أورام الجهاز العصبي المركزي هي مجموعة الأورام البدئية والانتقالية التي تحدث في الدماغ والنخاع الشوكي. تصنف إلى أنواع حسب التركيب الخلوي والنسجي، وإلى درجات حسب درجة الخباثة.
أورام الدماغ
يُطلق وصف أورام الدماغ على أي نمو شاذ بأي خلايا وأنسجة تتواجد ضمن الجمجمة، سواء أكانت أوراما حميدة لا تحتوي على خلايا متسرطنة أم أوراما خبيثة تتكون من خلايا سرطانية، وبخلاف الأورام الناشئة بالمواضع الأخرى من الجسم، حيث من المهم جدا التمييز بين الأورام الحميدة والخبيثة، تُعد الأورام الحميدة بالدماغ خطرة بنفس الدرجة تقريبا كالأورام السرطانية، حيث أنها قادرة على التسبب بإعاقات بدنية وقد تكون مميتة أحيانا عند نموها وتضخم كتلتها وضغطها على الأنسجة المجاورة لموضع نشوئها بالدماغ، رغم أنها غير قادرة على الانتقال من مواضعها كما تفعل الأورام الخبيثة، التي يمكن لأغلب أنواعها بالمقابل الانتقال خلال أنسجة الدماغ، وإن كان القليل منها قادر على الانتقال والانتشار إلى مواضع أخرى بالجسم.
و ثمة العـديد من الأورام التي تنشأ بالجهاز العـصبي المركزي (central nervous system CNS) الذي يشمل الدمـاغ والحبل الشوكي، وتنجم عن تسرطن أنواع متباينة من الخلايا وتتمركز بمواضع مختلفة، وينفرد كل منها بخواص معينة وتأثيرات بدنية تشير إلى نوعه وموضعه على وجه الخصوص، كما أن لكل منها مؤشرات ودلائل مرضية يمكن التكهن من خلالها بالمردود العلاجي، كما تختلف بطبيعة الحال الخطط العلاجية من نوع لآخر. يمكن أن تنشا الأورام بأي نوع من الخلايا أو الأنسجة المكونة للدماغ أو الحبل الشوكي، كما قد ينجم بعض منها عن تسرطن خليط من الخلايا الدماغية، وينبغي بطبيعة الحال التمييز بين الأورام الناشئة بالدماغ أساسا وبين الأورام الثانوية المنتقلة إليه من مواضع أخرى، والتي تتم معالجتها بخطط مختلفة، وتُعد مثل هذه الأورام الثانوية المنتقلة إلى الدماغ اقل شيوعا لدى الأطفال من أورام الدماغ الأصلية، ومن جهة أخرى من النادر أن تنتقل أورام الدماغ الأصلية إلى مواضع أو أعضاء بعيدة عن موضع النشأة.
و تُعد أورام الجهاز العصبي المركزي وخصوصا بالدماغ بالمرتبة الثانية ضمن الأورام الصلبة الشائعة بين الأطفال، (حيث تأتي أنواع اللوكيميا بالمرتبة الأولى)، وتمثل نسبة تقترب من 20 %من مجمل حالات سرطان الطفولة، وتظهر في أغلب الأحوال بالفئة العمرية ما بين السنة الثالثة إلى الثانية عشر، بينما تظهر لدى الكبار غالبا بالفترات ما بين العقدين الثالث والخامس من العمر، ومن جهة أخرى تنشأ معظم أورام الدماغ لدى الأطفال بمنطقة المخيخ وجذع الدماغ، بينما تنشأ مثيلتها عند البالغين بمواضع أخرى غالبا بمنطقة المخ، وتُعد أورام الحبل الشوكي أقل شيوعا بدرجة كبيرة وأكثر ندرة من الأورام الدماغية، سواء عند الأطفال أو البالغين.
يتركب الجهاز العصبي المركزي من الدماغ والحبل (النخاع) الشوكي، ويتحكم الدماغ كما هو معروف بجميع الوظائف الحيوية الإرادية وغير الإرادية بالجسم، بما في ذلك الحواس المختلفة والذاكرة والتفكير والحركة، كما يتحكم بوظائف مختلف الأعضاء الأخرى بالجسم، ويتواجد الدماغ ضمن الجمجمة التي تقوم بحمايته، بينما تقوم عظام العمـود الفقـري (vertebral column) بحماية الحبل الشوكي، ويحيط السائل المُخّي الشوكي (cerebrospinal fluid) بكل من الدماغ والحبل الشوكي مما يؤمن لهما حماية اضافية، ويتواجد بفراغات حولهما وبتجاويف داخل الدماغ تُعرف بالبطينات المخية (ventricles)، وهو سـائل دماغي صافي يشبه الماء ويحتوي على بروتينـات وجلوكوز ويوريا وبعض الأمـلاح، ويتم إنتاجه بالضـفائر المشيمية بالدمـاغ (choroid plexus)، ومن جهة أخرى يقوم الحبل الشوكي وشبكة عصبية خاصة تُعرف بالأعصاب القحفية (cranial nerves) بنقل الرسائل العصبية ما بين الدماغ وباقي أعضاء الجسم.
أما أقسام الدماغ الأربعة: المخ (cerebrum) والدماغ البيني (diencephalon)، والمخيخ (cerebellum)، وجذع الدماغ (brain stem)، فكل منها بإدارة وظـائف محددة بالجسم، وبطبيعة الحال تتعطل هذه الوظـائف وتختل عند نشـوء ورم بالموضع المختص وتظهر أعراض محددة تشير إلى إصابة ذلك الموضع بعينه، من جهة أخرى تختلف الأعراض الظاهرة باختلاف نوع الورم، كما أنه من المعتاد ظهور نفس الأعراض عند إصابة أجزاء الدمـاغ بأمراض وعلل أخرى، مما قد لا يعني بالضرورة وجود نشـوء ورمي، ويجدر بالذكر أن الأعراض الظاهرة قد لا تعكس بالتحديد موضع الورم عند الأطفال بسن تقل عن الثالثة.
ففي المـخ يعتمد نوع الأعراض الناجمة عن وجود ورم بالمخ على موضعه ضمن نصفي كرة المخ، وتشمل الأعراض المعتادة حدوث نوبات صرعية، وصعوبات بالنطق، وتغيرات متطرفة بالمزاج، وتقلبات بالشخصية، ونشوء ضعف أو شلل بأحد جانبي الجسم، وتغيرات بالرؤية أو السمع أو الحس، إضافة إلى نشوء اختلاجات حركية مختلفة تشبه الرقص (chorea)، ونشوء ظاهرة الكنع (athetosis) بوجود تحركات تمعجية مستمرة باليدين والقدمين. و في المخيخ الذي يتحكم المخيخ في التناسق والتوازن الحركي وتناسق حركة العضلات الإرادية، تسبب الأورام الناشئة بالمخيخ صعوبات في ضبط التوازن الحركي، والترنح وفقد الدقة في توجيه حركة اليدين والقدمين، إضافة إلى تغيرات بنمط التحدث، والصداع والتقيؤ.
و تتسبب الأورام الناشئة جذع الدماغ (brain stem) في ظهور العديد من الأعراض، مثل التصلب العضلي، والشلل النصفي بالوجه أو بالجسم، ونشوء إعاقات بالحس أو بالسمع وصعوبات بالتنفس والبلع، وظهور تغيرات بنشاط الغدد الصماء، كما يُعد ازدواج الرؤية والترنح أثناء المشي أحد الأعراض المبكرة جدا لأورام جذع الدماغ.
