اهتم الإيرانيون باللغة العربية على صعيد آدابها وقواعدها وبلاغتها ونقدها، وظهر كبار الأدباء واللغويون والنحويون والنقاد وكتّاب المعاجم بين الإيرانيين، وكان للاصفهانيين دور بارز في هذا المجال، ولقب الاصفهاني يحمله كثير من الأدباء والشعراء والنقاد وشرّاح الدواوين، ولذلك كانت اصفهان حاضرة من حواضر الثقافة في العالم الإسلامي. لاقت اللغة العربية وآدابها اهتماماً عظيماً في إيران منذ العصور الأولى للإسلام وخاصة بعد أن أصبحت لغة الدين والعلم والدولة. فكانت تدرّس في مختلف المستويات ويهتم بها عامة الناس وخاصتهم، ولاسيما طلاب العلوم الدينية الذين أقبلوا إقبالاً منقطع النظير على تعلّم هذه اللغة وكشف أسرارها وفهم دقائقها ومعانيها، مما جعلهم يتسنمون ذروة المناصب الحكومية التي كانت قائمة أساساً على التثقف الواسع والعميق للغة القرآن الكريم.
مكانة اصفهان
وكانت لدراسة الأدب العربي في إيران مراكز هامة ومدارس علمية غاية في الشهرة كتلك التي كانت قائمة في نيسابور والري واصفهان. وتعد اصفهان – منذ أقدم عصورها وحتى يومنا هذا – حاضرة من حواضر العلم والثقافة ومهداً للغة العربية وآدابها لتقديمها الكثير الكثير من أساطين العلم وأعلام الأدب المبرّزين. فاصفهان كما قال المفضل بن سعد المافروخي الاصفهاني (من علماء القرن الخامس للهجرة) مميّزة حقّاً بمعاليها ومناقب أهلها عمّن سواها من بلدان العالم .
قبل دخول الإسلام
قديماً كانت اصفهان مركزاً علمياً هاماً حرص ملوك فارس على إيداع علومهم ومعارفهم فيها للمزايا الفريدة والخصوصيات الممتازة التي كانت تتمتع بها هذه المدينة. وفي هذا الشأن يقول ابن النديم نقلاً عن أبي معشر في كتابه اختلاف الزيجات: «إنّ ملوك فارس بلغ من عنايتهم بصيانة العلوم، وحرصهم على بقائها على وجه الدهر، وإشفاقهم عليها من أحداث الجو وآفات الأرض، أن اختاروا لها من المكاتب أصبرها على الأحداث، وأبقاها على الدهر، وأبعدها من التعفن والدروس… فلما حصلوا لمستودع علومهم أجود ما وجدوه في العالم من المكاتب، طلبوا لها من بقاع الأرض وبلدان الأقاليم، أصحّها تربة وأقلّها عفونة وأبعدها من الزلازل والخسوف وأعلكها طيناً وأبقاها على الدهر بناءً، فانتفضوا بلاد المملكة وبقاعها، فلم يجدوا تحت أديم السماء بلداً أجمع لهذه الأوصاف من اصفهان»
بعد الإسلام
وبعد دخول الإسلام إلى إيران كانت اصفهان إحدى المدن التوّاقة لاحتضان لغة الدين الحنيف. فاجتذبت كل ماهو مرتبط بهذه اللغة من علوم ومعارف، وشاركت مشاركة فعّآلة في تنمية هذه العلوم ونشرها بشكل واسع، مخلّفة من ورائها أعمق الأثر في ارتقاء هذه اللغة وازدهارها من خلال الثروة العلمية الهائلة التي قدّمتها للمكتبة الإسلامية.
الشعر
كان الشعر في اصفهان مميزاً وفريداً بالنسبة إلى سائر البلدان الإسلامية. وفي هذا الخصوص يؤكد الثعالبي قائلاً: «لم تزل اصبهان مخصوصة من بين البلدان بإخراج فضلاء الأدباء، وفحولة الكتاب والشعراء، فلما أخرجت الصاحب أبا القاسم وكثيراً من أصحابه وصنائعه، وصارت مركز عزّه، ومجمع ندمائه، ومطرح زوّاره، استحقت أن تدعى مثابة الفضل، وموسم الأدب، وإذا تصفّحت كتاب اصبهان لأبي عبد الله حمزة بن الحسين الإصبهاني وانتهيت إلى ما ورد فيه من ذكر شعرائها… حكمت لها بوفور الحظ من أعيان الفضل، وأفراد الدهر».
ومن شعراء العربية
- رُسْتَه بن أبي الأبيض الاصبهاني، الشاعر الضرير المتوفى سنة 175هـ.
- أحمد بن عَلَوية الكاتب الاصبهاني (ت 320هـ).
- محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم طباطبا (ت 322هـ).
- أبو القاسم غانم بن أبي العلاء الاصبهاني
- أبو إسماعيل مؤيد الدين الحسين بن علي الاصبهاني الطغرائي (ت515هـ).
