الرئيسيةعريقبحث

أبو اليسر عابدين


☰ جدول المحتويات


محمد أبو اليسر بن محمد أبي الخير بن أحمد بن عبد الغني بن عمر بن عبد العزيز بن أحمد بن عبد الرحيم بن نجم الدين بن محمد صلاح الدين الشهير بعابدين، وقد أطلق عليه هذا اللقب لصلاحه، ومعناه: الولي الصالح الجامع بين الشريعة والحقيقة، وميلاده1307 - 1401هـ = 1889 - 1981م

محمد أبو اليسر
معلومات شخصية
الميلاد 1307 هــ
دمشق في سوريا
تاريخ الوفاة صباح يوم الثلاثاء 8 رجب 1401هـ / 2 أيار 1981 م
الإقامة سوري
الديانة الإسلام
العقيدة أهل السنة
الحياة العملية
المهنة كاتب 

ولادته ونسبه

ولد الشيخ أبو اليسر بدمشق في بيتٍ جمع من الصفات قل ما تُجمع في أسرة واحدة، عُرف هذا المحضن الأسري لهذا الشيخ الجليل، بالكرم والجود والعلم والعمل وحب مجالسة العلماء والأولياء الصالحين، حيث كان لوالده الشيخ محمد أبو الخير عابدين رحمه الله مكانة ومنزلة في قلوب معاصريه، وأخذ الشيخ أبو الخير العلم عن والده أيضاً الشيخ أحمد كما أخذ العلم عن كبار علماء عصره في سوريا، وأجيز بما قرأه على يد علماء عصره في الفقه والحديث واللغة وسائر العلوم الشرعية، وعُين مفتياً للشام - سورية ولبنان والأردن وفلسطين -، وقلدته الحكومة العثمانية أعلى المراتب العلمية "رتبة استنابول".

وحين تولى الأمير فيصل بن الحسين دمشق، بويع ليكون ملكاً على سورية، فبايعه الشيخ أبو الخير، وقال له: "أيها الأمير! إن لكل أمير بطانتان، بطانة تزين له الحق وتحضه عليه وبطانة تزين له الباطل وتحضه عليه، فعليك ببطانة الخير !!". وقد اعتبر ممن حضر أن هذا تعريض به، فحث الأمير فيصل، وأقصى الشيخ أبو الخير عن الإفتاء سنة 1919، وبعد انتهاء حكم الملك فيصل عُين الشيخ أبو الخير مميزاً للأحكام التي تصدر عن المحاكم رحمه الله.

تتلمذ ابن عابدين على يد الشيخ محمد شاكر العقاد، وكان شيخه يتفرس فيه الخير، وأحضره دروس أشياخه كالشيخ محمد كردي والشيخ أحمد العطار فأخذ ممن حضر درسه أجازة.

اصطحبه الشيخ العقاد مرة لزيارة الشيخ محمد عبد النبي الذي قدم من الهند زائراً فلما دخل عليه وجلس الشيخ العقاد، بقي ابن عابدين في العتبة واقفاً بين يدي شيخه حاملاً نعله بيده، كما هي عادته مع شيخه، فقال الشيخ عبد النبي للعقاد: مُرْ هذا الغلام فليجلس فإني لا أجلس حتى يجلس، ثم قال الشيخ: ستقبَّل يده ويُنتفع بفضله في سائر البلاد، وعليه نور أهل بيت النبوة.

وقد أعقب محمد أمين ابناً هو محمد علاء الدين عابدين المولود في سنة 1244هـ حيث أخذ العلم عن والده، وكان للشيخ علاء الدين دور في تأسيس المكتبة الظاهرية، وبذلك حافظ من الضياع الكتب الموقوفة وجعلها متاحة للعموم للاستفادة منها. كما اشترك الشيخ علاء الدين في تأليف "مجلة الأحكام العدلية" التي صارت مرجع الحكام في أحكامهم كالقانون المدني، كما ألف كتاباً أسماه "الهدية العلائية" اختصر فيه أحكام العبادات والعقيدة، وساهم مع ابن عمه الشيخ أحمد عبد الغني عابدين في تأليف تكملة حاشية ابن عابدين.

هذا ويعود نسب الأسرة الشريفة إلى نسب الحسين رضي الله عنه. في ظل هذه الأسرة الشريفة وبين أحضانها ولد ونشأ الشيخ أبو اليسر عابدين، فكان خير خلفٍ لخير سلف، وسُطرت سيرته بماء الذهب، فقد أتقن فنون العلم الشرعي وبرع في العلم الدنيوي، فكان شيخاً ومدرساً وطبيباً ومفتي البلاد.

