إن التغيرات التي تحدث داخل جسم الحيوان تؤثر في سلوك الحيوان تماماً كما تؤثر فيه التغيرات التي تحدث في البيئة الخارجية، وهناك شبكة معقدة من المسببات الداخلية يتميز بها كل طراز عام من السلوك .
الإحساس بالجوع
إن الإحساس بالجوع في السلوك الغذائي للثدييات يأتي من الانقباضات العنيفة التي تحدث في المعدة الخالية وهذه تتأثر بانخفاض تركيز الجلوكوز في الدم.
ومن الممكن أن يؤثر نقص الجلوكوز في مركز المخ الذي ينظم الجوع أو يتحكم فيه.
سلوك القتال
يبدو أن سلوك القتال لايحدث إلا نتيجة لإثارة خارجية هي الألم ولكن إفراز الهرمونات الداخلية مثل الأدرينالين والكورتيزون في أثناء سلوك القتال ينظم هذا السلوك ويتحكم فيه.
سلوك التزاوج
يتأثر سلوك التزاوج بالمؤثرات الخارجية التي تصل إلى حواس الحيوان من سمع وبصر وشم ولكن هناك أيضاً أسباباً داخلية لهذا السلوك منها إفراز الهرمونات الأنثوية في الإناث، أما في الذكور فيكون السبب هو إفراز الهرمونات الذكورية بالإضافة إلى الضغط الناشئ عن تراكم السوائل في الغدد التناسلية الإضافية.
الرعاية
ويتأثر سلوك منح الرعاية للصغار أيضاً بالإفرازات الهرمونية مثل هرمون البرولاكتين الذي يؤدي إلى إدرار اللبن في الثدييات كما يؤثر بوجه عام على سلوك الإناث الحاضنة للبيض أو للصغار.
وتلعب فسيولوجيا الجهاز العصبي دوراً هاماً جداً في تكييف سلوك الحيوان فإن الفارق في سرعة الاستجابة بين الحيوانات يرجع جزئياً إلى سرعة انتقال الإشارات العصبية، ففي مخ القطط مثلاً يمكن أن تنتقل الإشارة بسرعة تبلغ 119 متراً في الثانية بينما تمر الإشارة خلال قنديل البحر بسرعة 0,15 متراً في الثانية وهذا يفسر سرعة الحركة في القط وبطء الحركة في بعض الحيوانات. وتعتمد سرعة انتقال الإشارات العصبية أساساً على البنيان التشريحي للجهاز العصبي ولكنها تتأثر أيضاً بدرجات الحرارة وهذا يفسر الفارق الواضح بين سلوك الحيوانات ذات الدم الحار والحيوانات ذات الدم البارد.
وهناك ظاهرة منتشرة جداً في سلوك الحيوان : وهي أنه عندما يكرر وضع الحيوان في نفس الظروف ثم يثار، فإن سلوكه اللاحق يتأثر بما حدث من قبل.
وتسمى هذه الظاهرة بالتعلم أو الخبرة وهي بذلك تصبح من أقوى مصادر الإثارة الداخلية، ومن العوامل الأساسية في تنظيم وتكييف السلوك.
السلوك والبيئة والوراثة وتكوين الجماعات
إن لمعظم الحيوانات مواطن محددة تمضي فيها الجزء الأكبر من حياتها.
والموطن الذي يتخذه الحيوان محلا مختاراً لإقامته يكون غالباً هو المكان الذي ولد أو فقس فيه ويسمى هذا المكان "المحراب البيئي" وأهم العلاقات القائمة بين الحيوانات المنتمية إلى نوع ما والحيوانات المنتمية إلى أنواع أخرى هي علاقة تحصيل الغذاء.
والحيوانات تتغذى بالنباتات أو بحيوانات أخرى، وهذه بدورها تتغذى بالنباتات وعلى ذلك فإن أي حيوان في بيئة ما يعتبر حلقة من سلسلة غذائية متصلة.
والحيوانات التي تبني أعشاشاً وتستخدمها للعناية بصغارها يتركز سلوكها حول مواضع هذه الأعشاش وإذا اضطر الحيوان للابتعاد عن موطنه فإنه يحاول دائماً أن يعود إلى هذا الموطن، ومعنى ذلك أن يكون الحيوان قادراً على الاهتداء إلى طريق عودته.
