يعتبر مفهوم الشراكة مفهوما حديثا، حيث لم يظهر في القاموس إلا في سنة 1987 بالصيغة الآتية " نظام يجمع المتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين "، أما في مجال العلاقات الدولية فإن أصل استعمال كلمة شراكة تم لأول مرة من طرف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (CNUCED) في نهاية الثمانينات.[1][2][3]
لقد تم استعمال كلمة شراكة كثيرا من طرف الباحثين دون إعطائها مفهوما دقيقا، وفي هذا الإطار يقترح B.Ponson " أنها تتمثل في كل أشكال التعاون ما بين مؤسسات أو منظمات لمدة معينة تهدف إلى تقوية فعالية المتعاملين من أجل تحقيق الأهداف التي تم تحديدها ", فمفهوم الشراكة بهذا الشكل يشمل التحالف الإستراتيجي، لكن ينبغي أن نفرق بين التحالف والاندماج والاقتناء والشراكة، فيعتبر B.Garrette Et P.Dussage أن الاندماج والاقتناء هو زوال المؤسسة المعنية لميلاد وحدة أو مؤسسة جديدة، أما في التحالف والشراكة تبقى المؤسسة تحافظ على استقلاليتها من حيث الأهداف والمصالح الخاصة وتقيم علاقات مشاركة لتحقيق بعض الأهداف المشتركة.
تعريف الشراكة
* التعريف الأول
" الشراكة الأجنبية هي عقد أو اتفاق بين مشروعين أو أكثر قائم على التعاون فيما بين الشركاء ويتعلق بنشاط إنتاجي (مشاريع تكنولوجية وصناعية) أو خدمي أوتجاري وعلى أساس ثابت ودائم وملكية مشتركة، ولا يقتصر هذا التعاون فقط على مساهمة كل منهما في رأس المال (الملكية), وإنما أيضا المساهمة الفنية الخاصة بعملية الإنتاج واستخدام براءات الاختراع والعلاقات التجارية، والمعرفة التكنولوجية، والمساهمة كذلك في كافة عمليات ومراحل الإنتاج والتسويق وسيتقاسم الطرفان المنافع والأرباح التي سوف تتحقق من هذا التعاون طبقا لمدى مساهمة كل منهما المالية والفنية".
* التعريف الثاني
" يعرف الاستثمار المشترك على أنه ينطوي على عمليات إنتاجية أو تسويقية تتم في دول أجنبية أو يكون أحد الأطراف فيها شركة دولية تمارس حقا كافيا في إدارة المشروع أو العملية الإنتاجية بدون السيطرة الكاملة عليه".
انطلاقا من التعاريف السابقة يمكننا تقديم تعريف شامل للشراكة على أنها تتمثل في نشاط اقتصادي ينشأ بفضل تعاون الأشخاص ذوي المصالح المشتركة لإنجاز مشروع معين، ويمكن أن تكون طبيعة التعاون: تجارية، مالية, تقنية أو تكنولوجية.
عقد شراكة هو التزام بين طرفين يتطلب حشد التعاون والتضامن لتحقيق أهداف مجتمعية عامة.وهو أسلوب يمكن من إشراك الطرفين الفاعلين.كل حسب قدراته الحقيقي وما يجب الإشارة إليه أن كل التعاريف السابقة تتعلق بالمستوى الجزئي للاقتصاد، أما على المستوى الكلي فإن مفهوم الشراكة (أو المشاركة كما يسميها البعض) في العلاقات الاقتصادية بين الدول يطرح تساؤلا أساسيا هو أين تقع الشراكة من سلم التدرج في التكامل الاقتصادي الذي يعتبر من أشهر صيغ العلاقات الاقتصادية بين الدول، حيث مرت أشكال التعاون بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية بعدة تطورات، فقد انتقلت من اعتماد الدول النامية على الدول الصناعية في تلبية متطلباتها إلى الشراكة فيما بينها بغرض تفعيل مبادئ تحرير التجارة وإعادة تقسيم العمل الدولي على نحو يتفق مع أهداف المنظمة العالمية للتجارة.
وفي هذا الإطار يمكننا تعريف الشراكة على المستوى الكلي على أنها:
تعاون دولتان أواكثر في نشاط إنتاجي أو استخراجي أو خدمي، حيث يقوم كل طرف بالإسهام بنصيب من العناصر اللازمة لقيام هذه الشراكة (رأسمال، العمل، التنظيم)، وقد يتخذ هذا التعاون المشترك شكل إقامة مشروعات جديدة أو زيادة الكفاءة الإنتاجية لمشروعات قائمة فعلا عن طريق إدماجها في مشروع مشترك يخضع لإدارة جديدة، ولايقتصر الأمر في الشراكة التي دعى إليها الإتحاد الأوروبي مع الدول المتوسطية على الجانب الاقتصادي فقط، بل يتعداه ليشمل الجوانب الأخرى (السياسية، الاجتماعية والثقافية).