فأي روعة وأي جمال وجلال هي سيرته، هذا ما ينبغي أن ندركه نحن المسلمين وياللأسف، أن لا نفصل العلم الديني عن العلم الدنيوي، فمن أدرك وعمل ضمن هذا المفهوم، فقد فاز ونال فرصة المباهاة الحقيقية التي تناله من سيد الخلق محمد ، لقوله الشريف: (تناكحوا تكاثروا، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة).

نشأته العلمية والروحية

فالشيخ أبو اليسر عابدين - رحمه الله - تعلم العلم الشرعي وأتقنه، ثم انصرف للعلم الدنيوي فدرس الطب، وكان مدرساً في كليتي الحقوق والشريعة في دمشق، كان حريصاً في استغلال وقته وحياته، إما تلميذاً وطالب علم، أو مدرساً وطبيباً ومفتياً، جعل من حديث النبي عنوناً لمسيرته، فكان يعشق النبي ويرجوا الله أن يباهي النبي به يوم القيامة.

هذا الفهم والإدراك المقدس العالي هو ما نحتاجه في بيوتنا، ولن نصل إلى هذا الإدراك إلا بتعظيم لشرع الله وحب الله، وتعظيم واحترام لشخص النبي ، الذي أراده الله عز وجل لنا في الأرض كقدوة لنا (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ).

ولد الشيخ أبو اليسر في حي سوق ساروجة بدمشق، في عام 1307هـ - 1889م. تعلم القراءة والكتابة في مدرسة جامع الشامية في حي ساروجة بدمشق، الذي كان يشرف عليه عمه الصلبي الشيخ راغب عابدين، ثم أخذ علوم الفقه والحديث واللغة والمعقول عن والده الشيخ أبي الخير وكبار علماء دمشق، منهم: الشيخ بدر الدين الحسني، والشيخ سليم سماره، والشيخ أمين سويد، وأجازه كل من أخذ عنه إجازة سماع ورواية إلى صاحب المذهب والكتب التي قرأها عليهم، وكان أكثر انتفاعاً ولده خاصة بالفقه والنحو.

ذكرنا ومر معنا أن الشيخ أبو اليسر رحمه الله كان حريصاً في المحافظة على صفة الطالب أو طالب العلم، فقد حفظ وأدرك وعمل بحديث رسول الله  : (إن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم). فقد شاهده أخوه القاضي مرشد عابدين، يحمل كتاب "المسايرة" لابن الهمام، فسأله إلى أين ؟ فقال الشيخ أبو اليسر: إلى الشيخ بدر الدين المغربي الحسني لأقرأ عليه قسماً من هذا الكتاب، لأبقى متصفاً بصفة طالب العلم، لأن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم.

الله الله ما أروع وأجمل أن ينشأ أولادنا وهم يحملون في أرواحهم نسمات قدسية لمعاني هذه الأحاديث، ولا نكون من الذين يقرؤون أحاديث رسول الله بسطحية وغفلة عن فهم أسرار هذه المعاني الجليلة، ينبغي لكل أب مسلم أو أم مسلمة أن تذكُر هذه الأحاديث لأولادنا بحب مغلف بالصدق والتصديق لكلام النبي الكريم، راجين الله عز وجل أن يكرم أولادنا لفهم هذه المعاني السامية، فعندما يرتبط أبناؤنا بهذه المعاني سيعم الخير والصلاح والفلاح في جميع الأسر المسلمة، ومن ثم على المجتمع بأكمله. نسأل الله عز وجل أن يدركنا قبل فوات الأوان.

ومن تلاميذه

أما الشيخ أبو اليسر الذي لم يفوت فرصة واحدة من عمره إلا واستغلها بعلم وعمل، فقد قرأ عليه علماء من دمشق، كالشيخ سعيد الأفغاني، والشيخ علي الطنطاوي، والشيخ إبراهيم اليعقوبي، والشيخ محمد كريم راجح، والشيخ وهبي سليمان غاوجي الألباني، والشيخ أديب الكلاس، والشيخ نزار الخطيب، والشيخ بشير الباري، والشيخ عدنان الشماع، وولده الشيخ محمد عزيز عابدين، والحاجة إنعام الحمصي، والحاجة إلهام برنجكجي، وغيرهم من علماء الشام رحمهم الله.

