عبد القادر سعيد أحمد طاهر [1] الملقب بأبو سند، من مواليد (1941 ) وتوفي في ( 1974)، ويعد أحد أبرز زعماء الحركة الوطنية اليمنية في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين[2]
النشأة
ولد عبد القادر سعيد أحمد طاهر الأغبري عام 1941 بقرية (الأجران) من عزلة (الأغابرة) التابعة لمديرية حيفان الواقعة ضمن مديريات محافظة تعز.
التحق ب(المعلامة)ودرس القرآن الكريم، ورعى أغنام الأسرة في شعاب الأغابرة، وفي يوم ربيعي من عام 1948 اصطدم ابن السنوات الــ (7) بمشهد سيظل يلعب دورا أساسياً في تصويب خياراته المتزنة نحو غاياته الكبيرة، وفي تحديد مساراته النضالية، ومواقفه الوطنية العظيمة. كان (( مشهد وصول أبيه (سعيد أحمد طاهر) محمولاً بين سواعد رجال من القرية. وفجأة امتلأت الدار بالزائرين رجال ونساء وأطفال. وجميع الزائرين يكررون ذاتها الاسئلة: كيف أُصبت؟ ... كيف نجوت وأنت مصاب؟ ولماذا فشلت الثورة؟ كان منظر الجرح على إحدى ساقيه بليغاً جراء الإصابة بواحدة من شظايا قذائف جيش الأمام التي أحدثت فيه إعاقة بائنة في سيره لازمته حتى وفاته. أمام الزهو الذي غمره بشجاعة أبيه الثائر ضد مملكة الظلم الإمامي أنتابه الحزن جراء الإصابة التي طالت ساقه. ومن طرفي (الحزن، والزهو) توازنت ذاته واستقامت روحه فلا الزهو بسماعه لأهالي القرية وهم يرددون قصة شجاعة والده قاده للغرور، ولا الحزن بفقدانه لجزء من ساقه أودت به إلى دركات اليأس. لقد أدرك أن أباه كان ضمن (المتدسترين) الذين التحقوا بثورة (17 فبراير 1948م) الدستورية ... تلك الثورة التي لم تصمد حتى شهراً كاملاً إذ سقطت يوم 13 مارس 1948م أمام جيش الإمام والقبائل التي هاجمت معه صنعاء وجعلتها مدينة مفتوحة لاستباحة عكفه وأنصاره يعبثون فيها كيفما يشاؤون. ذلك هو المنبع الأول الذي ارتشف منه (عبد القادر) جرعة التوق الأولى لأن يغدو ثائراً كأبيه المتجلجل اسمه فوق ألسنة أهالي قرية (الأجران) من عزلة (الأغابرة) التابعة لمديرية حيفان-تعز))[3]
لم يلبث أبيه (سعيد أحمد طاهر الأغبري) كثيراً في القرية رغم ساقه المصابة خشية أن يقع بأيدي عكف الإمام وأعوانه فانتقل إلى مدينة عدن كبقية الذين نجوا من الوقوع في الأسر. كما أن أعجاب أهالي القرية بشجاعة والده الثائر الدستوري، وذكاءه في مخادعة عيون وجنود وأعوان الإمام صارت مضرباً للأمثال تركت أثراً بالغاً في نفسيته جعلته يحن إلى اللحظة التي سيلتحق فيها بأبيه في عدن.
الانتقال إلى عدن
في نهاية الأربعينيات استطاع (عبد القادر) إقناع (الجمَّال) بأخذه إلى أبيه في مدينة عدن، حيث أقام(( في حي الشيخ عثمان وألحقه أبوه بالمدرسة الأهلية لأن مدارس البريطانيين كانت مؤصدة في أوجه أبناء الفقراء والفلاحين ومحصورة لأبناء السلاطين والمشايخ والوجاهات وأعوانهم فأكمل الابتدائية والإعدادية ليلتحق بعدها مباشرة بكلية عدن وحصل منها على شهادة الثقافة العامة))[2]. خلال الفترة التي أقام فيها بمدينة عدن عقد الخمسينيات تكونت بقية المنابع التي شكلت تجربته الثورية المبكرة، وانتضجت فيه السمات والصفات القيادية المتعددة. عدن حاضنة كل اليمنيين من المناطق ... عمال وتجار ... طلاب وأحرار ... أحزاب ونقابات ومسارح وفنون وأداب، وثقافة، وأجناس من جميع أنحاء العالم، وأخبار تنقل من مصر حكايات وخطابات عبد الناصر.
النبوغ القيادي المبكر
مع مطلع عام 1959م كانت قيادة حركة القوميين العرب في كل من بيروت والقاهرة قد استقطبت ستة من الطلاب اليمنيين وأوكلت إليهم مهمة تأسيس فرعين لها في كل من عدن وتعز. وفي حين لم يتمكن (يحيى عبد الرحمن الإرياني، عبد الكريم الإرياني) العائدان من القاهرة من تأسيس خلايا سرية في تعز على نحو سريع استطاع الأربعة الأخرون ــــــ فيصل عبد اللطيف الشعبي العائد من القاهرة، وسلطان أحمد عمر، وعبد الحافظ قائد، وعبد الملك إسماعيل العائدون من بيروت إلى عدن وبحذر من عيون جواسيس الاحتلال الإنجليزي ــــ استطاعوا الانتقاء الدقيق للعناصر الأولى التي كانت أكثر من غيرها مهيئة لتحمل كافة مترتبات النضال في ظروف العمل السري الشاق. و بحسب المعلومات التاريخية مثلت تلك العناصر طليعة العمل الحركي الوطني المنظم والنواة الأولى لحركة القومين العرب في مدينة عدن نحو( علي أحمد السلامي، طه أحمد مقبل، سيف الضالعي، وعبد القادر سعيد، وعبد الفتاح إسماعيل، وسعيد أحمد إسماعيل الجناحي، سالم زين محمد، عبد الرحمن محمد عمر، وعبد القادر أمين، عبد الله الخاوي، علي عبد العليم، محمد سعيد مصعبي، أحمد صالح السلامي، محمد سعيد، عبد الرزاق شائف، محمد عبده علي، سالم ربيع علي ، علي صالح عباد (مقبل) ، محمد سليمان ناصر، أبوبكر شفيق، علي عبد الرزاق عولقي، علي فرج با عبيد، ، وغيرهم.[4]
كان عبد القادر سعيد من أولئك الذين ينطبق عليهم الوصف (أمة)، و(نسيج وحده) مخلصاً للأهداف الكبيرة التي مثلت في وعيه الوقاد المنطلقات الأولى للتحرر من الاحتلال والاستبداد الملكي، وتجلى إخلاصه في بروز قدراته القيادية الذاتية، وسرعة استلهام كل متطلبات صقل تلك القدرات من التثقيف الذاتي القائم على استقراء معطيات التاريخ اليمني، والعربي من ناحية، وفهم معطيات اللحظات التاريخية التي يعيشها واقع الوطن، وراهن العرب، ومتغيرات العالم من ناحية أخرى.
