جعفر اغا لقلق زاده
ممثل ارتجالي كوميدي بالفطرة، أثرى المسرح العراقي بما يعرف بالفن الاخباري.
ولادته
ليس لدينا معلومات كافية عن حياة هذا الفنان ذو الشخصية الهزلية، كل مانعرفه إنه ولد في أواخر القرن التاسع عشر، اما نشأته الأولى فالمعلومات عنها ايضا قليلة وغير واضحة، وحتى أسمه الحقيقي غير متأكدين منه فهل هو كامل عبد المهدي القادم من كربلاء؟ أم جعفر القزويني؟ ام سلمان الأخباري؟ ام ان له اسما اخر غير هذه الأسماء.
السيرة
جعفر اغا لقلق زاده، هو أكثر الأسماء التي عرف بها في مقاهي بغداد، عاش في صغره في بغداد بين أهالي منطقة الكاظمية، [1]ولكن لم نجد من يؤكد هل هو ولد في الكاظمية، ام ولد في قزوين وجاء محمولاً إلى الكاظمية من قبل عائلته التي استقرت فيها قرب ضريح الامام موسى بن جعفر الصادق، جرياً على عادة الإيرانيين بالسكن قرب تلك المقامات تبركاً بها، ام جاء وحيداً من دون عائلته وهو في مقتبل العمر من إيران إلى الكاظمية في اوائل القرن العشرين لظروف غامضة واستقر فيها. وهناك من ينكر انتمائه إلى أب معروف أو أصل، إلا انهم يتفقون على إنه عاش طويلاً في الكاظمية، وينحدر من أصول إيرانية، ولم تترك قدسية مدينة الكاظمية واجوائها الدينية اليومية عملياً اي تأثير على شخصيته البوهيمية وسلوكه الأخلاقي الرافض والمناقض لتلك الاجواء القدسية.[2]
التعليم
ليس هناك مايشير إلى انه تعلم في المدارس، ولم يرد خبر يؤكد انه دخل في الكتاتيب لتعلم القراءة والكتابة، ولكنه كان يفك الخط بصعوبة، الا انه كان يتكلم اللغات العربية والفارسية والتركية والهندية، التي كانت لغات شائعة في بغداد آنذاك.[3]
العمل
عمل منذ طفولته بحرف مختلفة، واستقر في شبابه على حرفة صناعة الأمشاط الخشبية، مما يدل انه نشأ في وسط فقير ومعوز .
العمل الفني
عندما كان صغيراً استرعت انتباهه فصول الاخباري البغدادي جاسم ابن الحجامة وزميله منصور اللذان كان من سكنة منطقة العوينة، وكانا يعرضان فصلهما منذ اواخر القرن التاسع عشر وحتى قبيل الحرب العالمية الأولى في مقهى التبانة في محلة الفضل، الا انه اعجب وتأثر بعروض الاخباري وشخصية الهبش التي كان يؤديها راشد بمعاونة زميله الحاج محمود، فلم ينقطع عن مشاهدة عروضهما التي كانت تقدم في بغداد ليلاً، فكان يضطر بعد مشاهدة العروض إلى المبيت في خان الجبن في الكرخ خوفاً من قطاع الطرق الذين يكمنون ليلاٌ في بساتين الكاظمية الكثيرة وعلى جانبي الطريق.