فجزاك الله خيراً يا شيخنا الجليل وهنيئاً لك بما علمت وعملت ونفعت أمم بعد أن انتفعت في محضنك الأسري الإسلامي والموفق من الله تعالى. فكنت نعم الولد الصالح لأهلك ولغيرك ولوطنك، حفظت الجميل ورددته بإحسان أكبر وأجمل، لقوله تعالى: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) رحمك الله تعالى.

إن في نشأت الشيخ أبو اليسر عابدين ورعايته من قبل والديه سرٌّ عظيم مفقود للأسف، أو يغفل عنه معظم الأسر المسلمة، رغم أن هذا الأمر والذي ندعوه بالسر العظيم، هو ضروري ضرورة الماء والهواء للإنسان، هل عرفتم ما هو ؟؟!

إنها تربية التقوى والمخافة من الله عز وجل بحب وعشق لله عز وجل، وليس مخافة زجر ونهيٍ بقسوة وغلظة، فإن من نال رعاية وتربية ضمن هذه المعاني، سيكون عاقبة ذلك الخير لنفسه ولغيره ولمجتمعه.

التصـــــــوف عند الشيخ

والشيخ أبو اليسر ـ رحمه الله ـ دأب أهله منذ الصغر على تحصيله وإمتاعه بجلسات ذكر لله عز وجل، في خصوصية وقدسية تنالها هذه الجلسات، والتي يمكن أن نسميها بالتصوف أو العمل للوصول إلى مرتبة الإحسان، التي أخبرنا رسول الله عنها فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). هذه النشأة التي نشأ وترعرع وكبر عليه الشيخ، هي سر روعة شخصيته الشريفة.

فقد أخذ من والده الشيخ أبي الخير عابدين رحمه الله، الطريقة النقشبندية المتصل ذلك بصاحب الحاشية، حاشية ابن عابدين، والمتصل ذلك بصاحب الطريق شيخه الشيخ خالد النقشبندي رحمهم الله تعالى، كما جاء في كتاب عقود اللآلي.

بهذا السر المفقود اليوم بين الأسر المسلمة، تعلم وعمل الشيخ أبو اليسر، فبعد العلوم الشرعية، درس في المدارس النظامية، التي مهدت دخول الطب في الجامعة السورية، والتي كانت تسمى بمعهد الطب.

فعندما تخرج عام 1345هـ - 1926م، نال التعادل الكولكيوم / الفرنسية، وقد برع وأتقن اللغة الفرنسية والتركية، وتعلم الفارسية الفصحى، فحفظ من شعرها ما يقارب ألف بيت.

وظائفه ومناصبه

قبل المضي في الحديث عن مناصبه، لابد أن نذكر بعض من صفاته، فقد تمتع الشيخ أبو اليسر عابدين بقوة الشخصية والرأي، ورجاحة العقل، مع فصاحة الكلام، وتواضعاً بين الناس في خشية الله عز وجل عن حب وتعظيم، جعلته محبوباً ومقرباً من الناس، حيث غلبت على ملامح وجهه الود والحب والحنان والشفقة على العباد، متمثلاً لحديث النبي  : (الخلق كلهم عيال الله عز وجل ، فأحبهم إلى الله عز وجل أنفعهم لعياله).

وقد نال من بركة دعاء الصالحين من العلماء والوافدين إلى زيارة والده، أو برفقة والده لمجالس العلم في المساجد والبيوت. رحم الله والد هذا الشيخ، وجزاه الله الخير، كان لولده قدوة حسنة، ساهمت في بناء شخصية الشيخ أبو اليسر رحمه الله. هذه الوسيلة التربوية التي جعلها الله عز وجل بين أيدينا لنستغلها أفضل استغلال. فحب التقليد جعله الله عز وجل مفطورين ومجبولين عليه، ليكون وسيلة تربوية هامة. والقدوة: هي غريزة نابعة من النفس البشرية وهي كامنة ومخفية تظهر كرغبة ملحة للتقليد. وليحذر الآباء والأمهات في سلوكهم، وليكونوا قدوة خير للأولاد، ولهم من بعد ذلك الأجر والثواب من عند الله عز وجل، لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)

أمـا عن مناصبــــه:

مارس مهنة الطب ثلاثين عاماً بعد التخرج، وعُين مدرساً لمادة الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق عندما كان تلميذ يدرس الطب، وقد كلف بإلقاء محاضرات بالأحوال الشخصية، وأصول الفقه، ومحاضرات في كلية الشريعة، وأسهم في تأسيس الكلية الشريعة، في حي العمارة الدمشقي وكان عميدها عندما كان مديرها الشيخ حسن الشطي.

