مكتب الشيفرات (في البولندية: Biuro Szyfrów)، كانت وحدة الإدارة الثانية في هيئة الأركان العامة البولندية في فترة ما بين الحربين المكلّفة بالاستخبارات السرية؛ التشفير (استخدام الشيفرات والرموز)؛ وتحليل الشفرات بغرض حلّها.
تأسست الوكالة التي أصبحت لاحقًا مكتب التشفير في مايو عام 1919 أثناء الحرب البولندية السوفيتية (1919- 1921)، ولعبت دورًا حيويًا في استمرار بولندا وانتصارها في تلك الحرب.
تشكّل مكتب التشفير في منتصف عام 1931 عبر دمج وكالات كانت موجودة مسبقًا، ليبدأ في ديسمبر/ كانون الأول 1932من عام بحلّ شيفرات آلة إنجما الألمانية. تغلب علماء التشفير البولنديون خلال الأعوام السبعة التالية على التعقيدات الهيكلية والتشغيلية المتزايدة للإنجما، كما حلّ المكتب أيضًا الرموز والشيفرات السوفيتية.
قبل خمسة أسابيع من اندلاع الحرب العالمية الثانية، كشف مكتب الشفرات البولندي في 25 يوليو/ تموز عام 1939 في وارسو عن تقنيات ومعدات تحل شيفرات الإنجما لممثلي المخابرات العسكرية الفرنسية والبريطانية الذين لم يتمكنوا من تحقيق أي تقدم في مواجهتهم للإنجما. أعطت الاستخبارات والتقنيات البولندية الحلفاء ميزة غير مسبوقة (ألترا)؛ الأمر الذي أدى في النهاية إلى انتصارهم في الحرب.
كاباتي وودز
كان القسم الألماني لمكتب الشفرات حتى عام 1937 يقع في مبنى هيئة الأركان العامة البولندية -القصر الساكسوني الفخم من القرن الثامن عشر- في وارسو. في ذلك العام، انتقل هذا القسم إلى منشآت جديدة شيدت خصيصًا له في غابات كاباتي بالقرب من بيري جنوب وارسو. كانت ظروف العمل هناك أفضل من المكاتب الضيقة لمبنى هيئة الأركان العامة.[1][2]
أملًت متطلبات الأمن هذا الانتقال، إذ كانت وكالة استخبارات أبفير الألمانية تبحث دائمًا عن خونة محتملين بين العسكريين والمدنيين العاملين في مبنى الأركان العامة. يمكن للعملاء الجوالين مراقبة وتصوير الأفراد الذين يدخلون ويغادرون المبنى بكاميرات مصغرة مخفية حتى لو لم يتمكنوا من الوصول إلى مبنى الموظفين. وضعت مهام استخبارات أبفير أولوية للعملاء الألمان في وارسو لكشف المخبرين في هيئة الأركان العامة البولندية.
هدية للحلفاء
مع الحرب التي تلوح في الأفق، وبناءً على تعليمات من هيئة الأركان العامة البولندية، كشف رؤساء مكتب التشفير (المقدم غويدو لانجر والرائد ماكسيميليان تشيسكي) وعلماء الرياضيات المدنيون الثلاثة ورئيس الاستخبارات (العقيد ستيفان ماير آنذاك) عن إنجازات بولندا في مجال فك الشيفرات لممثلين متخصصين من فرنسا وبريطانيا موضحين الطريقة التي اخترقوا فيها الإنجما.[3][4]
تعهدت بولندا بإعطاء كل بلد آلة إنجما بولندية الصنع إلى جانب تفاصيل عن المعدات، بما في ذلك الأوراق المثقبة وقنبلة التعمية التي صممها رييفيسكي. في المقابل، تعهد البريطانيون بإعداد مجموعتين كاملتين من الأوراق المثقبة لجميع الاحتمالات الممكنة. تألفت الكتيبة الفرنسية من رئيس قسم التشفير والاستخبارات الفرنسية الراديوية الرائد غوستاف برتران، والنقيب هنري براكيني من طاقم سلاح الجو الفرنسي. أرسل البريطانيون القائد أليستير دنيستون، وهو رئيس المدرسة البريطانية للترميز والتشفير، بالإضافة إلى كبير المحللين البريطانيين ديلي نوكس، والقائد همفري ساندويث رئيس محطات الاعتراض وتحديد الاتجاه التابعة للبحرية الملكية.