أما الحبل الشوكي (Spinal cord) أو النخاع الشوكي الذي يتواجد داخل النفق الفقري المكون من الثغرات الفقرية بفقرات العمود الفقري، ويبدأ كامتداد للنخاع المستطيل بجذع الدماغ، ويحتوي بدوره على حزم من الألياف العصبية الطويلة التي تحمل الإشارات العصبية المختلفة المتحكمة في العديد من الوظائف، مثل حركة العضلات والإحساس أو الشعور، أو حركة المثانة والأمعاء، فثمة العديد من الأعراض التي تظهر عند نشوء الأورام بالحبل الشوكي، مثل الشلل أو الخدر والضعف، ومن المعتاد أن تظهر الأعراض بجانبي الجسم، مثل الخدر بالقدمين معا، نظرا لتكوين الحبل الشوكي الدقيق والممتد لمسافة طويلة، ولعل ذلك من أهم ما يميز أورام الحبل الشوكي عن أورام الدماغ، التي من المعتاد أن تؤثر على جانب واحد من الجسم، كما أن أغلب أورام الحبل الشوكي تنشأ بمواضع أسفل الرقبة وعقب تفرع الأعصاب المتصلة بالذراعين من الحبل الشوكي، ولذلك تظهر في أغلب الأحوال أعراض تتعلق بوظائف القدمين أو بالمثانة أو الأمعاء.
و من جهة أخرى، قد تنشأ أورام مختلفة بالأعصاب القحفية أو الأعصاب الطرفية، مثل أورام العصب البصري والتي تُعد من أكثرها شيوعا بين الأطفال، وأورام العصب السمعي (acoustic nerve) والتي تؤدي إلى فقـدان السمع بإحدى الأذنين أو كلتيهما، وأورام العصب الوجـهي (facial nerve) والتي تؤدي إلى الشلل الوجهي، أو نشوء أورام العـصب التؤامي الثـلاثي (trigeminal nerve)، والتي قد تؤدي إلى ظهور الآم حادة بالوجه، بينما تسبب الأورام الناشئة بالأعصاب الطرفية أعراضا تشمل الألم وفقد الحس وضعف العضلات بالمواضع المرتبطة بهذه الأعصاب.
أنواع أورام الدماغ والحبل الشوكي
الأورام الدبقية (Gliomas) أو الدبقومات، وتُعد الأكثر شيوعا ضمن أورام الجهاز العصبي لدى الأطفال، وهي تشمل العديد من الأورام الدماغية التي تنشأ عن تسرطن الخلايا الدبقية بأنواعها المختلفة، ويتم تصنيفها حسب موضعها ونوع الخلايا المتسرطنة، وتشمل بصفة عامة أنواع الأورام التالية :
أورام الخلايا النجمية (astrocytomas) أو الأورام النجمية وتنشأ عن تسرطن الخلايا النجمية وتشكل حوالي 50 % من مجمل أورام الدماغ لدى الأطفال، ويمكن تقسيمها إلى نوعين، يُعرف النوع الأول بالأورام المرتشحة أو المنبثة (infiltrating astrocytomas)، وتتصف باتساع رقعة انتشار الورم عبر أنسجة الدماغ السليمة عند التشخيص، الأمر الذي يصعب من معالجتها، ويمكن أن تنتقل مثل هذه الأورام لدى بعض الحالات على امتداد مسرى السائل المُخّي الشوكي، غير أنها في أغلب الأحوال لا تنتقل إلى ابعد من ذلك خارج الدماغ أو الحبل الشوكي فيما عدا حالات نادرة. و من المعتاد تصنيف الأورام النجمية المرتشحة حسب مظهرها المجهري إلى ثلاثة درجات، أورام بالدرجة الدنيا (low grade)، وبالدرجة المعتدلة (intermediate grade) وبالدرجة العليا (high grade)، حيث تنمو أورام الدرجة الدنـيا بوتيرة بطيئة بينما تنمو أورام الدرجة المعتدلة بوتيرة وسطية، وتُعـد الأورام بالدرجة العـليا الأسرع نموا، ومن أهمـها أورام الأوليّـات الدبقيـة (glioblastomas).
و النوع الآخر ويُعرف بالأورام النجمية غير المرتشحة (noninfiltrating astrocytomas)، ويُعد ذو مؤشرات مرضية واعدة، ويشمل الأورام النجمية الشعرية اليافعة (juvenile pilocytic astrocytomas) والتي تنشأ غالبا بالمخيخ ويمكن أن تنشأ بالعصب البصري وبالوطاء أو بمواضع أخرى بالدماغ، والأورام النجمية ضخمة الخلايا لما تحت البطانة (subependymal giant cell astrocytomas) التي تنشأ بالبطـينات المخّية، وترتبط في أغلب الأحـوال بوجود حالة التصـلب الـدرني الموروث (tuberous sclerosis) لدى المريض والتي من المعتاد أن تسبب الصرع والتخلف العقلي.
و بالمقابل ثمة أنواع أخرى لذات المؤشرات المرضية الواعدة أيضا، والتي على الرغم من تماثل مظهرها المجهري مع الخلايا السرطانية غير أنها أورام حميدة نسبيا، وقد تنشأ عن تسرطن خلوي ذو اصل مختلط ما بين الخلايا الدبقية والخلايا العصبية، وتظهر بشكل شائع لدى الأطفال واليافعين ونادرة الظهور لدى الكبار، ومن هذه الأنواع :الأورام النجمية المصفرة متعددة التشكل (Pleomorphic xanthoastrocytoma PXA) وأورام الظهارة العصبية ذات التشوه الجنيني (Dysembryoplastic neuroepithelial tumor DNET)، والتي من المعتاد معالجتها بالعمل الجراحي فحسب في أغلب الأحوال.
أورام الخلايا الدبقية قليلة التغـصن (oligodendroglioma) و تنشأ عن تسرطن الخلايا الدبقية قليلة التغصن (oligodendrocytes)، ويمكنها أن ترتشح أو تنتقل بنمط يتماثل مع الأورام النجمية ويتعذر استئصالها جراحيا بالكامل في أغلب الأحوال، رغم أن الإحصاءات الطبية تفيد عن وجود حالات حققت سنوات شفاء طويلة الأمد تصل إلى 40 سنة دون عودة الورم عقب المعالجات، كما قد تنتقل هذه الأورام على امتداد مسرى السائل المُخّي الشوكي، غير أنها بالمقابل نادرا ما تنتقل إلى مواضع خارج منطقة الدماغ أو الحبل الشوكي.
أورام البطـانة العـصبية (Ependymoma) و تنشأ عن تسرطن خلايا البطانة العصبية (ependymal cells) بالبطينات المخية، وتكمن أكبر مخاطرها في نشوء الاستسقاء الدماغي (hydrocephalus) حيث تقوم هذه الأورام بسد مخارج السائل المُخّي الشوكي من البطينات مما يتسبب في تضخمها بشكل كبير، وعلى خلاف الأورام النجمية والأورام الدبقية قليلة التغصن من النادر أن ترتشح أو تنتقل أورام البطانة عبر أنسجة الدماغ المجاورة، الأمر الذي يسمح بالاستئصال الجراحي وتحقيق الشفاء في أغلب الأحوال، وخصوصا عند تموضع الورم بمنطقة الحبل الشوكي، وبطبيعة الحال يمكن أن تنتقل هذه الأورام على امتداد مسرى السائل المُخّي الشوكي، غير أنها لا تنتقل إلى مواضع خارج منطقة الدماغ أو الحبل الشوكي.
