قاذفة اللهب هي جهاز ميكانيكي حارق يستخدم لقذف سيل طويل وقابل للتوجيه من اللهب. وظفه الإغريق للمرة الأولى في القرن الأول الميلادي، أما في التاريخ المعاصر، فقد استُخدمت قاذفات اللهب في الحرب العالمية الأولى وبشكل أوسع في الحرب العالمية الثانية.
تستخدم معظم قاذفات اللهب سوائل قابلة للاشتعال مركزة بكثافة شبيهة بالنابالم، أما قاذفات اللهب التجارية فهي تستخدم عادة تراكيز عالية من البروبان والبنزين، لأن هذه السوائل والغازات المتحركة أكثر أمانًا في الاستخدامات السلمية، إذ إن لهبها يتلاشى بشكل أسرع ويكون إطفاؤه أسهل غالبًا عند الضرورة، لأنها متطايرة ولأن بقاياها السائلة تُمتص بسهولة في الأوساط ذات المسامات مثل التربة الجافة.
على النقيض من ذلك، يلتصق الوقود اللزج أو الهلامي لقاذفات اللهب العسكرية بأسطح الأهداف ويكون إخماده بالماء أكثر صعوبة، بذلك يكون إشعاله مرة أخرى أكثر سهولة بعد إطفاء النيران. وهي تنتشر بشكل أقل من السوائل المتطايرة، ما يسمح بإحداث حرق أكثر دقة وموجه بشكل جيد.
من وجهة النظر العسكرية، عند احتراق وقود قاذفة اللهب في وسط مغلق مثل نفق أو حفرة، تكون تأثيراته أكبر من تهديد الحرق بحد ذاته، لأن اللهب سرعان ما يستهلك الأكسجين المحتجز ويلوث الهواء في داخل النفق، لذلك قد يصبح استنشاق الدخان والاختناق سلاحين فعالين كاللهب.
بصرف النظر عن الاستخدامات العسكرية، تملك قاذفات اللهب استخدامات سلمية عند وجود حاجة لاحتراق منظم وموجه مثل حصد قصب السكر وبعض مهمات تنظيم الأراضي. بعض النماذج مصممة ليحملها المشغل على ظهره، بينما تُركب نماذج أخرى على مركبات تحملها.
قاذفات اللهب العسكرية
استُخدمت قاذفات اللهب الحديثة للمرة الأولى خلال حرب الخنادق في الحرب العالمية الأولى ثم توسع استخدامها بشكل كبير في الحرب العالمية الثانية. يمكن أن تكون هذه القاذفات محمولة على آليات مثل الدبابات أو مصممة ليحملها شخص واحد.
تتكون قاذفات اللهب المحمولة من عنصرين: حقيبة الظهر والبندقية. تتكون حقيبة الظهر عادة من أسطوانتين أو ثلاث. في النظام المكون من أسطوانتين، تحتجز إحدى الأسطوانتين غازًا خاملًا مضغوطًا بشكل كبير يولد قوة الدفع (عادة هو النتروجين)، أما الأخرى فتحمل غازًا مشتعلًا هو وقود السيارات (البنزين) غالبًا، مضافًا إليه أحد أشكال المواد المكثفة للوقود.
أما النظام ثلاثي الأسطوانات فيتكون عادة من أسطوانتين خارجيتين من السائل القابل للاشتعال وأسطوانة مركزية من الغاز الخامل القاذف للحفاظ على توازن الجندي الحامل له. يقذف الغاز المضغوط الوقود السائل خارج الأسطوانة عبر أنبوب مرن ثم يوجهه إلى الجزء الثاني من قاذف اللهب (البندقية). تتكون البندقية من خزان صغير وصمام مزود بنابض ونظام إشعال، يؤدي ضغط زناد إلى فتح الصمام ما يسمح للسائل المضغوط والقابل للاشتعال بالتدفق والعبور فوق موقد اللهب ثم عبر فتحة البندقية. يمكن لموقد اللهب أن يكون واحدًا من عدة أنظمة إشعال: أحد الأنظمة البسيطة هي الوشيعة السلكية المسخنة كهربائيًا، ويوجد نظام آخر يستخدم شعلة إيقاد صغيرة تُغذى بالوقود المضغوط الموجود في الجهاز.
تعتبر قاذفة اللهب سلاحًا فعالًا يملك تأثيرًا نفسيًا كبيرًا، فهو يلحق بالضحية موتًا مرعبًا بشكل فظيع. أدى هذا إلى دعوة بعض الأطراف لمنع هذا السلاح دوليًا. يُستخدم هذا السلاح بشكل خاص ضد التحصينات في ميدان المعركة مثل الخنادق والأنفاق وغيرها من النقاط المحمية بشكل جيد.
