التوافق الدقيق للكون هو افتراض أن الشروط التي تتيح الحياة في الكون لا تتحقق إلا بتوفر أرقام معينة من ثوابت فيزيائية محددة بدقة ضمن مجال ضيق جدًا من القيم، بحيث أن أقل تغيير في أرقام أي من تلك الثوابت الأساسية فعلى الأرجح لن يصل الكون إلى إيجاد وتطوير المادة، والكيانات الفلكية، والتنوع العنصري، أو الحياة كما نفهمها. هذا الافتراض ينال جدلًا واهتمامًا كبيرين في أوساط الفلاسفة والعلماء و اللاهوتيين والخلقيين، كما يستدعى عادة المبدأ الإنساني كتوصيف للضبط الدقيق للكون.[1][2][3]
صرح الفيزيائي بول دافيس بأن "هناك اتفاق واسع في الوقت الحالي بين الفيزيائيين وعلماء الكون بأن الكون فيه توافق دقيق للحياة في العديد من النواحي" ويضيف قائلا: "ولا نستنتج من ذلك بأن الكون قد صُقل للحياة، بل أن الكون قد صُقل لبناء العوامل الأساسية التي تحتاجها الحياة".
الفكرة الأساسية
الفكرة الأساسية من التوافق الدقيق للكون يمكن وصفها ببساطة بأن أي تغيير بسيط في الثوابت الفيزيائية للمادة سيؤدي إلى تغيير جذري في الكون يجعل من قيام الحياة كما نعرفها الآن أمرًا مستحيلًا. يقول ستيفن هوكينغ في كتابه الشهير تاريخ موجز للزمن: "قوانين العلم كما نعرفها الآن، تتضمن الكثير من الأرقام الاساسية مثل حجم الشحنة الكهربائية للاكترون والنسبة بين كتلة البروتون إلى الإلكترون.... الحقيقة المدهشة ان هذه الارقام تبدو وكأنها قد ضبطت بحيث يمكن أن تتطور الحياة".[4].
مثلا لو أن القوة النووية القوية كانت أقوى ب 2% من قوتها الحالية، مع بقاء جميع الثوابت الأخرى بدون تغيير، ثنائي البروتون سيكون مستقرا وسيندمج مع الهيدروجين بدلا من الديوتيريوم والهليوم[5]. وبالتالي فإن تغيرات كبيرة ستحدث على فيزياء النجوم بحيث أنه سيمنع من ظهور الحياة على الأرض، حيث أن ثنائي البروتون سيُسَرع من الانصهار البطيئ للهيدروجين في الديوتيريوم. في الواقع ان الهيدروجين سينصهر بكل سهولة بحيث أن الهيدرجين الموجود في الكون كله سيستهلك خلال الدقائق الاولى للانفجار الكبير[5].
من الصعب إعداد صياغة دقيقة لفكرة التوافق الدقيق لكون الفيزيائين لم يعرفوا حتى الآن مدى استقلالية الثوابت الفيزيائية. حيث تحوي نظرية النموذج العياري الحالية على 25 معامل قابل للتعديل بحرية مع معاملات إضافية مثل الثابت الكوني. وبسبب كون نظرية النموذج العياري غير متسقة رياضيا تحت ظروف معينة (مثلا في الدرجات العالية من الطاقة)، يرى الفيزيائيين بأن النظرية ترتكز على نظريات اخرى مثل النظرية الموحدة العظمى، نظرية الأوتار أو نظرية الجاذبية الكمية الحلقية. في بعض النظريات، القيمة الحقيقية لبعض الثوابت الفيزيائية المستقلة تكون صغيرة مثل الواحد، كمثال الثابت الكوني يعتبر ثابت أساسي لكن المحاولات تمت أيضا لحسابه من خلال ثوابت أخرى ووفقا لمؤلف مثل هذه الحسابات فان: "القيمة الصغيرة للثابت الكوني تخبرنا بأن هناك دقة مدهشة وعلاقة غير متوقعة أبدا موجودة بين جميع المعاملات في نظرية النموذج العياري"[6].
يعدد مارتن ريس[7] الثوابت التي ينطبق عليها التوافق الدقيق للكون وهي:
- N: النسبة بين القوى الجاذبية إلى القوة الكهرومغناطيسية.
- إبسيلون (ε): القوة التي تربط النوكليون مع نواة الذرة.
- أوميغا (ω): الأهمية النسبية للجاذبية وتوسع الطاقة في الكون.
- امدا (λ): الثابت الكوني.
- َQ: نسبة قوة الجاذبية اللازمة لسحب مجرة كبيرة إلى الطاقة المكافئة لكتلتها.
- D: عدد من الأبعاد المكانية في الزمكان.
المراجع
- Rees, Martin (May 3, 2001). Just Six Numbers: The Deep Forces That Shape The Universe (الطبعة 1st American). New York, NY: Basic Books. صفحة 4.
- Gribbin. J and Rees. M, Cosmic Coincidences: Dark Matter, Mankind, and Anthropic Cosmology p. 7, 269, 1989, (ردمك )
- Davis, Paul (2007). Cosmic Jackpot: Why Our Universe Is Just Right for Life. New York, NY: Orion Publications. صفحة 2. .
- تاريخ موجز للزمن\\ ستيفن هوكينغ\\ ص 125
- Paul Davies, 1993. The Accidental Universe, Cambridge University Press, p70-71
- Larry Abbott, "The Mystery of the Cosmological Constant," Scientific American, vol. 3, no. 1 (1991): 78.
- Martin Rees, 1999. Just Six Numbers, HarperCollins Publishers