إعادة تسليح راينلاند هي عملية دخول عسكري قامت بها ألمانيا في 7 مارس 1936 لإنهاء حالة الفراغ العسكري في منطقة راينلاند الألمانية[1] وذلك بسبب معاهدة فرساي عام 1919 والذي ينصّ على إفراغ المنطقة من أي قوات ألمانيّة مسلّحة بعد خسارتها في الحرب العالمية الأولى لتنتهي 17 سنة خالية من الوجود العسكري.[2] غيرت العملية موازين القوى في أوروبا تدريجياً وبدأت تتجه أنظار القوى الأوروبية إلى ألمانيا التي تحدّت المعاهدة لكن الأمر لم يؤدي إلى ردة فعل مُعتبرة، كما أن العملية أتاحت الفرصة لـ ألمانيا لبدء التوسّع والمطالبة بتوحيد جميع الألمان في دولة واحدة فيما بعد[3].
خلفية
معاهدتا فيرساي ولوكارنو
طبقًا للبنود 42 و43 و44 من معاهدة فيرساي (التي فرضها الحلفاء على ألمانيا بعد انقضاء الحرب العظمى، أو الحرب العالمية الأولى) «يُحظر على ألمانيا تشييد أي حصون أو صيانتها على الضفة الغربية من نهر راين، أو على الضفة الشرقية غرب خط مرسوم على بعد خمسين كيلو متر شرق نهر الراين، وتُعد مخالفة ألمانيا لتلك البنود بأيّ شكل من الأشكال عملًا عدوانيًا وإخلالًا بالسلام العالمي». بينما نصّت معاهدة لوكارنو (التي وقعت عليها كلٌ من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا في أكتوبر 1925) على أنّ بند نزع الأسلحة في منطقة راينلاند سوف يظل ساريًا إلى أجل غير مُسمّى.[4]
حظت اتفاقية لوكارنو بأهمية عظمى لدى الحلفاء باعتبارها موافقة طوعيّة من جانب ألمانيا على نزع الأسلحة من راينلاند، وذلك على خلاف صيغة الأمر المباشر المنصوص عليه في اتفاقية فيرساي. وبموجب بنود لوكارنو تعهدت بريطانيا وإيطاليا بالحفاظ على ترسيم الحدود الألمانية الفرنسية ووضع نزع الأسلحة من راينلاند ضد أيّ انتهاك صارخ، ولكن لم يُذكر تعريف واضح لما قد يُعد انتهاكًا صارخًا. بموجب بنود لوكارنو إذا حاولت ألمانيا مهاجمة فرنسا فإن بريطانيا وإيطاليا مُلزمتان بمساندة فرنسا، وبالمثل إذا هاجمت فرنسا ألمانيا فإن بريطانيا وإيطاليا مُلزمتان بمساندة ألمانيا. أطلق المؤرخ الأمريكي جيرارد واينبرغ على وضع نزع الأسلحة من راينلاند «أهم معاهدة سلام صُدّق عليها في تاريخ أوروبا»، فقد جعلت هجوم ألمانيا على جيرانها في الغرب أمرًا مستحيلًا، إذ أنّ وجود منطقة خالية من الأسلحة يعني عجز ألمانيا عن الدفاع عن حدودها الغربية، واستحالة إمكانية هجوم ألمانيا على جيرانها في الشرق نظرًا إلى أنّ ذلك سوف يتيح الفرصة أمام فرنسا إلى شن هجوم مضاد مدمّر إذا ما حاولت ألمانيا غزو أيّ دولة من الدول الواقعة تحت الحماية الفرنسية بموجب نظام الحلف الفرنسي في أوروبا الشرقية، أو ما يُدعى «الحاجز الوقائي».[5][6]
اشترطت معاهدة فيرساي كذلك انسحاب قوات الحلفاء من راينلاند بحلول عام 1935. ولكن وزير الخارجية الألماني أعلن في عام 1929 أن ألمانيا لن تُصدق على خطة يانغ التي تُلزم ألمانيا بدفع تعويضات الحرب إلا إذا وافق الحلفاء أولًا على الانسحاب من راينلاند بحلول عام 1930. اقترح الوفد البريطاني في مؤتمر لاهاي عن التعويضات الألمانية الذي عُقد في عام 1929 تخفيض التعويضات الألمانية وإخلاء راينلاند من الجنود البريطانيين والفرنسيين في الفترة المُتفق عليها. وبذلك غادر آخر جندي بريطاني في أواخر عام 1929 وآخر جندي فرنسي في يونيو 1930. كانت راينلاند تُعد ضمانًا للأمن الفرنسي طوال فترة احتلالها من قبل الحلفاء، فمن خلالها يمكن للفرنسيين أن يتصدوا لأيّ محاولة صريحة من ألمانيا لإعادة تسليح راينلاند عن طريق ضم راينلاند لفرنسا.