التأريخ الشعري في جبل عامل في جبل عامل تقليد موغل في القدم، كاد أن يصبح تراثا وميزة منتشرة في كل أرجائه، وتتلخّص في تأريخ ميلاد طفل أو رحيل شاب أو حبيب أو زعيم أو شاعر أو عالم أو وقوع ظاهرة طبيعية أو بناء قلعة أو مسجد أو جامع، وذلك بالاعتماد على حساب الحروف الهجائية منظومة شعرا[1].
وقد تكون هذه الأبيات مكتوبة تحت صورة لمولود أو فقيد، أو منقوشة على رخامة في شواهد القبور أو محفورة على الصخر في مدخل قلعة أو حصن أو جامع أو مسجد.
كما تزدان بعض دور الوجهاء والزعماء بتلك النقوش التي تؤرخ عام بنائها وسكناها.
طريقة حساب الحروف الهجائية
وهي نفس الطريقة المتبعة في (حساب الجمل) فلكل حرف من الأحرف الهجائية ما يقابله من الأرقام على النحو التالي[2]:
جدول حساب الجمّل ا 1 ح 8 س 60 ت 400 ب 2 ط 9 ع 70 ث 500 ج 3 ي 10 ف 80 خ 600 د 4 ك 20 ص 90 ذ 700 ه 5 ل 30 ق 100 ض 800 و 6 م 40 ر 200 ظ 900 ز 7 ن 50 ش 300 غ 1000
ويحسب الحدث المراد تسجيله من بعد كلمة (تأريخ) أو (أرّخ) أو أي من مشتقات هذا الفعل، فتُجمع الأرقام الموازية للحروف ليكون المجموع هو سنة (أو عام) وقوع الحدث المراد إثباته
وهذا النوع من النظم يدخل في الصناعة الشعرية رغم صعوبته ويعبّر عن المقدرة والتحكّم في الأداء الشعري للناظم.
وقد عَرَف العربُ هذا النوع من التأريخ منذ العصر الجاهلي، لكنه لم ينتشر على نطاق واسع ويصبح بدعة العصر إلا في العصر العثماني، وبعد الاستقلال تقلص استعماله واقتصر على الآحاد.
قواعد التأريخ الشعري
أولا- تحسب الحروف حسب صورتها دون مراعاة للفظها في الغالب حسبما هو موضح أدناه[3]:
- تاء التأنيث منقوطة أم غير منقوطة تحسب هاءً مثل فتاة، مرآة.. إلخ.
- الألف المقصورة في مثل قولنا سلمى وغيرها تحسب ياء لا ألفاً.
- الحرف المشدّد، أو الممدود لا ينظر فيه ولا يعتد به ويعامل كحرف واحد.
- همزة الوصل تحسب ألفا على الرغم من سقوطها لفظاً.
- الهمزة في جزء وجزاء وما شابهها لا تحسب أصلاً.
- الواو في أولئك لا تحسب.
- الواو في الصلوة تحسب واواً.
- الواو في عَمرو تحسب واواً.
ثانيا- ثم يبدأ عدّ الأحرف بعد كلمة أرَّخ مباشرة حسب القواعد التالية :
- الألف والواو المتصلتان بفعل « أرِّخو » وما شابهها تحسب.
- الضمائر المتَّصلة بالكلمة، (كلمة أرَّخ) لا تُحسب ويبدأ العدُّ بعدها مباشرةً، وذلك في مثل قولهم أرِّخْهُ أن يؤرّخه، يؤرخهما، مؤرخين، أرخنا.. إلخ.
- يحسب الضمير فقط إذا انفصل عن الكلمة مثل قولهم أرِّخنا به، وأرِّخ له، فكلمة به أو له تحسب.
- يجب أن يكون الكلام المقصود بالحساب في بيت واحد أو شطر بيت، ولا يجوز أن يكون في أكثر من بيت واحد بحالٍ من الأحوال.