و تمثل أورام البطانة العصبية حوالي 10 % من مجمل أورام الدماغ لدى الأطفـال وتظهر غالبا بالفئة العمرية ما دون العاشرة، وتُعد بطيئة النمو مقارنة بالأورام الدماغية الأخرى، وتشير الدراسات الطبية إلى ارتفاع نسبة الخطر من عودة هذه الأورام عقب انتهاء المعالجات الأولية، ومن الملاحظ أن الورم العائد يكون أكثر عدوانية ومقاومة للعلاجات.
الأورام الدبقية بجـذع الدمـاغ (Brain stem gliomas) و هي أورام تتأصل بجذع الدماغ، وينحصر ظهورها بشكل كلي تقريبا لدى الأطفال دون البالغين خصوصا بالفئة العمرية بين الخامسة والسابعة، ومن المعتاد أن تنشأ أعراض مختلفة تشمل تشوش وازدواج الرؤية أو مصاعب حركية بالوجه أو بأحد جانبي الجسم أو بالمشي والتوازن أو التناسق الحركي، بينما من غير المعتاد أن يزداد الضغط داخل الجمجمة، ومن المتعذر إزالة معظمها جراحيا نظرا لموقعها الحساس وغير المتاح للعمل الجراحي إضافة إلى حساسية الوظائف المتعددة والمعقدة التي يتحكم بها هذا الجزء من الدماغ.
الأورام الدبقية بالعـصب البصري (Optic nerve gliomas) و تسمى أيضا بأورام المسرى البصري، وتتموضع هذه الأورام بالعـصب البصري على امتداده أو بمواضع من حوله، وترتبط غالبا بوجود النوع الأول من علة الأورام الليفية العصبية (Neurofibromatosis - type 1) لدى المريض، والتي تُعرف أيضا بعلة ريكلينجهاوزن (Recklinghausen’s disease)، (و هي علة وراثية من خواصها نشوء أورام ليفية بالأعصاب الطرفية، وظهور بقع بنية على البشرة وتشوهات بالأنسجة تحت الجلد وبالعظام، ومن المعتاد أن تتسبب هذه العلة في نشوء أورام عصبية متعددة)، وتظهر لدى حالات أورام المسرى البصري أعراض تشمل فقدان الرؤية واختلال الإفراز الهرموني، ورغم أنها لا تُعد مميتة في أغلب الأحوال غير أنها قد تؤدي إلى فقدان البصر كليا، ومن جهة أخرى تتم معالجتها بنجاح بالعمل الجراحي منفردا لدى العديد من الحالات، وقد يتم الاستعانة بمعالجات الأورام الأخرى في بعض الأحيان من علاج كيماوي وإشعاعي.
أورام العَصَبات (Tumors of neurons) من أهم ما يميز الأورام لدى الأطفال عنها لدى البالغين، أنها تنشأ عن تسرطن خلايا المنشأ الأولية (primitive stem cells) التي تتطور وتتمايز إلى خلايا بالغة متخصصة، وبنفس النسق تنشأ أورام الخلايا العصبية أو العَصَبات، والتي يمكن تصنيفها بشكل عام ضمن أورام الأدمة الظاهرة العصبية الأولية (Primitive neuroectodermal tumors PNET)، والتي تُعد أورام الأوليات النخاعية (Medulloblastomas) من أهم أنواعها، حيث تمثل نسبة تقترب من 15 % من أورام الدماغ لدى الأطفال، ومن المعتقد أنها تنشأ عن تسرطن خلايا المنشأ الأولية بالمخيخ والتي لها قابلية التطور لتتحول إما إلى عصبات أو إلى خلايا دبقية، وتُعد هذه الأورام الأكثر سرعة في النمو غير أنها بالمقابل ذات معدلات عالية في الاستجابة للمعالجات القياسية إذ يمكن شفاء أكثر من 50 % من الحالات بالعمل الجراحي وأحيانا باستخدام المعالجات الإشعاعية أو بإضافة القليل من العلاج الكيماوي.
و من جهة أخرى تسمى أورام الأدمة الظاهرة العصبية الأولية بأورام أوليات الصنوبرية (pineoblastomas) حين تتموضع بالغدة الصنوبرية (و هي الغدة التي تتحكم بدورات النوم والاستيقاظ الطبيعية)، بينما تسمى بأورام الأوليّـات العصبية فحسب (neuroblastomas) حين تنشأ بنصفي كرة المخ، وهذه الأورام سريعة النمـو شأن أورام الأدمة العـصبية الأخرى ويمكن أن تنتقل على امتداد مسرى السائل المُخّي الشوكي.
الأورام الدبقية العقـدية (Gangliogliomas) تسمى الأورام التي تتكون من خليط يجمع بين العَصَبات البالغة وخلايا دبقية بالأورام الدبقية العقدية، وتُعد الأعلى في معدلات الشفاء القياسية باستخدام العمل الجراحي منفردا أو مع القليل من المعالجات الإشعاعية.
أورام الضفيرة المشيمية (Choroid plexus tumors) و هي أورام تنشأ بالضفائر المشيمية ضمن البطينات المخية، وهي عادة أورام حميدة وتسمى بالأورام الحليمية بالضفيرة المشيمية (choroid plexus papillomas) وتشفى بالعمل الجراحي منفردا، غير أن بعض أنواعها بالمقابل متسرطنة وتسمى في هذه الحال بالسرطان النسيجي للضفائر المشيمية (choroid plexus carcinomas).
الأورام القحفية البلعمية (craniopharyngiomas) و هي أورام حميدة تنشأ بأعلى موضع الغدة النخامية وتحت قاعدة الدماغ، وتكون عادة قريبة جدا من العصب البصري مما يصعب من إجراء الجراحات الاستئصالية، وقد تضغط هذه الأورام على الغدة النخامية والوطاء مما يؤدي بدوره إلى اختلال الإفراز الهرموني، وعلى الرغم من أنها أورام حميدة غير انه من الصعب إزالتها جراحيا نظرا لموضعها ضمن الأنسجة الحساسة للدماغ، وقد يتم استخدام المعالجات الإشعاعية لدى بعض الحالات.
أورام خلايا شوان (Schwannomas) أو أورام الأغماد العصبية (neurilemoma) و تنشأ هذه الأورام النادرة لدى الأطفـال بخلايا شوان التي تحيط وتعزل الأعصاب القحفية وغيرها من الأعصاب، وهي أورام حميدة في أغلب الأحوال وتتموضع عادة قرب المخيخ وبالأعصاب القحفية المسؤولة عن التوازن والسمع، وقد يُشير ظهورها بشكل متعدد لدى حالة ما إلى وجود دلائل وراثية عائلية، مثل متلازمة الأورام الليفية العصبية (neurofibromatosis) سالفة الذكر.
الأورام السحائية (Meningiomas) و تنشأ هذه الأورام بأغشية السحايا وتنجم عنها أعراض مختلفة عند ضغطها على الدماغ أو الحبل الشوكي، ورغم أنها أورام حميدة في أغلب الأحوال ونادرة لدى الأطفال غير أنها قد تتمركز بدرجة خطرة قريبا من أنسجة حيوية ضمن الدماغ أو الحبل الشوكي مما يمنع من معالجتها جراحيا، ومن جهة أخرى ثمة أنواع من الأورام السحائية الخبيثة النادرة، ومنها الورم الغرني السحائي (Meningiosarcoma) والذي قد يعود مرارا عقب الاستئصال الجراحي وقد ينتقل لدى حالات نادرة إلى أجزاء أخرى بالجسم.
الأورام الحبلية الظهارية (Chordoma) و تنشأ هذه الأورام بالعظام بمؤخرة الجمجمة أو بالنهاية الطرفية السفلى للحبل الشوكي، ومن غير المعتاد أن تنتقل إلى مواضع أخرى، وتشير الدراسات إلى أنها قد تعود مرارا عقب المعالجات القياسية خلال فترات تتراوح بين 10 إلى 20 سنة.