[7] ولكن في اللحظة التي غادر فيها الجنود الفرنسيين لم تعد راينلاند تؤدي ذلك الدور، مما سنح الفرصة لإعادة التسليح الألماني. إذ كان قرار فرنسا بتشييد خط ماجينو عام 1929 بمثابة اعتراف ضمني من فرنسا أنّ إعادة التسليح الألماني لراينلاند على مستوى شامل ليست إلا مسألة وقت فقط، ومن المرجّح أنّها سوف تبدأ في الثلاثينيات وستُختتم عاجلًا أم آجلًا. فقد توصلت استخبارات المكتب الثاني لهيئة الأركان العامة إلى أنّ ألمانيا كانت تنتهك معاهدة فيرساي باستمرار على مدار فترة العشرينيّات بالاستعانة بالاتحاد السوفييتي، ومن المتوقع أن تستمر ألمانيا في انتهاكاتها بشكل صريح لا سيّما بعد خلو راينلاند من القوات الفرنسية. أدى خط ماجينو بدوره إلى تقليل أهمية منطقة راينلاند من وجهة نظر الأمن الفرنسي.[8]
السياسات الخارجيّة لدى القوى المعنية
تلخّصت السياسة الخارجية لإيطاليا الفاشية في الحفاظ على موقف محايد من جميع القوى حتى يكون لها «وزنٌ طاغٍ» في موازين القوى، بمعنى أنّ أيّ دولة تتحالف معها إيطاليا سوف تقلب موازين القوى في أوروبا بشكل حاسم، وأنّ الفائدة التي ستعود على إيطاليا هي تحقيق طموحاتها الاستعمارية في أوروبا وأفريقيا.[9]
وضع جوزيف ستالين سياسة الاتحاد السوفييتي الخارجيّة في خطابه في 25 يناير 1925، حيث قال: «إذا اشتعلت نيران حرب عالمية أخرى بين البلاد الرأسمالية، فسوف نحسم فوزنا بتلك الحرب إذا ما دخلنا بأوج قوتنا بعد استنزاف قوى الحرب المُشاركة».[10] وحتى يحقق الاتحاد السوفييتي هدف الانتصار العالمي للشيوعية فقد توّلى مساعدة جهود ألمانيا للتصدي لمعاهدة فيرساي عن طريق مساعدة الألمان في إتمام عملية إعادة التسليح السرية، وقد أدت تلك السياسة إلى توتر شديد بين الاتحاد السوفييتي وبين فرنسا. وبالإضافة إلى ذلك تدهورت العلاقات الفرنسية السوفييتية بسبب مشكلة الديون. فقد كانت فرنسا أكبر دولة مستثمرة في إمبراطورية روسيا قبل عام 1917، وكانت تدين لها روسيا بمعظم ديونها، ولذلك ألحق قرار لينين في عام 1918 بالتنصّل من جميع الديون ومصادرة جميع الممتلكات الخاصة، سواء كانت مملوكة للروسيين أو للأجانب، ضررًا جسيمًا بالأعمال التجارية الفرنسية والأحوال المالية. وظلت مشكلة تنصّل روسيا من الديون ورفضها تعويض أصحاب الأعمال الفرنسيين سببًا لتسميم العلاقات الفرنسية السوفييتية حتى مطلع الثلاثينيات.
تمحورت الدبلوماسية الفرنسية في فترة ما بين الحربين حول «الحاجز الوقائي» الذي نفّذته فرنسا في أوروبا الشرقية، وذلك بغرض منع كلٍ من ألمانيا والاتحاد السوفييتي من دخول أوروبا الشرقية. ولتحقيق ذلك الغرض وقعت فرنسا على اتفاقية تحالف مع بولندا في عام 1921، ومع تشيكوسلوفاكيا عام 1924، ومع رومانيا عام 1926، ويوغوسلافيا عام 1927. كانت فرنسا تهدف من ذلك إلى استبدال الإمبراطورية الروسية بدول منطقة «الحاجز الوقائي» مجتمعة كحليف لها في الشرق. صارت تلك الدول جزءًا من التأثير الفرنسي السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي.[11][12]
أما بالنسبة لألمانيا فقد اطمأنت دول شرق أوروبا طيلة تلك الفترة إلى أنّه إذا هاجمت ألمانيا على إحداها فسوف تردّ فرنسا بهجوم مضاد على ألمانيا الغربية. بينما اطمأنت صفوة ألمانيا العسكرية والدبلوماسية من قبل عام 1933 إلى أن وضع نزع الأسلحة من راينلاند لن يدوم طويلًا، ولذلك خططت ألمانيا إلى إعادة تسليح راينلاند في أقرب فرصة دبلوماسية مواتية. ففي ديسمبر 1918 عُقد اجتماع يضم لواءات الجيش الألماني (إذ كان الجيش الألماني بمثابة «دولة داخل دولة»)،[13] وتقرر فيه أنّ الهدف الرئيسي في تلك اللحظة هو إعادة بناء الجيش الألماني لشن حرب عالمية جديدة للفوز بمكانة «القوة العالمية» التي سعت إليها الرايخ الألمانية رغم فشلها في الفوز بآخر حرب لها. وعلى مدار العشرينيّات وحتى مطلع الثلاثينيّات كان الرايخسفير يخطط لتدمير فرنسا وحليفتها بولندا، واقتضت تلك الخطط بالضرورة إعادة تسليح راينلاند.[14] اتخذت الحكومة الألمانية عدّة خطوات من أجل الاستعداد لإعادة التسليح، مثل صيانة المعسكرات الحربية بصفة دورية، وإخفاء المعدات العسكرية في مخازن سرية، وتشييد الأبراج بحجّة مراقبة الحرائق وجباية الجمارك، ولكن الهدف الحقيقي منها هو تحويلها إلى أبراج مراقبة وسواري بنادق رشاشة على طول جبهة الحرب.[15]
