ترمز الثقافة التركية الفارسية[1] المركبة إلى الثقافة المميزة التي ظهرت في القرنين التاسع والعاشر في خراسان وبلاد ما وراء النهر (التي تمثل حاليًا أفغانستان وإيران وأوزباكستان وتركمانستان وطاجكستان وأجزاء كبيرة من قيرغيزستان وكازاخستان).[2] كانت ثقافة فارسية إذ تركَزت على التراث الثقافي إيراني الأصل وكانت تركية لدرجة أنها تأسست بواسطة ولأجل العديد من الأجيال التي حكمها الحكام المنحدرون من أصل تركي. في القرون اللاحقة، توسعت الثقافة التركو فارسية بواسطة الشعوب المحتلة إلى الأقاليم المجاورة، في النهاية أصبحت الثقافة السائدة للنخبة والطبقات الحاكمة في جنوب آسيا (شبه القارة الهندية) وخاصة شمال الهند (إمبراطورية المغول)، وآسيا الوسطى وحوض باسيم (شمال غرب الصين) وأجزاء كبيرة من غرب آسيا (الشرق الأوسط).[2]
الأصول
كانت التقاليد التركو فارسية أحد أشكال الثقافة الإسلامية.[3] إذ كانت إسلامية في تلك المفاهيم الإسلامية التي تخص الفضيلة والاستمرارية وإجادة النقاش فيما يخص القضايا العامة بالإضافة إلى الشؤون الدينية للمسلمين، الذين شكلوا النخبة الحاكمة حينها.
بعد الغزو الإسلامي للإمبراطورية الفارسية، استمرت اللغة البهلوية، لغة الساسانيين، في الاستخدام على نطاق واسع في القرن الثاني الإسلامي (القرن الثامن) كأداة للإدارة في الأجزاء الشرقية من الخلافة الإسلامية. على الرغم من تعريب الشؤون العامة، حافظت الشعوب على جزء كبير من المظهر وأسلوب الحياة المرتبط بفترة ما قبل الإسلام، مع تكيفها لملاءمة تعاليم الدين الإسلامي.
خلال نهايات القرن الأول الإسلامي، بدأ الشعب في الاستياء من تكلفة إبقاء الخلفاء العرب الأمويين الذين أصبحوا فسدة وطغاة. في القرن الثاني الإسلامي (القرن الثامن الميلادي) أدت انتفاضة قادها الفرس بواسطة البطل القومي الإيراني أبو مسلم الخراساني، في جلب قبيلة عربية أخرى لعرش الخلافة (العباسيين). تحت حكم العباسيين، أصبحت التقاليد الفارسية للوزراء البرامكة هي أسلوب الطبقة الحاكمة.
سياسيًا، بدأ العباسيون في خلال وقت قصير في فقدان سيطرتهم، ما تسبب في نتيجتين أساسيتين. الأولى، عزز الخليفة العباسي المعتصم (833-842) بشكل كبير من وجود المرتزقة الأتراك والعبيد المماليك خلال فترة خلافته، الذين حلوا محل العرب والفرس في الجيش، وبالتالي هيمنوا سياسيًا، لتبدأ فترة التضامن التركو فارسي.[4]
ثانيًا، استقل حكام خراسان، الطاهريون بشكل فعلي عن الخلافة، ثم حرر الصفاريون القادمون من سيستان الأراضي الشرقية، ولكنهم استُبدلوا بالدولة السامانية المستقلة على الرغم من إظهارهم الاحترام الصوري للخليفة. نتج عن انفصال الأراضي الشرقية أن الثقافة الفارسية المميزة أصبحت الثقافة السائدة في غرب ووسط وجنوب آسيا، وأصبحت مصدرًا للإلهام والإبداع في جميع بقاع العالم الإسلامي.
ستبقى تلك الثقافة، على الأقل في صيغتها المعدلة في الإمبراطورية العثمانية. خلال القرن الثاني عشر، برزت الثقافات الفارسية عن طريق استخدام اللغة الفارسية الجديدة كأداة للحكم والثقافة، بصعود الفرس الأتراك للتحكم في الجيش، وظهور الأهمية السياسية الجديدة للعلماء غير العرب، وتطوير المجتمع الإسلامي مركب الأعراق.
