يشير مصطلح «فن ماثورا» إلى مدرسة معينة في الفن الهندي، تنحصر أعمالها الباقية تقريبًا في شكل النحت، وقد بدأت في القرن الثاني قبل الميلاد، وتركزت في مدينة ماثورا، في وسط شمال الهند، خلال فترة ازدهرت فيها البوذية والجاينية إلى جانب الهندوسية في الهند.[1] «كانت ماثورا أول مركز فني ينتج أيقونات تعبدية للأديان الثلاثة»،[2] والمركز البارز للتعبير الفني الديني في الهند والذي كان مؤثرًا في جميع أنحاء شبه القارة، على الأقل حتى عصر إمبراطورية جوبتا.[3]
حسب التسلسل الزمني، أصبح النحت الماثوري بارزًا بعد الفن الماوري، فن الإمبراطورية الماورية (في الفترة مابين 322 و185 ق.م.).[4] ويقال إنه يمثل «انفصالًا حادًا» عن الطراز الماوري السابق، سواء من حيث الحجم أو المواد المستخدمة أو الأسلوب. أصبحت ماثورا أهم مركز للإنتاج الفني في الهند منذ القرن الثاني ق.م.، نتيجة الإعجاب بتماثيلها الشهيرة من الحجر الرملي الأحمر وتصديرها في جميع أنحاء الهند. كان في ماثورا، على وجه الخصوص، أن أصبح العرف الهندي المميز بإعطاء الشخصيات المقدسة العديد من أعضاء الجسم، وخاصة الرؤوس والأذرع، شائعًا لأول مرة في الفن نحو القرن الرابع الميلادي، في البداية حصريًا في التماثيل الهندوسية، لأنه استمد الإلهام من نصوص الفيدا.
غالبًا ما يُقارن فن ماثورا بالفن اليوناني البوذي الذي نشأ بداية من القرن الأول الميلادي في غاندرا.[4] هناك جدل على وجه الخصوص حول أصل صورة بوذا والدور الذي تلعبه كل مدرسة للفنون. قبل وضع صورة لبوذا، ربما نحو القرن الأول الميلادي، كان الفن البوذي الهندي، كما يُرى في بارهوتا أو سانجي، غير أيقونيّ في الأساس، يتجنب تمثيل بوذا، ويعتمد على رموزه، مثل عجلة دارما للقانون أو شجرة الحكمة البوذية.
استمرت ماثورا في كونها مركزًا مهمًا للنحت حتى فن جوبتا من القرن الرابع حتى السادس، إن لم يكن بعده. بعد هذا الوقت كان معظم النحت للأشكال الهندوسية.
التاريخ المبكر
عصر الحضارة الفيدية
يبدو أن بعض صور الآلهة المبكرة للغاية تظهر في فن حضارة وادي السند، لكن الألفية التالية، التي تزامنت مع الغزوات الآرية، ليس لها مثل هذه البقايا.[5] وقد أُشير إلى أن الدين الفيدى المبكر ركز بشكل حصري على عبادة «قوى الطبيعة الأولية عبر تقديم القرابين»، والتي (قوى الطبيعة) لم يسهل تمثيلها في هيئة بشرية.[6][7] قد تنتمي العديد من القطع الأثرية إلى ثقافة اكتناز النحاس (من الألفية الثانية بعد الميلاد)، ولبعضها سمات الهيئة البشرية.[8] تختلف التفسيرات فيما يتعلق بالدلالة الدقيقة لهذه القطع الأثرية، أو حتى الثقافة والفترة التي تنتمي إليها. تظهر بعض الأمثلة على التعبير الفني أيضًا في تصميمات فخارية مجردة خلال ثقافة الآنية السوداء والحمراء (1450-1200 ق.م.) أو ثقافة الآنية الرمادية المنقوشة (1200-600 ق.م.)، مع اكتشافات في منطقة واسعة، بما في ذلك منطقة ماثورا.[8]