في الفترة 1919-1932 اعتمدت خطة بريطانيا الدفاعية على «قاعدة العشر سنوات»، وهي تفترض عدم حدوث أي حرب كبرى جديدة لعشرة أعوام تالية، وقد أدّت تلك السياسة إلى تحلل الجيش البريطاني حتى العظام. إذ لم يرفض صُنّاع القرار في بريطانيا فكرة الالتزام بإرسال جيش كبير للقتال على أرض أوروبا القاريّة بشكل صريح، ولكنّهم لم يحبذوها. فقد دفعت ذكرى الخسائر الفادحة التي تكبدتها بريطانيا في الحرب العظمى الكثير من الناس إلى الاعتقاد بأن «التزام بريطانيا بالدفاع عن أوروبا القارية»[16] في عام 1914 كان خطئًا جسيمًا. ولذلك عزفت بريطانيا عن الالتزام بحماية أوروبا الشرقية على مدار فترة ما بين الحربين، واعتبرت تلك المنطقة غير مستقرة ومن الراجح أنها سوف تورّط بريطانيا في حروب غير مرغوب فيها. وفي أحسن الأحوال كانت بريطانيا مستعدة لتقديم العون الأمني لأوروبا الغربية بشكل محدود، ولكنها تجنّبت أن تلتزم بذلك على مستوى أوروبا القاريّة بقدر ما يمكن. وفي عام 1925 صرّح السير أوستن شامبرلين، وزير الخارجية البريطاني، أنّ اجتماع لوكارنو الذي عُقد في الممر البولندي «لا يستحق خسارة عظام رامي قنابل واحد». وبذلك أعلن شامبرلين أنّ بريطانيا لن تضمن الحفاظ على ترسيم الحدود الألمانية البولندية على أساس أحقيّة ألمانيا بالممر البولندي، وأنّ بريطانيا لا تأخذ التزامات معاهدة لوكارنو على محمل الجد. وبصفة عامة كانت تعتمد السياسة الخارجية البريطانية في الفترة 1920-1930 على الاسترضاء، وبفضل تلك السياسة أُعيد النظر في نظام السلام العالمي المفروض بواسطة معاهدة فيرساي لصالح ألمانيا، وذلك في الحدود التي قد تستميل رضا ألمانيا بهذا النظام العالمي الجديد، مما يضمن استمرار السلام العالمي.[17][18]
مواضيع ذات صلة
مراجع
- Remilitarization of the Rhineland 1936 - تصفح: نسخة محفوظة 15 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- معاهدة فرساي التي انهت الحرب العالمية الاولى - تصفح: نسخة محفوظة 26 يونيو 2017 على موقع واي باك مشين.
- Hitler reoccupies the Rhineland - Mar 07, 1936 - HISTORY.com - تصفح: نسخة محفوظة 24 مارس 2018 على موقع واي باك مشين.
- Martin Gilbert and Richard Gott, The Appeasers (Phoenix Press, 2000), p. 41.
- Kallis, pp. 112–113.
- Emmerson, pp. 22–23
- Weinberg (1970), p. 239.
- Duroselle, pp. 116–117
- Kallis, pp. 129 & 141.
- Ueberschär, Gerd & Müller, Rolf-Dieter Hitler's War in the East, 1941–1945: A Critical Assessment, Oxford: Berghahn Books, 2002 page 14
- Young, (1996), pp. 17–18.
- Duroselle, pp. 172–182.
- Kallis, pp. 78–79 & 82–83.
- Müller, Klaus Jürgen The Army, Politics and Society in Germany, 1933–1945, Manchester: Manchester University Press, 1987page 48.
- Kallis, p. 79.
- Bond, p. 198.
- (بالإنجليزية) Andrew Rothstein (1980). The Soldiers’ Strikes of 1919. Basingstoke: Macmillan Publishing. صفحة 35. . مؤرشف من الأصل في 12 فبراير 2020.
- السير آرثر هاريس، البارونيت الأول used the same phrase in 1945 and the historian Frederick Taylor on p. 432 in Dresden: Tuesday, February 13, 1945 mentions that it was a deliberate echo of a famous sentence used by أوتو فون بسمارك: "The whole of the Balkans is not worth the bones of a single Pomeranian grenadier."