أورام الخلايا التناسلية (Germ cell tumors) خلال مراحل التطور الجنيني الطبيعية تنتقل الخلايا التناسلية بمسار محدد لتستقر بالمبايض أو الخصيتين لتتطور إلى بويضات أو خلايا منوية، غير أنه في بعض الأحيان ينتهي بها الأمر لتستقر في مواضع غير طبيعية مثل الدماغ، وقد ينشأ عنها أورام مشابهة للأورام الناشئة عن تسرطن الخلايا التناسلية بالخصيتين أو المبايض، ومن المعتاد أن تنشأ مثل هذه الأورام بالجهاز العصبي المركزي لدى الأطفال بالغدة الصنوبرية أو بأعلى الغدة النخامية، ويُعرف أكثر أنواعها شيوعا بالـورم الجُرثمي (germinoma) والذي يمكن شفاؤه بالمعالجات الإشعاعية وأحيانا بالعلاج الكيماوي عند كل الحالات تقريبا، ويجدر بالذكر أنه من الممكن تشخيص هذه الأورام أحيانا بمجرد قياس معدلات بعض المركبات الكيميائية بالسائل المُخّي الشوكي أو بالدم دون الحاجة لفحوصات أخرى.
أعـراض أورام الدمـاغ والحبل الشوكي
ليس ثمة تحاليل معينة في الوقت الحاضر أو فحوصات مخبرية للكشف بشكل مبكر عن أورام الدماغ، والواقع أن فرص الشفاء تعتمد على نوع الورم وموضعه ضمن الجهاز العصبي المركزي وليس على التشخيص المبكر، وبالنسبة لأغلب أورام الدماغ والحبل الشوكي ثمة دلائل قليلة جدا عن أن التشخيص المبكر وبالتالي المعالجات المبكرة تزيد من فرص الشفاء، وبطبيعة الحال يتم الاشتباه بوجود مثل هذه الأورام حين تظهر لدى المريض جملة من الأعراض التي قد تشير إليها، وفي أغلب الأحوال تظهر هذه الأعراض بتدرج بطيء يزداد سوءا بمرور الوقت، غير أنه بالمقابل قد يظهر بعضها بشكل مفاجيء وحاد، وتُعد النوبات الصرعية من أول الأعراض المعتادة لأورام الدماغ لدى العديد من الحالات، ورغم أن القليل من مثل هذه النوبات ينجم عن الأورام الدماغية لدى الأطفال، إلا انه يلزم في مطلق الأحوال استشارة طبيب أخصائي بالأعصاب لتحديد مسببات هذه النوبات، ومدى الحاجة لإجراء المزيد من الفحوصات حال ظهورها عند أي طفل.
و من جهة أخرى يعتمد التشخيص المبكر لأورام الدماغ والحبل الشوكي في أغلب الأحوال على موضع نشوء الورم ضمن أنسجة الجهاز العصبي، حيث تظهر الأعـراض بشكل واضح وفي مراحل مبكرة عند نشوء الأورام بالمواضع الحساسة والمهمة، ويتأخر ظهورها عند نشوء الأورام بمواضع اقل أهمية، وبطبيعة الحال يؤثر نشوء الورم ونموه على الوظائف الحيوية المرتبطة بموضع نشأته، وبالتالي تشير الأعراض الأولية إلى موضعه، فمثلا تسبب أورام الحبل الشوكي عادة خدراو ضعفا بالقدمين معا، بينما تتسبب الأورام الناشئة بنصفي كرة المـخ في حدوث اختلالات حركية بالجسم، وقد سبقت الإشارة إلى مجمل هذه الأعـراض، وبهذا الصدد يُعد ارتفاع الضغط داخل الجمجمة العارض الأكثر شيوعا لأورام الدماغ، والذي قد يسبب بدوره أعراضا تالية، مثل الصداع الشديد والمستمر، والغثيان والتقيؤ، واختلال الرؤية، ويُعد الصداع من أكثر هذه الأعراض شيوعا ويظهر لدى أكثر من نصف حالات الأطفال، وبينما يؤدي ارتفاع الضغط عند بعض الأطفال إلى ازدواج الرؤية والحول بالعيون، قد يؤدي إلى فقد الرؤية كليا لدى البعض الآخر، ويجدر بالذكر أنه من المعتاد أن يتم التحقق من ارتفاع الضغط داخل الجمجمة بفحص قاع العين، لتحري وجود تضخم بالعصب البصري، أو ما يُعرف بوذمة الحُليمة البصرية (papilledema)، وكما سلفت الإشارة ينجم ارتفاع الضغط بالدماغ كنتيجة مباشرة لنمو الأورام وإعاقتها لتدفق السائل المُخّي الشوكي أو سدها لقنواته، ومن مؤشرات الارتفاع التدريجي لمثل هذا الضغط لدى الأطفال ما دون سن المدرسة ظهور أعراض مختلفة، مثل الاهتياج المستمر، وفقدان الشهية، وتأخر النمو الطبيعي وتراجع وانحدار القدرات العقلية والمهارات الحركية.
و من الأعراض الشائعة لدى الأطفال بسن المدرسة، ظهور انحدار مفاجيء بالأداء الدراسي والخمـول والإعيـاء المتواصل والتقلبات المتطرفة بالشخصية والمزاج، والشكوى من متاعب جسدية مبهمة، ونوبات الصداع المتقطعة، ومن جهة أخرى ثمة أعراض شائعة لدى الأطفال الرضّع تشمل ازدياد حجم الرأس بشكل غير طبيعي قد يكون مصحوبا بظهور انتفاخ بالمواضع اللينة من الجمجمة، إضافة إلى التقيؤ المستمر وضعف النمو البدني، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأعراض قد لا تعني بالضرورة وجود أورام بالجهاز العصبي المركزي إذ أنها تنتج أيضا عن العديد من الأمراض الأخرى.
التشخيص
عند ظهور الأعراض التي يمكن أن تُعزى إلى وجود أورام بالدماغ أو بالحبل الشوكي، يقوم الأطباء بإجراء سلسلة من الفحوصات والتحاليل المخبرية والتي تبدأ بالفحص السريري وتقصي التاريخ الصحي للطفل، لجمع المعطيات عن وظائف الدماغ بفحوصات الأعصاب، وبطبيعة الحال يقوم طبيب اختصاصي بالأعصاب أو جراح مختص بالجراحات العصبية بمثل هذه الفحوصات، وبهذا الصدد نشير إلى أن تشخيص ومعالجة أورام الدمـاغ والحبل الشوكي ينبغي أن تتم بمركز متخصص بأورام الأطفال وعلى يد فريق متكامل من الأخصائيين، من المعتاد أن يترأسهم جـراح مختص بالأعصاب (neurosurgeon) يتولى مسؤولية التشخيص وتقدير الحالة من جميع الجوانب وإجراء الجراحات، يعاونه فريق من الأخصائيين بعلـوم الأمراض وبالأورام وبالعلاج الإشعاعي وبالغدد الصماء، وأطباء نفسيـون ومختصون في المعالجات الطبيعية وإعادة التأهيل، إضافة إلى أخصائيون اجتماعيون وطاقم تمريض اختصاصي بمعالجة الأطفال المرضى بالسرطان.