إن شاباً لم يتجاوز العشرين عاماً ويمتلك من مواهب السمات القيادية، والوعي الكافي، والنشاط الدؤوب وبتعبير أخر يمتلك نبوغاً قياديا مبكرا سيكون من الطبيعي أن يحجز له مكاناً في الصفوف القيادية الأولى لفرع حركة القوميين العرب في اليمن.
مؤسس أول خلية سرية لحركة القوميين العرب بعدن
اسندت إليه مهمة الإشراف والتأسيس للخلايا السرية فجعل من بيته المتواضع في الشيخ عثمان مقراً سريا يستقطب إليه من يرى أنه قد صار مؤهلاً للانتماء للحركة، وهناك (في دكان الأغابرة بحي العمال بالقلوعة قاد أول خلية عمالية)[5] سرية أسسها، وخطر تأسيس تلك الخلية التي أسسها وأشرف على تربيتها وتثقيفها أنها كانت داخل أهم وأوسع قطاع عمالي حينها في عدن وهي (مصافي النفط) بحسب شهادة مناضل مخضرم (أطال الله في عمره) هو عبد الله مطلق صالح الحالمي حيث قال: (وفي نوفمبر 59م أسسنا حركة القوميين العرب التي تبنت خيار الكفاح المسلح فقد جاءنا المناضلون علي السلامي وعلي ناصر محمد وآخرون وقالوا إن جمال عبد الناصر يؤيد قيام تنظيم قومي واسع يسمى حركة القوميين العرب وكانت أول حلقة سياسية دخلناها ونحن ما نزال في مصافي عدن وكنا خمسة أشخاص مؤسسين وكانت القيادة والاشراف مناطة بعبد القادر سعيد...... كان يأتي إلينا بالأدبيات والكتب والمنشورات وبدأنا ننشر أفكار الحركة أنا وسيف الضالعي، وطه مقبل، وسالم زين، علي السلامي، وعبد القادر سعيد، وعبد القادر أمين.[6] بعد تخرجه من كلية الثقافة بمدينة عدن اتجه إلى التدريس في إحدى مدارسها. و(( كانت اليمن كما هو معلوم ــــــ خلال فترة السنوات الثلاث من نهاية الخمسينيات حتى ليلة قيام تنظيم الضباط الأحرار باقتحام قصر البشائر بصنعاء والإطاحة بالإمام ــــــ قد شهدت خاصة في مدينة تعز وعلى نحو أخص في مدينة عدن بروز تطورات جديدة على الواقع تمثلت في تأسيس الحركات النقابية العمالية وتعدد الأحزاب والحركات السياسية التي كانت تأخذ في البداية طابع العمل السري قبل الإشهار عن وجودها وانشطتها العلنية.
ومعلوم أيضاً أنه كان قد سبق ظهور تيار حركة القومين العرب فرع الجنوب مع نهاية عام 1959 تأسيس خلايا(يسارية) سرية في تعز، وعدن عبر عبد الله باذيب الذي أسس لا حقاً منها حزب اتحاد الشعب الديمقراطي عام 1961م، وكذلك تأسيس كل من حزبي البعث العربي الاشتراكي عام 1956 في عدن، وعام 1959 في صنعاء، وفي عام 1958م تأسست الجبهة الوطنية، وشهد العام 1960 تأسيس الفرع الثاني لحركة القوميين العرب في مدينة تعز وتشكلت أول قيادة لإقليم اليمن تتكون من (فيصل عبد اللطيف، علي أحمد السلامي، طه أحمد مقبل، سلطان أحمد عمر، سيف أحمد الضالعي، يحيى عبد الرحمن الإرياني، عبد الحافظ قائد)).[4]
وبإشراف مباشر من هذه القيادة ((لا سيما بعد صياغة الحركة برنامجاً سياسياً واضحاً دقيقاً ـــــ تمحورت أبرز أهدافه في إسقاط نظام الحكم الإمامي في شمال الوطن أولاً كيما تتخذ منه قاعدة لخوض حرب شعبية مسلحة لتحرير جنوب الوطن اليمني تالياً ـــــ وإلى جانب البرنامج الفكري القومي التثقيفي الإلزامي ناهيك عن طبيعة التنوع الأيديولوجي السياسي الذي اشرت إليه من تنامي وتزايد الأحزاب المتعددة ... من كل تلك وغيرها من المعطيات التي ظلت تتوالى وتتغير على كافة مستويات تلك الفترة في اليمن والمنطقة والعالم جعلت الشهيد (عبد القادر سعيد) يتشدد في مضاعفة مسألتي التكوين والتثقيف الذاتيين تكويناً من حيث التسلك بكل متطلبات صفات وسمات القائد، وتثقيفاً مضاعفاً يتجاوز ما يوكل إليه من واجبات التثقيف من أجل فهم طبيعة الظروف التاريخية المعاصرة وتحديد أدوات ووسائل التعاطي معها بأخلاق حضارية أولاً وقبل كل شيء فاستطاع بما يمتلك من تزاحم المهارات القيادية، واتساع حجم الكثافة الثقافية الواعية إفعال شخصيته الكاريزمية في قلوب وأذهان كل من يجلس أو يتعرف عليه أو يستمع لحديثه أو يخوض معه حوار في أمر ما.
من كل تلك السجايا الذاتية وغيرها صارت الرؤية أكثر وضوحاً أمام عينيه، وهو ما ظل يمكنه من تحقيق إنجازات عملية متلاحقة في كل ما يقدم إليه من مهام ابتداء من تأسيس أول خلية سرية في مصافي النفط مرورا بتأسيس عشرات الخلايا السرية في مديريات التواهي، والشيخ عثمان والقاهرة والقلوعة وصولاً إلى المشاركة في تأسيس قيادة حركة القوميين العرب، وغيرها من التيارات السياسية)).[3]
قيادة أول طلائع دعم وحماية ثورة سبتمبر 1962
ما أن سمعت الحركة مذياع صنعاء يعلن عن الإطاحة بحكم البدر وقيام الثورة حتى سارعت قيادة الحركة بتكليف عبد القادر سعيد ضمن عدد من قيادييها بقيادة أول الطلائع الثورية المنظمة لمساندة الثورة حد ما جاء في شهادة راشد محمد ثابت ((في ثاني يوم من الثورة انتقلت عناصر القيادة من عدن إلى الشمال ومنهم علي أحمد السلامي وعبد القادر سعيد وعبد الحافظ قائد، سالم زين محمد وعبد الرحمن غالب واعني بهؤلاء مجموعة القيادات الرئيسية التي انتقلت إلى الشمال ثم لحقهم فيصل عبد اللطيف وقحطان الشعبي من القاهرة إلى صنعاء وتعين حينها قحطان مستشاراً للرئيس السلال لشؤون الجنوب بدرجة وزير، فبدأ قحطان مع القيادات الشمالية والجنوبية الرئيسية بالتهيئة للثورة في الجنوب ضد الاحتلال البريطاني)).[7] لم يلبث الشهيد عبد القادر سعيد وبقية مجموعة القيادة في تعز سوى اليوم الثاني للثورة فقد كانت المدينة ترتج من تلاطم الأمواج البشرية على جنباتها، وما إن التحمت قيادتي الحركة بعدن وتعز مع الحشود البشرية حتى تشكلت أفواجا وجماعات وتواً اتجهت صوب صنعاء الثورة بعضها التحقت مباشرة بجبهات القتال، والبعض منها تشكلت داخل أول لواء عسكري هو لواء الثورة والبعض أسندت إليهم مهمات التعبئة الثورية للجماهير فكان في طليعة الذين أسندت إليهم مثل هكذا مهام.