اللغة
كانت اللغة البهلوية هي لغة التواصل المشترك للإقليم قبل الغزو العربي، ولكن بعدها أصبحت اللغة العربية هي الأداة المفضلة للتعبير الأدبي. من الأسباب الرئيسية التي ساعدت في نشر اللغة الفارسية كلغة مشتركة في طريق الحرير الممتد بين الصين وفرثيا في القرن الثاني قبل الميلاد الذي استمر حتى القرن السادس عشر، كانوا يهود بخارى الذين تجمعوا في بخارى في آسيا الوسطى كطبقة تجار لعبت دورًا أساسيًا في إدارة طريق الحرير.
في القرن التاسع، ظهرت لغة فارسية جديدة كلغة للإدارة والأدب. استمر الطاهريون والصفاريون في استخدام الفارسية كلغة عامية، ولكن بالنسبة لهم كانت العربية هي اللغة الوحيدة الصالحة لتسجيل أي شيء ذي قيمة من الشعر حتى العلوم. ولكن الدولة السامانية جعلت من الفارسية لغة التعليم والخطاب الرسمي. كانت اللغة التي ظهرت في القرنين التاسع والعاشر شكلًا جديدًا من أشكال الفارسية، استندت إلى اللغة البهلوية التي وُجدت في عصور ما قبل الإسلام، ولكنها أُثريت بالكلمات العربية الغزيرة وكُتبت في خط عربي.[5]
بدأت الدولة السامانية في تسجيل شؤون الحكم باللغة العربية وبتلك اللغة، واستُخدمت كاللغة الأساسية العامة. كُتبت أوائل الأشعار السامانية العظيمة بالفارسية الجديدة أثناء الحكم الساماني. شجع السامانيون ترجمة الأعمال الدينية من العربية إلى الفارسية. حتى السلطات العالمة بالإسلام (العلماء) بدؤوا في استخدام اللغة الفارسية كلغة تواصل مع العامة، على الرغم من استمرارهم في استخدام العربية في الأوساط التعليمية. قُدم التتويج الأدبي والإنجاز الكبير، كتاب الملوك للفردوسي، في بدايات اللغة الفارسية الجديدة، أثناء فترة حكم محمود الغزنوي (998-1030)، إذ كان أكثر من مجرد إنجاز أدبي، وكان أحد أشكال المذكرات الوطنية الإيرانية، استثار الفردوسي المشاعر الفارسية الوطنية عن طريق الاستناد إلى الرموز الفارسية البطولية في فترة ما قبل الإسلام. قدم الفردوسي في صورة أدبية أعظم القصص المحفورة في وجدان الذاكرة الشعبية.[1]
قبل تفكك الغزنويين، كان الحكم الساماني يتساقط لصالح حاشيته التركية. امتلك السامانيون حراسهم من المرتزقة الأتراك المماليك (الغلمان)، الذين أُديروا بواسطة الحجّاب بالإضافة إلى البيروقراطية العربية والفارسية التي أديرت بواسطة الوزير. تكون الجيش في غالبيته من المماليك الأتراك. في الجزء الأخير من القرن العاشر، أعطى السامانيون قيادة الجيش للقادة الأتراك.
تمكن هؤلاء القادة من إحكام سيطرتهم على الشؤون العامة السامانية. تسبب صعود الأتراك في العصور السامانية في فقدان السامانيين للمناطق الجنوبية لأحد مماليكهم الذي كان يحكم نيابة عنهم. حكم محمود الغزنوي أقصى الجنوب الشرقي للمناطق السامانية من مدينة غزنة. تسببت الهيمنة التركية في العصور السامانية في سقوط مؤسسات الحكم لصالح قادتها الأتراك، بالإضافة إلى صعود الرعويون الأتراك في المناطق الريفية.
المراجع
- Robert L. Canfield, Turko-Persia in historical perspective, Cambridge University Press, 1991 نسخة محفوظة 10 يونيو 2010 على موقع واي باك مشين.
- Canfield, Robert L. (1991). Turko-Persia in Historical Perspective. كامبريدج, United Kingdom: Cambridge University Press. صفحة 1 ("Origins"). .
- مارشال هودسون 1974. The Venture of Islam. 3 vols. Chicago: University of Chicago Press
- برنارد لويس, "The Middle East", 1995, p. 87
- ريتشارد فراي 1975. The Golden Age of Persia: The Arabs in the East. London: Weidenfeld and Nicolson, and New York: Barnes and Noble, 1921