الرئيسيةعريقبحث

آية البر


☰ جدول المحتويات



وجه من مصحف المدينة وفي بدايته آية البِّر، الصفحة رقم 27.

آية البر هي الآيةُ السَّابعةُ والسَّبعُون بَعد المائة من سُورة البقرة، والتي بَيَّن اللهُ تعالى فيها طرق الخير[1]، ونص الآية: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ۝ ﴾.[2]

وهي آية عظِيمة من أُمَّهات الآيات؛ لأنها تضمَّنت جملة من قواعد الدِّين وأصوله كالإيمان بالله والملائكة والكتبِ المُنزَّلة والأنبياء، والصَّدَقات الواجبة والمُستحبَّة والإحسان للمسافر والضَّيف وعتقِ العبيد والمحافظة على الصَّلاة والوفاء بالعهود والصَّبر في الشَّدائد، والمُرادُ بالبِرّ: اسمٌ جامعٌ لأنواع الخير والإحسان.[1]

التفسير

تفسير الآية من كتاب المختصر في تفسير القرآن الكريم

ليس الخير المَرضي عند الله مجرد الاتجاه إلى جهة المشرق أو المغرب والاختلاف في ذلك، ولكنّ الخير كلَّ الخير فيمن آمن بالله إلهًا واحدًا، وآمن بيوم القيامة، وبجميع الملائكة، وبجميع الكتب المنزلة، وبجميع الأنبياء دون تفريق، وأنفق المال مع حبه والحرص عليه على ذوي قرابته، ومن فقد أباه دون سن البلوغ، وذوي الحاجة، والغريب الذي انقطع في السفر عن أهله ووطنه، والذين تعرض لهم حاجةٌ توجب سؤال الناس، وصرف المال في تحرير الرقاب من الرِّقِّ والأسر، وأقام الصلاة بالإتيان بها تامة على ما أمر الله، ودفع الزكاة الواجبة، والذين يُوفون بعهدهم إذا عاهدوا، والذين يصبرون على الفقر والشدة، وعلى المرض، وفي وقت شدة القتال فلا يَفِرُّون، أولئك المتصفون بهذه الصفات هم الذين صدقوا الله في إيمانهم وأعمالهم، وأولئك هم المتقون الذين امتثلوا ما أمرهم الله به، واجتنبوا ما نهاهم الله عنه.[2]

تفسير ابن كثير

اشتملت هذه الآية الكريمة، على جمل عظيمة، وقواعد عميمة، وعقيدة مستقيمة، كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبيد بن هشام الحلبي، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن عامر بن شفي، عن عبد الكريم، عن مجاهد، عن أبي ذر: أنه سأل رسول الله : ما الإيمان ؟ فتلا عليه: (ليس البر أن تولوا وجوهكم) إلى آخر الآية. قال: ثم سأله أيضا، فتلاها عليه ثم سأله. فقال: «إذا عملت حسنة أحبها قلبك، وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك». وهذا منقطع؛ فإن مجاهدا لم يدرك أبا ذر؛ فإنه مات قديما.

وقال المسعودي: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن، قال: جاء رجل إلى أبي ذر، فقال: ما الإيمان ؟ فقرأ عليه هذه الآية: (ليس البر أن تولوا وجوهكم) حتى فرغ منها. فقال الرجل: ليس عن البر سألتك. فقال أبو ذر: جاء رجل إلى رسول الله فسأله عما سألتني عنه، فقرأ عليه هذه الآية، فأبى أن يرضى كما أبيت [أنت] أن ترضى فقال له رسول الله وأشار بيده: «المؤمن إذا عمل حسنة سرته ورجا ثوابها، وإذا عمل سيئة أحزنته وخاف عقابها».

رواه ابن مردويه، وهذا أيضا منقطع، والله أعلم.

وأما الكلام على تفسير هذه الآية، فإن الله تعالى لما أمر المؤمنين أولا بالتوجه إلى بيت المقدس، ثم حولهم إلى الكعبة، شق ذلك على نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلمين، فأنزل الله تعالى بيان حكمته في ذلك، وهو أن المراد إنما هو طاعة الله عز وجل، وامتثال أوامره، والتوجه حيثما وجه، واتباع ما شرع، فهذا هو البر والتقوى والإيمان الكامل، وليس في لزوم التوجه إلى جهة من المشرق إلى المغرب بر ولا طاعة، إن لم يكن عن أمر الله وشرعه؛ ولهذا قال: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر) الآية، كما قال في الأضاحي والهدايا: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) [الحج: 37].

وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية: ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا. فهذا حين تحول من مكة إلى المدينة ونزلت الفرائض والحدود، فأمر الله بالفرائض والعمل بها. وروي عن الضحاك ومقاتل نحو ذلك. وقال أبو العالية: كانت اليهود تقبل قبل المغرب، وكانت النصارى تقبل قبل المشرق، فقال الله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) يقول: هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل. وروي عن الحسن والربيع بن أنس مثله.