تأسيس مدارس ليلية للتوعية
((كان الشهيد يدرك جيدا بحدس القائد، ووعي المفكر أن أول أخطر أعداء أية ثورة في التاريخ هي جهل الذين من أجلهم تقوم الثورات فاقترح أن تتأسس مدارس ليلية للتوعية ونشر المعرفة، وكان فيصل عبد اللطيف وقحطان الشعبي قد سارعا بالانتقال من القاهرة للانضمام إلى أعضاء قيادة الحركة القومية من الجنوب والشمال الذين وصلوا صنعاء، وفي اجتماع عقد في عاصمة الثورة أقروا تأسيس تنظيم شعبي للقوى الوطنية مهمته دعم وحماية الثورة غير أن الظروف لم تك مناسبة لتأسيسه في صنعاء ... إن للتوقد الشامل الذي صاره وعياً وحركة أعطى لحضوره في الوسط الثوري لوناً مائزاً وإيقاعاً متفردا إلى الحد الذي وجد نفسه ملزمة بتأدية واجبات مزدوجة ثورية وحركية ثورية حيث كلف بما يمتلك من قدرات الإقناع والتأثير والتثوير للقيام بواجب حشد الجماهير للدفع بها للحرس الوطني الجديد ومساندة جيش الثورة في جبهات المواجهات مع القِوى الملكية، وحركية في التحضير لتأسيس تنظيم شعبي للقوى الوطنية))[3] فقد جاء في خبر نشرته صحيفة الجمهورية بعددها الرابع((المؤتمر الشعبي يدعو للمشاركة... تقوم لجنة التبرعات في المؤتمر الشعبي العام بحملة تبرعات واسعة لدعم ميزانية المؤتمر ليقوم برسالته العظيمة في نشر التوعية، والمعرفة والثقافة بين صفوف المواطنين بمختلف الوسائل، ومن ذلك افتتاح المدارس الليلية، وستفتح أول مدرسة قريباً فشارك المؤتمر بالتبرع لهذا العمل العظيم))[8]
مؤسس أول حزب بعد ثورة سبتمبر 1962م
لم يكد يمر شهران على قيام الثورة حتى كان الشهيد قد قام بإنهاء التحضيرات لتأسيس أول حزب سياسي يمني بعد ثورة سبتمبر فلم ينقضي شهر نوفمبر من عام 1962م إلا ومدينة تعز تشهدت تأسيس (( تنظيم المؤتمر الشعبي العام للقوى الوطنية" ضم داخله مختلف الكيانات الوطنية التي لم تكن قد أشهرت عن تواجدها سياسياً، وضم كذلك الشرائح العمالية والشبابية والاجتماعية وانتخب (سعيد الجناحي) رئيساً له والشهيد عبد القادر سعيد أميناُ عاماً لأمانته العامة.. تنظيم ضم فئات واسعة من القوى الوطنية المؤيدة للثورة أسس بهدف حماية الثورة والدفاع عنها خاصة وأن قوى التآمر الملكية بدأت تكتل قواها لإجهاض الثورة والنظام الجمهوري، وكان لأعضاء حركة القوميين العرب وخاصة العناصر المثقفة دورا بارزا في تأسيس المؤتمر الشعبي وقيادته حيث وجد المؤتمر الشعبي تأييداً كبيراً من أبناء الشعب وحصل على إمكانات من التجار الوطنيين وفتحنا مقراً له فيما كانت تسمى " العقبة " في تعز. وبسبب الخلاف العدائي الذي كان محتداً بين حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب، والذي ساد في ظل الصراع السياسي بين الزعيم جمال عبد الناصر وحزب البعث)).[9] إذ أوعز البعثيين للرئيس السلال أن الحزب يمارس أعمالاً تغذي الطائفية الأمر الذي حدا بالسلال إلى إغلاقه قبل أن يحول عليه عاما كاملاً.
اتساع بريق اسم عبد القادر
((خلال الأعوام الثلاثة من عام 1963 وحتى نهاية عام 1965م أخذ اسم عبد القادر سعيد يكتسب بريقاً متزايداً في مختلف الفعاليات الوطنية الثورية دفع بمجلس قيادة الثورة إلى القيام بتعيينه سكرتيراً لصحيفة (الثورة) الرسمية اليومية مطلع العام 1963م. واتسمت كتاباته لصحيفة الثورة بتحريض الوجدان الثوري والوطني في الوعي الشعبي بهدف توسيع قاعدة جماهير الملتحقين بالثورة والدفاع عنها.
وخلال نفس العام تم تكليفه بمهام المسئول السياسي لتنظيم حركة القوميين العرب شمال اليمن 1963م. وذهب عند تواجده بصنعاء خلال هذه الفترة إلى جانب عمله في صحيفة الثورة مع بقية قيادة حركة القوميين العرب يفكرون بفكرة تأسيس جبهة لتحرير الجنوب المحتل.
وفي إحدى جلساتهم في بيت عبد الحافظ قائد بصنعاء اختمرت الفكرة على ضرورة الإسراع بتشكيل جبهة لتحرير الجنوب المحتل تم الدعوة إليها، وتحديد موعد إعلانها.
وقد يطول بنا المقام بشأن مشاركته في تأسيس الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل نظراً لكثرة الأحداث وازدحام المواقف التي مرت بها الجبهة بسبب انعكاس العلاقات بين (عبد الناصر، والبعثيين) على كافة فعاليات الأنشطة التي كانت الجبهة القومية تتبناها أو تتخذها في سبيل تحقيق أهدافها.
