ترحيل تتار القرم (في لغة تتار القرم: Qırımtatar halqınıñ sürgünligi؛ الأوكرانية: Депортація кримських татар؛ الروسية: Депортация крымских татар)، هو التطهير العرقي الذي نفّذه رئيس الأمن والشرطة السرية السوفييتية نيابةً عن جوزيف ستالين، لما لا يقل عن 191044 شخص من التتار بترحيلهم عن شبه جزية القرم في 18-20 أيار/مايو 1944.
حيث استخدمت المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية في غضون ثلاثة أيام قطارات الماشية لترحيل النساء والأطفال وكبار السن، وحتى الشيوعيين وأعضاء الجيش الأحمر، إلى جمهورية أوزبكستان السوفييتية التي تبعد عدة آلاف من الكيلومترات. كان تتار القرم أحد المجموعات العرقية العشر المُستَهدَفة من قبل سياسة ستالين لنقل السكان في الاتحاد السوفييتي.
كان القصد من الترحيل أن يكون عقابًا جماعيًا بسبب تعاون بعض تتار القرم مع ألمانيا النازية، فقد اتّهمت مصادر سوفييتية التتار بأنهم خونة، لكن الوطنيون التتار يشككون في هذا، مؤكدين على أنّ البرنامج كان جزءًا من الخطة السوفييتية للوصول إلى الدردنيل وإنشاء مستعمرات في تركيا لامتلاك التتار قرابة عرقية.
على الرغم من أن النازيين كانوا ينظرون في البداية إلى تتار القرم سلبًا، إلا أن سياستهم تغيرت في وجه المقاومة السوفيتية العازمة، فقد حُشِد العديد من أسرى الحرب السوفييت من قبل الفيرماخت (القوات المسلحة الألمانية) ضمن وحدات الدعم. وفي هذه الأثناء، أُقنِع نحو 15000 إلى 20000 شخص من تتار القرم بتشكيل كتائب للدفاع عن النفس وحماية قرى التتار في القرم من هجمات قام بها الثوار السوفييت، كذلك سعت هذه الكتائب إلى مطاردتهم، مع ذلك كانت هذه الوحدات تتحالف مع الجهة الأقوى في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، شُكِّلَت لجان إسلامية أيضًا، الأمر الذي منحهم حكما ذاتيًا محدودًا. هذا ما زاد الشكوك على الرغم من وجود عدد مماثل من المتطوعين للدفاع عن النفس الذين انضموا أيضًا إلى الجيش الأحمر، وآلاف آخرين ما زالوا في الخدمة عندما هاجم السوفييت برلين، إضافةً إلى انضمام العديد من تتار القرم إلى حركات المقاومة (البارتيزان). رُحِّل في نهاية المطاف غالبية المتطوعين وعائلاتهم إضافةً إلى أولئك المرتبطين باللجان الإسلامية، وعلى الرغم من إجلاء الأجزاء المذنبة السكان، إلا أنّ الطلب على معاقبة القرم بشكل جماعي ازداد ارتفاعًا.
توفي نحو 8000 شخص خلال الترحيل، كذلك هلك لاحقًا عشرات الآلاف بسبب الظروف القاسية في المنفى. ونتج عن ترحيل التتار إخلاء 80000 منزل و 360000 فدان من الأراضي.
سعى ستالين للقضاء على جميع آثار تتار القرم، وفي الإحصاءات السكانية اللاحقة، منع أي ذكر للجماعة العرقية. وفي عام 1956، أدان الزعيم السوفييتي الجديد نيكيتا خروتشوف بعض سياسات ستالين، بما في ذلك الترحيل الذي تعرّضت له المجموعات العرقية المختلفة، إلا أنه لم يُلغِ الأمر التوجيهي الذي يمنع عودة تتار القرم. وبذلك ظلَّ تتار القرم في آسيا الوسطى لعدة عقود أخرى حتى عهد البيريسترويكا (إعادة الهيكلة) في أواخر الثمانينات عندما عاد 260000 من التتار إلى شبه جزيرة القرم، بعد أن دام نفيهم 45 سنة. أُعلِن رسميًا إلغاء وبطلان الحظر على عودتهم حينها، كذلك أعلن المجلس الأعلى لشبه جزيرة القرم في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989 أنّ عمليات الترحيل كانت جريمة. عادت نسبة جيدة من التتار بحلول عام 2004 إلى شبه جزيرة القرم مشكلين بذلك نسبة 12% من سكان المنطقة. لم تساعد السلطات المحلية في عودتهم، ولم تعوّضهم عن الأراضي التي فقدوها. كذلك لم يُقدِّم الاتحاد الروسي (الدولة الخلف لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية) أية تعويضات عن الممتلكات المفقودة، ولم يتخذ أية إجراءاتٍ قانونيةٍ ضد مرتكبي إعادة التوطين القسري.
كان الترحيل حدثًا حاسمًا في تاريخ تتار القرم، وأصبح يُنظَر إليه كرمز للمحنة والاضطهاد الذي تعرّضت له الأقليات العرقية من قبل الاتحاد السوفييتي. وفي 12 كانون الأول/ ديسمبر 2015، أصدر البرلمان الأوكراني قرارًا يعترف بهذا الحدث على أنه إبادة جماعية، واعتبر يوم 18 أيار/ مايو "يوم إحياء ذكرى ضحايا إبادة تتار القرم الجماعية ".
في الثقافة العامة
نشرت ليلي هايد -صحفية بريطانية تعيش في أوكرانيا- رواية بعنوان دريم لاند (أرض الأحلام) في عام 2008، تدور الرواية حول عودة عائلة من تتار القرم إلى وطنهم في التسعينيات. تُسرَد القصة من منظور فتاة تبلغ من العمر 12 عامًا تنتقل من أوزبكستان إلى قرية مهدمة مع والديها وشقيقها وجدها الذي يحكي لها قصصًا عن أبطال وضحايا تتار القرم.[1]
يُصَوِّر فيلم هايتارما (العودة) الأوكراني المُتحدِّث بلغة تتار القرم في عام 2013، طيار الاختبار وبطل الاتحاد السوفييتي آميت خان سلطان –المنتمي لتتار القرم- على خلفية عمليات الترحيل في عام 1944.[2]
أصدرت كريستينا باسشين في عام 2015 الفيلم الوثائقي "النضال من أجل الوطن: تتار القرم" بإنتاج مشترك أوكراني قطري، وفيه يجري تصوير تاريخ تتار القرم من عام 1783 حتى عام 2014، مع التركيز على الترحيل الجماعي عام 1944بشكل خاص.[3]
قامت المغنية التترية الأوكرانية جامالا بأداء أغنيتها "1944" خلال مسابقة الأغنية الأوروبية لعام 2016، إذ تشير هذه الأغنية إلى ترحيل تتار القرم في ذلك العام. حيث قامت جامالا -التي ولدت في المنفى في قيرغيزستان- بإهداء الأغنية لجدتها التي تعرضت للترحيل. كانت جامالا -التي فازت بالمسابقة ممثلةً أوكرانيا- أول شخص من تتار القرم يُقدِّم أداءً في مسابقة الأغنية
الأوروبية.[4]