الأبجر (توفى حوالي 744م) اسمه عبيد الله بن القاسم، مكي منشؤه المدينة، والابجر لقب غلب عليه، وهو من المغنين في عهد الدولة الأموية.
عنه
كان محسناً للغناء ذا صوت عريض بعيد لمذهب، حتى كان يسمع صوته من أقصى المدينة، وكان ظريفاً حسن الهيئة، وله من الأصوات المختارة. لحن من ايقاع الثقيل الأول في شعر الحارث ابن خالد المخزومي:
إن أمراً تعتاده ذكر.. فيها ثلاث منى لذو صبر
عاش الابجر حتى آخر خلافة الوليد بن يزيد 744 وقيل أنه رحل إلى مصر وتوفى فيها.
وجاء في الأغاني للأصفهاني: الأبجر لقب غلب علبه، واسمه عبيد الله بن القاسم بن ضبية، ويكنى أبا طالب، هكذا روى محمد بن عبد الله بن مالك عن إسحاق، وروى هارون بن الزيات عن حماد عن أبيه: ان اسمه محمد بن القاسم بن ضبية، وهو مولى لكنانة ثم لبني بكر، ويقال: إنه مولى لبني ليث.
كان ولاؤه لبني كنانة وقيل لبني ليث وكان يلقب الحسحاس. وقال هارون: حدثني حماد عن أبيه قال: الأبجر اسمه محمد بن القاسم بن ضبية وقال مرة أخرى: عبيد الله بن القاسم، مولى لبني بكر بن كنانة، وقيل: إنه مولى لبني ليث، يلقب بالحسحساس.
ظرفه وحسن لباسه وفرسه ومركبه
قال هارون: وحدثني حماد عن أبيه قال حدثني عورك اللهبي قال: لم يكن بمكة أحد أظرف ولاأسرى ولأحسن هيئة من الأبجر، كانت حلته بمائة دينار وفرسه بمائة دينار ومركبه بمائة دينار، وكان يقف بين المأزمين فيرفع صوته فيقف الناس له يركب بعضهم بعضاً.
احتكم على الوليد بن يزيد في الغناء فأمضى حكمه. أخبرني علي بن عبد العزيز الكاتب عن ” عبيد الله بن” عبد الله بن خرداذبة عن إسحاق، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قالا: جلس الأبجر في ليلة اليوم السابع من أيام الحج على قريب من التنعيم فإذا عسكر جرار قد أقبل في آخر الليل، وفيه دواب تجنب وفيها فرس أدهم عليه سرج حليته ذهب فاندفع، فغنى:
عرفت ديار الحي خالية قفرا كأن بها لما توهمتها سطرا
فلما سمعه من في القباب والمحامل أمسكوا، وصاح صائح: ويحك! أعد الصوت، فقال: لا والله! إلا بالفرس الأدهم بسرجه ولجامه وأربعمائة دينا، فإذا الوليد بن يزيد صاحب الإبل، فنودي: أين منزلك ومن أنت؟ فقال: أنا الأبجر ومنزلي على باب زقاق الخرازين، فغدا عليه رسول الوليد بذلك الفرس وأربعمائة دينار وتخت من ثياب وشى وغير ذلك، ثم أتى به الوليد فأقام عنده، وراح مع أسحابه عشية التروية وهو أحسنهم هيئة، وخرج معه أو بعده إلى الشأم.
خرج معه إلى الشأم: قال إسحاق: وحدثني عورك اللهبي أن خروجه كان معه، وذلك في ولاية محمد بن هشام بن إسماعيل مكة، وفي تلك السنة حج الوليد، لأن هشاماً أمره بذلك ليهتكه عند أهل الحرم، فيجد السبيل إلى خلعه، فظهر منه أكثر مما أراد به من التشاغل بالمغنين واللهو، وأقبل الأبجر معه حتى قتل الوليد، ثم خرج إلى مصر فمات بها.
عرفت ديار الحي خالية قـفـرا كأن بها لما توهمتهـا سـطـرا وقفت بها كيمما ترد جـوابـهـا فما بينت لي الدار عن أهلها خبرا
الغناء لأبي عباد ثقيل أول بالبنصر عن عمرو، وفيه لسياط خفيف رمل بالبنصر.
