصلبة هجوم حنا بعل. أُصيب حنا بعل بشكل خطير عند اقترابه من جدران المدينة. عندما وصل المبعوثون الرومان إلى المرفأ، قال حنا بعل إن قدومهم إلى المدينة سيشكل خطرًا عليهم وإنه مشغول جدًا لرؤيتهم. ولأنه أدرك أنه إذا لم يستطيعوا رؤيته سيذهبون إلى قرطاج، أرسل رسالةً إلى داعميه في قرطاج يخبرهم أن يمنعوا معارضيه من تقديم أي تنازلات لروما. لم تحقق بعثة المندوبين إلى قرطاج أي نتيجة. أجاب المجلس القرطاجي أن الحرب بدأها أهل ساغونتوم وليس حنا بعل، وأن روما ستحيد عن العدل إذا أخذت جانب الساغونتيين.[4]

المراجع

  1. Livy, The History of Rome, 21.2.7
  2. Livy, The History of Rome, 21.5
  3. Livy, The History of Rome, p. 21.6
  4. Livy, The History of Rome, 21.7.1. 5–9; 8; 9

موسوعات ذات صلة :