الرئيسيةعريقبحث

فكر حر


☰ جدول المحتويات



زهرة بنفسج الثالوث رمز الفكر الحر.

الفكر الحر (Freethought)‏[1] هو وجهة نظر معرفية تؤكد أن الآراء والمواقف التي تتعلق بالحقائق يجب أن تتشكل فقط على أساس المنطق والعقل والمنهج التجريبي وليس اعتمادًا على التقليد والعقائد والأفكار المسبقة. يُعرِّف قاموس أوكسفورد الإنجليزي المُفكر الحر بأنه الشخص الذي يُكوِّن أفكاره وآرائه الخاصة بدلًا من تبني أفكار الآخرين وآرائهم خصوصًا فيما يتعلق بالدين، ويرتبط الفكر الحر بقوة برفض المعتقدات الاجتماعية أو الدينية التقليدية. بدأ استخدام المصطلح لأول مرة في القرن السابع عشر للإشارة إلى الأشخاص الذين شكَّكوا بالمعتقدات الدينية التقليدية أو أثاروا التساؤلات حولها.[2] يرتبط الفكر الحر بشكل وثيق بالعلمانية والإلحاد واللاأدرية ومعاداة رجال الدين وانتقاد الدين.[3]

تعريف

يُعرف المؤلف الملحد آدم لي الفكر الحر بأنه تفكيرٌ مستقل عن الدين والتقاليد والعقائد الراسخة والسلطة، ويعتبره مظلة واسعة أكثر من الإلحاد الذي يحتضن أنواع مختلفة من الأفكار غير التقليدية والنقدية.[4] من جهته يلخص الفيلسوف وعالم الرياضيات البريطاني ويليام كينغدون كليفورد في القرن التاسع عشر مبادئ الفكر الحر في مقالته أخلاقيات الإيمان بقوله: من الخطأ أن نصدق دومًا أي شيء بناءً على أدلة غير كافية. أصبحت هذه المقالة عند نشرها في سبعينيات القرن التاسع عشر علامةً فارقة في تاريخ العلم، وكان كليفورد نفسه منظمًا للمؤتمرات والتجمعات الفكرية، وهو المؤسس الحقيقي لمؤتمر المفكرين الليبراليين الذي عقد عام 1878.

يعتقد أصحاب التفكير الحر أن الظواهر الخارقة للطبيعة غير مدعومة بأدلة كافية، ووفقًا لمنظمة التحرر من الأديان فإنَّ أصحاب التفكير الحر لا يؤمنون بمبادئ الكتاب المقدس والعقائد الدينية المسيحية، ويعتبرون العقيدة ليست ضمانة كافية للوصول للحقيقة، وأن المزاعم الدينية لم تصمد أمام تحديات العقل واختباراته، ويعتبرون أن الدين ليس خاطئًا فحسب، بل ضار أيضًا.[5]

كتب الفيلسوف الشهير برتراند راسل في مقالته قيمة الفكر الحر عام 1944:

«ما يجعل الإنسان صاحب تفكير حر ليست معتقداته وآرائه، ولكن الطريقة التي يفكر بها. من يعتنق عقائد دينية لأنَّ معلميه وشيوخه ربوه عليها في صغره ففكره ليس حرًا، ولكن من يعتنق نفس هذه العقائد لأنه يجد أدلة كافية تدعمها ففكره حر مهما كانت استنتاجاته تبدو غريبة وغير مألوفة».[6]

ويوضح راسل أيضًا أنَّ المفكر الحر وفق هذا التعريف لا ينبغي بالضرورة أن يكون ملحدًا أو لاأدريًا، بل يجب أن يتحرَّر من شيئين فقط: التقليد وسيطرة العواطف، مع التأكيد بالطبع على أنه لا يوجد أي إنسان خالٍ تمامًا منهما. من جهته يقترح فريد إيدوردس المدير التنفيذي السابق للجمعية الإنسانية الأمريكية أنه يمكن اعتبار علماء الدين الليبراليين الذين تحدوا العقائد الأرثوذكسية من أصحاب الفكر الحر بحسب تعريف برتراند راسل، كذلك يمكن ألا يكون الملحدون من أصحاب الفكر الحر، والمثال المطروح هنا هو ستالين الذي اعتنق المادية الديالكتيكية التي أرسى مبادئها كارل ماركس وجسدها من الناحية العملية لينين.