خصائص الشراكة
إن الشراكة ما هي إلا وسيلة أو أداة لتنظيم علاقات مستقرة ما بين وحدتين أو أكثر (دول أو مجموعات إقليمية), وتتطلب هذه العملية جملة من الخصائص منها :
- التقارب والتعاون المشترك، أي لا بد من الاتفاق حول حد أدنى من المرجعيات المشتركة Les références communes)) تسمح بالتفاهم والاعتراف بالمصلحة العليا للأطراف المتعاقدة (Les Partenaires).
- علاقات التكافؤ بين المتعاملين.
- خاصية الحركية في تحقيق الأهداف المشتركة.
- اتفاق طويل أو متوسط الأجل بين طرفين أحدهما وطني والآخر أجنبي لممارسة نشاط معين داخل دولة البلد المضيف.
- قد يكون الطرف الوطني شخصية معنوية عامة أو خاصة.
- لا تقتصر الشراكة على تقديم حصة في رأس المال، بل يمكن أن تتم من خلال تقديم خبرة أو نقل تكنولوجي أو دراية أو معرفة... إلخ.
- لا بد أن يكون لكل طرف الحق في إدارة المشروع (إدارة مشتركة)، التقارب والتعاون المشترك على أساس الثقة وتقاسم المخاطر بغية تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة.
- التقاء أهداف المتعاملين (على الأقل في مجال النشاط المعني بالتعاون) والتي ينبغي أن تؤدي إلى تحقيق نوع من التكامل والمعاملة المماثلة على مستوى مساهمات الشركاء والمتعاملين.
- تنسيق القرارات والممارسات المتعلقة بالنشاط والوظيفة المعنية بالتعاون.
ومن هذا المنطق يمكننا القول أن الشراكة الاقتصادية تختلف في أسسها عن الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يقوم على الانفراد بالإنتاج والملكية الكاملة لرأس المال، بالرغم من أن الشراكة هي وجه من أوجه الاستثمار الأجنبي المباشر والذي يعرفه صندوق النقد الدولي على أنه "ذلك النوع من أنواع الاستثمار الدولي الذي يعكس هدف حصول كيان مقيم في اقتصاد ما على مصلحة دائمة في مؤسسة مقيمة في اقتصاد آخر، وتنطوي هذه المصلحة على وجود علاقة طويلة الأجل بين المستثمر المباشر والمؤسسة، بالإضافة إلى تمتع المستثمر المباشر بدرجة كبيرة من النفوذ في إدارة المؤسسة".
ففي هذا الإطار نمت الإتجاهات نحو تحرير التجارة والمبادلات الدولية وتوسيع الأسواق، بالإضافة إلى أن التقسيم الدولي للعمل يفترض تنمية وتطويرالأقاليم والدول المختلفة وذلك بخلق أنشطة إنتاجية وصناعية بها لرفع قدرتها الإنتاجية وبالتالي الطلب المحلي ورفع طاقاتها التصديرية.
المزايا التي توفرها الشراكة
من بين المزايا التي توفرها الشراكة ما يلي :
- تبادل الخبرات والتكنولوجيا بين تلك الموجودة في دول المركز (الشركات الأم) وتلك الناشئة في مختلف الفروع في الدول الأجنبية.
- اكتساب المزيد من الخبرة بظروف الأسواق المحلية والأجنبية من خلال الصادرات والاستثمار المباشر.
- زيادة فرص التوظيف الاستثماري للمدخرات ورؤوس الأموال المحلية عند توظيفها مع المشروع الأجنبي، وتشجيع الأفراد والمستثمرين المحليين على عدم تهريب أموالهم للخارج، باعتبار أن المشروع المشترك يعمل على تحقيق أهداف الاقتصاد الوطني، عكس الاستثمار الأجنبي المملوك بصفة كاملة للطرف الأجنبي الذي يخدم مصالح دول المركز أساسا.
- تساعد الشراكة على تخفيف العبء على ميزان المدفوعات حيث سيتم التقليل من التحويلات الرأسمالية إلى الخارج في شكل أرباح إلا بقدر نصيب الشريك الأجنبي فقط، كون أن المشروع المشترك قائم في جزء كبير من رأسماله على المدخرات الوطنية، كما تساعد أيضا على رفع الطاقات التصديرية للبلد والتقليل من الواردات وتوفير مناصب الشغل.
