البَرزَخ بشكل عام، هي فكرة عن عالم غير ملموس مستعملة في الفكر الإسلامي. معناه اللغوي هو مكان يفصل بين شيئين. أما أكثر المسلمون يطلقه على العالم الذي يفصل عالم الموت ويوم القيامة. أما الصوفيون، فيعتبروه مرتبة فكرية إدراكية معرفية. وهي ذكرت في القرأن وتم تفسيرها من خلال الإحاديث الشريفة وتبنتها الفرق الإسلامية بفروقات بينها.
حياة الإنسان
تنقسم حياة الإنسان إلى ثلاثة:
- حياة الدنيا وهي التي نعيشها.
- حياة الآخرة يوم القيامة (إسلام).
- بين الحياة الدنيا وبين الآخرة حياة البرزخ
البرزخ
يُعرف البرزخ على انه الحياة التي تأتي ما بعد الموت، وفي هذه الحياة تبدأ مرحلة جديدة تتصف بالحساب على ما أسلفه الإنسان في الحياة الدنيا. تبدأ الحياة البرزخية مع اللحظات الأولى من قبض الروح ومن ثم والعروج بها والرحيل إلى الدار الأخرى وأول منازلها وهو القبر وأحواله وأهواله والتي تبدأ لضمة القبر وسماع قرع نعال من هم من حوله من مشيعيه وسؤال الملكين الذي يتم من خلاله تحديد مصير العبد، فيرى مقعده من الجنة ويفسح له في قبره مدد البصر إن كان عبد صالحاً مات على العقيدة القويمة، ويضيق عليه ويكون حفرة من حفرة النيران فيرى من النار من أفاتها وحرها وعذابها حتى يلقى ربه إن كان غير صالحاً، ويرى العبد مقعده في الجنة ومقعده في النار فيفرح ويستبشر الصالح ويزداد الطالح غماً وقنوتاً وعذاباً على غمه وعذابه، ويدوم الحال على الميت، فيبقى المنعم منعما بل ويزيده على ذلك نعيم الجنة ويبقى المعذب معذباً إلى يوم يبعثون، ومجمل تفصيل كل ما ورد ذكره دلت عليه النصوص الشرعية، فقد استعاذ النبي محمد صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر، فبين حال العبد الصالح عندما توفيه المنية وقارن بينه وبين العبد الطالح. وللقبر ضمة لا يسلم منها عبد قط، وهي أول مرحلة في الحياة البرزخية، ينبغي أن يمر بها كل عبد خلقه الله حسب المعتقد الإسلامي.
وتختلف الحياة البرزخية اختلافاً كلياً عن الحياة الدنيوية وعن الحياة الأخروية، فكل له صفات ومقومات تتميز في شيء يسمو على الأخر ففي الحياة البرزخية تسمو النفس على كل من الجسد والروح، كما ويختلف كل منها في أوجه كثيرة أهمها: أن الروح ذو صلة دائمة بالبدن فهي تتعلق به تعلقا خاصاً، فإنها وإن فارقت الجسد وانسلخت عنه عند قبضها، فإنها لا تفارقه بشكل كلي، بحيث لا يبقى لها التفات ابداً، وإنما تعود إليه أحياناً في بعض الأوقات، كعودتها فور سؤال الملكين عند نزوله إلى القبر، كما أن تسليم المسلم على الميت عند زيارته له يستذكرها أيضاً. وهذا الرد هو عملية إعادة معينة للروح لا تكرر حياة البدن قبل البعث.
ومن مقتضيات الحياة البرزخية معرفة الميت لكل من يزوره من البشر، كما ويسمع الميت على الأرجح لخطاب كل من يزوره.
ومع كل ما ذكر اعلاه عن حياة البرزخ، تبقى هنالك الكثير من الحقائق التي لا يعلمها إلا الله ولا يدركها إلا الميت نفسه، وعلى العبد المسلم الإيمان والتسليم بمقتضيات الموت وان يعلم انه ملاقي ربه في يوم من الأيام.
ماهيّة حياة البرزخ
حياة البرزخ على حسب حياة الإنسان في الدنيا:
- فالمؤمن ينعم في البرزخ وروحه في الجنة وجسده يناله بعض النعيم.
- والكافر روحه تعرض على النار، ويناله نصيب من العذاب، وينال جسده نصيب من العذاب.