وهذا هو المشاهد في الطيور المهاجرة التي تتميز بحدة الإبصار مما يساعدها على تمييز طريقها وهي طائرة على ارتفاعات شاهقة.
وعندما يكون موطن معين مفضلاً عند مجموعة كبيرة من أفراد النوع الواحد فلابد أن تتكون علاقات أو روابط اجتماعية تحدد وتكيف سلوك هذه الحيوانات.
وتتنوع وتتعدد هذه العلاقات الاجتماعية متدرجة من العلاقات البسيطة العابرة إلى العلاقات المعقدة التي تتميز بتخصص الأفراد وتوزيع العمل بينها.
وعلى ذلك فإن سلوك الحيوان في موطنه يتحدد بمجموعتين من العوامل هما :
مجموعة العوامل الفيزيائية التي تغلب في البيئة من درجات الحرارة والرطوبة وطبيعة المرتكز إلى جانب مجموعة من العوامل البيولوجية الناشئة من تواجد الكائنات الحية الأخرى من نبات وحيوان في نفس الموطن، وتؤدى هذه العوامل البيولوجية إلى إيجاد نوع من التواصل بين الحيوانات.
السلوك الموروث والسلوك المكتسب
سلوك الحيوان يتأثر بما يرثه عن أبويه من صفات بيولوجية وهي الصفات التي تنتقل مع الجينات وتشتمل على كل من الصفات التشريحية والصفات الفسيولوجية وأحياناً يطلق على السلوك المرتبط بالوراثة اسم " الغريزة " والحقيقة أن سلوك الحيوان لا يتحدد فقط بالصفات الموروثة عن الأبوين وإنما هو يتشكل ويتأثر بالتعلم واكتساب الخبرات أثناء الأطوار المبكرة لنمو الحيوان، بل أن الصفات بيولوجياً تكون عادة على شكل قدرات غير ناضجة وأن هذه القدرات تنمى وتتحسن بالتعلم والتدريب والاختبار المتكرر المتنوع وما يترتب على ذلك من تكوين العادات وتعديل السلوك.
وعلى ذلك فإن سلوك الحيوان يتوقف على عاملين أساسيين هما :
الصفات الموروثة والخبرات الناتجة عن التعلم والاختبار، ويطلق أحياناً على هذه الخبرات في حالة الإنسان اسم "الوراثة الحضارية " أو " الثقافية "
التعلم والسلوك
ان المقصود باصطلاح " التعلم " هنا هو التعبير عن ظاهرة منتشرة جداً في سلوك الحيوان وهي أنه عندما يتكرر وضع الحيوان في نفس الظرف ثم يثار فإن سلوكه اللاحق يتأثر بما حدث من قبل .
ويمكن القول بأن للحيوان " ذاكرة " على نحو ما، تختلف شدة وضعفاً وتكيفاً من حيوان إلى آخر، كما تختلف تبعاً لظروف الإثارة .
والملاحظ أيضاً أن الحيوان يستجيب استجابة مختلفة في كل مرة وهذا يعني أن الحيوان يتنوع سلوكه، وتنوع السلوك هو أحد المبادئ الأساسية في سلوك الحيوان .
ويرجع بعض التنوع في سلوك الحيوان إلى التنوع في صور المؤثرات نفسها.
ولكن مقداراً كبيراً منه يعتبر جزءاً أساسياً هاماً في عملية التكيف.
ولايمكن أن يكون السلوك عملية ميكانيكية جامدة.
فإن لكل نوع من الحيوان مجموعة مختلفة من الاستجابات قد يجريها كاحتمالات بديلة.
ومن تنوع السلوك أو تكرار التجربة تتكون للحيوان خبرة.
والتأثير العادي للخبرة المكررة في نفس الوقت هو تحسين التكيف نحو المؤثر. ومع ذلك فإن التحسين ليس مبدأ لايتغير ففي بعض الأحيان تكون كل محاولات التكيف غير ناجحة.
وعلى ذلك فإن التعلم يعتبر من أهم العوامل التي تؤثر في سلوك الحيوان.
تجارب بافلوف
اهتم العالم الفسيولوجي بافلوف [1] بدراسة الجهاز العصبي وقام بسلسلة من التجارب كان لها تأثير كبير في تطور الفكر العلمي في موضوع التعلم.