تأريخ الوفيات في جبل عامل
وفاة النائب السابق علي بزّي
أرّخ السيد محمد نجيب فضل الله تأريخ وفاة النائب السابق علي بزّي فقال[4]
كانت حياتك يا عليّ ثورة | تحيا الشعوب بها إبا وتحرّرا | |
وبمجدك البزيّ يفخر مظهرا | عزّا وتأريخا (بأنور مظهر) | |
(259 زائد 1146 يساوي 1405 هجرية) |
وفاة موسى الزين شرارة
أرّخ السيد محمد نجيب فضل الله عام وفاة الشاعر العاملي موسى الزين شرارة فقال[4]:
كم ألقى في وجه الطغاة قصائدا | كعصاة موسى والطغاة كثير | |
ولسوف تبقى خالدا وطنية | ودعاتها تاريخهنّ غرور | |
(عام 1406 هجرية) |
وفاة العلامة حسن الأمين
وهذا التأريخ صاغه الشاعر العاملي عباس فتوني فقال[5]:
شقراء كالخنساء ترثي من سخا | بيراعه وغد لوالده أخا | |
ومباسم التاريخ تنعى نفسها | أرّخ قضى حسن الأمين مؤرخا | |
(عام 2002 ميلادي) |
وفاة أبو حمد محمود النصار
أرّخ الشاعر والعالم إبراهيم بن يحيى الطيباوي (أو الطيبي) عام وفاة أبو حمد فقال[6]:
يا ليت شعري أينجاب الدجى وأرى | من المسرّة شمسا ذات أنوارِ | |
أو يسفر الدهر عن يوم نصادف في | تأريخه ثأر محمود بن نصار | |
(عام 1193 هجرية) |
وفاة ناصيف النصار
وفي وفاة ناصيف النصار في وقعة يارون يقول الشيخ إبراهيم بن يحيى الطيبى[7]:
قتل ابن نصار فيا لله من | مولى شهيد بالدماء مضرّجِ | |
وتداولتنا بعده أيدي العدى | من فاجر أو غادر أو أهوج ِ | |
هي دولة عمّ البلاد الظلم في | تاريخها والله خير مفرّج ِ |
وعام الوفاة الصحيح هو (1195 هجرية) أما تأريخ الشيخ إبراهيم الطيبي فهو زائد عن هذا التاريخ بحرف الواو كما ذهب إليه السيد محسن الأمين، اما الشيخ محمد تقي الفقيه فرأى أن لفظ الجلالة لا تحسب اللام فيه مرتين بل مرة واحدة مشددة.
وفاة حسن حيدر الفارس الصعبي
وقد توفي في البابلية في العام 1235 هجرية وقد أرّخ بعضهم تاريخ وفاته[8]
حسن مضى والصالحات أمامه | أرّخ لدى حسن شفاعة حيدر (1235 هجرية) |
وفاة حسين بك السلمان
كُتب على قبره[9]:
الأرض قبلك آذنت برجيف | والبدر بعدك صادع بخسوف | |
فكلاهما قد أعلنا بعبارة | فيها اعتبار الحاذق العريف | |
فالأرض تنبئ عن إزالة طودها | والبدر يحكي صورة التكييف | |
أعني به الندب الحسين ومن له | جاء الزمان لنا بكل مخوف | |
أحسين جاء اللطف تاريخ بها | فكفاك ان الله خير لطيف | |
(سنة 1265 هجرية) |
وفاة حمد البك
كتب الشيخ إبراهيم صادق ينعى ويؤرّخ وفاة حمد البك فقال[10]:
لقد عُميت عين المفاخر إذ رأت | من الأفق أرّخ حمد ٌ غابا (1269 هجرية) |
أما الشيخ علي زيدان فقد أرّخ وفاته فقال[11]:
أسقى ضريحك ديمتان فديمة | تهمي بغفران وأخرى بالرضى | |
تاريخ ذاك المجد مات فأرخوا | لجوار آل محمد حمد مضى | |
(سنة 1265) |
والملاحظ أن تاريخ زيدان مختلف عن تاريخ صادق بأربع سنوات
وتم دفن حمد البك في مقام نبي الله يوشع بن نون في سهل الحولة، وقد بنى علي بك الأسعد على ضريحه قبّة، وكُتب على شاهد قبره[10]:
وقد بنى أبو السعود فوقها | بيتا على قواعد المجد رسا | |
فطاول السبع العلى مذ أرّخوا | بيتا على تقوى عليّ أُسّسا | |
(1269 هجرية) |
وأبو السعود المشار إليه هي كنية علي بك الأسعد.
