الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من بعثه الله معلماً وميسراً فكانت حياته وسيرته مناراً للتربية والتعليم، وعلى آله وأصحابه والتابعين وعلى معلمي الناس الخير إلى يوم الدين وبعد :
أخي.. معلم المدرسة التمهيدية :
يـا من تحمل أقدس وأسمى رسالة، وأعظم وأكبر أمانة - وما أجدرك بحملها !-، يا من تصنع الرجال وتعد الأبطال، وتؤسس البناء ،وتصب الركائز والقواعد الأساسية، وتضع اللبنات الأولى لبناء شخصية الإنسان وصرح الأمة.
إليك - أخي - هذه الكلمات من القلب، لتقع في القلب - بإذن الله -، من خلال عشر وقفات أقفها معك على طريق العمل في المدرسة التمهيدية.
الأولى الوصول إلى قلب الطفل قبل عقله
حاول أخي أن تصل إلى قلب تلميذك الصغير قبل عقله، واستحوذ على اهتمامه بأسلوبك الطيب، ومعاملتك الرقيقة ،ولباقتك، ودماثتك ،ومداعبتك، فإذا ما ملكت قلبه استطعت أن تُوصل إليه ما تريده من معارف ومهارات وقيم واتجاهات يتقبّلها منك، ويتفاعل معها، ويترجمها إلى سلوك عملي، وهذا مانرجوه0
الثانية معاملة الطفل بالحب والتسامح واللين
أخي الحبيب : أحبب الطفل وإن لم يك لك إنما الطفل على الأرض ملك
تلميذك الصغير بحاجة إلى حبك، وعطفك، وقلبك الكبير، وصدرك الواسع، ورعايتك0 فإذا أحببته أحبك، وهذا الحب المتبادل يجعل الجو المدرسي ممتعاً لطفلك الحبيب0 والمتعة في التعلُّم عامل مهم من عوامل تفتيح طاقات الطفل الإبداعية، يجعل المعلم يحصل عـلى أقصى جهد عقلي ونفسي وجسمي يمكن أن يبذله الطفل بأيسـر السبل، وقد قيل : (إنّ الحب أعظم المربين).
الثالثة الابتسامة والبشاشة في وجه الطفل
أخي : لطلاقة مُحَّياك في وجه طفلك أثر كبير في استهواء نفسه واجتذاب لبِّه، إنَّ الطفل الصغير حساس جداً، يقرأ في عينيك وقسمات وجهك شعورك نحوه ومدى صدقك وصداقتك معه. والنفس تعرف من عيني محدّثها إن كان من حزبها أو من أعاديها
هذه الظاهرة النفسية يحسّها ويلحظها أصغر التلاميذ عمراً، فأعرها يا أخي اهتمامك وادخل حلقتك منشرح الصدر، مبتسم الوجه، وابعث في نفوس تلاميذك الطمأنينة ليقبلوا على درسك بشوق، ويأخذوا عنك برغبة ،ويوجِّهوا أسئلتهم لك دون خوف أو تردد أو خجل، وحذار أن تنسى نفسك وتقطّب جبينك وتعبس في وجوههم 0
ويارب حبّب كلَّ طفل فلا يرى وإن لجّ في الإعنات وجهاً مقطّبا
وهيّئ له في كلِّ قلـب صبابة وفـي كلِّ لقيا مرحباً ثم مرحبا
عزّز يا أخي ثقة تلميذك بنفسه، امنحه الثقة بقدراته، أعطه الفرصة المناسبة ليجيبك عما تسأل عنه، أو يعبّر عما يجول بخاطره0 لأن هذه الثقة من أهم عوامل التعلّم والانطلاق والإبداع لديه.
الخامسة القدوة الحسنة في عين الطفل
أنت يا أخي المثل الأعلى في نظر تلميذك الصغير يقلدك سلوكياً، ويحاكيك خلقياً من حيث يشعر أو لا يشعر، بل تنطبع في نفسه وإحساسه صورتك القولية والفعلية والحسية والمعنوية، من حيث يدري أو لايدري. وقد قيل " إذا أردت أن تنصب نفسك معلماً، فليكن تعليمك بسيرتك لا بلسانك " ثم لاتنس- أخي- أن عدسات تلاميذ المدرسة التمهيدية حساسة جداً ،يرصدون بها حركاتك، وسكناتك، وتصرفاتك، وينقلون صورتك إلى بيوتهم حية بالألوان. وما أجمل أن تكون صورتك مشرقة جميلة في أعين الجميع! وتكون ممن يُثْنى عليه ويُذْكر بخير. نعم يا أخي، أنت لا تعمل لأجل ثناء الناس ومدحهم، ولكنك تعمل مخلصاً لله، راغباً في ثوابه ،مستشعراً عِظم الأمانة التي تحملها، ولكن هذا الثناء من الناس لا يضرك - إن لم تقصده - وتلك عاجل بشرى المؤمن، وهي من أمنيات الرسل {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} سورة الشعراء(84)
السادسة الاطلاع على خصائص نمو الطفل في هذه السن، ومراعاة حاجاته ومتطلباته
لقد أثبت علم النفس أن الطفل ليس برجلٍ مصغّرٍ ،بل هو يعيش مرحلة نمو متصل له خصائصه، وإمكاناته، وحاجاته الخاصة التي تختلف عن قدرات الراشدين وحاجاتهم0 وحتى تنجح – أخي - في عملك، يلزمك الاطلاع على خصائص سن أطفالك، والتعرف على حاجاتهم، ومتطلباتهم، وتراعيها أثناء تعليم تلاميذك. ولنا في المعلم الأول أسوة حسنة، حيث كان عليه الصلاة والسلام يراعي حاجات الأطفال حسب سنهم، وينزل إلى مستواهم حين يخاطبهم. عن أنس قال : { إنْ كان رسول الله ليخالطنا حتى كان يقول لأخٍ لي صغير: يا أبا عمير ما فعل النغير } رواه البخاري.
