الرئيسيةعريقبحث

الإعجاز البياني


إن إعجاز القرآن الكريم في عصر الرسالة، كان يتمثل في فصاحة ألفاظة، وبلاغة معانيه، وروعة نظمه، وبداعة أسلوبه الخاص، فَعَرَبُ عصر الرسالة وبُلغائهم وحذّاقُهكم في الخطابة والشعر، لمسوا أن القران الكريم في ظل عذوبته ألفاظه وسحر معانيه وجمال تأليفه ونظمه، وبداعة سبكه، لا يُشبه الشعر ولا النثر، وأنه كتاب جاء في قالب، لم يسبق له نظير فله جاذبية خاصة، ووجدوا منه ما يغمر القوة، ويخاذل النفس، مصادة لا حيلة ولاخدعة، مع انه مؤلف من نفس الحروف اّلتي هي المادة الأولى لكلماتهم وكلمهم .

معنى الإعجاز البياني :

الإعجاز هو من العجز أي الضعف والقصور، والبيان هو الإفصاح عن المعنى من غير التوسع في الكلام بعبارة واضحة، فالإعجاز البياني هو الدقة في اختيار كلمات القرآن الكريم، وترتبيها بصور بديعة، حيث تظهر الفصاحة والبلاغة والبيان بصورة يفهمها القارئ ويسهب في تدبرها.

أمثلة على الإعجاز البياني في القرآن الكريم :

كلمة الزوجة وكلمة المرأة جاءت في مواضع مختلفة، وأمثلة على ذلك (امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ)، والآية (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً )، والآية (اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ ).

تستعمل كلمة الزوجة لوجود علاقة المودة والرحمة والتكاثر كما في كلمة أزواجاً، ولم تأتِ كلمة زوجة نوح وزوجة لوط لانقطاع المودة بين الزوجين، فكلا المرأتين خائنة للعلاقة الزوجية القائمة على المودة وكذلك خائنة للعقيدة، وفي الآية الأولى لم تقل الآية زوجة العزيز لأنها مرأة خائنة للشرف، فوضع الكلمات في هذا النهج هو توظيف صحيح يخدم المعنى.

مثال آخر ( وكانت امرأتي عاقراً)، و( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَه)، دعا زكريا ربه بأن يرزقه الذرية، ولقد استخدمت في الآية كلمة المرأة بالرغم من أن زوجته صالحة؛ وذلك لأن المرأة ترتبط بالتكاثر أي إنجاب الأولاد، فلما كانت امرأته عاقراً استخدمت كلمة المرأة بدلاً من كلمة الزوجة، وفي الآية الثانية عندما أنجبت ذكرت كلمة الزوجة وهذا فرق واضح ما بين كلمتي المرأة والزوجة.

كلمة السنة والعام، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ).

السنة والعام هما مصطلح زمني يقيس الأيام باثني عشر شهراً، ولكن في هذه الآية استخدمت السنة والعام معاً، وهذه إشارة إلى أنّ نوحاً عليه السلام تعرض للمعاناة والشدة في دعوة قومه ألف سنة، واستثنت الآية مدة خمسين عاماً إشارة إلى أن نوحاً عليه السلام لم يعانِ فيها، فكلمة سنة تختص بالتعب والشقاء والمعاناة، وكلمة عام تستعمل في وصف الراحة والرخاء.

كلمة إملاق، في قوله تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ )، وقوله تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ).

كلمة إملاق تعني الفقر، وفي الآية الأولى سبقت كلمة إملاق حرف مِن، فالإعجاز في ذلك هو أمر الله تعالى ومخاطبتهم بعدم قتل الأولاد نتيجة فقرهم، فالله هو الرازق، ولذلك اتصل ضمير المخاطب الكاف بكلمة الرزق، وفي الآية الأخرى سبقتها كلمة خشية، فالنهي عن القتل جاء نتيجة خوفهم من الفقر الذي يتوقعونه عند ولادة الأطفال، فالمولود يأتي ورزقه معه من الله تعالى، لذلك اتصل ضمير الغائب الهاء بكلمة الرزق. ضرب المثل بوصف الشيء المستحيل، ففي قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ)، وهو تشبيه استحالة دخول المجرم الكافر إلى الجنة بدخول الجمل من ثقب الإبرة.


موسوعات ذات صلة :