وقال مجاهد: ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة الله عز وجل. وقال الضحاك: ولكن البر والتقوى أن تؤدوا الفرائض على وجوهها. وقال الثوري: (ولكن البر من آمن بالله) الآية، قال: هذه أنواع البر كلها. وصدق رحمه الله؛ فإن من اتصف بهذه الآية، فقد دخل في عرى الإسلام كلها، وأخذ بمجامع الخير كله، وهو الإيمان بالله، وهو أنه لا إله إلا هو، وصدق بوجود الملائكة الذين هم سفرة بين الله ورسله والكتاب، وهو اسم جنس يشمل الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء، حتى ختمت بأشرفها، وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب، الذي انتهى إليه كل خير، واشتمل على كل سعادة في الدنيا والآخرة، ونسخ [الله] به كل ما سواه من الكتب قبله، وآمن بأنبياء الله كلهم من أولهم إلى خاتمهم محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

وقوله: (وآتى المال على حبه) أي: أخرجه، وهو محب له، راغب فيه. نص على ذلك ابن مسعود وسعيد بن جبير وغيرهما من السلف والخلف، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعا: «أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر». وقد روى الحاكم في مستدركه، من حديث شعبة والثوري، عن منصور، عن زبيد، عن مرة، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : «(وآتى المال على حبه) أن تعطيه وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر». ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

قلت: وقد رواه وكيع عن الأعمش، وسفيان عن زبيد، عن مرة، عن ابن مسعود، موقوفا، وهو أصح، والله أعلم.

وقال تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) [الإنسان: 8، 9].

وقال تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) [آل عمران: 92] وقوله: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) [الحشر: 9] نمط آخر أرفع من هذا [ومن هذا] وهو أنهم آثروا بما هم مضطرون إليه، وهؤلاء أعطوا وأطعموا ما هم محبون له.

وقوله: (ذوي القربى) وهم: قرابات الرجل، وهم أولى من أعطى من الصدقة، كما ثبت في الحديث: «الصدقة على المساكين صدقة، وعلى ذوي الرحم ثنتان: صدقة وصلة». فهم أولى الناس بك وببرك وإعطائك. وقد أمر الله تعالى بالإحسان إليهم في غير ما موضع من كتابه العزيز. (واليتامى) هم: الذين لا كاسب لهم، وقد مات آباؤهم وهم ضعفاء صغار دون البلوغ والقدرة على التكسب، وقد قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن جويبر، عن الضحاك، عن النزال بن سبرة، عن علي، عن رسول الله قال: «لا يتم بعد حلم». (والمساكين) وهم: الذين لا يجدون ما يكفيهم في قوتهم وكسوتهم وسكناهم، فيعطون ما تسد به حاجتهم وخلتهم. وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه». (وابن السبيل) وهو: المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته فيعطى ما يوصله إلى بلده، وكذا الذي يريد سفرا في طاعة، فيعطى ما يكفيه في ذهابه وإيابه، ويدخل في ذلك الضيف، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس أنه قال: ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين، وكذا قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو جعفر الباقر، والحسن، وقتادة، والضحاك والزهري، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان. (والسائلين) وهم: الذين يتعرضون للطلب فيعطون من الزكوات والصدقات، كما قال الإمام أحمد:

حدثنا وكيع وعبد الرحمن، قالا حدثنا سفيان، عن مصعب بن محمد، عن يعلى بن أبي يحيى، عن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها - قال عبد الرحمن: حسين بن علي - قال: قال رسول الله : «للسائل حق وإن جاء على فرس». رواه أبو داود.

(وفي الرقاب) وهم: المكاتبون الذين لا يجدون ما يؤدونه في كتابتهم. وسيأتي الكلام على كثير من هذه الأصناف في آية الصدقات من براءة، إن شاء الله تعالى. وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا شريك، عن أبي حمزة، عن الشعبي، حدثتني فاطمة بنت قيس: أنها سألت رسول الله : أفي المال حق سوى الزكاة ؟ قالت: فتلا علي (وآتى المال على حبه).

ورواه ابن مردويه من حديث آدم بن أبي إياس، ويحيى بن عبد الحميد، كلاهما، عن شريك، عن أبي حمزة عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، قالت: قال رسول الله : «في المال حق سوى الزكاة» ثم تلا (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) إلى قوله: (وفي الرقاب). [وقد أخرجه ابن ماجه والترمذي وضعف أبا حمزة ميمونا الأعور، قال: وقد رواه بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي]. وقوله: (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) أي: وأتم أفعال الصلاة في أوقاتها بركوعها، وسجودها، وطمأنينتها، وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي. وقوله: (وآتى الزكاة) يحتمل أن يكون المراد به زكاة النفس، وتخليصها من الأخلاق الدنية الرذيلة، كقوله: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) [الشمس: 9، 10] وقول موسى لفرعون: (هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى) [النازعات: 18، 19] وقوله تعالى: (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) [فصلت: 6، 7].

ويحتمل أن يكون المراد زكاة المال كما قاله سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان، ويكون المذكور من إعطاء هذه الجهات والأصناف المذكورين إنما هو التطوع والبر والصلة؛ ولهذا تقدم في الحديث عن فاطمة بنت قيس: أن في المال حقا سوى الزكاة، والله أعلم.

وقوله: (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) كقوله: (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) [الرعد: 20] وعكس هذه الصفة النفاق، كما صح في الحديث: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان». وفي الحديث الآخر: «إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر». وقوله: (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس) أي: في حال الفقر، وهو البأساء، وفي حال المرض والأسقام، وهو الضراء. (وحين البأس) أي: في حال القتال والتقاء الأعداء، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وأبو العالية، ومرة الهمداني، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي، ومقاتل بن حيان، وأبو مالك، والضحاك، وغيرهم. وإنما نصب (والصابرين) على المدح والحث على الصبر في هذه الأحوال لشدته وصعوبته، والله أعلم، وهو المستعان وعليه التكلان. وقوله: (أولئك الذين صدقوا) أي: هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم؛ لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال، فهؤلاء هم الذين صدقوا (وأولئك هم المتقون) لأنهم اتقوا المحارم وفعلوا الطاعات.[3]

مراجع

موسوعات ذات صلة :