تبدأ الخطوة التالية، عند وجود معطيات قوية تدفع للارتياب بوجود ورم بالجهاز العصبي، بإجراء الفحوصات التصويرية المختلفة والتي تلتقط صورا مفصلة للأعضاء الداخلية تتم دراستها من قبل أخصائيي الأعصاب والأشعات، بغية تحديد مدى وجود النمو الورمي، ومن ثم تحديد مختلف جوانب الورم بدقة، وتقليديا يتم استخدام التصوير الشعاعي المقطعي (Computed tomography scan)، إضافة إلى التصوير بالمرنان المغناطيسي (Magnetic resonance imagingباستخدام الموجات المغناطيسية لوضع صور متعددة للجسم)، والذي يمكنه إظهار أورام الدماغ بوضوح في أغلب الأحوال، إضافة إلى تحديد مواضعها بدقة، ويُعد مفيدا على وجه الخصوص في تحديد الأورام بجذع الدماغ والمخيخ.
و ثمة العديد من الفحوصات التصويرية الأخرى والمستخدمة لدى أورام الدماغ، من أهمها التخطيط الشعاعي الطبقي بدفق الكهيربات الموجبة (Positron emission tomography PET scan)، والذي يتم بحقن جرعة منخفضة الإشعاع من مادة حيوية مثل سكر الجلوكوز، ويبين التخطيط معدل استهلاك الخلايا الورمية للسكر كمصدر للطاقة، ويقارنه بمعدل استهلاك الخلايا الدماغية الأخرى، وبصفة عامة، تستهلك الأورام الدماغية من الدرجات العليا معدلات عالية من السكر أكثر من الخلايا الدماغية السليمة، بينما تستهلك الأورام من الدرجات الدنيا معدلات اقل، ومن ناحية أخرى يتم استخدام مثل هذا الفحص لاحقا لتقييم مدى استجابة الأورام للمعالجات المختلفة، كما يتم استخدام التخطيط الوعائي (Angiography)، بُغية التقاط صور إشعاعية مختلفة للأوعية والشعيرات الدموية بواسطة الأشعة السينية عقب حقن نوع معين من الصبغات بالأوعية الدموية القريبة من موضع الورم، مما يساعد على توضيح إمدادات الدم للنسيج الورمي.
و على الرغم من أن الأعراض والفحوصات السريرية والاختبارات التصويرية بأنواعها المختلفة قد تؤكد بوضوح على وجود أورام الدمـاغ أو الحبل الشوكي، غير أن الوسيلة الوحيدة للتأكد تماما، وإعطاء تشخيص نهائي ومن ثم تمييـز نوع الـورم وخواصه على وجه الدقة، تتم بإجراء الخزع الجراحي الذي يستهدف استخلاص خزعة من أنسجة الورم لفحصها مجهريا، ويتم مثل هذا الخزع بان يقوم جراح الأعصاب بإجراء جراحة فتح للجمجمة وإزالة أكثر كمّ ممكن من نسيج الورم، أو باستخلاص خزعة باستخدام إبرة شعرية يتم توجيهها بدقة نحو كتلة الورم باستخدام التصوير المقـطعي أو المرنان المغناطيسي، وهي عملية تُعرف بتقنية الخزع المجسم (stereotactic biopsy)، وكما هو الحال عند تشخيص الأورام، يقوم اختصاصي بعلوم أمـراض الأعصاب (neuropathologist) بفحص العينة بدقة تحت المجهر لتحديد نوع الخلايا الورمية وخواصها الحيوية، تمهيدا لترتيب الخطط العلاجية الملائمة.
و من جهة أخرى يتم تقليديا إجراء عملية البزل القطني (Lumbar puncture) بهدف استخلاص عينة من السائل المُخّي الشوكي وفحصها تحت المجهر للتحري عن وجود خلايا سرطانية، مع إجراء تحاليل إضافية لتقصي وجود بعض المركبات التي تفرزها بعض الأورام، مثل أورام الخلايا التناسلية، كما يتم إجراء خزع للنخاع العظمي (Bone Marrow Biopsy) لدى بعض الحالات، خصوصا أورام الأوليات النخاعية (medulloblastomas) التي يمكنها الانتقال خارج الجهاز العصبي، للتقصي عن مدى وجود انتقال للخلايا الورمية بعيدا عن مواضع النشأة ضمن الجهاز العصبي.
عوامل الخطورة لنشوء أورام الجهاز العصبي المركزي
يشير تعبير عوامل الخطورة (Risk factors) إلى العوامل والظروف المؤهبة التي تزيد من احتمال العُرضة لأي مرض، مثل السرطان، عند أي شخص، وثمة عوامل خطورة لكل نوع من الأورام، وقد تتضمن عوامل خطورة وراثية أي ترتبط بخصائص المورثات، إضافة إلى عوامل ترتبط بالبيئة أو نمط المعيشة والظروف الحياتية، ورغم أن العوامل المتعلقة بنمط المعيشة مثل التدخين والتغذية السيئة أو تعاطي المسكرات تُعد من العوامل المهمة لدى العديد من أورام البالغين، إلا أن تأثيرها معدوم أو ضعيف عند التطرق لأورام الأطفال، وفيما يتعلق بعوامل الخطورة المتعلقة بالبيئة، لم يتبين للباحثين أي رابط بين نشوء أورام الدماغ وبين العوامل البيئية سواء قبل الولادة أو بعدها، مثل التعرض للكيماويات السامة أو تلوث المياه والهواء، كما لم يتبين وجود أي رابط بظروف أخرى مثل استخدام الأشعة السينية أثناء الحمل أو خلال فترة الطفولة، أو تناول أنواع العقاقير المختلفة، ولا ترتبط معظم أورام الدماغ بعوامل خطورة مؤكدة ومعروفة وتنشأ دون أسباب واضحة يمكن أن تعزي إليها.
و قد أفادت بعض الدراسات عن وجود نسبة خطورة لنشوء مثل هذه الأورام عند التعرض لبعض المؤثرات البيئية أو الكيميائيات، مثل التعرض لغاز الفينيل كلورايد (vinyl chlorideو هو غاز عديم الرائحة يستخدم في صناعات اللدائن)، أو استخدام مادة الاسبرتام (aspartame) وهي بديل صناعي للسكر، أو التعرض للحقول الكهرومغناطيسية المنبعثة من أجهزة الهاتف النقال أو الأسلاك عالية التوتر الكهربي، إضافة إلى الرضوض والإصابات بالرأس، غير أن أغلب الباحثين في هذا المجال يتفقون على عدم وجود دليل مؤكد وحصري يشير بوضوح إلى تأثير هذه العوامل، وفي الواقع ثمة دراسات معاكسة تفيد بأن مثل هذه العوامل لا تُعد من مسببات الأورام الدماغية.
عوامل الخطورة المتعـلقة بعلاجات الأورام
تفيد العديد من الدراسات الطبية عن وجود علاقة مباشرة، وبنسبة خطورة صغيرة، بين معالجة مرضى السرطان سواء البالغين أو الأطفال بالعلاج الإشعاعي، وبين ظهور أورام ثانوية غير الورم الأصلي المُعالج خلال فترات لاحقة من الحياة، ومنها نشوء أورام الدماغ (خصوصا الأورام النجمية وأورام السحايا) حين يكون الرأس ضمن حقل المعالجة الإشعاعية، والتي تزداد نسبة الخطورة لتطورها عند تلقي المعالجات في فترات مبكرة من العمر إضافة إلى تلقي جرعات عالية، وتُعد مثل هذه الأورام الثانوية أكثر شيوعا لدى البالغين حيث من المعتاد أن تظهر عقب عدة سنوات من انتهاء المعالجات الإشعاعية.
