الانتحال عموماً هو ظاهرة أدبية عامة لا تقتصر على أمة دون غيرها من الأمم ولا على جيل معينٍ من الأجيال، هذا وقد عرفها العرب كما عرفتها الأمم القديمة التي كان لها ناتج أدبي وعرفها العصر الجاهلي كما عرفها العصران الأموي والعباسي.[1] فالانتحال قضية من القضايا الكبرى في الشعر الجاهلي، ويـُقصد بالانتحال أن ينسب شاعر أو راوٍ ما شعراً مزيفاً إلى شاعر آخر جاهلي ليس هذا الشعر له في شيء، وقد درس القدماء أمثال محمد بن سلام الجمحي قضية الانتحال في الشعر الجاهلي، وذكروا بعضاً من مشاهير الرواة المنتحلين مثل خلف الأحمر وحماد الراوية وغيرهم.[2] وقد كان الشعر الجاهلي يُـتداول شفاهياً قبل التوسع في استخدام الكتابة والتدوين مما يعني إمكانية حدوث التحريف عن طريق النسيان أو غيره ما دام التوثيق غير مكتوب في أصله.[3]
أهمية قضية انتحال الشعر الجاهلي
للشّعر الجاهلي منزلة عظيمة عند العرب لأسباب عديدة، فهو يساعد المؤرخين أن يألفوا الحياة العربية الجاهلية وأن يلتمسوا العادات والتقاليد التي سادت الحياة الجاهلية بالإضافة إلى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاشها الجاهليون؛ فإن "الشعر ديوان العرب". القرآن كتابٌ عربي، لغته اللغة العربية التي كان يصطنعها الناس في عصره، ألا وهو العصر الجاهلي، فلهذا اتخذ علماء الفقه والنحو الشعر الجاهلي مادة للاستشهاد على ألفاظ القرآن والحديث النبوي ونحوهما ومذاهبهما في الكلام.[4] والكثير من العرب من أنصار القديم يجدون اللذة في قراءة الشعر الجاهلي، حيث أنه اتخذ نموذجاً في نظم الشعر في العصر الحديث. فهذه الأسباب توضح أهمية الشعر الجاهلي ووقعه في التاريخ والدين والثقافة والأدب.[5]
الباحثون
المستشرقون
قد اهتم عدد من المستشرقين والباحثين حديثا بِقضية الانتحال، ومن أشهر المستشرقين الذين درسوا الانتحال ديفيد مرجليوث البريطاني الذي ألّف كتاباً صغيراً في هذه المسألة وصل فيه إلى أن الشعر الجاهلي كله ليس جاهليا وإنما ألفه آخرون في العصرين الأموي والعباسي، وقد فند الكثيرون هذه الادعاءات.[6]
المحدثون والمعاصرون وطه حسين
من أشهر من درس الانتحال في الشعر الجاهلي الدكتور طه حسين في كتابه "في الشعر الجاهلي" إذ شكك في صحة الشعر الجاهلي شكوكاً واسعة. ونتيجة بحثه في هذا الكتاب يلخصها: "بأنّ الكثرة المطلقة ممّا نسميه أدباً جاهليّاً ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منتحلة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثّل حياة الجاهليين." حيث أن الشعر الجاهلي "لا يمثل شيئاً ولا يدل على شيء، ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي."[7]
أسباب الانتحال والجدل حولها
وأما الأسباب المألوفة لانتحال الشعر الجاهلي فهيَ عديدة وهي موضع للجدل كبير. والأسباب الرئيسية: أولاً، أن بعض القبائل التي قلّت آثارها ومآثرها في الجاهلية جعلوا رواتهم يزوِّدون بالشعر والأشعار في الإسلام على شعرائهم الجاهليين.[8] ثانياً، أن الشعر المسمى بالجاهلي لا يمثل تفاوت اللهجات بين القبائل الحجازية في الجاهلية.[9] وأما ثالثاً، فإن الشعر الجاهلي لا يبين لنا الاختلافات الأساسية بين لغة القبائل الشمالية العدنانية ولغة القبائل الجنوبية السامية القحطانية.[6] ورابعاً، أن الشعر الجاهلي لا يمثل حياة العرب في العصر الجاهلي المصورة في القرآن، لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً.[7] ومن الجدير بالذكر -مجدداً- أن هذه الأسباب هي أسبابٌ رئيسية وهي موضع للجدال عنيف وموضع للشك عميق، كما هي طبيعة الحال في دراسة أغلب التاريخ القديم.
مراجع
- "قضية الانتحال في الشعر العربي". moontm.mam9.com. مؤرشف من الأصل في 23 أكتوبر 201801 يونيو 2017.
- العصر الجاهلي : للدكتور شوقي ضيف ، ص 164 ، الطبعة الثامنة ـ دار المعارف ، د. ت .
- "الترسل في العصر الجاهلي والعصر الأموي - ديوان العرب". www.diwanalarab.com. مؤرشف من الأصل في 28 مارس 201902 يونيو 2017.
- الشيخ صالح المغامسي (1969-12-31), الشعر الجاهلي من برنامج القطوف الدانية للشيخ صالح المغامسي, مؤرشف من الأصل في 29 مايو 2019,05 يونيو 2017
- "الخصومة بين القدماء والمحدثين - الدكتور عالي سرحان القرشي". www.draali.net. مؤرشف من الأصل في 25 سبتمبر 201805 يونيو 2017.
- "قضية الانتحال في الشعر الجاهلي". www.darululoom-deoband.com. مؤرشف من الأصل في 17 مارس 201801 يونيو 2017.
- في الأدب الجاهلي : طه حسين ، ص 64 ، الطبعة الرابعة ـ دار المعارف .
- طبقات فحول الشعراء: لابن سلام الجمحي (ت231هـ)، تحقيق محمود محمد شاكر، ص39، ط. دار المعارف، د.ت.
- في الأدب الجاهلي : طه حسين ، ص 94 ، 2007ـ "رؤية" للنشر والتوزيع.