ولطول هذا المقام والتشابكات التي اتسمت بها طبيعة الفترة منذ الإعلان عن تأسيس (جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل) أول مرة في 24 فبراير 1963م إلى أن أخذت اسمها النهائي (الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل) في 19 أغسطس من نفس العام إلى أن عقدت الجبهة أول مؤتمر عام لها في تعز (22 يونيو 1965) وما تلى ذلك من دمجها مع جبهة التحرير في 13 يناير 1966م حيث قاد الشهيد مبادرة رفض عملية الدمج تلك ونظراً لسعة مقام الحديث حول الجبهة القومية لتلك الفترة نكتفي هنا بذكر أبرز إسهاماته معها وهي كالتالي: شارك ( في اللقاءات والحوارات التي أفضت إلى تشكيل تنظيم (الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن) وتم اختياره عضوًا في مجلسها التنفيذي (يعادل المكتب السياسي حالياً)، واسندت إليه مهمة تمثيل الجبهة القومية في شمال اليمن. في عام 1965 أختاره مركز القيادة في بيروت لعضوية القيادة المركزية لحركة القوميين العرب عن شمال اليمن 1965م. منصبه كقيادي ضمن القيادة المركزية لحركة القوميين دفع بـ (( كل من قيادة الحركة في الشمال، والجبهة القومية تكلفانه بمسئول القيادة التنسيقية بينهما خصوصاً بعد أن أعلنت الجبهة القومية عن نفسها رسمياً في مؤتمرها الأول في 22 يونيو 65م بتعز حيث كلفته قيادتها بأن يكون المسئول الأول عن تنسيق المساعدات العسكرية والمالية لثورة 14 أكتوبر من الشمال فكان يشرف على جمع التبرعات، واستلام الأسلحة وتسليمها للمكلفين في جبهات الثورة في الجنوب بالتواصل معه، ولم تقف المهام المناطة به عند هذا الحد بل أُسندت مسئولية إدارة العلاقات السياسية مع الحكومة الشمالية الداعمة لسياسة الجبهة القومية، وعلاوة على ذلك كلفته الجبهة للتحدث باسمها مع سفراء الدول الأجنبية في الشمال)) [3]. هذا فيما يخص المهام السياسية التي كلف بها من قبل كل من قيادة حركة القوميين العرب فرع الشمال وقيادة الجبهة القومية.
المحاور السياسي الذي فرض حضوره في المؤتمرات الجمهورية
اختاره مجلس قيادة ثورة الـ (26 من سبتمبر) في ((معظم المؤتمرات التي كانت تنعقد بين الجمهوريين والملكيين، ولعب دوراً كبيراً في طرح مسألتي الثورة والجمهورية على أنهما صارتا واقعاً يجب على الملكيين الاعتراف به أولاً وقبل كل شيء، وبسبب هذا الطرح فشل مؤتمر خمر1963م. وفي مؤتمر الجند الذي انعقد لانتخاب واختيار الممثلين للوفد الجمهوري لحضور مؤتمر حرض تم انتخاب الشهيد ضمن الذين انتخبوا لهذه المهمة، ومثلما لعب دوراً في طرح مسألتي الثورة والجمهورية في خمر كمسألتين لا تفاوض حولهما استطاع إقناع رئيس الوفد الجمهوري (القاضي الإرياني) بطرح خياري الثورة والجمهورية كخيارين لا تراجع عنهما في مؤتمر حرض الذي انعقد في 23 نوفمبر 1965م، وهو ما أصر الملكيين على رفضه لينتهي المؤتمر قبل أن يكمل جلسات أعماله بالفشل بالنسبة للملكيين والانتصار بالنسبة للجمهوريين.))[3]
قيادة مبادرة رفض دمج القومية بالتحرير
سيلاحظ منذ بداية العام 1966م والأعوام التالية قيامه بعدد من المبادرات الوطنية والسياسية أفصحت في مضامينها حرصه الشديد على ضرورة أن تفضي كل مسارات وأحداث ثورتي سبتمبر وأكتوبر إلى تحقيق أهدافيهما المعلنة. ففي مطلع العام 1966م قام الشهيد بقيادة فرع حركة القوميين العرب في الشمال بمبادرة رفض الدمج ( رفضاً مطلقاً داعياً إلى: عودة القيادة العامة للجبهة القومية إلى الداخل ومواصلة معركة التحرير الوطني المسلحة بالاعتماد على جماهير العمال والفلاحين وكافة الفئات الوطنية والتقدمية في الساحة)[10] وقام الشهيد بالتحضير للمؤتمر الذي عقد في مدينة (جبلة)- اليمن الشمالي في حزيران 1966م، .... وفيه قرر المؤتمر القبول بالبقاء في إطار جبهة التحرير مع توضيح رأيها في الأسس التي ينبغي القبول بها في هذا الإطار، وعلى رأسها رفض القبول بوجود السلاطين في العمل الوطني، وقد رفع هذا الموقف في تقرير أرسلته الجبهة إلى القيادة المصرية وإلى عبد الناصر)) [11]. وقد اتخذ مؤتمر جبلة (( قراراً بتجميد أعضاء المجلس التنفيذي الموقعين على بيان الدمج، وأبقت مقعدين لكل من قحطان الشعبي، وفيصل عبد اللطيف، وأرسلت رسالة إلى عبد الناصر رسالة تطالب بالإفراج عنهما، وانتخبت قيادة جديدة ضمت كل من : عبد الفتاح إسماعيل أمينا عاماً وعضوية كل من محمود عشيش، وأحمد الشاعر، وعلي سالم البيض ، ومحمد أحمد البييشي ، وعلي عنتر ، وفيصل العطاس ، وعلي صالح عباد (مقبل) وسالمين ، وسيف الضالعي ، ومحمد علي هيثم ، وعبد الملك إسماعيل.[12] وسيلاحظ هنا أن مؤتمر جبلة خرج بقرارات مضادة لموقف عبد القادر سعيد وقيادة فرع الحركة في الشمال الرافض كلية للدمج غير أن القيادة الجديدة بعد تأكدها من تواطؤ موقف المخابرات المصرية لصالح جبهة التحرير خصوصاً عند استمرار حجز قحطان الشعبي لما يزيد عن سنة ونصف ، وفيصل عبد اللطيف لثمانية أشهر لتعود لاحقاً لتتبنى الموقف الرافض الذي سبق أن أعلنته قيادة الحركة فرع الشمال والتي كان عبد القادر سعيد المسؤول السياسي لها.
رفض مخطط 5 نوفمبر الإنقلابي
حينما كانت المعطيات تشير إلى وجود انقلاب قد ينفذ ضد الرئيس السلال دعا عبد القادر سعيد قيادات حركة القوميين العرب إلى منزله في تعز والذي كان قد استقر فيه عقب زواجه في مدينة تعز وفي هذا اللقاء بحسب شهادة الجناحي((عقد اجتماع موسع للعناصر القيادية في الحركة في منزل الرفيق عبد الباقي محمد سعيد برئاسة الرفيق عبد القادر سعيد أحمد طاهر وحضره الرفيق الراحل يحيى عبد الرحمن الإرياني وآخرون... في ذلك الاجتماع تم تدارس الوضع والخروج بموقف تجاه قيام حركة لإقصاء الرئيس عبد الله السلال وبعد تقييم الوضع حينها... أدركنا أن كل الدلائل والمسوغات تشير إلى حركة انقلابية تُدبر ومن الصعوبة إيقافها... رغم أننا توقعنا أن الوضع الذي سيخلف عهد السلال سوف يسير نحو تسوية بحماس، مما سيضعف النظام الجمهوري، وللحقيقة وضعت هذه المقارنة لعلمنا إن المرشح الخلافة المشير السلال... القاضي عبد الرحمن الإرياني، وقلت إن السلال قائد وطني يشكل الضمانة لحماية الثورة والجمهورية وأن القاضي الإرياني سيعتمد على القوى التقليدية في السلطة وسيسعى إلى تسوية ستؤدي إلى ضرب القوى التقدمية ورغم وجهة نظري هذه إلا أني التزمت بالقرار الذي توصلنا إليه وفحواه: " أن يكون موقف أعضاء الحركة ومناصريها عدم المشاركة في الحركة المرتقبة حينها وعدم مجابهتها أو تأييدها، وبالنسبة لأعضاء الحركة من العسكريين عليهم إطاعة الأوامر وعدم تنفيذها بحماس... بما يعني أن الموقف اتسم بالتحفظ.))[13].
