اللاسلطوية في الصين (بالانجليزية: Anarchism in China) قوة فكرية قوية داعية للإصلاح والحركات الثورية في أوائل القرن العشرين. في السنوات السابقة وبعد ثورة شينهاي ضد سلالة تشينغ الحاكمة، أصَّر أنصار الأناركية الصينيون على أن الثورة الحقيقية لا يمكن أن تكون سياسية، أو أن تحل محل حكومة أخرى، بل ينبغي أن تُطيح بالثقافة التقليدية بهدف خلق ممارسات اجتماعية جديدة، وخاصة بين أفراد الأسرة. وقد تُرجم مصطلح «الأناركية» إلى اللغة الصينية باعتباره «العقيدة اللاحكومية».
سعى الطلاب الصينيون في كل من اليابان وفرنسا بكل حماس إلى التمسك بمبادئ الأناركية لفهم بلادهم أولًا ثم محاولة تغييرها. اعتمدت هذه المجموعات الطلابية على نشر التعليم لخلق ثقافة لا يحتاج فيها الفرد إلى حكومة قوية، وذلك لأن الرجال والنساء كانوا إنسانيون في علاقاتهم في الأسرة وفي المجتمع على حد سواء. نشرت مجموعات في باريس وطوكيو صُحف وكتب مُترجمة والتي تم تداولها بكثرة في الصين، كما نظمت مجموعة باريس برامج دراسية مختلفة لجلب الطلاب إلى فرنسا. كانت الحركة العدمية في روسيا والشيوعية الأناركية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين من أهم العوامل المؤثرة في روسيا. ولقد روَّجت جماعات مثل فيلق الاغتيال الصيني استخدام الاغتيال السياسي كأداة لهم، أشبه بتلك التي شنَّتها جماعات روسية مناهضة لقيصر روسيا (تسار) في هجماتهم الإرهابية الانتحارية. ولكن بحلول عشرينيات القرن العشرين، قدم الحزب القومي الصيني (الكومينتاغ) والحزب الشيوعي الصيني قوة تنظيمية وانقلابًا سياسيًا استنزف الدعم من أنصار الأناركية.
حركات الطلبة الصينيون
ظهرت الأناركية الصينية في كل من فرنسا واليابان لأول مرة عندما ذهب أبناء العائلات الثرية خارج البلاد للدراسة بعد ثورة الملاكمين. بحلول عام 1906، أرسلت البرامج الوطنية والإقليمية ما بين خمس وسبعمائة طالب إلى أوروبا وحوالي عشرة آلاف طالب إلى اليابان. كانت اليابان، وخاصة طوكيو، المَقصد الأكثر شعبية بسبب قربها الجغرافي من الصين، وتكلفة معيشتها المعقولة نسبيًا، إلى جانب بعض التقاليد المشتركة بين الثقافتين. جعل استخدام اللغة اليابانية للأحرف الصينية من السهل على أولئك الطلاب مواصلة تعليمهم. أما في أوروبا، تمتعت مدينة باريس بشعبية خاصة إذ كانت الحياة فيها رخيصة نسبيًا، وكانت الحكومة الفرنسية تدعم الطلاب بشكل قوي، بالإضافة إلى اعتبار فرنسا مركزًا للحضارة الغربية آنذاك.[1]
وربما أراد المسؤولون الحكوميون الصينيون من هذا كله أيضًا إخراج الطلاب المتطرفين من البلاد. إذ توجّه الطلاب الأكثر تطرفًا إلى أوروبا بينما توجّه الأكثر اعتدالًا منهم إلى اليابان. تعمَّدت هذه السياسة في إرسال الطلاب بأن توضح الفروقات بينهم بشكل ملحوظ، إذ أن هؤلاء الطلاب الذين يتلقون تعليمهم في البلاد الأجنبية سوف يستخدمون أساليب وإيديولوجيات المجتمع الغربي فيما بينها الاشتراكية والأناركية لتحويل المجتمع الصيني بالكامل بما يلائم مبادئهم الجديدة. في كل من فرنسا واليابان، سرعان ما أصبحت حركة الأناركية الأكثر هيمنة من الأيديولوجيات الغربية التي تبناها الطلاب. في عام 1906، وفي غضون بضعة أشهر، تشكلت مجموعتان من الطلاب الأناركيين، واحدة في طوكيو والأخرى في باريس، ما أدَّى إلى نشوء نوعين مختلفين من الأناركية.