أخذ صوتاً من الغريض فأكره عطاء بن أبي رباح على سماعه: قال إسحاق: وحدثت أن الأبجر أخذ صوتاً من الغريض ليلاً ثم دخل في الطواف حين أصبح، فرأى عطاء بن أبي رباح يطوف بالبيت، فقال: يا أبا محمد، اسمع صوتاً أخذته في هذه الليلة من الغريض؛ قال له: ويحك! أفي هذا الموضع! فقال: كفرت برب هذا البيت لئن لم تسمعه نمي سراً لأجهرن به؛ فقال: هاته، فغناه: عوجي علينا ربة الـهـودج إنك إلا تفعلي تـحـرجـي إني أتيحـت لـي يمـانـية إحدى بني الحارث من مذحج نلبث حولاً كـامـلاً كـلـه لانلتقي إلا على مـنـهـج في الحج إن حجت وماذا منى وأهله إن هي لم تـحـجـج
فقال له عطاء: الخير الكثير والله فيمنى وأهله حجت أولم تحج، فاذهب الآن. وقد مرت نسبة هذا الصوت وخبره في أخبار العرجي والغريض.
نازع ابن عائشة في الغناء فتشاتما. قال هارون بن محمد حدثني حماد بن إسحاق قال نسخت من كتاب ابن أبي نجيح بخطه: حدثني غوير بن طلحة الأرقمي عن يحيى بن عمران عن عمر بن حفص بن أبي كلاب قال: كان الأبجر مولانا وكان مكيا، فكان إذا قدم المدينة نزل علينا، فقال لنا يوماً: أسمعوني غناء ابن عائشتيكم هذا، فأرسلنا فيها فجمعنا بينهما في بيت ابن هابر فتغنى ابن عائشة، فقال الأبجر: كل مملوك لي حر إن تغنيت معك إلا بنصف صوتي، ثم أدخل إصبهع في شدقه فتغنى، فسمع صوته من في السوق فحشر الناس علينا، فلم بفترقا حتى تشاتما؛ قال: وكان ابن عائشة حيدا جاهلاً.
غنى الوليد وقد عرف سره من خادمه فنشط له. أخبرني الحسن بن علي قالحدثنا ابن مهروية قال وحدثني ابن أبي سعد قال حدثني القطراني المغني عن محمد بن جبر عن إبراهيم بن المهدي قال حدثني ابن الأشعب عن أبيه قال: دعي ذات يوم المغنون للوليد بن يزيد، وكنت نازلاً معهم، فقلت للرسول: خذني فيهم؛ قال: لم أومر بذلك وإنما أمرت بلإحضار المغنين وأنت بطال لاتدخل في جملتهم؛ فقلت: أنا والله أحسن غناء منهم، ثم اندفعت فغنيته؛ فقال: لقد سمعت حسناً ولكني أخاف؛ فقلت لاخوف عليك، ولك مع هذا شرط، قال: وماهو؟ قلت: كل ماأصبته فلك شطره؛ فقال للجماعة: اشهدوا عليه، فشهدوا، ومضينا فدخلنا على الوليد وهو لقس النفس، فغناه المغنون في كل فن من خفيف وثقيل، فلم يتحرك ولانشط، فقام البجر إلى الخلاء، وكان خبيثاً داهياً، فسأل الخادم عن خبره، وبأي سبب هو خاثر؟ فقال: بينه وبين امرأه شر، لأنه عشق أختها فغضبت عليه فهو إلى أختها أميل، وقد عزم على طلاقها وحلف لها ألا يذكرها أبداً بمراسلة ولامخاطبة، وخرج على هذا الحال من عندها؛ فعاد الأبجر إلينا وماحلس حتى اندفع فغنى:
فبيني فإني لاأبـالـي وأيقـنـي أصعد باقي حبكم أم تـصـوبـا ألم تعلمي أني عزوف عن الهوى إذا صاحبي من غير شيء تغضبا
فطرب الوليد وارتاح قال: أصبت ياعبيد والله مافي نفسي، وأمر له بعشرة آلاف درهم وشرب حتى سكر، ولم يحظ بشيء أحد سوى الأبجر، فلما أيقتنت بانقضاء المجلس وثبت فقلت: إن رأيت ياأمير المؤمنين أن تأمر من يضربني مائة الساعة بحضرتك? فضحك وقال: قبحك الل?ه وما السبب في ذلك؟ فأخبرته بقصتي مع الرسول وقلت: إنه بدأني من المكروه في أول يومه بما اتصل علي إلى آخره، فأريد أن أضرب مائة ويضرب بعدي مثلها، فقال له: لقد لطفت، أعطوهو مائة دينار وأعطوا الرسول خمسين ديناراً من مالنا عوضاً عن الخمسين التي أراد أن يأخذها؛ فقبضتها وماحظي أحد بشيء غيري وغير الرسول. والشعر الذي غنى فيه الأبجر الولدي بن يزيد لعبد الرحمن بن الحكم أخي مروان بن الحكم، والغناء للأبجر ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لغيره عدة ألحان نسبت.