وفاة علي بك الأسعد
قال الشيخ عبد الله البلاغي مؤرخا وفاة علي بك الأسعد عام 1282 هجرية[12]:
مضى رأس العشائر عاملي | أمير من بني النصّار أوحد | |
إلى دار النعيم فحلّ فيها | مقيما في ولاية آل أحمد | |
عليه كلما همت الغوادي | سحائب من رضى الرحمن سرمد | |
وقد أرّخته لعليّ سعد | بجيرة زينب سـَعـِد ابنُ أسعد | |
(1280 هجرية) |
وقد عقّب الشيخ محمد تقي الفقيه على هذه الأبيات وقال أن تاريخها ناقص سنتين، وهذه الأبيات منقوشة على شاهد قبره بجوار مرقد السيدة زينب في دمشق.
تأريخ بناء المساجد والجوامع والقلاع
جامع قلعة هونين
بنى قبلان الحسن في مقرّه في قلعة هونين جامعا وقد أرّخ أحد الشعراء عام الانتهاء منه فقال[13]:
ومسجد فاز ببنيانه | ذو الفضل قبلان حليف الندى | |
كيف وقد قال جعفر | والقول حقّ من بنى مسجدا | |
مذ أمّه الناس وصلّوا به | أرّخت خرّوا ركعا سجّدا | |
(1166 هجرية) |
تجديد بناء قلعة مارون
جدد بناءها عباس العلي من آل علي الصغير فقال الشاعر في ذلك[14]: :
شادها عبّاس حصنا | للعدى زادت حظوظا | |
فهي دار الخلد أرّخ | وكفى الله حفيظا | |
(1170 هجرية) |
تجديد بناء قلعة تبنين
بعد أن اتخذها حمد البك مقرا له أعاد تحصينها وترميمها وقد أرّخ أحد الشعراء ذلك فقال:
حصن تبنين رفيع شامخ | شاده بالعز غوث المسلمين | |
مربعا للعز قد شاد لنا | ناصر الإسلام غوث العالمين | |
يا لها من قلعة تاريخها | تبنين برج السعد حصن المؤمنين | |
(1258 هجرية) |
تجديد بناء مقام النبي يوشع
وقد جدده ناصيف النصار عام 1188 هجرية وفي ذلك يقول الشيخ إبراهيم بن يحيى الطيبي[15]:
مقام شريف أطلع اليوم شمسه | خليفة نصّار المؤيد بالنصر ِ | |
وقل عند إهداء السلام مؤرخا | عليك سلام الله يا ثاوي القبر ِ | |
(1188 هجرية) |
تأريخ الولادات
طلبت إحدى النساء وكانت صديقة للأديبة زينب فواز أن تؤرّخ لها عام ولادة طفلة تدعى فاطمة في العام 1284 هجرية فقالت[16]:
زها مطلع العليا بشمس ٍ منيرة | سمت أفقا تروي المعالي مكارمه | |
وجاءت بإقبال فقلت مؤرّخة | آلا وافت البشرى بميلاد فاطمة | |
(1284 هجرية) |
تأريخ الظواهر الطبيعية
في العام 1252 وقعت زلزلة في جبل عامل، فارّخ لها الشيخ علي مروة (استاذ الشيخ علي سبيتي) فقال:
ظهر الفساد على البسيطة فاختشت | رب العباد فزلزلت زلزالها | |
دُهش الأنام لهولها فكأنهم | شهدوا القيام وشاهدوا أهوالها | |
فلعظم ما عاينت ُ قلتُ مؤرخا: | يا أيها الناس اتّقوا أمثالها | |
(1252 هجرية) |