و بهذا الصدد نشير إلى أن الإشعاع المؤين المستخدم في المعالجات الإشعاعية وأيضا بالأجهزة التصويرية للأشعة السينية يُعد من أكثر عوامل الخطورة المؤكدة لنشوء أورام الدماغ، وقد أكدت الدراسات الطبية أن المعالجات الإشعاعية بجرعات مخفضة والمستخدمة قبل أكثر من خمسين عاما لمعالجة الأطفال المصابين بداء سعفة فروة الرأس (ringworm of the scalp) والتي تنتج عن عدوى فطرية، قد أدت إلى ارتفاع نسبة نشوء أورام دماغية بين أولئك الأطفال خلال فترات لاحقة من حياتهم.
عوامل الخطورة الوراثية وعـلل المورثات
تبين للعلماء منذ عقود أن الإنسان قد يرث عن أبويه بعض التبدلات والاختلالات بشفرات الضفائر الوراثية بالحمض النووي للخلايا، والتي بدورها تسبب أمراضا تنتشر في عائلات بعينها، وثمة نسبة خطورة عالية للعديد من الأمراض عند ولادة الأطفال مع وجود بعض أنواع العيوب الخلقية والتي تُعرف بالمتلأزمات (syndromes ويمكن تعريف المتلازمة بأنها مجموعة متزامنة من الأعراض والتشوهات أو الإعاقات أو الظواهر الشاذة الأخرى، والتي تظهر في أغلب الأحوال مجتمعة بنفس المريض)، ومن المتلأزمات والعلل الوراثية التي تم الربط بينها وبين زيادة نسبة الخطورة لنشوء أورام الجهاز العصبي المركزي :
متلازمة لي فراومني (Li-Fraumeni) والتي إضافة إلى أنها تزيد من نسبة الخطر لنشوء أورام أبيضاض الدم وأورام العظام الغرنية وسرطان الثدي وأورام الأنسجة الرخوة، تحمل نسبة خطورة أيضا لنشوء أورام الدماغ والحبل الشوكي وخصوصا الأورام الدبقية.
النوع الأول من علة الأورام الليفية العصبية (Neurofibromatosis - type 1)، والمعروفة بعلة ريكلينقهاوزن (Recklinghausen’s disease) المشار إليها آنفا، وتُعد من أهم العلل التي تحمل خطر نشوء أورام الجهاز العصبي، وهي كما سبق القول علة وراثية من خواصها نشوء أورام ليفية بالأعصاب الطرفية، ومن المعتاد أن تتسبب في نشوء أورام عصبية متعددة، وتزيد من نسبة الخطورة لنشوء أورام الدماغ وخصوصا الأورام الدبقية وأورام العصب البصري، وقد تم مؤخرا تحديد نوع العطب بالمورث المسئول عن نشوء هذه العلة.
النوع الثاني من علة الأورام الليفية العصبية (Neurofibromatosis – type 2)، وإن كانت تحمل نسبة خطر أقل من النوع الأول، وقد ربطت بعض الأبحاث الطبية بينها وبين نشوء أورام السحايا وأورام العصب السمعي (acoustic nerve) وأورام البطانة العصبية بالحبل الشوكي.
علة التصلب الدرني الموروث (tuberous sclerosis)، ومن المعتاد أن تظهر بين المصابين بهذه العلة أورام غير مرتشحة من النوع النجمي ضخم الخلايا لما تحت البطانة (subependymal giant cell astrocytomas)، إضافة إلى بعض الأورام الحميدة بالجلد أو بالكليتين.
علة فون هيبل لينداو (Von Hippel-Lindau disease)، وهي علة وراثية نادرة من خواصها نشوء أورام وعائية بعروق الشبكية والمخيخ ونشوء تكيسات أو تشوهات خلقية بالكبد والكليتين والبنكرياس تؤدي إلى نمو نوابت ورمية، وتربط الأبحاث الطبية بين وجود هذه العلة وارتفاع نسبة الخطورة لنشوء أورام أوليات الأوعية الدموية (hemangioblastomas) بالمخيخ والشبكية، إضافة إلى سرطان الخلايا الكلوية النسيجي (renal cell carcinomas).
حول نشوء أورام الجهاز العصبي المركزي
المورث عبارة عن جزء من الحمض الريبونووي (deoxyribonucleic acid DNA) يحمل خصائص وراثية معينة ولديه وظيفة حيوية محددة، وكمثال تحدد المورثات لون العينين والبشرة، أو فئة الدم، وهذا الحمض هو المادة الكيميائية التي تحمل التعليمات الموجهة لنظام ودورة حياة الخلايا، ويقوم بالتحكم في كل نشاطـاتها، ويُعد نوع التغيرات الشاذة في الحمض النووي للمورثات العامل المؤثر في تحديد نوع المرض الذي قد يصيب الإنسان، والمـورثات هي أجزاء من الصبغيات(chromosomes)، والتي من الممكن تشبيهها بشريط خيطي يشبه الضفيرة من الحمض النووي فائق الطول، يحتوي على الآلاف من المورثات تصطف على امتداده، وينتظم الحمض النووي بدقة في 23 زوجا من الصبغيات، يرث الإنسان النصف من كل زوج عن أحد الوالدين.
و ثمة أنواع متعددة وكثيرة جدا من المورثات، ولكل منها وظائف حيوية وخصائص وراثية محددة، ويحتوي بعضُ من أنواعها على التعليمات والشفرات الوراثية التي تتحكم في آلية النمـو والانقسام، وبالتالي التضاعف والتكاثر لإنتاج خـلايا جديدة، ومن هذه مورثات معينة تحث وتُعدل عمليات انقسام الخلية، وتسمى اصطلاحًا بالمـورثات الورمـية (oncogenes)،و مورثات أخرى تُبطيء وتكبح الانقسام والتكاثر، أو تُعطي التعليمات للإفناء الذاتي للخلية عند الحاجة، وتسمى بالمـورثات الكـابحة للتـورم (Tumor suppressor genes).
و بمعنى آخر، تقوم الخلايا بالتكاثر والانقسام والنمو بتوجيه من برنامج مشفّر بحمضها النووي، وتتلقى إشارة بالتوقف عند حدّ معين حيث يتوفر الكمّ المطلوب من الخلايا، فيتوقف الانقسام والتكاثر، ويتم تشغيل برامج تالية توجه الخلايا لإنتاج البروتينات اللازمة لتصبح خلايا بالغة ومتخصصة قادرة على القيام بالمهام المنوطة بها، أي أن نظام الانقسام والنمو والعمل، يتوقف ويبـدأ وينشط حسب نظام متسلسل تعاقبي، وخالٍ من الأخطاء لينتج خلايا طبيعية سليمة، وثمة عدة أوجه لعرقلة ومقاطعة تقدم هذا النظام المنهجي، فمثلا إذا حدث قصور في إشارة التوقف ولم تعمل لسبب ما، تستمر الخلايا في الانقسام والتكاثر دون ضوابط وتكون كتلة شاذة متضخمة، أو عند حدوث قصور في عمل المورثات الكابحة للتورم، التي تنتج بروتينا معينا يكون مسئولا عن توقيف الخلية عند وجود عطب بالحمض النووي، سواء لإصلاح الخلل أو لإفنائها ذاتيا عند تعذر الإصلاح، فحين لا يعمل هذا البروتين لسبب ما، تستمر الخلايا ذات الحمض النووي المعطوب في الانقسام، وإنتاج خلايا جديدة، مسببة المزيد من العطب في المورثات الأخرى، التي تتحكم في نمو وتطور الخلايا وينتهي الأمر بنشوء السرطان.