عندما كان رييفيسكي يعمل على إعادة بناء آلة إنجما العسكرية الألمانية في أواخر عام 1932، وجد عنصرًا حاسمًا بتوصيله حروف الأبجدية في أسطوانة الدخول، مع تخمين مستوحى من أنها قد تكون سلكية بترتيب أبجدي بسيط. وفي الاجتماع الثلاثي كان السؤال الأول الذي طرحه ديلي نوكس -بحسب رييفيسكي- هو: «ما هي الروابط في أسطوانة الدخول؟»؛ صُعِقَ نوكس عندما علم بمدى بساطة الإجابة.[5]
جاءت هدية البولنديين لحلفائهم باللحظات الأخيرة؛ كتب جوردون ولشمان، وهو عالم رياضيات وتحليل شيفرات سابق في بلتشلي بارك- المملكة المتحدة: «لم تكن ألترا لتزحزح عن الأرض إن لم يعلمنا البولنديون في آخر الوقت تفاصيل كل من الجيش الألماني وآلة إنجما، والتقنيات التي كانت مستخدمة حينها». وصف القائد الأعلى للحلفاء دوايت أيزنهاور في نهاية الحرب المعلومات الاستخباراتية من بلتشلي بارك بأنها: «ذات قيمة لا تقدر بثمن بالنسبة لي. لقد سهّلت مهمتي كقائد بشكل هائل»، كما أعرب أيزنهاور عن شكره «لهذه المساهمة الحاسمة في المجهود الحربي للحلفاء».[6]
كان أعظم خوف لدى تشرشل في زمن الحرب، حتى بعد أن علق هتلر عملية أسد البحر وغزا الاتحاد السوفيتي، هو أن ينجح في خنق بريطانيا المحاطة بالبحر عبر استخدامها تكنيكات الزمرة الذئبية. ويعتبر كشف بريطانيا [7]لفك تشفيرات الإنجما البحرية الألماني من أهم العوامل التي جنّبت بريطانيا الهزيمة في معركة الأطلسي؛ اعتمد ذلك بشكل كبير على الاستيلاء البريطاني للسفن البحرية الألمانية المجهزة بنظام إنجما، ومع ذلك، اعتمد فك الإشارات البحرية الألمانية في نهاية المطاف على تقنيات طورها مكتب الشفرات البولندي. لو استسلمت بريطانيا لهتلر، لكانت الولايات المتحدة محرومة من قاعدة مواجهة أساسية في مشاركتها اللاحقة في نزاعات أوروبا وشمال أفريقيا.[8]
شكر ديلوين نوكس بعد أسبوع من اجتماع بيري البولنديين في رسالة مؤرخة بتاريخ 1 أغسطس/ آب من عام 1939على تعاونهم وصبرهم. أرفق الرسالة بهراوات ورقية صغيرة ووشاح يصور سباق دربي للخيول (رمز واضح لسباق التشفير الذي كان نوكس يأمل الفوز به باستخدام الهراوات)؛ الأمر الذي أقرّ بخسارته بشجاعة.[9]
في 5 سبتمبر 1939، عندما أصبح من الواضح استحالة إيقاف بولندا للغزو الألماني المستمر، تلقى القسم الألماني لمكتب الشفرات أوامر بتدمير قسم من الملفات وإجلاء الموظفين الأساسيين.[10]
المراجع
- Bury 2004
- Woytak 1988، صفحات 497–500
- Ralph Erskine, "The Poles Reveal Their Secrets: Alastair Denniston's Account of the July 1939 Meeting at Pyry," Cryptologia, vol. 30, no. 4 (2006), pp. 294–305.
- Erskine 2006، صفحة 59
- Rejewski 1984d، صفحة 257
- Winterbotham 1975، صفحات 16–17
- ونستون تشرشل, Their Finest Hour, pp. 598–600.
- Christopher Kasparek, review of Michael Alfred Peszke, The Polish Underground Army, the Western Allies, and the Failure of Strategic Unity in World War II, 2005, in The Polish Review, vol. L, no. 2, 2005, p. 240.
- Kozaczuk 1984، صفحة 60
- Kozaczuk 1984، صفحة 70
المصادر
- Bauer, F.L. (2007), "British and US cryptanalysis of the Wehrmacht Enigma", in de Leeuw, Karl; Bergstra, J. A. (المحررون), The history of information security: a comprehensive handbook, Elsevier,
- Bloch, Gilbert (1987), "Enigma before Ultra: Polish Work and the French Contribution - Translated by C.A. Deavours", Cryptologia (نشر July 1987)
- Brzezinski, Zbigniew (2005), "The Unknown Victors", in Ciechanowski, Stanisław (المحرر), Marian Rejewski, 1905-1980: living with the Enigma secret, Bydgoszcz, Poland: Bydgoszcz City Council, صفحات 15–18,
- Bury, Jan (July 2004), "Polish Codebreaking during the Russo-Polish War of 1919–1920", Cryptologia, 28, صفحات 193–203, doi:10.1080/0161-110491892872, ISSN 0161-1194
- Calvocoressi, Peter (2001) [1980], Top Secret Ultra, Cleobury Mortimer, Shropshire: M & M Baldwin,
- Churchill, Winston (1949), Their Finest Hour, Boston: Houghton Mifflin
- Ćwięk, Henryk, Przeciw Abwehrze (Against the الدفاع), Warsaw: Bellona,
- Erskine, Ralph (December 2006), "The Poles Reveal their Secrets: Alastair Denniston's Account of the July 1939 Meeting at Pyry", Cryptologia, 30 (4), صفحات 294–305, doi:10.1080/01611190600920944
- Gaj, Kris; Orłowski, Arkadiusz, Facts and myths of Enigma: breaking stereotypes ( كتاب إلكتروني PDF ), George Mason University, Fairfax, VA 22030, U.S.A.; Institute of Physics, Polish Academy of Sciences Warszawa, Poland, مؤرشف من الأصل ( كتاب إلكتروني PDF ) في 14 أبريل 2008,01 فبراير 2009
- آي. جيه. غود, and Cipher A. Deavours, afterword to ماريان رييفيسكي, "How Polish Mathematicians Deciphered the Enigma", Annals of the History of Computing, July 1981.
