شايع بن مرداس الرمالي الملقب ب(الأمسح) شيخ الرمال من شمر، قيل سمي الأمسح لأن عينه اليسرى لم تخلق له وكان مكانها ممسوحا، عاش في أوائل القرن الحادي عشر الهجري في بلاد قومه في الشمال.
نسبه الكامل
شايع بن مرداس بن مصبح بن خنشر بن الأمير عميره بن سعد بن حمام بن رطيان الشريف بن الأمير بدر الدين رمال بن الأمير عز الدين جماز بن الأمير شمس الدين محمد ابي بكر بن الأمير علي بن الأمير حديثه بن الأمير عزالدين منيف بن الأمير شيحه بن الأمير هاشم بن الأمير الأمير عز الدين القاسم أبوفليتة بن الأمير شرف الدين مهنا الأعرج بن الأمير شهاب الدين الحسين بن الأمير مهنا الأكبر أبي عمارة بن الأمير أبي هاشم داود بن الأمير شمس الدين القاسم الكبير بن عبيد الله نقيب المدينة المنورة بن طاهر المحدث شيخ الحجاز بن يحيى النسابة بن الحسن بن جعفر الحجة بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين السبط بن الإمام علي بن أبي طالب
قصة شايع ابن مرداس مع ابن عريعر
عاش في منتصف القرن الحادي عشرإلى القرن الثاني عشر الهجري. في بلاد قومه في الشمال ويروى أنه كثرت غاراته على من حوله والبعيدين عنه على السواء وكان يغير على أبل أبن عريعر وعربانه ومن أنضوى تحت لواءه فكثرت الشكاوى ضده وأوغر صدر أبن عريعر عليه وأقسم أنه أن أمسكه أن يسجنه حتى يموت في السجن وبث له الرصد في كل مكان وبعد فترة من الزمن وقع شايع الأمسح أسيراً في يد أبن عريعر وقيّده في (الرفّة) وهو المكان المخصص لجلوس الرجال في بيت الشعر وربطه في (ثقل) بطرفها وكان يريد من ذلك التشهير به أمام الناس وأظهار قوته وبطشه بمن يسلك نفس الطريق.
و مكث شايع الأمسح مربوطاً لدى أبن عريعر ثمان سنوات حتى ضعفت قوته وتعقدّت أعصابه وأثّر الحديد بساقيه ويديه وساءت حالته الصحيّة وكان يحاول فداء نفسه في بداية سجنه ويقال أنه حاول فداء نفسه أول سنة بمئتين من الإبل ثم في السنة الثانية بمئة من الإبل وفي السنة الثالثة بخمسين من الإبل ثم سكت بعد ذلك وعندما سأله أبن عريعر عن السبب في سكوته أجابه بمقولة مشهورة جاءت على لسانه وتكرّرت على ألسن الآخرين لنفس الظروف وقد سارت مثلاً وهي قوله (صبّي وزلّت عجاريفه) وذلك أنه عندما طلب لنفسه الفداء في بداية الحبس كان له ولد صغير يود مناغاته ما دام في سن الطفولة الأولى والمبكرة أمّا بعدما كبر ولده لم يكن بنفس الحرص على الفدية ثم أن أبنه أصبح في الثانية عشرمن العمر وأصبح في مصاف الرجال.
و هناك بين جماعته وفي إحدى الليالي كان أبنه (عميره) يلعب مع الصبية فغلب أحدهم وقال له أنت تتطاول علي لأنك أكبر مني ولو أنك رجل وفيك خير لفككت أسر أباك. قال عميره بن شايع : أن أبي ميت. فأجابه الصبي : لا أن أبوك حي وفي حبس أبن عريعر. عاد عميره إلى أمّه وسألها عن أبيه فأجابته أنه قد مات منذ زمن. عند ذلك أخذ خنجراً كان معلّق في عمود البيت وقال أني سوف أذبح نفسي أن لم تخبريني أين أبي. عند ذلك أخبرته بالحقيقة وهي أن أبوه حي يرزق وفي سجن أبن عريعر في الأحساء وقد كنت صغيراً فلم أخبرك بذلك لأنك لا تستطيع عمل شيء له فكتمت الخبر حتى تكبر. بعد ذلك طلب منها أن تخبره عن أخلص أصدقاء والده وأقربهم له. فقالت له أن لوالده صديقاً مخلص ولكنه كبر وكف بصره.