و من جهة أخرى قد يرث المرء بعضا من التغيرات الشاذة (أو الأعطاب) بالحمض النووي عن والديه، الأمر الذي يفسر ظهور بعض العلل بشكل شائع لدى بعض العائلات، وتسمى هذه التغيرات بالتحورات أو التبدلات الجذرية للبُنية (mutations)،
و التي تنشا أيضا لأسباب غير مفهومة وغير مبررة أسوة بصور الاختلال الأخرى التي تصيب هذا الحمض، والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية :
شرود للصبغيات وتبادل المواقع (Translocation) بين جزأين من الحمض النووي، أي أن مقطعا من الحمض النووي بصبغي معين يشرد ملتحقا بصبغي مختلف وغير متماثل معه، مما يؤدي إلى إعادة ترتيب البرامج المشفرة بالحمض النووي للخلية مع ثبات الخطأ وتعطل النظام والسياق الموجه لأطوارها المختلفة، وهذا الاختلال على وجه الخصوص يُعد مسؤولا عن نشوء بعض الأنواع من أورام الأطفال، خصوصا بعض أنواع اللوكيميا.
الانعكاس أو الانقلاب (inversion) مما يعني أن جزءا من صبغي ما تراكب بشكل مقلوب وظل منعكسا إلا انه لا يزال مرتبطا بنفس الصبغي.
الإضافة (addition) أي أن جزءا من صبغي ما (أو الصبغي بكامله) قد تضاعف وتتواجد منه نسخ كثيرة بالخلية.
الفقدان أو المحو (deletion) لبعض من مقاطع حمض نووي بصبغي معين.
و من هنا يمكن أن تتسرطن الخلايا الطبيعية عند حدوث أي من أنواع الاختلال المذكورة ببنية الحمض النووي، (أي التحورات الشاذة بالبنية أو شرود الصبغيات أو المحو أو الانعكاس أو الإضافة) والتي تدفع بدورها (بشكل مباشر أو غير مباشر) إلى تشغيل المورث الورمي دون ضوابط (مما يفقده القدرة على التحكم في نمو الخلية وتكاثرها)، أو يُبطل عمل المورثات الكابحة للتورم، وينتهي الأمر بنشوء ورم سرطاني، ومن المهم معرفة أنه وعدا عن الاختلالات الوراثية التي تزيد من نسبة الخطر لنشوء بعض الأورام، والأمر ليس حتميا البتة، لا يعرف العلماء الأسباب الحقيقية والمؤكدة التي تؤدي إلى حدوث أنواع الاختلال بالحمض النووي، (أو التي تقدح الزناد) والتي تؤدي إلى تسرطن الخلايا الطبيعية ونشوء الأورام.
و فيما يتعلق بأورام الجهاز العصبي، فقد وجد الباحثون أن أعطاب المورثات التي تظهر بالعلل والمتلأزمات الوراثية، مثل المذكورة آنفا ترتبط بزيادة نسبة الخطر لنشوء بعض أورام الجهاز العصبي المركزي، وعلى سبيل المثال، تنشأ متلازمة لي فراومني (Li-Fraumeni) عن وراثة اختلال بالحمض النووي يؤدي إلى إحباط المورث الكابح للتورم المسمى بي 53 (p53 tumor suppressor gene)، بحيث لا تعمل بروتينات هذا المورث المسئولة عن توقيف الخلايا لإصلاح أعطاب الحمض النووي ومنع الخلايا المعطوبة من النمو، الأمر الذي يزيد من نسب الخطورة لنشوء العديد من الأورام، ومنها أورام الدماغ وخصوصا الأورام النجمية.
و قد أفادت العديد من الدراسات عن وجود تبدلات متعددة بالمورثات مرتبطة بنشوء أورام الدماغ والحبل الشوكي، نذكر منها وجود نسـخ كثيرة سواء من الصبغي السـابع أو الثاني والعشرون لدى العديد من أورام الدمـاغ، وكذلك وجود فقـدان ومحـو (deletion) لمقاطع من الحمض النووي بالصبغيات التاسع والعاشر والسابع عشر، حيث لوحظ الفقد بالصبغي السابع عشر بالأورام النجمية من الدرجة الدنيا، بينما يظهر الفقد بالصبغي التاسع في مراحـل متوسطة من الأورام النجمية من الدرجة العليا، ويظهر الفقد بمقطع من الصبغي العاشر في مراحل متقدمة من أورام الأوليات الدبقية متعددة التشكل، ومن ناحية أخرى ثمة فقدان متعدد لمقاطع من الصبغي الثاني والعشرين بأورام السحايا، ويفيد الباحثون بأن المقاطع المفقودة من هذه الصبغيات تحتوي على العديد من المورثات الكابحة للتورم والتي تمنع من النمو الورمي، ومن المؤمل بمعرفة مثل هذه المعطيات الوصول إلى معالجات ناجعة لأورام الجهاز العصبي.
و من جهة أخرى تلزم الإشارة إلى أن التغيرات الشاذة ببنية الحمض النووي والمرتبطة بنشوء أورام الجهاز العصبي عند أغلب الحالات هي أعطاب مكتسبة وعارضة عقب الولادة وخلال المراحل المبكرة من حياة الأطفال وليس قبل ذلك بالوراثة، ومن المهم تذكر أنه لا توجد أية عوامل خطورة معروفة ومؤكدة عند معظم المرضى بهذه الأورام، ولا أحد يعرف أسباب نشوء هذه الاختلالات المؤدية إلى تطور النمو الورمي لديهم دون وجود دلائل وعلل وراثية، ولم يكن ثمة ما يمكن فعله لتجنب نشوء السرطان.
تصنيف أورام الجهاز العـصبي المركزي
من أساسيات معالجات السرطان إتباع أنظمة تصنيف للأورام، والتي تتم من خلال جمع المعطيات الكافية حول الورم بمختلف التحاليل والفحوصات، بدءا من تحديد نوع الورم وموضعه وحجمه وخواصه الحيوية، إلى التحقق من مدى انتقاله من موضع نشوئه إلى الأنسجة المحيطة أو إلى أية مواضع أخرى، ومن خلال جميع المعطيات يتم تصنيف درجة الورم (grading)، ويتم تحديد تصنيفه المرحلي (Staging)، وذلك ليتسنى ترتيب الخطط العلاجية الملائمة، وللتكهن بالمردود العلاجي المتوقع.
و فيما يتعلق بأورام الجهاز العصبي المركزي، تتمثل هذه المعطيات في العديد من العوامل التي يمكن من خلالها ترتيب الخطة العلاجية والتكهن بالمسار العلاجي الممكن، وتشمل عمر الطفل ونوع الخلايا المتسرطنة ودرجتها وموضع الورم ضمن الجهاز العصبي، والكمّ الممكن إزالته جراحيا من أنسجته وما قد يتبقى منها عقب الجراحة، ومستوى أداء الطفل البدني (تبعا للأعراض الناتجة عن الورم)، ومدى انتقال الخلايا السرطانية عبر السائل المُخّي الشوكي إلى مواضع أخرى بالدماغ والحبل الشوكي، إضافة إلى مدى وجود انتقال للسرطان إلى مواضع أخرى خارج الجهاز العصبي (و إن كان ذلك نادرا).