بداية التمثيل
البداية كانت عام 1915م، وكان العراق تحت الحكم العثماني، حيث بدأ كامل عبد المهدي والمعروف بإسم جعفر اغا لقلق زاده يقلد حركات وكلمات راشد أفندي في دور الهبش التي يشاهدها في الليل، ويعيدها اثناء عمله في صباح اليوم التالي،[4] امام اصدقائه ومعارفه الذي لمس منهم الاستحسان والإعجاب والتشجيع بما كان يؤديه. وهنا قد بدأ إداء تلك العروض في المناسبات كالافراح الخاصة والأعراس. حيث كان يمتلك موهبة جيدة في اضفاء الروح الحيوية والحركة المرنة والايماءات المعبرة للشخصية التي يمثلها. [5] ولكن مر الفن الأخباري بالأضمحلال وذلك في فترة الحرب الروسية العثمانية واصدار الفرمانات بتجنيد الشباب الإجباري الذي عرف باسم سفر برلك، ويبدوا ان التجنيد لم يطاله لكونه من التبعية الإيرانية حيث كان التجنيد يقتصر على التبعية العثمانية حصراً. الا ان لقلق زاده حصل على عمل كنادل في نادي الجيش العثماني . ولكن بدايته الفعلية بالتمثيل الاخباري بدأت من هنا، حيث اكتشف موهبته متعهد النادي تولكين خان، ويبدوا من اسمه انه أرمني، فاخضعه للتدريب على يدي إبراهيم سامي وإبراهيم عجمي قطان، ثم اسدى اليه عمل مقدم نمرة (دور) الهبش في المقهى التي يملكها وتعرف بمقهى طويق. وبعد ان ذاع صيته انتقل إلى مقهى عزاوي . وقد انضم إلى الجوق الذي شكله الفنان المصري حسن سلامة في ملهى الف ليلة وليلة وكان في عضوية هذا الجوق إضافة إلى جعفر لقلق زادة كل من: اليا داود، وعبد الله زكي، وصفاء محمد علي، وعلوان خزعل، وأكرم وصفي، وعباس الخلوتي، وإبراهيم الشيخلي، والممثلات من النساء وهن في الأصل راقصات في نفس الملهى: ماري كونكا، وبدرية محمد، وفوزية جيجان، وأمينة سعيد. [6] وبعدها اخذ يقدم فصوله متنقلا بين أكثر من مقهى من مقاهي بغداد في ليلة واحدة، مستصحباً معه فرقته واكسسواراته وخيله وحميره التي يستخدمها في عروضه المختلفة، واصبح اسمه مشهورا ومعروفاً وذاع على كل لسان في العراق. قدم جعفر لقلق زاده أكثر من ثلاثمائة تمثيلية مرتجلة من الفودفيل بعضها قفشات ساخرة للظواهر الاجتماعية السائدة حينها، كالسخرية من تعليم الاطفال على يد الملالي، ودجل وشعوذة المتشبهين برجال الدين ويسمى (فتاح فأل) وانتقاده لكثير من تلك الظواهر السلبية باسلوب ساخر . عمل معه كثير من الفنانين والفنانات في مشواره الطويل منذ اواخر القرن التاسع عشر حتى الخمسينيات من القرن العشرين مثل الفنان حسقيل أبو البالطوات، وعباس حلاوي منادي اعلانات السينما في بغداد، والممثل الهزلي المعروف صفاء محمد علي، وجمعة الشبلي وغيرهم، ومن الممثلات فقد استعان براقصات الملاهي من الشاميات والمصريات والعراقيات امثال رحلو العراطة، واختها زكية، وحتى آخرهن عفيفة إسكندر.والتقى ريجينة باشا واستعار منها احدى الفتيات العاملات معها والتي تدعى جليلة للعمل كممثلة مساعدة له اثناء تمثيله بعض الأدوار التي يحتاج فيها عنصر نسائي. لقد زار في فترة عزه وثرائه عدد من البلدان المجاورة كاسطنبول والشام ولبنان وشاهد العروض على خشبة ملاهيها وكذلك شاهد علي الكسار وتعرف بشكل مباشر على نجيب الريحاني و بديعة مصابني وتأثر بالريحاني وشخصية كشكش بيك، واداها في عروضه في ملاهي بغداد واشتهر بها إضافة إلى شخصية الهبش التي استعارها من معلمه الأول الاخباري راشد أفندي.[7] ان لقلق زاده قد قدم مسرحيات استعراضية، ان جاز لنا التعبير، منذ ان ادخل في عروضه واعماله على منصات الملاهي، فقرة تحوي وصلات من الرقص الشرقي والغناء والبهرجة،[8] فلذلك عرف بشخصياته النمطية مثل (هبش) و (كامل) و (كشكش) وكان ينادى بها، حتى لقد ذكره الشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي في إحدى قصائده حيث يقول:[9]