أورد الباخززي قائمة مطوّلة بأسماء النابهين منهم،أمثال: محمد بن الحسن بن مرزوق الاصفهاني،وطاهر بن محمد الاصفهاني، وابن البديع الاصفهاني، والأستاذ الرئيس أبو نصر الاصفهاني، وأبو طاهر زيد بن عبدالوهاب الاصفهاني وعشرات آخرين.
النثر
شملت فنون الانشاء والترسل والكتابة الديوانية، حيث أبدع أدباء اصفهان في هذا الفن ابداع جميل، ونبغ منهم مَن توصّل بنثره الفني المميّز إلى أرقى المناصب الحكومية.
من أبرز من برزوا في الكتابة الفنية
- حمد بن مهران الكاتب , قال عنه ابن النديم: «إنّه من اصفهان، وكان يكتب للبرامكة مدّة حياتهم، وله كتاب رسائل». ونحن نعلم أنّ البرامكة وهم وزارء العباسيين كانوا من أهم العوامل المؤثّرة في تجديد النثر العربي وإدخال العبارات المحبوكة المسجوعة في الكتابة الديوانية. ولاشك أنّ كُتّاباً نابغين كابن مهران نهضوا بالنثر العربي وأغنوه رونقاً وطلاوةً.
- الصاحب بن عباد , كان من أشهر كتّاب عصره وقد ترك أثراً عميقاً في النثر الفني من خلال كتبه ورسائله وتوقيعاته وأمثاله وحكمه السائرة وعباراته المسجعة ذات المعاني والأخيلة الرهيفة. ومن أقواله المعروفة: «حِفْظُ اللسانِ راحةُ الإنسانِ، فاحْفَظْهُ حِفْظَ الشُكْرِ للإحسانِ، فآفة الإنسانِ في اللسان» .
- أبو عبدالله محمد بن محمد الكاتب الاصبهاني. قال ابن خلكان في ترجمته: له من الشعر والرسائل ما يغني عن الإطالة في شرحه، وكان قد نشأ باصبهان. وصنّف التصانيف النافعة من ذلك كتاب خريدة القصر وجريدة العصر(24) . والعماد الاصبهاني صاحب المقولة الشهيرة: «إنّي رأيت أنّه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلاّ قال في غده لو غُيّر هذا لكان أحسن، ولو زيد لكان يُستحسن ، ولو قُدّم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر» .
النحو
ساهم علماء اصفهان في تصنيف كتب النحو مساهمة كبيرة. فمعجم ياقوت الحموي يعج بأسماء عشرات الكتب النحوية التي ألّفها نحاة اصفهان. من مثل: كتاب «شرح اللمع»، وكتاب «الجوهر»، وكتاب «المجمل» وكلها من تأليف علي بن الحسين الباقولي الاصفهاني .
أبرز النحاة
- أبو مُضَر محمد بن جرير الضبّي الاصبهاني, الذي ذكره ياقوت الحموي قائلاً: «أبو مضر النحوي، كان يلقّب فريدَ عصره، وكان وحيدَ دهره وأوانه في علم اللغة والنحو والطب، يضرب به المَثَلُ في أنواع الفضائل… تخرج عليه جماعة من الأكابر في اللغة والنحو، منهم الزمخشري .
- أبو بكر عُبيد الله الخياط الاصبهاني, الذي ترجم له ياقوت الحموي في معجمه نقلا عن حمزة الاصفهاني قوله: «هو واحد زمانه في علم النحو ورواية الشعر، أتقن كتاب سيبويه صغيراً، ثم كتاب مسائل الأخفش، ثم كتاب حدود الفرّاء، وهو في الأخبار والأيام وسائر الآداب متقدّمٌ على كل من تفرّد بفن منها، وله كتابان في النحو أحدهما بسيط والآخر لطيف لم يُصنّف مثلُهما في الزمان»
عدد من المؤلفات في مجالات أخرى
اللغة
- كتاب «المحيط في اللغة» في سبع مجلدات للصاحب بن عبّاد .
- كتاب «تهذيب الطبع» لأبي محمد القاسم بن محمد الديرتي الاصبهاني».
- كتاب «النوادر» وهو كتاب لغوي كبير من تأليف لُغْدَة الاصبهاني.
التراجم والسير الأدبية
- كتاب في طبقات البُلغاء لأحمد بن محمد بن يوسف الاصبهاني .
- كتاب في طبقات الخطباء لأحمد بن محمد بن يوسف الاصبهاني .
- كتاب قلائد الشرف في مفاخر اصبهان وأخبارها لعلي بن حمزة الاصبهاني .
المصادر والمراجع
- ابن الأثير، نصر الله بن محمد: المثل السائر، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية ، بيروت، 1995م.
- ابن خلكان، أحمد بن محمد: وفيات الأعيان وأنباء الزمان، تحقيق الدكتر احسان عباس، دار الثقافة ، بيروت، 1968م.
- ابن شهرآشوب، محمد بن علي: معالم العلماء، المطبعة الحيدرية، النجف،1961م.
- أصفهان معقل الأدب العربي في إيران ونظام الدين الأصفهاني لمصطفى جواد
- مجلة المجمع العلمي العراقي , المجلد العاشر 1382هـ ـ1962م .
اقرأ أيضا
- شعراء أصفهان المنسيون/مجلة العربي [1]