التكامل الأوروبي هو عملية تكامل صناعي وسياسي وقانوني واقتصادي (وفي بعض الحالات تكامل اجتماعي وثقافي) للدول كليًا أو جزئيًا في أوروبا. وقد نتج التكامل الأوروبي في المقام الأول عن طريق الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا.
نبذة تاريخية
كان الكونت ريتشارد نيكولاوس فون كودينهوف كاليجري (Count Richard Nikolaus von Coudenhove-Kalergi) واحدًا من أوائل من تصوروا تكوين اتحاد بين الدول الأوروبية، والذي كتب بيان الاتحاد الأوروبي في 1923م.[1] وأثرت أفكاره في أريستيد بريان (Aristide Briand)، وألقى خطابًا يشرح فيه مفهوم الاتحاد الأوروبي في عصبة الأمم في 8 من سبتمبر 1929م، وكتب "مذكرة تنظيم نظام الاتحاد الفيدرالي الأوروبي" لحكومة فرنسا،[2] التي أصبحت أول حكومة أوروبية تتبنى هذا المبدأ رسميًا.
كان المناخ العالمي مهيأً في نهاية الحرب العالمية الثانية، لدخول البلدان الأوروبية الديمقراطية في اتحاد مشترك، عدّها الكثيرون هروبًا من الأشكال المتطرفة للقومية التي دمرت القارة.[3] وفي خطاب ألقاه في 19 من سبتمبر 1946م في جامعة زيوريخ سويسرا طرح ونستون تشرشل فكرة إنشاء الولايات المتحدة الأوروبية.[4] لكن الخطاب ذاته تضمن ملاحظات، لا تعلن كثيرًا، توضح أن تشرشل لم يكن ينظر لبريطانيا في بداية الأمر على أنها جزء من الولايات المتحدة الأوروبية: "نحن كبريطانيا نتمتع بالكومنولث الخاص بنا... ولم لا توجد مجموعة أوروبية تعطي حسًا وطنيًا موسعًا ومواطنة مشتركة للشعوب المشتتة لهذه القارة المضطربة والقوية ولماذا لا يجب أن تأخذ مكانها الصحيح بين التكتلات الكبيرة الأخرى في تحديد مصائر البشر؟ ... على فرنسا وألمانيا أخذ زمام المبادرة معًا. بريطانيا العظمى والكومنولث البريطاني وأمريكا القوية وأنا على ثقة أن روسيا السوفيتية يجب أن يكونوا جميعًا أصدقاء وراعين لأوروبا الجديدة ويجب أن تأخذ حقها في العيش والازدهار".
مجلس أوروبا
إزاء تاريخ من الدمار والمعاناة الإنسانية في أثناء الحرب العالمية الثانية وضرورة تحقيق المصالحة بعد الحرب، أدت فكرة التكامل الأوروبي إلى إنشاء مجلس أوروبا في ستراسبورغ في عام 1949م.
يُعد أهم إنجاز لمجلس أوروبا الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950م التي أنشئت بموجبها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، والتي كانت في الواقع بمثابة المحكمة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية في جميع أنحاء أوروبا. وتتمتع حقوق الإنسان أيضًا بحماية مجلس لجنة منع التعذيب والميثاق الاجتماعي الأوروبي التابعين لمجلس أوروبا.
وتمثل الهدف من معظم اتفاقيات مجلس أوروبا في المزيد من التكامل القانوني، مثل اتفاقيات المساعدة القانونية لمكافحة الفساد أو مكافحة غسل الأموال أو مكافحة المنشطات الرياضية أو جرائم الإنترنت.
ويستند التعاون الثقافي على الاتفاقية الثقافية لعام 1954م والاتفاقيات اللاحقة للاعتراف بالدراسات الجامعية والدبلومات وحماية اللغات الخاصة بالأقليات.
تمكنت الدول الأوروبية الشيوعية السابقة من الانضمام إلى مجلس أوروبا بعد سقوط جدار برلين، والذي يضم الآن 47 دولة في أوروبا باستثناء روسيا البيضاء بسبب حكومتها غير الديمقراطية حتى الآن. لذلك، نجح التكامل الأوروبي عمليًا على مستوى مجلس أوروبا، ويشمل هذا النجاح القارة الأوروبية كلها.
يتم التكامل الأوروبي على مستوى وظائف مجلس أوروبا عن طريق انضمام الدول الأعضاء في الاتفاقيات، ومن خلال التنسيق السياسي على مستوى المؤتمرات الوزارية والجلسات البرلمانية المشتركة. ووفقًا لنظامه الأساسي المعمول به منذ عام 1949م، فإن مجلس أوروبا يعمل لتحقيق مزيد من الوحدة بين أعضائه على أساس القيم المشتركة، مثل حقوق الإنسان والديمقراطية.
انظر أيضاً
المراجع
- Ben Rosamond, Theories of European Integration, Palgrave Macmillan, 2000, pp. 21–22.
- D. Weigall and P. Stirk, editors, The Origins and Development of the European Community, Leicester: Leicester University Press, 1992, pp. 11–15.
- "The political consequences". European NAvigator. مؤرشف من الأصل في 30 يوليو 201705 سبتمبر 2007.
- "Ein britischer Patriot für Europa: Winston Churchills Europa-Rede, Universität Zürich, 19. September 1946" [A British Patriot for Europe: Winston Churchill's Speech on Europe University of Zurich, 19 September 1946]. Zeit Online. مؤرشف من الأصل في 22 ديسمبر 201713 يناير 2010.