و بعدما أخبرته به ذهب إليه وأخبره أنه عازمٍ على فك أسر والده ولكن الشيخ طلب منه التريّث والصبر الأ أن (عميره) أصر عليه ووافق وبدأ بتجهيز نفسه للسفر معه واختاروا رجل ثالث معهم وكان الرجل الأعمى هو دليلتهم حيث يصفون له الأرض ومعالمها وهو يخبرهم أين هم وهكذا حتى وصلوا أطراف منازل أبن عريعر وكانوا قد وصفوا للدليل أشجار طلح كثيفة فقال هذه التي كنا نكمن فيها وننقض على أبل أبن عريعر ورعاياه منها. بقوا في ذلك الطلح وعند غروب الشمس ذهب الغلام وحده على مطيته إلى بيت أبن عريعر وأخبر رفاقه أنه إذا طلعت نجمة الصبح ولم يأتي فعليهم أن يهربوا عن مكانهم.
وصل إلى بيت الأمير وعقل مطيته في مراح الإبل وجلس مع العديد من الضيوف ورجال أبن عريعر ورعاياه وكان يحاول التعرّف على والدهو لكنه لم يستطيع ذلك حتى دعي الناس للعشاء فجاء أحد الخدم بصحن فيه طعام ووضعه عند رجل في طرف الرفّه وقال (تعش يا شايع) عرف عميره أن ذلك هو والده وبعدما أتجه الناس للعشاء أقترب عميره من والده وجثى على ركبتيه وتلمّس وجهه وأكب عليه يقبله والدموع تذرف من عينيه قائلاً : هل أنت أبي. هل أنت شايع ؟ فرد عليه :نعم أنا شايع. فهل أنت ولدي عميره ؟ أجابه : نعم. ثم قال له : ماجاء بك ؟ قال : أتيت أخلصك من الأسر. فقال له : سلمت سلمت. ولكن ذلك ليس بالأمر السهل الآن وذلك لأن الأقفال مصبوب عليها الرصاص والأثقال لا تزحزح وأنا واهن القوى ومن ثمان سنين لم أتحرّك. فقال عميره : وما هو الحل ؟ قال : الآن أذهب إلى العشاء كي لا تجلب الريبة لرجال الأمير. وثم نرى ما ذا نفعل.
بعد العشاء أنتبه عميره إلى صبي صغير من أبناء الأمير عندما جلس طلبه وإذا عاد الصبي إلى بيت أمه التفت أبن عريعر لأي من رجاله وقال (هات الولد) قام عمير وطلب الصبي من أمه وهي معتادة أن أي من رجال الأمير يأتي ويأخذه وهناك رواية أخرى تقول أنه أستّله من منامه وهي نائمة بجواره. و في قصيدة شايع أنه هو الذي حبك تلك الفكرة لولده عميره وعميره قام بالتنفيذ وهذا الأرجح والأصح بحكم معرفة شايع بأسرار القوم لطول مكوثه أسيراً لديهم.
ثم مر على والده وودّعه وأخبره أن من شروط عودة هذا الصبي فك أسرك وعودتك معززاً مكرماً. عاد عميره إلى رفيقيه. أما الأم فقد فقدت أبنها في نفس الليلة وصاحت وجاء الأمير وسألته هل الصبي عندك فقال لا فبدأ البحث عنه بقية تلك الليلة وحتى الظهر من يوم غدٍ ولم يعثروا على شيء.
عاد الأمير ليستريح في رفة البيت وهو حزين وتعب. وأستغرب من جمال وجه شائع وشعاعه وفرحه فسأله فقال أني أضحك عليك ! قال لماذا ؟ قال لأنك رجل كبير وأمير القوم وتبكي هكذا من أجل صبيٍ صغير لم تذق نفعه بعد وقد يخلف الله عليك بدلاً منه بالمبيت مع أحد زوجاتك ليلة أخرى. فرد عليه أبن عريعر بقوله أتهزاء بي أيها الخبيث. فأجابه شايع : إذاً لماذا كنت تهزاء بي عندما طلبت أطلاق سراحي لرؤية ولدي الصغير. قال ولكن ولدك ليس مثل ولدي. قال شايع : لا فرق فكلهم أبناء وكلنا آباء. وأن ولدك الآن في آمان عند ولدي الذي قللت من قيمته. قال : أين هو ؟! قال : بعد الثرياء عن الثرى. ولكن أن أردتم إرسال مندوب يسمع شروط أبني عميره ليعود لكم أبنكم.