طرائف تأريخية
زيارة غورو إلى النبطية
في العام 1920 ميلادي[17] عندما قرر الجنرال غورو زيارة مدينة النبطية لم يتجاوب الناس في الاحتشاد لاستقباله واقتصر الحضور على بعض الوجوه السياسية والدينية التي لم تتجاوز الخمسة عشر. وحضر كامل بيك الأسعد (الجد) من الطيبة وحسين بيك الدرويش من جباع ومحمد سعيد بزي من بنت جبيل والسيد عبد الحسين محمود الأمين والشيخ عبد الحسين صادق (الجد)، وأثناء الانتظار التفت كامل بيك إلى أحدهم وقال له مداعبا إني نظمت الآن تاريخا لزيارة الجنرال غورو فتقدّم واستقبله بها وهي :
و يوم كله ظــلم | نأى عن أفقه النور | |
به للنحس تاريخ | كيوم جاءهم غورو | |
(1338 هجرية) |
فارتجل الشيخ عبد الحسين صادق تاريخا لهذه الزيارة فقال:
عَوَر ٌ وقطع يد ورجل كلها | مجموعة أرّخ بهذا غورو | |
(1920 ميلادي) |
أحجية شعرية
وقد أورد سعيد الصبّاح[18] أحجية قائمة على معرفة حساب الحروف فنقل عن أحدهم هذا البيت:
اسم متيّم حروفه مشتهرة | خمسة بأربعة وستة بعشرة |
فإذا ضربنا 5x4 كانت النتيجة (20) وهذا يوازي حرف الكاف في حساب الأحرف، أما إذا ضربنا 10x6 فيكون الحاصل (60) وهذا ما يقابله حرف السين.
المراجع والمصادر
- كتاب موسى الزين شرارة - تأليف إحسان شرارة - صفحة 267
- أنظر مقالة حساب الجمل في الويكيبيديا
- أنظر مقالة عن التأريخ الشعري في مجلة الرائد - تصفح: نسخة محفوظة 05 سبتمبر 2014 على موقع واي باك مشين.
- كتاب موسى الزين شرارة - تأليف إحسان شرارة - صفحة 268
- حسن الأمين مؤرخا وأديبا ورحالة - تأليف إحسان شرارة
- كتاب جبل عامل في التاريخ - تأليف الشيخ محمد تقي الفقيه - صفحة246
- كتاب جبل عامل في التاريخ - تأليف الشيخ محمد تقي الفقيه - صفحة252
- جبل عامل في التاريخ - الشيخ محمد تقي الفقيه صفحة 289
- أعيان الشيعة – السيد محسن الأمين – الجزء السادس- ترجمة حسين بك السلمان
- جبل عامل في التاريخ - الشيخ محمد تقي الفقيه صفحة 304
- أعيان الشيعة – السيد محسن الأمين – الجزء السادس- ترجمة حمد المحمود
- جبل عامل في التاريخ - الشيخ محمد تقي الفقيه صفحة 322
- جبل عامل في التاريخ - الشيخ محمد تقي الفقيه صفحة 27
- جبل عامل في التاريخ - الشيخ محمد تقي الفقيه صفحة 28
- جبل عامل في التاريخ - الشيخ محمد تقي الفقيه صفحة 404
- جبل عامل في التاريخ - الشيخ محمد تقي الفقيه صفحة 449
- حوادث جبل عامل - الشيخ أحمد رضا - الأربعاء 25 شباط /فبراير 1920 ميلادي
- طرائف نبطانية- تأليف سعيد الصبّاح - صفحة 51