ثم انصرف للعلم والتعليم والإفتاء، فترك مهنة الطب عندما أصبح مفتياً عاماً للجمهورية العربية السورية 7/ 4/1952م، ثم أنتخب فأصبح مفتياً أصيلاً بتاريخ 12/6/1954م، ثم انتهت خدمته بتاريخ 16/8/1961م، بعد الوحدة مع المصر، لرفضه إعطاء فتوى شرعية تؤيد جمال عبد الناصر للتأميم، وكان الإصرار من الرئيس في أخذ فتواه قائلاً: "أريدها من ابن عابدين"، فقال الشيخ: "ليس لك إلا هذه الفتوى، ووالله لا أبيع ديني بدنياي ولا بدنيا غيري". فسجل التاريخ للشيخ هذا الموقف الديني والوطني المشرف له أمام الله عز وجل.

ثم أعيد للإفتاء بمرسوم 121 بتاريخ 28/10/1961م، وبقي في منصبه هذا حتى عام 1963م، وعندما أحيل للتقاعد، لزم وظائفه الدينية من خطابة وتدريس في جامع برسباي المعروف بجامع الورد، فقد كان إمامه بعد وفاة والده، وبقي كذلك إلى حين وفاته، وكان يعقد حلقة تدريس في داره في يومي الثلاثاء والجمعة من كل أسبوع.

وقد ورث عن والده مكتبة كبيرة، أضاف إليها ما استطاع من نوادر الكتب المطبوعة والمخطوطة.

ومن أعماله الوطنية التي شهدت له وسجلها له التاريخ في سطور كتبت بماء الذهب، وضاءة لامعة، حيث تخبرنا:

أن الشيخ أبو اليسر عابدين رحمه الله قد شارك في شبابه بالثورة الســـورية الكبرى 1925م، وبماذا شارك؟شارك بماله ونفسه ورأيه...، حمل السلاح ليلاً إلى الثوار، لإجلاء الاستعمار الفرنسي عن البلاد. تبرع بدمه عند الحاجة إلى ذلك، شارك بحمل السلاح عند نكبة فلسطين عام 1948 م. كان رئيس لجنة التسلح أيام العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، ورئيس جمعية الفقراء في حي ساروجة بالعمارة، إخوتي الأعزاء لابد أن هذا التنوع في مناصبه، ووظائفه وأعماله المشرفة، لم تكن وليدة الصدفة، أو على قول في متاهة التشتت والضياع اليقيني بقول الله عز وجل:( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

إذا تمعنا في سيرته الكريمة، نجد أن هذا التنوع المشرف، والذي سوف يُباهي به الرسول ، قد كان ثمرة عوامل عدة:

أولها نية صادقة ومخلصة جمعت بين والدي الشيخ أبو اليسر رحمهم الله فمن أدرك الدرس الأول في الزواج والإنجاب، وهو مباهاة النبي لهذه الذرية، وإذا سألتم النبي ، من أين لنا المنهج أو الطريقة في تربية الأبناء؟ يجيبنا نبينا العظيم محمد بقوله: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا). فليسأل كل منا بماذا تمسكنا في الزواج أم في الإنجاب...؟ وإذا وصلنا إلى مرحلة الاعتراف ومواجهة الذات والنفس الأمارة بالسوء، فلنبدأ بعودة مع نفوسنا، ونلومها ونتوب ثم نجتهد في إصلاح هذه النية التي بدأنا فيها عن جهل أو غفلة، ونجدد العهد مع الله عز وجل في كل فرض صلاة، وندعوه برجاء أو تذلل أن يوفقنا لذلك مع الدعاء المستمر في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً). هذا الكلام يوصلنا إلى أهمية المحضن الأسري وضرورة العمل مع الاجتهاد لتصحيح وتصويب أخطاء وقعت، ونسميه بالإصلاح التربوي. أما من قام بما يحب الله ورسوله سواء في زواجه أم بإنجابه، نسميه بالوقاية التربوية. أي عملية تحصين من براثن الشيطان وضلالاته. والأمر الآخر الذي مهد لهذا التنوع الجميل في شخصية شيخنا أبو اليسر عابدين رحمه الله كما مر معنا: مفتي، طبيب، مدرس، تلميذ، رئيس جمعية، عميد كلية، ..... رحمه الله هو: مجالسته للصالحين من العلماء والأولياء، بحب واحترام وتقدير، وبتواضع لهم، ولجميع الناس، حيث أشتهر بتواضعه بينهم في المأكل والملبس والحياة العامة. نال كثيراً من الدعاء، من خاصة العلماء، وعامة الناس رحمه الله. وهذه المحبة التي نالها وجعل الله عز وجل له القبول في الأرض، هي أيضاً ليست صدفة يا إخوتي... فالشيخ أبو اليسر عابدين - رحمه الله - حفظ حديث النبي ومارسه سلوكاً وعملاً، فجعل الله عز وجل له قبول في الأرض أتعلمون ما هو هذا الحديث؟ قول النبي  : (الخلق كلهم عيال الله عز وجل ، فأحبهم إلى الله عز وجل أنفعهم لعياله). وليس هذا الحديث فقط، هناك أحاديث: كثيرة تدلنا كيف ننال حب الله عز وجل، وحب نبيه الكريم ، فقد مارسها شيخنا سلوكاً وعملاً، فكانت أعماله وصفاته بين الناس تشهد له على ذلك رحمه الله.لقد فقه الدعاء التالي وهو: "اللهم اجعلني خير خلف لخير سلف". ومضى في حياته الدنيوية يتلمس الخير في كل قول وعمل، جاعلاً الدنيا خادمة لدينه... رحمه الله.ورزقنا الله عز وجل فهماً يليق بهذا الدعاء، اللهم اجعلنا خير خلف لخير سلف... اللهم آمين.

