المرض النباتي- تاريخ أمراض النبات- الخسائر- الأعراض - المسببات يمد الإنتاج النباتي الإنسان والحيوان بكل متطلبات الحياة، ونظراً للتزايد المستمر في أعداد السكان على الأرض وما يتطلبه ذلك من الحفاظ على كل ثمرة من ثمار المحصول، لذلك، فقد تركز اهتمام المشتغلين بالزراعة عموماً وبأمراض النبات خصوصاً على حماية النبات من كل ما يتعرض له من مشكلات تحد من إنتاجيتة، ناهيك عن أن بعض هذه المشكلات قد يؤدي للفقد الكامل لإنتاجية النبات. لذلك، فإن علم أمراض النبات يتركز في المقام الأول على صحة النبات، وحل مشكلات ما ينشأ من أمراض وهو في ذلك يستعين بالأبحاث المتعلقة بعلوم النبات والأمراض والأحياء الدقيقة والكيمياء العضوية والحيوية والوراثة والبيولوجيا الجزيئية والتكنولوجيا الحيوية وحديثاً علوم النانوتكنولوجي. تعريف المرض Disease يتطلب النمو المثالي لكل نوع نباتي توافر ظروف بيئية معينة تناسب جميع أطوار حياته. ويؤدي أى انحراف عن الظروف المثلى الملائمة للنمو والتكاثر إلى تأثر نمو النبات، وظهور صفات غير طبيعية علية. ويحدث بالنبات المريض سواء بالتعرض للظروف البيئية غير الملائمة أو المهاجمة بالعوامل الممرضة اختلال غير طبيعي ضار للوظائف الفسيولوجية للنبات تصاحبها ظهور أعراض، يؤدي هذا الاختلال للتأثير الضار على النبات فيقلل إنتاجة كما ونوعاً وقد يؤدي لموت النبات. تتسبب الأمراض عن كثير من العوامل، فقد تكون البيئة نفسها هي السبب الأساسي في اختلال فسيولوجية النبات ووظائفه ويطلق عليه في هذه الحالة اضطراب Disorder، إما ما يحدث للنبات من أذى بسبب مهاجمة الحشرات له مثلاً فيسمى حينئذ بالأذى Injury. أما إذا تسببت الميكروبات في أحداث الضرر للنبات وانتقلت عدوى هذا الضرر من نبات مريض إلى آخر سليم فيطلق عليه في هذه الحالة المرض Disease.
تأثير البيئة في حدوث الأمراض
تلعب الظروف البيئية دوراً حاسماً في حدوث الأمراض، حيث تهيئ النبات وتجعله أكثر عرضه للإصابة، بالإضافة لتأثير البيئة على الكائن الممرض Pathogen حيث تؤثر عليه سلباً أو إيجاباً، وبذلك تؤثر على قدرته على إحداث المرض Pathogenicity. معظم الكائنات المسببة للأمراض طفيليات Parasites، وتعيش الطفيليات بصفة دائمة أو مؤقتة على أنسجة النباتات الحية، وذلك تمييزاً عن المترممات التي تعيش على الأنسجة الميتة أو المادة العضوية، والممرض هو الكائن الحي المحدث للمرض بالإضافة للفيروسات والفيرويدات. تتفاوت مقدرة عزلات أو سلالات مسبب مرض معدي ما في قدرتها على إحداث المرض، فهي قد تكون شديدة الوطأة على النبات فيطلق عليها high virulent وقد تكون ضعيفة الأمراض فتصبح Low virulent وقد تكون غير ممرضة avirulent. كما تتفاوت قابلية العائل host للمرض، فبعض الأصناف قد تكون شديدة القابلية للإصابة highly susceptible وبعضها الآخر قد يكون شديد المقاومة highly resistant، وبينهما توجد درجات مختلفة من القابلية للإصابة أو المقاومة. نبذة تاريخية عن تاريخ أمراض النبات تعتبر الأمراض النباتية من المشاكل الهامة التي تقابل الإنسان في كفاحه من أجل توفير الغذاء والملبس. ولقد ذكر لنا التاريخ بعض الأمراض التي كانت سائدة في العصور القديمة، كما سجل لنا آراء المفكرين القدماء عن طبيعة هذه الأمراض ومسبباتها. اعتقد أجدادنا أن ما يتعرض له النبات من مشكلات ما هي إلا عقاب من الآلهة لهم على خطاياهم، ولقد ورد ذكر أمراض النبات في التوراة، ويعتقد أن ما جاء ذكره في "سورة يوسف" عن السبع سنوات العجاف أنها راجعة لإصابة الغلال بالأمراض. ذكر أرسطو، الفيلسوف اليوناني الأشهر (1384-1222 ق.