وكان بافلوف يقدم الغذاء للحيوان " الكلب " مصحوباً بأنواع مختلفة من الإشارات مثل صوت جرس أو صفارة أو منظر دوائر ومثلثات مرسومة على ورق أبيض.
وبعد أن أكتشف بافلوف المؤثر الأول وهو وجود الطعام وإحساس الكلب به، واستجابة الحيوان لهذا المؤثر الأول بإفراز اللعاب، لاحظ أن الحيوان يستحيب للمؤثر الثانوي "صوت الجرس أو الصافرة " بإفراز اللعاب في غياب المؤثر الأول "الطعام ".
واستنتج بافلوف من تجاربه المتكررة قاعدة الارتباطات والتداعي وهي : إن المؤثر إذا ما سبق مؤثراً أوليا بمدة قصيرة فإنه يصبح مرتبطاً بالاستجابات التي ينتجها المؤثر في المعتاد "وهذا ماعناه بافلوف باصطلاح " الانعكاس المشروط "
الحوافز
بمجرد ابتداء الحيوان التعلم، فإن مقدار الحوافز يتأثر مباشرة بمقدار التكيف الناجح. وبعض الحوافز تأتي دائماً من مؤثرات أولية، مثل الغذاء من البيئة الخارجية والجوع من داخل الجسم، ولكن هذه الحوافز يمكن تضخيمها جداً بالتدريب، وهذا مايحدث في حيوانات السيرك وكثير من الحيوانات المستأنسة.
التطور والسلوك
إن التطور هو أحد القوانين الأساسية في مجال العلوم البيولوجية وأساس التطور هو التكيف.
والسلوك هو واحد من أهم أنماط التكيف.
ولاشك أن الصفات التشريحية تلعب دوراً في مجال الانتخاب الطبيعي.
بمعنى أن الحيوان الذي يتميز بصفات تشريحية مناسبة تكون له فرصة أكبر للبقاء وبالتالي للتناسل والازدهار.
وكذلك الحال في الصفات الفسيولوجية وقدرات الحيوان على تكييف العمليات الكيماوية والفيزيائية في جسمه.
فإنها بقدر تناسبها مع ظروف البيئة تحدد مسار التطور.
إلا أن الصفات التشريحية وكذلك الصفات الفسيولوجية لايمكن أن تكون لها قيمة انتخابية مالم توضع موضع النشاط والعمل.
أي أن ارتباط هذه الصفات بالسلوك العام للحيوان، وخاصة بالسلوك الناتج عن تراكم الخبرات والمهارات، هو الذي يؤدي إلى تطور الأفعال.
وعند دراسة تطور الأنواع يجب ألا تقتصر دراستنا على السلوك الفردي للحيوان، بل يجب أن تشمل الدراسة أيضاً السلوك الجماعي.
وقد لوحظ عند تربية الإنسان لبعض الحيوانات البرية مثل الأيائل والطيور وجعلها تعيش منعزلة عن الجماعة التي كانت تعيش معها في الطبيعة أنها تفتقد كثيراً من أشكال السلوك الجماعي وتصبح عاجزة عن الاندماج مع جماعتها لو أعيدت إليها.
وفي معظم الحيوانات يعتمد نجاحها في حياتها اعتماداً جزئياً على علاقاتها الاجتماعية.
فالعضو المنفرد من مجموعة اجتماعية معقدة كمستعمرة النمل أو النحل، يكاد يكون عاجزاً تماماً من جميع الوجوه وهذا كله يعني أن التطور يتجاوز مجرد التغير في القدرات الفردية على التكيف والملائمة لظروف البيئة وينبغي أن يتكيف الحيوان مع بيئته الاجتماعية إلى جانب تكيفه مع بيئته الايكولوجية.
وتتعدد أنظمة الجماعات، فالحيوان المتقدم اجتماعياً يسلك أفراده مسلكاً محدداً مدروساً تتدخل فيه الخبرات ونتائج التعلم.
وهذا كله يتيح فرصة أكبر للتكيف مع البيئة وبالتالي يؤدي إلى التطور.
مراجع
- "إيفان بافلوف". ويكيبيديا، الموسوعة الحرة. 2018-11-01. مؤرشف من الأصل في 10 ديسمبر 2019.
- خليل, فؤاد. [علم الحيوان العام علم الحيوان العام].