في العشرينيات وما قبلها كان أساس طعام أهل جبل عامل قائما على البرغل والقمح والشعير ولم يدخل الأرز
الديار العاملية في تلك الأوان إلا لأمر هام أو لحادث غير عادي.
الأرز والدواء
كان شراء كمية منه لا تتجاوز المئة غرام دليل وجود مريض عند الشاري، إذ كان يستعمل عند الفقراء كدواء وليس كغذاء، نظرا لطراوته على المعدة مقارنة بالبرغل والشعير والحنطة ومشتقاتها. وكان إذا سئل شاري الأرز عن سبب ذلك أجاب:" عندي مريض، الله لا يدخل الأرز
على دياركم".
والعبارة الأخيرة كانت تستعمل من قبل الناس للدعاء.
الأرز والوجاهة
بعد ذلك أخذ الناس يتوسعون في استعمال الأرز، فكانت بيوتات الوجاهة في القرى إذا أقامت وليمة تضع فوق صحاف البرغل طبقة من الأرز أمام كبار المدعوين بينما يحرم العاديون من المدعوين من هذا الامتياز.
الأرز في ولائم الزعماء
ونظرا لما للأرز من مكانة عند فقراء الحال، كانت ولائم الزعماء السياسيين تكتظّ بها. فكان اللحم والأرز في تلك الولائم من أهم الأسباب عند الغالبية لتلبية دعواتهم لإقامة فرح أو عزاء أو استقبال.
وكان القلة من المدعوين يجلسون إلى المائدة على الكراسي، أمّا الآخرون فكان يوتى لهم بالقدور وهي ملآى بالأرز واللحم ويقلب القدر على حصير لتفريغ المحتوى، فيتحلّق الناس حولها وتشمّر الأكمام وتمتد الايدي حتى يتمكن كل فرد من تناول الكمية الأكبر من هذا الصنف النادر.
الأرز اليوم
أما اليوم فأصبح الأرز بضاعة مبثوثة مبذولة، لا تنافس فيها ولا عليها، كثيرة الاستعمال بشكل شبه يومي، فما من منزل في جبل عامل إلا ويستعمل الأرز باستمرار. حتى أن المثل (الدعاء) القديم "الله لا يدخل الرز على دياركم" لم يعد يستعمل منذ أكثر من عشرين عاما وربما أزيد.
المراجع
الأمثال العامية في جبل عامل - السيد جعفر الامين - صفحات 60-61 (بتصرف)