م)، أمراض التين والزيتون والعنب، وفي سنة 300 ق.م نشر ثيوفراستس، وهو يعد أول عالم نبات، في كتابه "تاريخ النبات" أمراض التين والعنب وأمراض النجيليات وأوضح أنها كانت شديدة الوطأة في اليونان، وعلى الأخص أصداء محاصيل الحبوب. وقد عزى اليونانيون القدماء ظهور الأمراض النباتية إلى أسباب فلكية أو إلى الجو والتربة غير الملائمين أو إلى غضب الآلهة. عانى الرومان القدماء كثيراً من أصداء القمح، وقد اعتقدوا أن ذلك يرجع لغضب إلأ ه الصدأ Robigus عليهم، فكانت تقام له الاحتفالات في شهر أبريل من كل عام ويقدمون له الإضاحي من كلاب حمراء وخراف ليحمي محاصيلهم من أضرار الأصداء. يرجع تأخر دراسة الميكروبات بصفة عامة إلى نظرية التوالد الذاتي Spontanious generation والتي كانت سائدة في الأزمنة القديمة. وقد أدى الاعتقاد الراسخ في هذه النظرية إلى تأخر دراسة هذا العلم، حتى تمكن العالم لويس باستور سنة 1860 م من إثبات خطأ هذه النظرية، وأثبت أن الكائنات الحية الدقيقة تتكاثر وتعطي كائنات حية أخرى مماثلة لها. يعد العالم والطبيب الألماني Anton de Bary (1831-1888) هو منشا علم أمراض النبات، حيث أمكنه إيضاح التطفل في الفطريات وهو أول من تعرف على مسبب مرض اللفحة المتأخرة في البطاطا الذي أهلك هذا المحصول في شمال غرب أوروبا في الفترة من 1835-1845م وأدى لمجاعة هائلة في أيرلندا وعرف مسببه على أنه Phytophthora infestans. وقد تتلمذ على يدية عدد كبير من المشتغلين بأمراض النبات، وقد ذاع صيتهم وطوروا واكتشفوا الكثير من الأمراض ومسبباتها.
ونظراً لأهمية مرض اللفحة المتأخرة في البطاطا في التاريخ البشري وللدور الهام الذي لعبته الظروف البيئية في انتشاره، فسوف نلقي الضوء على كيفية بداية هذه الكارثة وكيفية انتشارها.
بعد أن توطدت زراعة البطاطا في شمال غرب أوروبا وأصبحت الغذاء الأساسي لشعوبها، ومع تزايد المحصول ووفرته بسبب عدم وجود الكائن المسبب للمرض والذي كان منتشراً على زراعات البطاطا في أمريكا الجنوبية. ظهر المرض في وقت واحد في الولايات المتحدة وأوروبا (1842-1843م) ويرجح أنه انتقل إليهما من بيرو بداية من عام 1840. في عام 1844 سجل المرض في بلجيكا وفرنسا (ليل)، وانكلترا وأيرلندا. إلا أن الصيف الجاف في هذا العام لم يعط له فرصة الانتشار. وفي عامي 1845-1846م بدأت حقبة مأساوية في حياة شعوب شمال غرب أوروبا، ففي منتصف تموز/يوليو 1845م أصيبت البطاطا في فنلندا وأجزاء من فرنسا وألمانيا ونشرت صحف بلجيكا الصيفية مقالات عن مرض البطاطا الجديد. انتشر المرض بعد ذلك إلى لوكسمبورغ وعلى طول نهري الرون والراين، ثم انتقل إلى السويد. وفي منتصف آب/أغسطس ظهر المرض حول باريس. وللتدليل على ما فعله المرض في حياة شعب أيرلندا أنه مع بداية انتشاره كان عدد سكانها 8 مليون نسمة، وفي عام 1851 م انخفض عدد سكانها إلى 2 مليون نسمة.
الخسائر المتسببة عن الإصابة بمسببات الأمراض
تتعرض النباتات أثناء نموها أو تخزين محصولها لكثير من العوامل التي تؤثر عليها وتؤدي للأضرار بها. وقد تؤدي للفقد الكامل للمحصول أو إلى نقص شديد في قيمته الغذائية والتسويقية. وبرغم صعوبة الحصول على بيانات دقيقة للخسائر المتسببة عن الأمراض النباتية إلا أنه يمكن القول أن الإصابة بمسببات الأمراض تحت ظروف الحقل تتراوح بين 12-15% سنوياً، وتتراوح الخسارة أثناء تخزين المنتج النباتي من 25-30%.