التاريخ

حركة ما قبل الحداثة

ازدهر الفكر النقدي الحر في منطقة البحر المتوسط في العصر الهلنستي، وفي الحضارة الفارسية (على سبيل المثال في عهد عمر الخيام (1048-1131) عبر قصائده الشهيرة)، وفي حضارات أخرى مثل الحضارة الصينية، وصولًا لعصر النهضة والإصلاح المسيحي البروتستانتي.[7]

الحركات الحديثة

يعتبر عام 1600 نقطة تحول في عصر الفكر الحر الحديث، إذ كان العام الذي أعدم فيه جيوردانو برونو في إيطاليا على يد محاكم التفتيش.[8][9][10]

إنجلترا

ظهر مصطلح الفكر الحر في نهاية القرن السابع عشر في إنجلترا لوصف المفكرين الذين عارضوا الكنيسة الكاثوليكية، والإيمان الحرفي بالكتاب المقدس. تركزت معتقدات أصحاب الفكر الحر على مبدأ أن الناس يمكن لهم أن يفهموا العالم من خلال التأمل في الطبيعة والنظر في قوانينها. وُثقت هذه المواقف رسميًا لأول مرة في عام 1697 من قبل وليام مولينو في رسالة أرسلها إلى جون لوك، ونشرت على نطاق واسع في عام 1713. بعدها بعدة سنوات كتب أنتوني كولينز مقالة عن التفكير الحر، هاجم فيها رجال الدين من جميع الطوائف، وتعتبر هذه المقالة التي اكتسبت شعبية كبيرة أول نداء لفكر الربوبية. بدأ نشر مجلة المفكر الحر لأول مرة في بريطانيا عام 1881.

فرنسا

ظهر مفهوم الفكر الحر لأول مرة في فرنسا عام 1765 عندما ضمَّن دينيس ديدرو وجان لوروند دامبيرت وفولتير مقالة عن الفكر الحر في الموسوعة الفرنسية التي كانوا يشرفون عليها. انتشرت مفاهيم التفكير الحر في أوروبا على نطاق واسع لدرجة أنه حتى البلدان النامية مثل أطراف النرويج الشمالية كان فيها علماء بارزون من أصحاب الفكر الحر بحلول القرن التاسع عشر.[11]

كان فرانسوا جان لوفبفر دي لا باري (1745-1766) شابًا من نبلاء فرنسا، اشتهر بعد قطع رأسه وحرق جثته مع نسخة من قاموس فولتير الفلسفي. يُقال ان لا باري قد أُعدم بسبب عدم أدائه للتحية لموكب ديني كاثوليكي، لكن يبدو أن ملابسات القضية كانت أكثر تعقيدًا. اعتبر لا باري بعد هذه الحادثة أحد المفكرين الأحرار الذين أعدموا بسبب التعصب الديني المسيحي، وكرم بعد موته.[12]

ألمانيا

ازداد الرفض الشعبي للكنيسة في ألمانيا خلال الفترة 1815-1848، وفي عام 1844 ظهرت أفكار الإيمان بحقوق الإنسان والتسامح الديني تحت تأثير يوهانس رونغ وروبرت بلوم، وبحلول عام 1859 أنشأ مفكرون ألمان اتحاد الجمعيات الدينية الحرة في ألمانيا، وهي منظمة للأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم متدينين ولكن دون التقيد بأي كنيسة أو عبادة مقدسة أو مؤسسات دينية، ولا يزال هذا الاتحاد قائمًا حتى اليوم. في عام 1881 أسس لودفيغ بوشنر شركة دويتشر فريدينكربوند في فرانكفورت كأول منظمة ألمانية للملحدين واللاأدريين، ثم تبعتها منظمات أخرى في السنوات اللاحقة. تراجعت المنظمات ذات الطابع البرجوازي بعد الحرب العالمية الأولى، وانتشرت جماعات البروليتاريا لتصبح فيما بعد أحزابًا اشتراكية. وتخلى أكثر من 2,5 مليون ألماني معظمهم من مؤيدي الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والشيوعية عن انتمائهم للكنيسة.[13]

بلجيكا

دافعت الجامعات البلجيكية وعلى رأسها جامعة بروكسل عن حرية الفكر النقدي والفلسفة الأخلاقية، ورفضت الإذعان لسلطة الكنيسة والدولة.

كندا

أسس عدد قليل من العلمانيين أول منظمة علمانية معروفة ناطقة باللغة الإنجليزية بكندا في عام 1873 وهي جمعية تورونتو لفريتهوت. أعيد تنظيم هذه الجمعية في عام 1877 ومرة أخرى في عام 1881 وغُيِّر اسمها إلى جمعية تورونتو العلمانية، وشكلت نواة الاتحاد العلماني الكندي الذي تأسس في عام 1884 لجمع المفكرين من جميع أنحاء كندا. يبدو أن عددًا كبيرًا من الأعضاء الأوائل ينتمون للطبقة الأرستقراطية العمالية المتعلمة مثل ألفريد إف جوري وجي إيك إيفانز وجي ليفينغستون. أصبح الرئيس الثاني لجمعية تورنتو فيليبس ثومبسون شخصية محورية في حركات العمل والإصلاح الاجتماعي في المدينة خلال ثمانينات القرن التاسع عشر، ويمكن القول إنه كان يعتبر المفكر العمالي الأقدم في كندا في أواخر القرن التاسع عشر.