الرئيس الإرياني لا يرد له طلباً
على إثر الاجتماع الذي اتخذته قيادة الحركة في منزل عبد القادر سعيد ابدى (الجناحي وجهة نظره) خارج ذلك الاجتماع فوصلت إلى السلطات التي قامت باعتقاله مع أخرين: (( تم اعتقالي الساعة الخامسة صباح يوم 5 نوفمبر 1967م حين داهم عدد من الضباط والعسكر من الشرطة وجهاز الأمن الوطني – وكان في بداية تأسيسه -ونقلت إلى فيللا تابعة للأمن الوطني (مقر الحزب الاشتراكي اليمني حالياً وكانت قد تفيدت ثانية عقب حرب 94م) تقع بجانب منزل القاضي عبد الرحمن الأرياني، وبعد وقت قصير أضيف أليَّ كل من محمد مطهر، وعبد الله مطهر أخوين لعبد الغني مطهر -وبقية المعتقلين كانوا من المرتبطين بالمصريين أو من المؤيدين للرئيس السلال ........... ونقلت في اليوم الثاني إلى معسكر العرضي وفي اليوم الثالث أطلق سراحي دون ان توجه لي تهمة... أو يحقق معي أحد وما علمته أن الرفيق عبد القادر سعيد اتصل بالقاضي الإرياني رئيس المجلس الجمهوري... وبتوجيه منه أطلق سراحي)).[14]
الدور القيادي ضمن المقاومة الشعبية لفك الحصار عن صنعاء
تجلى الدور القيادي للشهيد عبد القادر سعيد ((كواحد من أبرز القيادين للمقاومة الشعبية التي تكونت من العمال والطلاب والفلاحين والتجار ومختلف الشرائح الاجتماعية والوطنية. ونظراً لموقعه القيادي في قيادة حركة القوميين العرب، ومسئول العلاقات للجبهة القومية مع الحركة والحكومة اليمنية، والسفارات الأجنبية فقد وظف كل تلك المراكز التي يشغرها في دعم حركة المقاومة الشعبية التي كان للجبهة القومية دوراً كبيراً في رفدها بالمقاومين والسلاح وغيره من لوازم متطلبات دحر القوى الملكية التي بدورها كانت قد أعدت كل مقومات اسقاط الثورة والجمهورية ودخول صنعاء.)) ولعب الشهيد من خلال نادي الشباب الثقافي الذي اسسه في تعز1966م دواراً بارزاً تجلى في حشد الشباب والطلاب المتطوع للالتحاق بصفوف المقاومة الشعبية [3] التي استطاعت مع عناصر الجيش وتحديدا قوات المضلات والصاعقة والمدفعية فك الحصار ودحر جيوش الملكيين المدعومة يومها من السعودية والأردن وإيران، و(الطائرات الإسرائيلية التي استمرت بتزويد المرتزقة الأوروبيين عبر زعيمهم (جيم جونسون،) وقبل ذلك دعم الملكيين بالأسلحة لمدة سنتين)[3]
محطات ما بعد 1967
لقد تميز الشهيد عبد القادر سعيد عن غيره من رموز الحركة الوطنية اليمنية في الشمال والجنوب بعد تحقيق الانتصار سواء على الاحتلال وتحقيق الاستقلال في الجنوب أو على الملكيين وتثبيت النظام الجمهوري أنه سلك مسلكاً يقوم على التعايش بين القوى الوطنية المختلفة، واتخاذ الحوارات الوطنية منهجاً حضارياً لتحقيق ذلك التعايش والقبول بالأخر ونبذ منطق العنف وتجلت مواقفه بعد عام 1967 على النحو التالي: 1 ـــ مبادراته للدولة الجديدة في الجنوب: عندما رأى احتدام الخلافات بين كل من الجبهة القومية وجبهة التحرير تقدم بمبادرة لحل الخلافات بينهما من منطلق أن الثورة المسلحة في الجنوب كانت من منظور وطني ملاءمة للكفاح ضد الاستعمار، وغير ملاءمة بين اليمنيين، معلناً رفضه لمنطق وفكرة الانقلابات، مقترحاً للجبهة القومية ضرورة التزامها بتحقيق المشاركة السياسية للأحزاب في عدن. فلم ينحز عقب الاستقلال لطرف ضد طرف أحر سواء للجبهة القومية ضد فصائل العمل الوطني الأخرى في عدن أو ضد المواقف التي أخذت تتباين بين قيادة الجبهة نفسها، وهو ما أراد رفيق دربه في النضال (الشهيد عبد الفتاح إسماعيل التعبير عنه في القصيدة التي رثاه بها عقب استشهاده أن يوضحه حينما هزج يقول: فَقَدْنَاك ... وَكُنْت تَحْمِل عَنَّا هُمُوْمْنا... كَشَمِ الْجِبَال... وَتُصَارِع بِعِلْمٍ ... بِفَنٍ ... تُعَانِي... تُعَذِّب... تُرْمَى... عَلَيْك قُيُودَا ثِقَالا ... وَرَغْم الْعَنَاء... عِشْت حَرّاً شَرِيْفَاً... وَكُنْت عُنُوْداً صَبُوْرَاً... تُوَاصِل مَسِيْرَة شَعْبِك... جَنُوْبِا... شِمَالاً... فَكَلَّت قُوَاك... لِكَثْرَة مَا قَد صَنَعْت... شَهِيْدا سَقَطْت... فَطُوبِي... طُوّبِي لِمَا قَد فَعَلَت.[15]
2ــــ المشاركة في تأسيس الحزب الديمقراطي الثوري اليمني:
على إثر الأحداث التي شهدهتها اليمن بعد فك حصار السبعين أعطت المؤشرات عما (( ستكون عليه طبيعة مرحلة ما بعد أحداث مارس 68م في كل من الشطرين، وكذلك مؤشر الخلافات بين القيادة المركزية لحركة القوميين العرب في بيروت والتي نجم عنها قيام فرع اليمن بفك الارتباط التنظيمي اليمني من المركز، وحل فرعه في الشمال لا سيما، وأن فرع الجنوب كان قد ذاب إلى جانب عدد من فصائل الحركة الوطنية الجنوبية داخل إطار الجبهة القومية قبل ذلك. كل هذه المؤشرات وغيرها حدت بعبد القادر سعيد لأن يكون ضمن النخبة المهيأة لتأسيس إطار سياسي وطني جديد يضطلع بمهمة النضال من أجل بناء دولة ديمقراطية لكل اليمنيين، وهدف كبير يحتاج لإطار تنظيمي منظم يضطلع بمهمة تحقيق ذلك الهدف ، ولأجل ذلك اجتمع قرابة 70 كادراً في 28يوليو 1968م