- Herivel, John (2008), Herivelismus and the German Military Enigma, Cleobury Mortimer, Shropshire: M & M Baldwin,
- Hodges, Andrew (1992), Alan Turing: The Enigma, London: Vintage,
- Kahn, David (1991), Seizing the Enigma: The Race to Break the German U-boat Codes, 1939-1943, New York: Houghton Mifflin Co.,
- Kahn, David (1996), The Codebreakers: The Comprehensive History of Secret Communication from Ancient Times to the Internet (الطبعة 2nd), New York: Scribner,
- Kozaczuk, Władysław (1999) [1967], Bitwa o Tajemnice: Służby wywiadowcze Polski i Niemiec 1918–1939 (باللغة البولندية), Warsaw: Książka i Wiedza
- Kozaczuk, Władysław (1984), Enigma: How the German Machine Cipher was Broken, and How it was Read by the Allies in World War Two, edited and translated by Christopher Kasparek, Frederick, Maryland: University Publications of America, A revised and augmented translation of W kręgu enigmy, وارسو, Książka i Wiedza, 1979, supplemented with appendices by ماريان رييفيسكي
- Kozaczuk, Władysław; Straszak, Jerzy (2004), Enigma: How the Poles Broke the Nazi Code, New York: Hippocrene Books, Largely an abridgment of Kozaczuk 1984, minus Rejewski's appendices, which have been replaced with appendices of varying quality by other authors
- Misiuk, Andrzej (1998), Służby Specjalne II Rzeczypospolitej (باللغة البولندية), Warsaw: Bellona
- Nowik, Grzegorz (2004), Zanim złamano Enigmę: Polski radiowywiad podczas wojny z bolszewicką Rosją, 1918–1920 (باللغة البولندية), Warsaw: Oficyna Wydawnicza Rytm,
- Pepłoński, Andrzej (2002), Kontrwywiad II Rzeczypospolitej (باللغة البولندية), Warsaw: Bellona
- Polmar, Norman; Allen, Thomas B. (2000), Księga Szpiegów (باللغة البولندية), Warsaw: Wydawnictwo Magnum
- Rejewski, Marian (1980), "An Application of the Theory of Permutations in Breaking the Enigma Cipher", Applicationes mathematicae, 16, ISSN 1730-6280
- Rejewski, Marian; Woytak, Richard (1984b), A Conversation with Marian Rejewski: Appendix B to Kozaczuk 1984، صفحات 229–40
- Rejewski, Marian (1984c), Summary of Our Methods for Reconstructing ENIGMA and Reconstructing Daily Keys, and of German Efforts to Frustrate Those Methods: Appendix C to Kozaczuk 1984، صفحات 241–245
- Rejewski, Marian (1984d), How the Polish Mathematicians Broke Enigma: Appendix D to Kozaczuk 1984، صفحات 246–271
- Rejewski, Marian (1984e), The Mathematical Solution of the Enigma Cipher: Appendix E to Kozaczuk 1984، صفحات 272–291
- Ścieżyński, Mieczysław, Colonel of the [Polish] General Staff (May 1928), Radjotelegrafja jako źródło wiadomości o nieprzyjacielu (باللغة البولندية), Przemyśl: Printing and Binding Establishment of [Military] Corps District No. X HQ
- Turing, Dermot (2018). X Y & Z: The real story of how Enigma was Broken. Gloucestershire, UK: The History Press. .
- Welchman, Gordon (1982), The Hut Six Story: Breaking the Enigma Codes, New York: McGraw-Hill
- Welchman, Gordon (2008) [1986], "From Polish Bomba to British Bombe: the Birth of Ultra", in Andrew, Christopher M. (المحرر), Codebreaking and signals intelligence: Volume 1 of Intelligence and national security, The University of Virginia: F. Cass,
- Winterbotham, F.W. (1975) [1974], The Ultra Secret, New York: Dell
- Woytak, Richard (January 1988), "Colonel Kowalewski and the Origins of Polish Code Breaking and Communication Interception", East European Quarterly, Boulder: University of Colorado, XXI, صفحات 497–500, ISSN 0012-8449