و كانت شروط عميره بن شايع هي إحضار جوادين مشهورين من أغلى خيل شمر ومعهما مئة ناقة وضحا مع إعادة أبيه معززاً مكرّماً. وكان ذلك. و يقال أنه لما تعذّر على أبن عريعر الحصول على الجوادين دفع خمسين جوادا من أصائل الخيل مع مئتي ناقة وضحا. و هناك روايات تقول أنه طلب أن الخيل ووالده يمشي على (زل) فرش فاخرة من مقر أبن عريعر حتى مكان أقامة أهل شايع مما جعل المتحذلقين يجدون حلاً وهو أن الخيل تحذّى على قطع من الزل (القطيفة، القطايف) حتى يتم الشرط وأن صح ذلك فهو من باب التعجيز.
عاد شايع إلى أهله معززاً مكرماً مرتدياً أجمل الملابس مما يلبس الأمير أبن عريعر وأعيد ولد أبن عريعر له وقال شايع الأمسح قصيدته المعروفة في قصة حبسه عند أبن عريعر.
شايع ابن مرداس وفرس ابن عريعر في مجلس الأمير محمد أحمد السديري
وقال الشيخ منديل عن شايع الأمسح : زوجة شايع (كعيب الضبي) ذات جمال بارع كثيراً ما يوصي زوجته بحفظ الفرس ولكثرة وصاياه قالت : عسى ما هي الحذرة !! وهي بهذا تسخر من فرسه إذ تقيسها بفرس ابن عريعر المعروفة بالحذرة، وهي فرس أصيل مشهورة بالجري، وإذا أحست بغريب صوتت وحفرت الأرض بيديها، فغضب شايع وأقسم أن لا ينام حتى يحضر فرس ابن عريعر إلا أن ابن عريعر نذر به وأمر جلساءه بان يتفقد كل واحد جليسه حتى وقعوا على شايع ووضعوا قيد الحديد في رجله وأبدوا سجنه إلا بأربعين ناقة فداء له، فأرسل شايع إلى جماعته يخبرهم بذلك فأبوا ظنا منهم أن ابن عريعر سيمن عليه بلا فداء إلا أن ابن عريعر قرر مضاعفة الفداء كل سنة زيادة خمس نياق، وبعد مرور أربع سنوات أبى شايع أن يدفع شيئاً مطلقا فلما سئل عن السبب قال :
كنت أنوي الفداء لأدرك ولدا لي عمره أربع سنوات لأمازحه وأنا مشتاق إليه بدافع الطفولة أما الآن فقد كبر ولا أريد أن أفدي عن نفسي وأنا رجل كبير السن.
وبعد تمام تسع سنوات جاء الصبي متسللا على مطيته فعقلها بعيدا ودخل بين الرعاة فخلا بأبيه وهلت دموعه عليه فرمز له الأب بكلمتين خفيفتين ففهم الابن الوصية ؛ وهي الإيصاء باختطاف ولد صغير لابن عريعر، كان الولد في خيمة عند مربية فإذا اشتاق له والده أرسل أي رجل من جلسائه ليحضره حتى كان ذلك عادة مستمرة، وكان لايعيد الصبي إلا بعد انفضاض المجلس قبيل حلول النوم وذات ليلة دخل ابن شايع خيمة المربية وأخذ الصبي كأنه مرسل من ابن عريعر ثم هرب به، ولما طلب ابن عريعر الصبي قالت له المربية إنه عندك من البارحة، فهبوا يتصايحون بحثاً عنه وبعد مرور ثلاثة أيام من الحزن قال شايع لاتحزنوا إن ولدكم عند ولدي ووصف المحل لهم فلما وفدوا على ولد شايع طلب منهم مطالب صعبة فداء لولدهم منها إبل ابن عريعر وفرسه وحلي والدته وأن يقدم شايع على فرس تمشى على الزل حتى تصل به إلى بلاده، فسهل كل ذلك على ابن عريعر ما عدا الزل فقال شايع : الحل بسيط. اجعل على مواطئ الفرس قطعاً من الزل مربوطاً بالحذاء، وبهذا عاد شايع إلى أهله وعاد الصبي إلى والده ابن عريعر.
وقال منديل : وهذه القصة سمعتها من طلال بن رمال بمجلس الأمير محمد الأحمد السديري، وقد ساعد السديري في إكمال القصة.
المصادر
- 1. ذكر ذلك الراوي عبد الرحمن المرشدي في سلسلته الصوتية "تاريخ وقصص الآباء والأجداد".
- 2.الشيخ منديل من أهل الأسياح بالقصيم.