مجموعة باريس
نُظمت ما يُسمى «مجموعة باريس» من قِبَل تشانغ رينجي (المعروف أيضًا باسم تشانغ جينتشانغ) ولي شيزينغ، اللذان وصلا إلى باريس عام 1902 كمبعوثين عن السفارة الصينية. وسرعان ما انضم إليهما وو تشي هوى، وهو أكبر سنًا وأكثر وعيًا على المستوى الفكري وهو ناقد راديكالي لحكومة تشينغ. قدَّم وو هذه المجموعة لصديقه كاي يوانبي الذي أصبح قائدًا لحركة الثقافة الجديدة. في عام 1906، أسَّس تشانغ ولي ووو أول منظمة أناركية صينية، وهي الجمعية العالمية، التي تُترجم أحيانًا إلى المجتمع العالمي الجديد. في عام 1908، نشرت الجمعية العالمية مجلة أسبوعية تُدعى نيو إيرا أو نيو سينشري، بهدف توضيح تاريخ التطرف الأوروبي إلى الطلاب الصينيين في فرنسا واليابان والصين. ومن بين المساهمين الآخرين كان وانغ جينغوي وتشانغ جي وشو ميني وهو طالب من تشجيانغ رافقه تشانغ جي من الصين وأصبح مساعده خلال السنوات اللاحقة.[2]
كتب لي أنه يمكن تقسيم تأثيرات مجموعة باريس إلى ثلاثة مجالات رئيسية هي: الليبرتارية الأناركية والداروينية والداروينية الاجتماعية والفلسفة الصينية التقليدية. بينما تميزت مجموعة باريس عن نظرائها في طوكيو فيما يتعلق بالمساواة بين تعاليم لاوتزه ومبدأ تنظيم الحقل الصيني وبين الشيوعية الأناركية التي آمنوا بها، فقد وصف لي تلك المجموعة بأنها مكونة من شباب من ذوي التعليم الممتاز فيما يخص التقاليد الصينية القديمة. إذ يعترف بأنهم متأثرين بشدة بالفكر القديم. بيد أن الاتجاه الواضح لمجموعة باريس هو رفضها ومعارضتها لأي ارتباط بين الأناركية والثقافة التقليدية. بالنسبة لمجموعة باريس، كما يقول المؤرخ بيتر زارو، «العلم هو الحقيقة، والحقيقة هي العلم».[3]
مجموعة طوكيو
اعتمدت مجموعة طوكيو على المبادئ ذاتها ولكن بترتيب مختلف. بينما كانت جماعة باريس مُغرمة بالعلوم الحضارة الغربية، فإن زعماء مثل ليو شيفو رسوا مبادئهم الأناركية مع احتفاظهم بالتقاليد السياسية التي تنتمي إلى آسيا. ومن الناحية العملية، هذا يعني أن مجموعة باريس قد درست لغة الإسبرانتو، ودعت إلى نظرية النقابية-الأناركية واستندت بشدة إلى أعمال كل من ميخائيل باكونين وبيتر كروبوتكين. أما مجموعة طوكيو فقد دعت إلى نشوء مجتمع زراعي مبني حول قرى بإدارة ديمقراطية من قِبَل دولة اتحادية للمساعدة المتبادلة وتشكيل الدفاعات. قام هؤلاء على وضع أيديولوجيتهم مع مزيج من الطاوية والبوذية ومبدأ تنظيم الحقل في الصين القديمة، وأعطوا الأفضلية للكاتب ليو تولستوي على كروبوتكين. انشقّ ليو شيبي وزوجته هي زين عن برامج تشانغ بينغ لين وقادة طوكيو الآخرين وعادا إلى شنغهاي. ولاحقًا، تم نبذهما عندما انتشر خبر بأنهما كانا يعملان كمخبرين سريين لصالح المانشو الصينية دوانفانغ.[4]
كما دعت كل من باريس وطوكيو في البداية إلى ممارسة الاغتيالات السياسية، وربما كان ذلك مؤشرًا على التأثيرات الدائمة للحركة العدمية، ولكن بحلول عام 1910، أصبح التحول إلى الأناركية مشروطًا بالتخلي عن فكرة الاغتيال باعتباره أداة.
المراجع
- Scalapino 1961.
- Bailey 2014، صفحة 24.
- Zarrow 1990، صفحات 156–157.
- Zarrow 1990، صفحة 35.