و في الوقت الحاضر ليس ثمة نظام تصنيف مرحلي لأورام الجهاز العصبي المركزي كما هو الحال لدى أنواع الأورام الأخرى، رغم وجود عدة مقترحات بهذا الشأن، غير أنها ليست متبناة من قبل مختلف المدارس الطبية، وتقليديا يتم الاكتفاء بتصنيف أورام الدماغ في فئات حسب موضعها ضمن الدماغ ونوع الخلايا حيث تنشأ، ومظهر وسلوك الأنسجة الورمية، والمتداول بالتالي تصنيفها بشكل عام إلى فئتين : علوية تنشأ بالجزء العلوي من الدماغ أو فوق خيمة المخيخ (Supratentorial)، وسفلية تنشأ بالجزء السفلي من الدماغ أو تحت خيمة المخيخ (Infratentorial)، ثم يتفرع التصنيف حسب النوع، ومن ناحية أخرى يتم تحديد درجة الورم عقب استخلاص عينة من أنسجته وفحصها مجهريا لتحديد نوع الخلايا المتسرطنة ومظهرها ومدى شذوذها عن الخلايا الطبيعية، وبالتالي مدى (عدوانيتها)، ومن المعتاد تصنيف درجة هذه الأورام بتدرج بين الرقم (1) إلى (4)، حيث للأورام بالدرجة العليا مظهر أكثر شذوذا وتنمو بسرعة أكبر من الأورام بالدرجة الدنيا، كما أنها أكثر تسـرطنا. و لدى بعض الأنـواع من أورام الدمـاغ (مثل أورام الأوليات النخـاعية) يتم تصنيف الحـالات حسب درجة الخطر إلى فئـتين، فئـة الخطر المعـتدل (average-risk) وفئة الخطر السيئ (poor-risk) بناءً على عمر الطفل، وموضع تركز الورم، والكمّ الممكن إزالته جراحيا من أنسجته، وما قد يتبقى منها عقب الجراحة، إضافة إلى مدى انتقال الورم من موضع نشوئه، إلا أن مثل هذا التصنيف غير متداول لدى أغلب أورام الجهاز العصبي المركزي.
حول معـالجات أورام الجهاز العصبي المركزي
كما هو الحال لدى معالجة السرطان، تتم معالجة الأطفال المرضى بأورام الدمـاغ والحبل الشوكي بالعمل الجراحي كعلاج أولي وأساسي وبالعلاج الإشعاعي مع العلاج الكيماوي أو بدونه وذلك حسب نوع الـورم، وبطبيعة الحال يتم ترتيب الخطة العلاجية لكل طفـل على حدة بُغية توفير أفضل الفرص في الشفاء، مع الأخذ في الحسبان دوما المضاعفات المتأخرة للمعـالجات وللمرض، ويجدر بالذكر أن معالجة الأطفال الرُضعّ ومن هم بسن تقل عن الثلاث سنوات تعتمد بشكل أساسي على جراحات إزالة الأورام والعلاج الكيماوي فحسب، وتأخير استخدام المعالجات الإشعاعية ما أمكن ذلك، بُغية تجنب المضاعفات المتأخرة للإشعاع والتي قد تعيق النمو البدني الطبيعي وتؤثر على التطور المعرفي للطفل، وبصفة عامة يحرص الأطباء المختصون بالمعالجات الإشعاعية كل الحرص على تقليل الكمّ المتعرض للإشعاع من أنسجة الدماغ السليمة لدى الأطفال بجميع الأعمار.
و ثمة فرص جيدة للشفاء لدى العديد من الأطفال المرضى بهذه الأورام عقب تلقي المعالجات القياسية والملائمة، وتتحسن الفرص بشكل كبير لدى حالات الأورام المنحصرة بمواضعها، وفيما يتعلق بالعوائد العلاجية، تفيد الإحصاءات الطبية بأن معدلات الشفاء للخمس سنوات القياسية للأطفال المرضى بأورام الدماغ تبلغ في المتوسط 60 % لكل أنواع هذه الأورام، (يُشير معدل الخمس سنوات شفاء القياسية إلى نسبة المرضى الذين يعيشون خمس سنوات على الأقل منذ تشخيصهم بسرطان معين، وبالطبع يشفى الكثيرون تماما ويعيشون أكثر من ذلك بكثير، ويستخدم هذا المعدل عادة كدلالة إحصائية عند حالات السرطـان)، غير أن النسب تتفاوت بطبيعة الحال تبعا لنوع الـورم وموضعه، ومن الصعب تقييمها بنسبة محددة، وعلى سبيل المثال يتم تحقيق الشفاء لدى حوالي تسعين بالمئة من الأطفال المرضى بالأورام النجمية الناشئة بالمخيخ بالعمل الجراحي.
الجراحـة
بصفة عامة تبدأ الخطط العلاجية لأورام الدماغ بقيام جراح الأعصاب بإزالة أكبر كمٍّ ممكن من أنسجة الورم موضوع الجراحة، وقد يتمكن العمل الجراحي منفردا من إزالة كامل النسيج الورمي لدى الكثير من الحالات، غير انه من المعتاد أن تتم السيطرة على أغلب الأورام بالمعـالجة المشتركة بين الجراحة والعلاج الإشعاعي، ومثل هذه الخطط مفيدة على وجه الخصوص في معالجة بعض أنواع الأورام النجمية بالمخيخ (cerebellar astrocytomas)، والأورام النجمية المصفـرة متعددة التشكـل (Pleomorphic xanthoastrocytoma) وبعض حالات أورام البطانة العصبية (Ependymoma)، وأورام الظهارة العصبية ذات التشوه الجنيني (Dysembryoplastic neuroepithelial)، والأورام الدبقية العقدية (Gangliogliomas)، وبعض الأورام السحائية (Meningiomas)، والأورام القحفية البلعومية (craniopharyngiomas)، إضافة إلى بعض الأنواع بالدرجات الدنيا من الأورام الدبقية الأخرى.
بينما من جهة أخرى من غير الممكن تحقيق الشفاء بالعمل الجراحي منفردا لدى الأورام المرتشحة، مثل أورام الأوليات الدبقية (glioblastomas) أو الأورام النجمية مشوهة الخلايا (anaplastic astrocytomas)، غير أن العمل الجراحي بالمقابل يساعد في تقليص حجم كتلة الورم مما يزيد من فاعلية العلاجين الإشعاعي والكيماوي.
بالإضافة إلى ذلك يساعد العمل الجراحي في التخفيف من حدة بعض أعراض وتأثيرات أورام الدماغ، خصوصا الأعراض الناجمة عن ازدياد الضغط داخل الجمجمة، بما في ذلك الصداع، والغثيان والتقيؤ، واختلال النظر، كما أن الجراحات تساعد في تخفيف أعراض الصرع عند وجودها لدى المريض مما يمكن من السيطرة على النوبات بشكل أفضل بالمعالجات الدوائية.
و من العمليات الجراحية المعتادة لدى بعض حـالات أورام الدمـاغ ما يُعرف بجـراحة منعطف السائل المُخّـي الشـوكي (shunt surgery)، حيث يؤدي وجود أي انسداد أمام تدفق السائل المُخّي الشوكي إلى زيادة الضغط داخل الجمجمة، مما يؤدي بدوره إلى نشوء الكثير من الأعراض المذكورة آنفا، بل وقد يؤدى ذلك إلى حدوث تلف دائم بالدماغ، وبغية نزح السائل المُخّي المتجمع، يقوم جراح الأعصاب بتركيب وصلة مصنوعة من أنبوب لدن يعمل كتحويلة (shunt) يُزرع أحد طرفيها بالبطين الدماغي الذي يحتوي على السائل المُخّي، ويتم تركيب طرفه الآخر بالتجويف البطـني عادة، أو بالقلب في بعض الأحيان، ويمر هذا الأنبـوب تحت الجـلد من الرأس مرورا بالرقـبة والصدر، ويمكن استخدامه بشكل مؤقت أو يبقى بشكل دائم، وقد تُجرى مثل هذه العمليات قبل المباشرة بجراحات استئصال الأورام أو عقب انتهائها.