السابعة إشباع رغبة الطفل في الحركة والحيوية، ومساعدته على إيجاد الاستعداد للتعلّم أخي، إن تلاميذك في المدرسة التمهيدية ،يتصفون بالجرأة، والحركة، والحيوية، والنشاط والبهجة ،تجدهم يتفاعلون بسرعة مع القادم إليهم، ويتسابقون إليه بدفاترهم، وكتبهم ،وتلقاهم يتحركون من مقاعدهم دون تهيب أو تخوف، وتبصرهم يتسارعون إلى الوقوف بجوار معلمهم في مقدمة الفصل (الحلقة)، ويتدافعون في الكتابة والتحدث0إنَّ هذه السمة يجدها المربون ضرورية في هذه المرحلة من حياة الطفل 0 لذا يجدر بك تنميتها وصقلها ودفع التلاميذ إلى المزيد من التفاعل مع زملائهم ومعلميهم، وإتاحة الفرصة للتعبير عن أنفسهم، وإشباع رغبتهم في الحيوية والحركة والسرور، مما يساعد الطفل على إيجاد الاستعداد للتعلم، وخلق ما يسمى بـ (لحظة القابلية للتعلّم).
الثامنة التحفيز وسيلة لجر اهتمامات الطفل للتعلم للحوافز بأنواعها الكثيرة - المادية والمعنوية –أثرها الكبير في جرِّ اهتمام التلميذ الصغير للتعلم، فأرجو ألاّ تخلو حقيبتك يا أخي من بعض الهدايا الرمزية مهما كانت بسيطة ولو قطع حلوى صغيرة ،ولا تبخل على تلاميذك بكلمة تشجيعية، وأخرى تقديرية ملفوظة أو مكتوبة، أو ملصقة محبَّبة، أوختم ملون، أو بطاقة تعلقها على صـدره تحمل عـبارة جميلة أو كلمة ترفع روحه المعنوية :(أحسـنت ، ما شـاء الله، متفـوق، نشـيط، مؤدب، بطل اليوم...). وما أجمل (بطاقة الطالب المتميّز) وما يرتبط بها من شهادات (مرحى، استحسان، امتياز، تفوق، قمة) في إثارة روح التنافس الهادف بين التلاميذ وتشجيع دافعيتهم للتعلم !. التاسعة توظيف طرق الأطفال في التعلم معلم المدرسة التمهيدية الحاذق، ذاك الذي يستفيد من طرق الأطفال في التعلم، ويوظِّفها في إثارة عقول تلاميذه واستقطاب اهتمامهم ،كاللعب والاستكشاف (حب الاستطلاع) وغير ذلك..... ولعل السحر والجاذبية الذين يتميز بهما اللعب عند الأطفال يولدان دافعاً قوياً نحو التعلم واكتساب المهارات. وإذا أردت - أخي الكريم - أن تساعد تلميذك على تعلم شيء تعلماً جيداً بحيث يبقى معه طويلاً، عليك أن تنظم موقفاً تعليمياً يكون فيه هذا الطفل قادراً على اكتشاف هذا الشيء بنفسه.
العاشرة إخلاص النية لله تعالى والصبر
إن جهدك يا أخي لا يقدّر بثمن ولا يكافأ بدريهمات تقبضها آخر الشهر0إن أجرك عظيم وعظيم عند الله فأخلص نيتك له واصبر على ما سيعترضك من عقبات، وما سيواجهك من صعوبات، فضلاً عن عملك المضني مع الصغار0 أخي : إن المعلم المخلص الصابر يتلذّذ في عمله ويرى فيه الأمل والنور والسرور والحبور لأنه يدرك أن جزاءه الجنة {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} سورة آل عمران (142). وفي نهاية المطاف اعلم - أخي الحبيب - إن المدرسة التمهيدية تحتاج لمعلم مخلص، صابر، محتسب، شغوف بعمله، شفوق بتلاميذه ،يضجر من الفراغ، يبدع وينتج ويجدد، دؤوب مثابر، حاديه الحكمة المأثورة : (إن النفوس لتتعب من الراحة فأريحوها بالعمل). وفقني الله وإياك لكل خير00 وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ا
وشكرا لقراءتكم