مراجع

  1. "Freethinker – Definition of freethinker by Merriam-Webster". مؤرشف من الأصل في 3 سبتمبر 201912 يونيو 2015.
  2. "Archived copy". مؤرشف من الأصل في 17 يناير 201303 فبراير 2012.
  3. "Nontracts". Archived from the original on 04 أغسطس 201212 يونيو 2015.
  4. Adam Lee (October 2012). "9 Great Freethinkers and Religious Dissenters in History". Big Think. مؤرشف من الأصل في 3 يونيو 201812 يونيو 2015.
  5. Becker, Lawrence and Charlotte (2013). Encyclopedia of Ethics (article on "agnosticism"). Routledge. صفحة 44.  .
  6. "What is a Freethinker? - Freedom From Religion Foundation". مؤرشف من الأصل في 15 يناير 201912 يونيو 2015.
  7. Chinese History – Song Dynasty 宋 (www.chinaknowledge.de) - تصفح: نسخة محفوظة 19 مايو 2019 على موقع واي باك مشين.
  8. Gatti, Hilary (2002). Giordano Bruno and Renaissance Science: Broken Lives and Organizational Power. Ithaca, New York: Cornell University Press. صفحات 18–19.  . مؤرشف من الأصل في 6 فبراير 201121 مارس 2014. For Bruno was claiming for the philosopher a principle of free thought and inquiry which implied an entirely new concept of authority: that of the individual intellect in its serious and continuing pursuit of an autonomous inquiry… It is impossible to understand the issue involved and to evaluate justly the stand made by Bruno with his life without appreciating the question of free thought and liberty of expression. His insistence on placing this issue at the center of both his work and of his defense is why Bruno remains so much a figure of the modern world. If there is, as many have argued, an intrinsic link between science and liberty of inquiry, then Bruno was among those who guaranteed the future of the newly emerging sciences, as well as claiming in wider terms a general principle of free thought and expression.
  9. Montano, Aniello (24 November 2007). Antonio Gargano (المحرر). Le deposizioni davanti al tribunale dell'Inquisizione. Napoli: La Città del Sole. صفحة 71. In Rome, Bruno was imprisoned for seven years and subjected to a difficult trial that analyzed, minutely, all his philosophical ideas. Bruno, who in Venice had been willing to recant some theses, become increasingly resolute and declared on 21 December 1599 that he 'did not wish to repent of having too little to repent, and in fact did not know what to repent.' Declared an unrepentant heretic and excommunicated, he was burned alive in the Campo dei Fiori in Rome on 17 February 1600. On the stake, along with Bruno, burned the hopes of many, including philosophers and scientists of good faith like Galileo, who thought they could reconcile religious faith and scientific research, while belonging to an ecclesiastical organization declaring itself to be the custodian of absolute truth and maintaining a cultural militancy requiring continual commitment and suspicion.
  10. Birx, James (11 November 1997). "Giordano Bruno". Mobile Alabama Harbinger. مؤرشف من الأصل في 16 مايو 201928 أبريل 2014. To me, Bruno is the supreme martyr for both free thought and critical inquiry… Bruno's critical writings, which pointed out the hypocrisy and bigotry within the Church, along with his tempestuous personality and undisciplined behavior, easily made him a victim of the religious and philosophical intolerance of the 16th century. Bruno was excommunicated by the Catholic, Lutheran and Calvinist Churches for his heretical beliefs. The Catholic hierarchy found him guilty of infidelity and many errors, as well as serious crimes of heresy… Bruno was burned to death at the stake for his pantheistic stance and cosmic perspective.
  11. "Gjendesheim". MEMIM. 2016. مؤرشف من الأصل في 08 أغسطس 201608 أغسطس 2016.
  12. Gregory, Mary Efrosini (2008). Evolutionism in Eighteenth-century French Thought. Peter Lang. صفحة 192.  . مؤرشف من الأصل في 5 يناير 201401 سبتمبر 2016.
  13. Bock, Heike (2006). "Secularization of the modern conduct of life? Reflections on the religiousness of early modern Europe". In Hanne May (المحرر). Religiosität in der säkularisierten Welt. VS Verlag fnr Sozialw. صفحة 157.  .

موسوعات ذات صلة :