- تشجيع المساهمة المحلية إلى جانب الشريك الأجنبي، وهذا في الواقع يمثل ضمانا لهذا الأخير وتقليلا للمخاطر.
- سهولة اكتساب الأسواق المحلية والحصول على المواد الأولية وبراءات الاختراع والابتكارات واليد العاملة الرخيصة.
- الحصول على امتيازات وإجراءات تفضيلية في هذه الدول لا يمكن أن تحصل عليها في بلدانها الأصلية.
- الإنتاج بتكاليف منخفضة.
- التحويل التكنولوجي وتحويل مناهج التسيير وإمكانية الحصول على التمويل.
أهداف الشراكة
- التعاون بين أطراف الشراكة
- خدمة العملاء في الوقت المناسب
- تجنب التأخير
- طرح بدائل جديدة
- المشاركة في الخطط
- الأداء الجيد
- جمع الطاقات
- تبادل الخبرات
- خفض التكاليف
- المشاركة في التكاليف الثابتة
- السيطرة على المخاطر
- تحسين أساليب الاستعمال
- المشاركة في تحمل المخاطر
- توفير قيمة أكبر للمستهلك
- زيادة الفهم المتبادل
- تقديم خط منتجات أقوى
- خلق منتجات جديدة
- تسويق منتوجات إضافية
- مساندة وخدمة العملاء
- زيادة القدرات التسويقية
- ابتكار أنماط استهلاكية جديدة
- تحسين صورة المؤسسة
- إعلانات مشتركة
- التكامل بين الخبرات
- التنسيق في البرامج
انعكاسات وسلبيات الشراكة
- قد يطغى هدف الربح والتوسع والابتكار على حماية المستهلك، وذلك بتقديم سلع أو خدمات ضارة أو ذات جودة ونوعية رديئة وبأسعار مرتفعة، أو زرع عادات استهلاكية أو استعمالية تتنافى مع منظومة قيم المجتمع ومبادئه.
- يترتب أحيانا على قيام تحالفات بين الشركات الكبرى خلق مراكز تجارية ضخمة مما يؤدي إلى غياب المنافسة وتدهور القدرة التنافسية لبقية الشركات، وبالتالي ظهور عدم تكافؤ الفرص التنافسية.
- تؤدي التحالفات التجارية إلى ظهور أسواق للبائعين وغياب أسواق للمشترين، حيث تصبح قوى السوق في أيدي عدد قليل من التحالفات نتيجة الاحتكار.
- يحتمل أن تؤدي هذه التحالفات إلى فقدان المركز التنافسي للمؤسسات والصناعات الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي تدهور فرص نمو وتطور هذه الصناعات.
- يؤدي التحالف أو الشراكة إلى إنشاء كيانات كبرى تقلل من القدرة التنافسية للصناعات الوطنية في ظل إلغاء الحماية، هذا ما قد يؤدي إلى القضاء على الصناعات الوطنية.
المصادر
- "معلومات عن شراكة على موقع psh.techlib.cz". psh.techlib.cz. مؤرشف من الأصل في 09 ديسمبر 2019.
- "معلومات عن شراكة على موقع catalog.archives.gov". catalog.archives.gov. مؤرشف من الأصل في 15 مايو 2019.
- "معلومات عن شراكة على موقع snl.no". snl.no. مؤرشف من الأصل في 23 أكتوبر 2016.
- فريد النجار، التحالفات الإستراتيجية، من المنافسة إلى التعاون، خيارات القرن الحادي والعشرين، ايتراك للنشر والتوزيع، مصر، 1999، ص (24)، بتصرف.
- بن عزوز محمد، الشراكة الأجنبية في الجزائر، واقعها وأفاقها، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر، 2001، ص (12)
- Marie Françoise Labouz, op.cit,PP(39-40)
- Bruno Ponson, op.cit، P(26)
- سميح مسعود برقاوي، المشروعات العربية المشتركة، الواقع والأفاق، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة الثقافة القومية، الطبعة الأولى، بيروت، ماي، 1988، ص (18-19).
- أخرمبالي ولد محمد، الأثار الاقتصادية للشراكة العربية – الأوروبية على الاقتصاديات العربية (تجربة تونس والمغرب)، رسالة ماجستير، معهد البحوث والدراسات العربية، مصر 2003، ص (12).