هذه حال البرزخ، المؤمن في سعادة ونعيم، وأخبر النبي محمد أن روح المؤمن في الجنة تسرح في الجنة حيث شاءت، إن نعيم البرزخ و عذابه مذكور في القرآن في أكثر من موضع: فمنها قوله تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت و الملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق و كنتم عن آياته تستكبرون} و هذا خطاب لهم عند الموت و قد أخبرت الملائكة وهم الصادقون أنهم حينئذ يجزون عذاب الهون ولو تأخر عنهم ذلك إلى انقضاء الدنيا لما صح أن يقال لهم اليوم تجزون. و منها قوله تعالى فبما أخبر عن آل فرعون،{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (غافر:46) ، فالكفار أرواحهم معذبة وأجسادهم ينالها نصيبها من العذاب حتى يبعث الله الجميع ثم تسير أرواح المؤمنين إلى الجنة وأرواح الكفار إلى النار، هؤلاء مخلدون في الجنة وهؤلاء مخلدون في النار.
في اللغة
في اللغة العربية البرزخ هو الحاجز الفاصل بين شيئين مختلفين والمانع لاختلاطهما و امتزاجهما[1]. وهذا المعنى يستعمل بكثرة في الجغرافيا. واتخذت معنى غيبي بعد ورود الكلمة في سورة المؤمنون الأية 100 بمعنى العالم الفاصل بين الموت ويوم القيامة.
البرزخ في القرآن
لقد جاء ذكر البرزخ في القرآن الكريم بثلاث مواضع. في موضعين اثنين بمعنى أرض ملموسة وهما:
- سورة الرحمن: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ19بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ20فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ21﴾ [55:19—21]
- سورة الفرقان: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [25:53]
أما الموضع الثالث فيدل على عالم غيبي غير ملموس وهي:
- سورة المؤمنون: ﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [23:100]
البرزخ في السنة النبوية
اتفق أهل السنة والجماعة أن البرزخ عالم الأموات الذي ينتظر به المسلمون يوم القيامة.[2][3] وأنه "إقناط كلي لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلاّ إلى الآخرة"[4].
البرزخ عند الشيعة
قال القمّي أن البرزخ هو امر بين هو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة وأن جعفر الصادق قال "وما اخاف عليكم الاّ البرزخ وامّا إذا صارالامر الينا فنحن اولى بكم".[5]. وقال الضحاك: "هو الحاجز بين الدنيا والاخرة: وقيل البرزخ الإمهال. وقيل: كل فصل بين شيئين برزخ. وفي الآية دلالة على أن احداً لا يموت حتى يعرف اضطراراً منزلته عند الله وانه من أهل الثواب أو العقاب - في قول الجبائي وغيره - وفيها دلالة أيضاً على انهم في حال التكليف يقدرون على الطاعة بخلاف ما تقول المجبرة".[6]
عند الصوفية
عند الصوفية معنى بطني للبرزخ والأمكنة التي يفصل بها. فقال سهل: "أن البحرين هما أوامر الخير وأوامر الشر بينهما برزخ لا يبغيان وهو العصمة والتوفيق". وذكر أبو القاسم أن البحرين هما الرب والإنسان والبرزخ هو دلالة على الهوة السحيقة بينهما.[7] وذكر القشيري أن "البحران. إشارة إلى النفس والقلب، فالقلب هو البحر العَذْب والنفس هي البحر الملح.[8] أما ابن عربي، شيخ الصوفية، فقال أن البحرين هما البحر الهيولى الجسمانية، الذي هو الملح الأجاج، وبحر الروح المجردة الذي هو العذاب، أما البرزخ فهو النفس الحيوانية التي ليست في صفاء الأرواح المجردة ولطافتها.[9]
المراجع
- معجم لسان العرب لإبن منصور و الصّحّاح في اللغة للجوهري
- تفسير جامع البيان في تفسير القرآن، للطبري
- تفسير مفاتيح الغيب، التفسير الكبيرللرازي
- تفسير الكشاف، للزمخشري
- تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض للكاشاني
- تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن للطوسي
- تفسير حقائق التفسير/ السلمي
- تفسير لطائف الإشارات للقشيري
- تفسير تفسير القرآن لابن عربي