تضخ قاذفة اللهب سيلًا من السائل القابل للاشتعال، لا مجرد لهب، ما يسمح للسائل بالارتداد على الجدران والأسقف ونشر اللهب إلى أماكن لا يمكن رؤيتها، مثل الجزء الداخلي من الخنادق والنقاط المحصنة. بشكل تقليدي، يصور الإعلام المرئي قاذفات اللهب بأنها سلاح قصير المدى وفعال على مدى أمتار قليلة فقط (بسبب استخدام غاز البروبان كوقود في قاذفات اللهب المستخدمة في الأفلام حرصًا على سلامة الممثلين). تستطيع قاذفات اللهب المعاصرة إحراق هدف على بعد 50 إلى 80 مترًا (160 – 260 قدمًا) من القاذف. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إطلاق سيل غير مشتعل من السوائل سريعة الاشتعال ثم إشعاله، كأن يبدأ بالاشتعال لوحده بفعل مصباح أو شعلة ما داخل النفق أو المكان المحصن.
تشكل قاذفات اللهب خطرًا كبيرًا على حاملها للأسباب التالية:
أولى العوائق هي طول ووزن السلاح، ما يعيق حركة الجندي.
- فعالية السلاح محدودة فقط بعدة ثوان من زمن الاحتراق الفعال -بما أنه يستهلك الوقود بسرعة كبيرة- ما يلزم الجندي الحامل له بأن يكون دقيقًا وموفرًا.
- كان السلاح مرئيًا بشكل واضح في ميدان المعركة، ما جعل من حامليه أهدافًا واضحة خصوصًا بالنسبة للقناصين.
- نادرًا ما كان حاملو قاذفة اللهب يقعون في الأسر، خصوصًا عندما ينجو الهدف من الهجوم. في بعض الأحيان، كان مستخدمو قاذف اللهب يُعدمون بشكل ميداني.[1]
- يعتبر المدى الفعال لقاذف اللهب قصيرًا نسبيًا بالمقارنة مع الأسلحة الحربية الأخرى المشابهة بالحجم. إذ يتوجب على حامل قاذف اللهب أن يقترب من هدفه حتى يصبح سلاحه فعالًا مخاطرًا بالتعرض للنيران المعادية. عانت قاذفات اللهب المحمولة على الآليات من المشكلة ذاتها؛ بالرغم من أنها تملك مدى فعالًا أكبر بكثير من ذلك الذي تقدمه قاذفات اللهب المحمولة على الظهر، فإن هذا المدى قصير مقارنة بأسلحة المشاة الأخرى.
إن خطورة تعرض حامل القاذف للحرق نتيجة انفجار سلاحه بالنيران المعادية هو أمر مبالغ به في الأفلام. لكن السلاح انفجر بحامله في بعض الحالات نتيجة الإصابة بالرصاص أو بشظايا القنابل اليدوية. في الفيلم الوثائقي فيتنام إن إتش دي الذي أعدته شبكة هيستوري، يذكر الرقيب تشارلز براون قائد الفصيلة قصة عن مقتل أحد جنوده عند إصابة قاذف اللهب الخاص به بشظايا قنبلة يدوية خلال المعركة من أجل التلة 875.[2]
«إن حاملي قاذفات اللهب لم يواجهوا في العادة موتًا ناريًا من أقل شرارة أو حتى عند إصابة خزان الوقود برصاصة عادية بشكل شائع كما يُصور في أفلام الحرب الحديثة. إن مستوعبة الغاز [أي جهاز رفع الضغط] مملوءة بغاز غير قابل للاشتعال تحت ضغط عالٍ. عند تمزق هذه المستوعبة، يمكن أن تدفع حامل القاذف نحو الأمام، إذ أنه يتمدد بشكل مشابه للمادة المتطايرة التي تندفع من عبوة مضغوطة عند ثقبها. يكون المزيج المشتعل في مستوعبات الوقود صعب الإشعال، لهذا السبب توجد حاجة لأجهزة الإشعال المليئة بالمغنيزيوم عندما يجري إطلاق النار من السلاح. أطلق النار على علبة معدنية مليئة بالديزل أو النابالم وسوف تتسرب المادة من العبوة بكل بساطة، إلا إذا كانت الرصاصة التي أُطلقت عليها من النوع المشتعل الذي يمكنه ببساطة إشعال المزيج في الداخل. ينطبق هذا أيضًا على مستوعبة وقود قاذف اللهب».[3]
كانت أفضل طريقة لتقليل مساوئ الأسلحة النارية هي تركيبها على العربات المصفحة. أما أفضل مستخدمي أسلحة اللهب المحمولة على المركبات فكانوا دول الأمة البريطانية والولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ نشر البريطانيون والكنديون «الدبابير» (وهي عربات مصفحة مجهزة بقاذف لهب) على مستوى كتائب المشاة، بدءًا من عام 1944، ثم ضموها إلى كتائب المشاة. من أوائل عربات قاذف اللهب المحمولة على الدبابات نذكر «بادجر» (وهي دبابة رام معدلة)، و«أوكي» التي استُخدمت بداية في إنزال دييب.[2]
مقالات ذات صلة
مصادر
- "Why Has the US Military Discontinued Use of Flamethrowers?". مؤرشف من الأصل في 22 مارس 2016.
- "Flamethrower". canadiansoldiers.com. مؤرشف من الأصل في 18 مايو 200726 مايو 2007.
- Gordon, David. Weapons of the WWII Tommy