بقرية حارات الأعبوس بمنزل الفقيد عبد الرحمن محمد عمر يمثلون قيادة حركة القوميين العرب فرع الشمال ، ونخبة من العسكريين والسياسيين والقيادات النقابية أبرزهم (سلطان احمد عمر، جار الله عمر، عبد الحافظ قائد، عبد القادر سعيد، علي مثنى جبران، علي الآنسي، وعبد الرحمن أحمد عمر، والشهيد علي قاسم سيف، وعبد الرحمن غالب، وعبد الحميد حنيبر، عبد الرقيب الحربي ، عبد الوراث عبد الكريم ، حمود ناجي سعيد ، أحمد قاسم دماج ، عبد الحفيظ بهران ، مالك الارياني ، ويحي عبد الرحمن الارياني ، وعلي مهدي الشنواح ، أحمد أمين زيدان ، محمد ناصر العنسي ) وعشرات آخرين ، وفي المؤتمر انتخب سلطان أحمد عمر رئيساً للحزب، وعبد القادر مسؤولا سياسياً ، وعبد الحافظ قائد مسئولاً تنظيمياً وشيئاً فشيئاً حد تعبير فتحي أبو النصر (انتشرت فروع هذا الحزب الواعد شمالا وجنوبا حتى كان من الفصائل القليلة لتي لها فروع خارج اليمن أيضا من الطلاب والمغتربين الوطنيين، رغم ظروف العمل السري الرهيبة، وتأثير الدعاية السامة المعادية لليسار بالذات).[3]
3 ـــ الدعوة لقيام جبهة وطنية للنضال السياسي
على إثر الواقع التي ألت إليها الأوضاع في البلاد بدأ الشهيد عبد القادر سعيد يخوض حوارات فردية مع عدد من القيادات السياسية كقيادات البعثيين، والإخوان المسلمين وتحديدا مع أحد أبرز مؤسسيها (الشهيد عبده محمد المخلافي) حد ما كتبه الزميل أحمد عثمان(و لم أكن أتصور أن أجد بجانيه القائد الاشتراكي (عبد القادر سعيد) وعلى عكس السائد وقتها يبحثان معاً رغم اختلافهما في التوجه عن كيفية إنقاذ الوطن بعمل مشترك وإخراج العمل الحزبي من شرنقة التعصب وآفة الإقصاء وثقافة إزاحة الآخر وتخوينه أو تكفيره، لقد كانا يبحثان معاً في جلساتهما في تعز ومدارسها ومقهى (الابي )الشهير كملتقى سياسي شعبي وزاويا شارع 26 سبتمبر عن صيغة للعمل المشترك بين القوى المتناحرة التي كانت تختصم على حساب الوطن ولصالح الاستبداد)([16]). لقد كانت دعوة الشهيد لقيام جبهة وطنية للنضال السياسي في اليمن تستند على رفض فكرة الكفاح المسلح تحت أي مبرر يكن وهذا الموقف هو ما حد بالشهيد جار الله عمر يصرح قبيل وفاته بسنوات قائلاً:(( أقول للتأريخ إن عبد القادر سعيد، كان الرجل الأكثر نضجاً والأكثر تطوراً منا جميعاً؟)) [17]
4 ـــــ دوره الاقتصادي:
حينما نبحث عن دوره في بناء أسس الدولة الجديدة سنجد أن أبرز دور لعبه هو المشاركة في تأسيس البنك المركزي اليمني فمن عمله كموظف في لجنة الرقابة على النقد نهاية الستينيات إلى ترأسه فرع هيئة الرقابة على النقد بتعز، إلى تعينه أول مدير عام للبنك المركزي اليمني فرع تعز. 5 ــــ علاوة على ما سيق أسهم الشهيد بفاعلية في توحيد الحركة النقابية العمالية في اليمن وحثِ الأدباء والكتاب في الشطرين على تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في مطلع السبعينيات.
أطرف مخبر أمني
((حينما كان الشهيد مديراً للبنك المركزي اليمني بتعز كُلف حارس الخزانة بمراقبة كل تحركاته ومن يستقبل أو يزوره في البنك، ومن هم الموظفين الذين يختلي بهم أو يجتمع بهم باستمرار؟ أدرك الشهيد ببديهته فكان يكلف ذلك الحارس بالذهاب للتسوق اليومي وإيصاله إلى بيته، وبيت رفيق أخر، وللمخبر الأمني نفسه. حينما تأكد له أن المخبر ليس لديه عائلة لم يعاتبه على أنه كان يستغله بأخذ ثلث التسوق لعائلته بينما هي موجودة، وتعيش في إحدى جبال كوكبان، وإنما قال له لماذا لا تأتي بأسرتك إلى تعز حتى تدرس ابناءك فيها، ويتعلموا ويصبح لهم مستقبل. تذرع الرجل أنه لا يمتلك سكن ... فساعده على توفير أرضية من أوقاف تعز، ومن ثم في بناءه، وذهب المخبر وأحضر زوجته وأطفاله إلى تعز حيث ألحقهم بالمدرسة. وبمرور الأيام اكتشفت زوجة المُخبر من أنه يقوم برفع تقارير أمنية عن الإنسان الذي كان سبباً في انتقاله والأطفال من الريف للعيش في المدينة، بتعليم أبناءها فما كان منها إلا أن وبخت زوجها وهزأته على رده لصنيع الرجل معه بتلك الصورة. استيقظت داخل الرجل مشاعر العرفان، وبدوره اتجه إلى بيت عبد القادر سعيد في وقت متأخر من الليل وحينما وصل واستقبله شرع يبكي ويعتذر ويسوق الحقيقة له، وسأله: لماذا إذاً يراقبونكم؟ رد الشهيد عليه: لأننا نريد للناس أن يكونوا مثلما عملت معك ... نريدهم يدخلوا ابناءهم المدارس، ويبنوا بيوت لهم، ويطوروا هذا البلد. ومضت السنوات وتخرج أبن ذلك الرجل من كلية التجارة، وصار قبل بضعة سنوات مديراً للبنك المركزي فجاء والده لزيارته حيث كان يجلس فوق كرسي عبد القادر سعيد فقال لأبنه: ـــ صحيح أنك تجلس فوق هذا الكرسي غير أن هذا الكرسي ما يليقش (لا يليق) بغير عبد القادر سعيد.)) [3]
أطرف محاولة اغتيال