مؤلفات الشيخ أبو اليسر عابدين

أما عن مؤلفاته المتنوعة أيضاً، وقد خط العديد من المؤلفات القيمة في الفقه واللغة والتاريخ والأدب والنحو والتفسير، تزيد على 30 مؤلفاً ضمتها عصارة فكره. فمن مؤلفاته الكثيرة والمتنوعة، تنوع ثقافته الرائعة والمواكبة لعصره

كما طبع له بعد وفاته عدة كتب جمعها وألفها في حياته، منها كتاب "الإيجاز في آيات الإعجاز" وكتاب "قطوف دانية من شجرة الحكم العالية" وكتاب "الأعداد من القرآن والأحاديث للأخبار" و"الصيام بين الشريعة والطب" و"الخطب المنبرية" و"البداهة في النباهة" و"المعمرون" و "الأوراد الدائمة" وغيرها من الكتب الكثيرة والفتاوى النادرة والتي لا تزال مخطوطة بدائرة الإفتاء بوزارة الأوقاف.

وفاته

نأتي إلى نهاية كل سيرة وترجمة، ألا وهي الوفاة، وليس فينا أحد معصوم عن هذا المشهد الأخير في حياته، ولكن شتان بين نهاية ونهاية، نسأل الله حسن الختام.

بقي الشيخ رحمه الله في التدريس، والإمامة إلى أن أدركته الشيخوخة وهزل جسمه وضعف بصره، وتناولته الأوجاع، لزم بيته إلى يوم وفاته يوم الثلاثاء 8 رجب، 2 أيار، في عام1401 ھ، 1981م.حيث صُلي عليه بجامع الورد، ودفن بمقبرة الباب الصغير وفي قبر والده رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته، اللهم آمين آمين.

ماذا بعد يا إخوتي الأعزاء...؟لا زلنا على قيد الحياة ولم تطوى صحيفتنا بعد، ولنستغل حياتنا ووقتنا فيما ينفع ويفيد لأنفسنا ولغيرنا، ويكون هذا شغلنا الشاغل، أقوالاً وأعمالاً، ونلتزم بحديث النبي  : (تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا : كتاب الله، وسنة نبيه).

ولنوقظ جوارحنا ونستصرخها للعمل مع المثابرة بالصبر والدعاء، رجاء أن ينالنا شرف القرب والرضى من الله ورسوله، اللهم آمين.

وهكذا فقد كان من سيرة الشيخ أبو اليسر عابدين ـ رحمه الله ـ فضل كبير علي، إذ أدخلني في محراب العبودية لله عز وجل دعاءً، وبمنهج نبيه تمسكاً، فجزاك الله خيراً كثيراً، يا شيخنا الفاضل، ولقد صدق ابن الوردي في لاميته المشهورة:

لا تقل أصلي وفصلي أبداً إنما أصل الفتى ما قد حصل

مقالات ذات صلة

مصادر

أهل الشيخ / د. أسامة قولي

الأعلام / خير الدين الزركلي

تاريخ علماء دمشق / نزار أباظه ومحمد مطيع الحافظ

دمشق صور من جمالها وعبر من نضالها / الشيخ علي الطنطاوي


موسوعات ذات صلة :