هبش ترقص على الشانو مثل | لقلق زاده لو مثل عصعوص بالسركس |
النهاية المرة
في السنوات العشرة الأخيرة من حياته بدأ الناس ينفضون ويبتعدون عن نمط فنه، الذي يغلب عليه السذاجة، لأنه لم يتطور ولم يفكر بالزمن الذي تجاوزه وتجاوز فنه، لقد تغير في ستينيات القرن العشرين ذوق ونظرة الناس إلى فنه، إضافة إلى ظهور السينما، وظهور مسرح جديد بعد ثورة 1958م، حيث اخذ يقدم الطلبة وخريجي معهد الفنون الجميلة عروضاً تتماشى مع واقع العراق الجديد، وبذلك قلصت المقاهي والملاهي عروض جعفر لقلق زاده لتراجع الاقبال عليها، ثم تم الاستغناء عنها تماماً بعد أن أصبحت غير مجزية مادياً. ومنذ ستينيات القرن العشرين عاش هذا الفنان وحيداً معدماً، بعد ان تنكر وأنفض عنه أقرب أصدقائه ومعارفه، وعمل لسد الرمق أعمالاً خدمية في الملاهي آخرها حارساً وبواباً في ملهى الخيام، الذي كانت تملكه المطربة لميعة توفيق التي تكفلت برعايته ومصاريفه وإيجار سكنه، وهو عبارة عن غرفة صغيرة في خان بالكاظمية وقيل في الحيدرخانة، حتى وفاته، بعدما أشتدت عليه أمراض الشيخوخة واقعده الشلل عن الحركة في رمضان الموافق لشهر ايلول 1972م . ويذكر الاستاذ يوسف العاني في وصف النهاية المرة لهذا الفنان وغيره، وما آل إليه بجوابه من شكواه عن الإداء لبعض فنانات الإستعراض فيقول: فمهما يكن الجواب ستكون نتيجته أن نلقي بماضينا الفني والنضالي والثقافي وحتى الشخصي، في واحدة من مزابل الملاهي التي رمي فيها المرحوم جعفر لقلق زاده بدون رحمة أو شفقة.[10]
وفاته
توفي الفنان الكوميدي جعفر أغا لقلق زاده في مستشفى المجيدية عام 1972م، ودفن في مقبرة جامع براثا. ولم يخرج في تشييعه أو توديع جنازته اي فنان، ولا حتى اي احد من اصدقائه اللذين كانوا بالمئات ايام ثرائه وسطوع نجمه، كما لم تذكر صحف اليوم التالي اي خبر عن وفاته.[11] ولكن في عام 1984م، اعد الكاتب العراقي عادل كاظم مسرحية بعنوان، نديمكم هذا المساء، تناول فيها حياة جعفر لقلق زاده، وكانت المسرحية من اخراج محسن العزاوي وقد عرضت في اربع عواصم عربية هي، بغداد و القاهرة، و الكويت، وقطر.[12]
المصادر
- عزيز جاسم الحجية، بغداديات:تصوير للحياة الاجتماعية والعادات البغدادية خلال مئة عام، دائرة الشؤون الثقافية العامةالعامة، بغداد،1985م، مج7.
- عباس بغدادي، بغداد في العشرينات، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد، 2000م.
- مجلة الشرق، فصلية ثقافية ادبية، مؤسسة الشرق، 1980م، مج 10، ع2-4.
- مجلة التراث الشعبي (العراقية)، دار الشؤون الثقافية العامة، 2005م، مجلد 36، ص123.
- مجلة الاقلام، وزارة الثقافة والارشاد العراقية، بغداد، 1983م، مج 18، ع 1-6، ص192.
- صحيفة التآخي_المسرح في المقاهي والملاهي البغدادية - تصفح: نسخة محفوظة 10 أغسطس 2018 على موقع واي باك مشين.
- موقع عراكير_فنون اللهو والتسلية في المقاهي العراقية القديمة..والاخباري جعفر لقلق زاده_بقلم:لطيف حسن تاريخ الاطلاع 27 ديسمبر 2018. نسخة محفوظة 10 مايو 2015 على موقع واي باك مشين.
- ايفان الدراجي، تياترو، دار سيزيف للنشر، ط1، ص15.
- علي مزاحم عباس، لا تسدلوا الستار، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 2005م، ص27-30.
- يوسف العاني، شخصيات وذكريات، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1999م، ص392.
- موقع عراكير_فنون اللهو والتسلية في المقاهي العراقية القديمة..والاخباري جعفر لقلق زاده - تصفح: نسخة محفوظة 10 مايو 2015 على موقع واي باك مشين.
- موقع اليوتيوب_مسرحية نديمكم هذا المساء_اخراج محسن العزاوي - تصفح: نسخة محفوظة 15 مايو 2020 على موقع واي باك مشين.