(( نظراً لاختلافه مع بعض قيادات الحزب الديمقراطي الثوري فيما يخص بعض المسائل بشأن رفضه لفكرة النضال الجبهوي المسلح وإصراره على رأيه " أوردت حكاية طريفة في مقالة كتبتها قبل سنوات ست جاء فيها: (كُلف شخص للقيام بمهمة تصفيت عبد القادر سعيد ... وذهب ذلك الشخص مع أخر لتنفيذ المهمة... فاستضافه عبد القادر سعيد وأكرم وفادته ... وشهد مجلسه الذي ضم عدداً من المثقفين والأدباء والسياسيين ... وانتظر المكلف بالمهمة إلى أن انتهت الجلسة حيث انبرى يصارح الشهيد بالحقيقة بعد ان رأى منه ما رأى من أخلاق وكرم وثقافة عالية ومقدرة في الإقناع ورؤية ثاقبة وعملية وممكنة في التعاطي مع الاحداث ... وكانت المفاجأة أن اعطاه المسدس الذي حمله قصد تصفيته به ، وحذره بالاحتراس وأخذ الحذر ممن يخططون لتصفيته من رفاقه في العمل السياسي ... فرد عليه: إذا كان هذا القرار قد أتخذ من قبل القيادة الجماعية للحزب فأنا أرحب به).))[3]
قائد مثله لا يجب أن يعيش
في ضوء الشذرات المتناثرة عن سيرة هذا القائد ، و(( في ضوء معطيات الظروف التي شهدتها اليمن خصوصاً منذ تصالحت القِوى الملكية، والقِوى (العسقبلية) بروز ما يسمي بالقوة الجديدة(الجملكية) لاسيما وقد تحددت الوجهة وصارت الدولة تحت هيمنة وسيطرة الجارة السعودية، والتبعية للمعسكر الغربي كان لشخصية مثل الشهيد عبد القادر سعيد بصرف النظر عن اتجاهه اليساري فليست الخطورة هنا بقدر ما تكمن الخطورة في ذاته هو نفسه. شخصية كهذا الإنسان محل إجماع وطني، وتلتقي في تكوينه الذاتي كل مفارقات التعايش بين مختلف التباينات السياسية، شخصية كهذه لا يجب أن تعيش ليس فقط من خصومه بل في بعض الأحيان حتى من رفاق دربه.
أما من خصومه خصوصا الأجهزة الرسمية في الدولة فقد فرضت عليه الإقامة الجبرية لأكثر من مرة في تعز، وفي يونيو عام 1973 اعتقلته حكومة القاضي الحجري في صنعاء مع رفاق له من الحزب الديمقراطي، وتعرض لمحاولات اغتيال متكررة.
في فترة عدت من أسوء فترات اليمن الجمهوري كما يسميها البردوني لتمييزها عن العهد الإمامي ... فترة ملبدة بالغيوم ... تحجب الرؤية عن الوجهة التي يفترض أن يسير صوبها الوطن ... فترة شرعت القوى الجملكية بعد تصالح الجمهوريين، والملكيين تكشر عن أنيابها في وجوه الدعاة لبنا يمن الثورة، ... اليمن الجمهوري تصالحا خلق اصطفافاً من نوع جديد بين أعداء الثورة، والجمهوريين القبائليين ضد أصحاب المصلحة الوطنية من الثورة، اصطفاف حدد ماهية وأشكال الأساليب التي يجب اتباعها في التخلص من دعاة الثورة، والتغيير، وبناء اليمن الجديد. توفرت لذلك الاصطفاف رغم (صغر حجمه) بالقياس إلى حجم حملة المشروع الثوري كل مقومات الانتصار ... خزينة الدولة، والوظيفة العامة، والجيش الجملكي تحت خدمة المتصالحين المصطفين ... ناهيك عن الراعي الأساسي للمتصالحين ودعمه اللوجستي. كل تلك عوامل ساهمت في تنفيذ أساليبها المختلفة لتسوية الأرضية السياسية لخدمة وتنمية ذاتها، وتصفية كل من سيقف ضدها أو إزاحته من طريقها تارة بالقتل، وتارات أُخر بالنفي، بالسجن، بالإخفاء .............. حتى صارت اليمن أشبه بأرض مهجورةٌ. كان المخطط الذي أفصح عن سره لنا نحن هذا الجيل اللاحق يقوم على تصفية كل المشاريع الكبيرة نهائياً لا فرق بين يساري أو قومي ناصري، ليبرالي بدليل أن اغتيال محمد أحمد نعمان الليبرالي عام 1973م ينفي أن اليسار هو الذي يجب أن يمنع من ممارسة أيديولوجيته، اغتيل لأنه كان صاحب مشروع دولة بامتياز، ومحل توافق وطني حتى مع وبين معارضيه لتصعق في العام الذي تلاه مختلف فصائل الحركة الوطنية اليمنية في الشمال والجنوب باستشهاد أحد أبرز زعماء الحركة الوطنية اليمنية في العصر الحديث الشهيد عبد القادر سعيد طاهر الأغبري.[3]
=== النهاية ===
تفاجئت أسرته ذات يوم من شهر مايو 1974 براعي أغنام يطرق بابها ويؤكد لها أنه ((وجده مرمياً خارج المدينة، فقامت بإسعافه تواً إلى مستشفى المعمداني بجبلة المعمداني، وبينما كان يرقد على سرير المستشفى جاءت رسمية بسرعة إسعافه للخارج، وحين كانت أسرته تنتظره في المطار وصلها الخبر بالعودة إلى تعز فقد رحل حبيب الثوار ... حبيب الشرفاء ... حبيب قادم اليمن. وفي بيان له صدر عقب انتشار الخبر اتهم فيه الحزب الديمقراطي الثوري اليمني أحد عقداء المخابرات المركزية الأمريكية الذي كان يعمل طبيباً في المستشفى بأنه وراء وفاته بسحب جميع السوائل من جسمه. ويوم دفن جثمانه بمدينة تعز خرجت جنازتان الأولى في تعز عبرت عن حق بموقع الشهيد في نفوس الذين عرفونه أمام أقزام وأشباح الظلام. ومن عظمة الجنازة احتارت السلطات أيكون جميع أولئك الذين حضروا الجنازة أعضاء في حزبه، كثيرون أكدوا لي أنهم سافروا من محافظات يمنية شمالية للمشاركة في تشيع جثمان الشهيد))[3] ((كاشفين جباههم التي لا تنحني للمخبرين، في تحدٍّ ساطع انتصرت فيه جذوة الشرف وعزيمة الرفض للاستلاب))[18]، ويقال إن الذين لم يكونوا قد عرفوا أنهم ينتموا لحزبه عرفوا في ذلك اليوم، بل كان من غاب ذلك اليوم عن عمله حتى وإن لم بشارك في الجنازة يتهم بحضور الجنازة وقد يشتبه بانتمائه لحزب الشهيد مالم يأت ببرهان ساطع. والجنازة الثانية في عدن... جنازة رمزية مهيبة شهدت مشاركة شعبية واسعة شارك فيها جميع قيادات الدولة ورفاق درب الشهيد جابت عددا من شوارع المدينة.