توافِق معظم الاكتشافات المبكرة في ماثورا ما يسمى «الفترة الثانية للتحضر» في منتصف الألفية الأولى قبل الميلاد، بعد فجوة استمرت نحو ألف سنة بعد انهيار حضارة وادي السند. يبدو أن التصوير الذي يتخذ الهيئة البشرية لمختلف الآلهة قد بدأ في منتصف الألفية الأولى قبل الميلاد، ربما نتيجة لتدفق المؤثرات الأجنبية التي بدأت مع الغزو الأخميني لوادي السند، وصعود العقائد المحلية البديلة المعارضة للفيدية، مثل البوذية، والجاينية، والعبادات الشعبية المحلية.[8]
الفترة الماورية
يبدو أن ماثورا كانت مدينة غير مهمة نسبيًا في وسط شمال الهند خلال فترة الإمبراطورية الماورية (نحو 320-180 ق.م.)، التي كانت عاصمتها في شرق الهند في باتاليبوترا، لكن ميجاستنيس رغم ذلك دعاها بـ «المدينة العظيمة». ازدهر الفن والعمارة الماورية خلال تلك الفترة في مدن أخرى مثل باتاليبوترا، وكوسامبي، وفيديشا أو أمارافاتي، ولكن لا توجد أمثلة معروفة للنحت الحجري أو العمارة في ماثورا يمكن تأريخها بشكل مؤكد في الفترة الماورية.[9][10] إذ أظهرت الحفريات أن البناء الأول المقام بالطوب اللبن، يعود تاريخه إلى نهاية فترة الإمبراطورية الماورية، نحو أوائل القرن الثالث ق.م. يبدو أن ماثورا برزت بصفتها مركزًا ثقافيًا وحضريًا فقط نحو 150-100 ق.م.[11]
تماثيل التراكوتا (القرنين الرابع والثاني ق.م.)
رغم عدم وجود تماثيل حجرية أو عمارة معروفة من الفترة الماورية في ماثورا، استُخرِجَت بعض تماثيل التراكوتا عالية الجودة نسبيًا من الطبقات الأرضية التي تعود إلى فترة الإمبراطورية الماورية في الحفريات.[13] قد يشير هذا إلى وجود مستوى ما من الإبداع الفني في ماثورا خلال هذه الفترة. يُعتَقَد أن تخليق تماثيل الطين كان أسهل بكثير من نحت الحجر، ولذلك أصبح الشكل السائد للتعبير الفني.[14] عُثِرَ على التمثال الأول في ماثورا في طبقات يعود تاريخها إلى أواخر القرنين الرابع والثاني ق.م.، ويبدو أن إنتاجها، جنبًا إلى جنب مع المنمنمات المصاحبة لها من التيراكوتا للخزانات والمعابد، قد استمر لما يقرب من ألف عام.[15]
أظهرت التراكوتا عمومًا ما يبدو أنه إلاهات إناث أو إلاهات أمهات، ونساء من القرن الثاني في غطاء الرأس المشغول.[16] يصف النص الفيدى القديم لشاتاباثا براهمانا مثل هذه التماثيل بأنها «عريضة الفخذين، مع انحناءة ناعمة لمنطقة الثدي وخصر نحيل» ويشير إلى أنها تجسيدات للأرض، وخاصة إلاهات الأرض بريثيفي وأديتي بصفتهما «الحاويتان والداعمتان للعالم كله» و«مستودع كل الآلهة». غالبًا ما يكون غطاء رأس التماثيل مزينًا بسيقان اللوتس، كاملة بمتاع اللوتس المخروطي مع بذوره، والتي ترمز إلى الخصوبة والجمال. ستبقى اللوتس تعبيرًا عن الإلاهات الإناث في الفترات اللاحقة. تُظهر بعض تماثيل التراكوتا أيضًا طفلًا أو أطفالًا يتشبثون بالإلهة، ما يؤكد دورها كرمز للخصوبة. يبدو أن عبادة هؤلاء الإلاهات الإناث، التي تتميز بأشكال صغيرة وسهلة الصنع، كانت محلية في الأساس.
المراجع
موسوعات ذات صلة :
- Paul, Pran Gopal; Paul, Debjani (1989). "Brahmanical Imagery in the Kuṣāṇa Art of Mathurā: Tradition and Innovations". East and West. 39 (1/4): 111–143. JSTOR 29756891.
