هو اُسلوب بلاغيّ مستعمل في اللغة العربيّة. ويعني نقل الكلام من وِجهة إلى أُخرى. من ضمير المتكلم إلى المخاطب أو العكس، ومن المخاطب إلى الغائب، وهكذا. والالتفات في اصطلاح البلاغيين هو التحويل في التعبير الكلامي من اتجاه إلى اخر[1].
واللفت لغةَ يعني الصرف، لفت وجهه عن فلان: أي صرفه عنه، والتفت إليه: صرف وجهه إليه[2].
من أسمائه
للالتفات عدة أسماء، فاختلفت تسمية الالتفات باختلاف النحاة القدامى الذين تطرقوا لهذا الإسلوب. التسميّة المتعارف عليها اليوم هي "الالتفات" ويرجع أصل تسمية المصطلح البلاغي بالالتفات إلى الأصمعيّ[3].
الترك والتحويل
ترجع هذه التسمية إلى النحويّ أبي عبيدة معمر بن المثنى(ت 209 ه)، والذي يعدّ من أوائل النحويين الذين تحدثوا عن الالتفات في ثنايا كتابه "مجاز القرآن"[4].
الانتقال
رجع هذه التسميّة إلى أبي زكريا الفراء (ت 207 ه).
محاسن الكلام
ترجع هذه التسميّة إلى ابن المعتز(ت 296 ه) في كتابه "البديع"، حيث أدرج الالتفات تحت هذا الاسم واعتبره من أوّل محاسن الكلام[5].
أقسام الالتفات
الالتفات من التكلم إلى الخطاب
ومن شواهده قوله تعالى: "وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه تُرجعون"[6] ومقتضى الظاهر أن يقول: (وإليه أرجع)[7].
الالتفات من التكلم إلى الغيبة
قال تعالى:"إنّا أعطيناك الكوثر، فصلِّ لربِك وانحرْ"[8]. ولم يقل "صلِّ لنا".
الالتفات من الخطاب إلى التكلم
ومن شواهده، قول الشاعر علقمة بن عبدة :
" طحا بك قلب في الحسان طروب بعيد الشباب عصر حان مشيب
يكلفني ليلى وقد شطّ وليها وعادت عواد بيننا وخطوب ".
ففي البيت الأول يتحدث باسلوب الخطاب (طحا بك)، وفي البيت الثاني يتحدث باسلوب المتكلم (يكلفني ليلى).
الالتفات من الخطاب إلى الغيبة
ومن شواهده قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي یُسَیِّرُكم فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَیْنَ بِهِمْ بِرِیحٍ طَیِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِیحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِیطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ لَئِنْ أَنْجَیْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِینَ"[9]. فحتى قوله "في الفلك" كان الخطاب، وعندما قال "وجرين بهم" انتقل إلى الغيبة[10].
الالتفات من الغيبة إلى التكلم
ومن قوله: "وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّیَاحَ فَتُثِیرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَیِّتٍ فَأَحْیَیْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ"[11]. عند الكلمة "فسقناه" انتقل من الغيبة إلى ضمير المتكلم (نحن)[12].
الالتفات من الغيبة إلى الخطاب
ومن قوله: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ مَالِكِ یَوْمِ الدِّینِ إِیَّاكَ نَعْبُدُ وٕاِیَّاكَ نَسْتَعِینُ"[13]. حيث انتقل إلى اسلوب الخطاب بقوله (إيّاك).
أهداف الالتفات
للالتفات فوائد عامة، وهي التفنن و الانتقال من أسلوب إلى آخر لما في ذلك من تنشیط السامع،و استجلاب بصفائه، و اتساع مجاري الكلام، و لفت انتباهه[14].
المراجع
- الميداني، البلاغة العربية أسسها وعلومها فنونها، دار القلم، دمشق، 1996، ط1، ج1، ص: 479.
- ابن منظور، لسان العرب، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، مادة(ل، ف، ت)
- شوقي ضيف، البلاغة تطور وتاريخ، دار المعارف، القاهرة، ط9، 1965، ص 30.
- نفس المصدر، ص 29.
- ابن المعتز، كتاب البديع، دار المسيرة، بيروت، ط1982، 3، ص:58.
- سورة يس، آية 22
- القزويني، الايضاح في علوم البلاغة المعاني والبيان والبديع، دار الكتب العلميّة، بيروت، ص 75.
- سورة الكوثر، آية 1/2.
- سورة يونس، آية 22
- الميداني، البلاغة العربية أسسها وعلومها فنونها، دار القلم، دمشق، 1996، ط1، ج1، ص:488.
- سورة فاطر، الآية 9
- الميداني، ص 493.
- سورة الفاتحة، آية 2-5.
- الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج 3،ص: 325/326.