[19] وأطلق الدكتور عبد العزيز المقالح للقصيدة عنان اللحرية أن ترثي الشهيد جاء فيها: (( لماذا تعجَّلْتَ؟ مَنْ سَيُسَوّي ترابَكَ؟ منْ سيشيِّعُ جثمانَكَ؟.. اللَّيلُ أنيابُهُ مشرعاتٌ، بوارجُهُ تمخرُ البحرَ.. كلُّ الرِّفاقِ - بعيداً - يعانونَ في السجنِ في جُزُرِ النَّفْيِ. والأرضُ مهجورةٌ والرِّماحُ سليبةْ. واقفاً هكذا مُتَّ، لنْ يدفنوكَ، وما أكثرَ الرّاحلينَ وقوفاً، وأقدامُهم تسحقُ اللَّيلَ، تدهسُ أشباحَهُ في بقايا الكهوفِ الرَّهيبةْ. ............. .......... .......... احترقْتَ لكيما تنيرَ، أضاءَ رحيلُكَ للقادمينَ معَ الفَجْرِ، ليتَكَ لم تحترقْ. كانَ صوتُكَ للقادمينَ دليلاً، وكانَ زئيرُكَ مقبرةً للوجوهِ الغريبةْ. يا فماً، ويداً، وحساماً فقدْناهُ في وحشةِ اللَّيلِ... هذا زمانُ العيونِ المدمّاةِ حزناً، زمانُ الفجيعةِ والقهرِ والسَّفَرِ الدَّمَوِيِّ على النارِ نحوَ النهارِ الجديدِ، زمانُ الرَّحيلِ إلى الفَجْرِ عَبْرَ بحارِ الظلامِ الكئيبةْ. كلَّما انطفأَتْ شعلةٌ في الطريقِ إلى غَدِنا، تتضاعفُ أحزانُنا، ويطولُ الطريقُ، يحاصرُنا اليأسُ؛ لكنَّنا فوقَ جِسْرِ الدموعِ سنمضي، ستمضي الجموعُ التي أثقلَتْها المخاوفُ والحزنُ، لنْ يتوقَّفَ زحفُ الرِّفاقِ إلى مدنِ الحُلْمِ... كلُّ فتى سوفَ يحملُ إنجيلَهُ -دامياً -وصليبهْ.)) [20]
سيرة شخصية
مراجع
- الاشتراكي نت - عبدالقادر سعيد رجل الديمقراطية والعمل السلمي - تصفح: نسخة محفوظة 12 أكتوبر 2014 على موقع واي باك مشين.
- 2. الراحلون مع الفجر - YouTube - تصفح: نسخة محفوظة 10 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- الجمهورية نت - زخّات متناثرة في ذكرى مرور 40 عاماً على استشهاده عبد القادر سعيد.. زعيم وطني لزمن لم يأتِ بعد
- أوراق ندوة الثورة اليمنية "الجزء الخامس" تعز. النضال الوطني وتجسيد واحدية الثورة اليمنية: اتساع تأسيس حركة النضال الوطني أواخر الخمسينات وأوائل الستينات ... صحيفة 26 سبتمبر رقم العدد: 1226
- الراحلون من أجل الفجر .... فيلم وثائقي أعدته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ويثه كل من التلفزيون اللبناني وتلفزيون جمهورية اليمن الديمقراطية (تعليق كتبه سعيد الجناحي) وقرأه المذيع والفنان اللبناني جهاد الأطرش، من انتاج وإخراج سمير نمر. منشور على اليوتيوب. https://www.youtube.com/watch?v=-59Skrb25rw https://www.youtube.com/watch?v=bmiBe0czlp4
- المناضل عبد الله مطلق ... الحرگـــة الوطنيـــة ولـــدت مـــوحــــدة لقاء: محبوب اليوسفي ... ص الجمهورية ... الخميس 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 http://www.algomhoriah.net/newsweekarticle.php?sid=51810
- المناضل الكبير راشد محمد ثابت لـ«الجمهورية»: الاستعمار البريطاني أبقى الجنوب اليمني حبيس التخلّف الاقتصادي والاجتماعي (1-2) حاوره ـــ أنـــور الــعامـري ... الإثنين 14 أكتوبر-تشرين الأول 2013.
- صحيفة الجمهورية العدد (4) ــ السنة الأولى 2جمادي الثاني 1382هـ ـــ موافق 30 أكتوبر 1962م.
- صحيفة 26 سبتمبر العدد 1422 ص 16 نقل بتصرف
- نظرة في تطور المجتمع اليمني ... سلطان أحمد عمر ... ص 260 تقل بتصرف.
- علي الصراف ... اليمن الجنوبي: الحياة السياسية من الاستعمار إلى الوحدة ... دار الريس ط1 ...(ص 185) نقل بتصرف.
- عادل رضا : تطور ومسار الحركة الوطنية في اليمن الديمقراطية .. (ص 171) القاهرة 1971.
- من حوار مع الكاتب سعيد الجناحي مع صحيفة 26 سبتمبر عدد 1422.
- من حوار مع سعيد الجناحي اجرته صحيفة 26 سبتمبر في العدد 1422.
- عبد الفتاح اسماعيل (ذو يزن) - مرثية لفقيد الحركة الوطنية عبد القادر سعيد أحمد طاهر ... من ديوانه الشعري "نجمة تقود البحر" - صادر عام 1989م عن دار ابن خلدون - (ص 29 ، 30 )
- القائد الوطني عبد القادر سعيد الأغبري ... أحمد عثمان مقالة منشورة في الجمهورية يوم 18 -05 – 2013م.http://www.algomhoriah.net/articles.php?id=39933
- فتحي أبو النصر ... عبدالقادر سعيد رجل الديمقراطية والعمل السلمي ... http://aleshteraky.com/archive/articles.php?id=1844
- فتحي أبو النصر ... عبدالقادر سعيد رجل الديمقراطية والعمل السلمي ... http://aleshteraky.com/archive/articles.php?id=1844</ref
- https://www.youtube.com/watch?v=-59Skrb25rw https: و //www.youtube.com/watch?v=bmiBe0czlp4
- الدكتور عبد العزيز المقالح ... الرحيل قبل مجئ الفجر ... في وداع الصديق المناضل عبد القادر سعيد ... (ص 59، 60، 61) ديوان (هوامش يمانية على تغريبة ابن زريق البغدادي) 1974 دار العودة بيروت.
مقالات ذات صلة
http://www.algomhoriah.net/day/2014/05/23-05-2014/p16.pdf http://www.algomhoriah.net/day/2014/05/23-05-2014/p17.pdf