- Srinivasan, 4
- "But what made Mathura pre-eminent among its peers, is the incomparable role it played as a major centre of religious art as well. Indeed no other ateliers are known to have produced at the same time so many images pertaining to all the three principal religious system of India: Brahmanism, Buddhism and Jainism. The unquestionable supremacy of the Mathura sculptor, at least till the beginning of the Gupta period, is further documented by the discovery of his handiwork from far-flung points of the Indian subcontinent" in Paul, Pran Gopal; Paul, Debjani (1989). "Brahmanical Imagery in the Kuṣāṇa Art of Mathurā: Tradition and Innovations". East and West. 39 (1/4): 111–143. JSTOR 29756891.
- Stoneman, Richard (2019). The Greek Experience of India: From Alexander to the Indo-Greeks (باللغة الإنجليزية). Princeton University Press. صفحات 436–437. . مؤرشف من الأصل في 22 أبريل 2020.
- Paul, Pran Gopal; Paul, Debjani (1989). "Brahmanical Imagery in the Kuṣāṇa Art of Mathurā: Tradition and Innovations". East and West. 39 (1/4): 111–143, especially 112–114, 115, 125. JSTOR 29756891.
- Paul, Pran Gopal; Paul, Debjani (1989). "Brahmanical Imagery in the Kuṣāṇa Art of Mathurā: Tradition and Innovations". East and West. 39 (1/4): 111–143. ISSN 0012-8376. JSTOR 29756891.
- Krishan, Yuvraj; Tadikonda, Kalpana K. (1996). The Buddha Image: Its Origin and Development (باللغة الإنجليزية). Bharatiya Vidya Bhavan. صفحة ix-x. . مؤرشف من الأصل في 26 فبراير 2020.
- Shaw, Ian; Jameson, Robert (2008). A Dictionary of Archaeology (باللغة الإنجليزية). John Wiley & Sons. صفحة 248. . مؤرشف من الأصل في 23 ديسمبر 2019.
- Quintanilla, Sonya Rhie (2007). History of Early Stone Sculpture at Mathura: Ca. 150 BCE - 100 CE (باللغة الإنجليزية). BRILL. صفحات 1–7. . مؤرشف من الأصل في 21 ديسمبر 2019.
- Quintanilla, Sonya Rhie (2007). History of Early Stone Sculpture at Mathura: Ca. 150 BCE - 100 CE (باللغة الإنجليزية). BRILL. صفحة 8. . مؤرشف من الأصل في 21 ديسمبر 2019.
- Quintanilla, Sonya Rhie (2007). History of Early Stone Sculpture at Mathura: Ca. 150 BCE - 100 CE (باللغة الإنجليزية). BRILL. صفحة 7. . مؤرشف من الأصل في 21 ديسمبر 2019.
- "Votive Female Figurine". The Walters Art Museum (باللغة الإنجليزية). مؤرشف من الأصل في 26 مارس 2020.
- "The relatively high quality of terracotta sculptures recovered from Maurya strata at Mathura suggests some level of artistic activity prior to the second century BCE." Quintanilla, Sonya Rhie (2007). History of Early Stone Sculpture at Mathura: Ca. 150 BCE - 100 CE (باللغة الإنجليزية). BRILL. صفحة 35. . مؤرشف من الأصل في 21 ديسمبر 2019.
- Kala, Satish Chandra (1980). Terracottas in the Allahabad Museum (باللغة الإنجليزية). Abhinav Publications. صفحة 5. . مؤرشف من الأصل في 22 أبريل 2020.
- Singh, Upinder (2008). A History of Ancient and Early Medieval India: From the Stone Age to the 12th Century (باللغة الإنجليزية). Pearson Education India. صفحات 431–433. . مؤرشف من الأصل في 14 ديسمبر 2019.
- "The largest number of mother-goddess figurines has been found in western Uttar Pradesh in Mathura, which in the Mauryan period became an important terracotta making centre outside Magadh." in Sant, Urmila (1997). Terracotta Art of Rajasthan: From Pre-Harappan and Harappan Times to the Gupta Period (باللغة الإنجليزية). Aryan Books International. صفحة 136. . مؤرشف من الأصل في 22 أبريل 2020.