استخدم وطور الرياضيون المسلمون ثلاثة أنظمة مختلفة للحساب والعد، واجتهدوا للوصول إلى نظام موحد يكون قادراً على استيعاب العمليات الحسابية المتنوعة والمستجدة، وكان أول هذه النظم يعتمد على نظام الحساب الستيني المعروف من عصور قديمة، ولا زالت آثاره باقية حتى الآن في تقسيمنا الساعة إلى دقائق وثوان؛ درس العلماء المسلمون هذا النظام وطوروا استخدامه، وربطوه بالأبجدية العربية بطريقة فذة تسمح للتجار بإجراء العمليات الرياضية بسهولة ويسر؛ وفي هذا النظام تعد الأعداد الصحيحة على المقياس العشري، وتحدد الأعداد بحروف أبجدية، فيأخذ الرقم1 الحرف أ ، والرقم 10 الحرف ى، والرقم 100 الحرف ق، وهكذا، وبذلك فإن العدد 11 يقابل " يا "، في حين أن الرقم 111 يقابل " قيا " وهكذا. ويعرف هذا النظام باسم" حساب الجُمّل" أو حساب " أبجد " ، ويستخدم الفلكيون نظام أبجد/ ستيني بلا تغيير تقريباً، فالإسطرلاب مثلاً يتم تدريجه وتحديد علاماته بهذا النظام، ولا يزال هذا النظام يستخدم حتى الآن في بعض البلاد العربية، في ترقيم الفقرات في الوثائق الرسمية على سبيل المثال.
أما النظام الثاني للحساب فهو الحساب بالأصابع، ويمكن عرضه بإيجاز، حيث يعرف هذا النظام في المؤلفات العربية باسم " حساب اليد" ، وأحد سمات حساب اليد أنه لا يحتوي على رموز حسابية، فالأعداد فيه تذكر بأسمائها ويعبر عنها كتابة بكلمات، وكان يتم إجراء العمليات الحسابية ذهنياً مع الأخذ في الاعتبار بعض قواعد الأسس المعمول بها الآن، والعمليات والنتائج الوسطية على الحاسب أن يتذكرها ويوضحها بطي أصابعه في أوضاع اصطلاحية معينة، تكفي بدرجة جيدة لتمييز الأعداد من 1 إلي 9999. ويطلق على هذه الأوضاع اسم العقود ( جمع عقدة نسبة إلى عقدة الإصبع ) وهكذا تعرَّف الحاسب العربي على معنى الآحاد والعشرات والمئات والآلاف.
وهناك سمة أخرى تميز نظام الحساب باليد، وهي طريقة معالجته للكسور، حيث يشتمل النظام على ثلاث مجموعات الكسور، إحداها الكسور الستينية، والمجموعة الثانية تعتبر عن الكسور بأجزاء وحدات القياس والنقد ( أجزاء من الدرهم أو القيراط مثلا)، أما المجموعة الثالثة فتسمى الكسور العربية، وهي نسبية في معناها( نصف ربع ثلاثة أخماس ... وهكذا).
وقد أبدع العلماء الرياضيون العرب نظام حساب راق أُخذت فيه النقاط الجيدة من نظام الحساب باليد والنظام الستيني، مما جعل النظام المطور أكثر ثراء من سابقيه، ويعتمد هذا النظام المطور على الحساب الهندي كخلفية، ويعتبر أحمد بن إبراهيم الأٌقليديسي أول من ألف بدمشق فيما بين العام 952م ـ 953م مؤلفاً في شرح الحساب الهندي، حيث عالج فيه الموضوع بمهارة ودقة، حيث أثري المؤلف النظام بمعارفه من الأنظمة الأخرى، بل إنه حاول تطويره ليناسب استخدام الحبر والورق ( وصل الحساب الهندي إلى المسلمين في صورة بدائية، حيث كان يكتب على لوح من الخشب المغطى بطبقة من الغبار، وكان لهذا يسمية الرياضيون المسلمون" حساب الغبار"، ويعتبر محمد بن موسى الخوارزمي أفضل من كتب عن الحساب الهندي، وكتابه في " الحساب" مفقود في أصله العربي، ولكن توجد أربعة كتب مترجمة باللاتينية لهذا الكتاب، ويقدم ه. خ
__-5هةروقتايذا النظام المطور عمليات الحساب الرئيسة من ضرب وجمع وطرح وقسمة في صورة دقيقة وكفاءة عالية، كما تسمح بإجراء العمليات الحسابية على الأعداد الكبيرة بسرعة عالية، وهو في مجمله قريب جداً من النظام الحسابي الذي نستخدمه الآن.
انتشر في العالم الإسلامي مجموعتان من الأرقام إحداهما في المشرق والأخرى في المغرب، وكانت الأرقام المشرقية هي طلائع الأرقام العربية الحالية 9، 8، 7، 6، 5، 4، 3، 2،1، وكان الصفر يكبت على الصورة"5" تطور ليكتب كنقطة " 0" فيما بعد، أما الأرقام في المغرب العربي فلقد تطورت إلى الصورة التي تعرف الآن بالأرقام العربية، وتستخدم في الغرب ، 9,8,7,6,5,4,3,2,1,0, وهذه المجموعة من الأرقام مع العمليات والنظم الحسابية المختلفة انتقلت عن طريق الأندلس إلى الغرب، الذي لم تكن لديه في ذلك الوقت أدنى فكرة عن الرياضيات وقوانينها.
كان علم العدد" نظرية الأعداد" أحد فروع علم الحساب التي اهتم بها المسلمون، وارتبط هذا المجال ارتباطاً وثيقاً بالمربعات السحرية والأعداد المتحابة، وهذه المربعات ذات الأهمية تتميز بأن مجموع الأرقام التي تطوِّقها يظل ثابتاً سواء قرئت عمودياً أو أفقياً أو قطرياً. وقد أدت دراسة هذه العلاقات العددية إلى تحليل متواليات حسابية وهندسية.
ومن أهم المجالات الحسابية التي برع فيها العلماء المسلمون مجال التحليل التوفيقي أو ما نعرفه الآن بالتباديل والتوافيق، وفي بداياته اعتبر في مفهومه العام كدراسة للأشكال في فراغ ذي بعدين أو ثلاثة، ووجد تطبيقات مهمة في علوم عديدة، مثل: الكيمياء وعلم الفلك؛ فقد اعتمد جابر بن حيان على البراهين التوافيقية في نظرية الميزان القائمة على مبدأ: إن توفيق الأعداد أصل لكل شيء.
وفي مجال الرياضيات ذاتها فإن العلماء المسلمين استخدموا الحلول التوفيقية في حل مسائل معقدة، وعلى سبيل المثال فإن ثابت ابن قرة في كتاب" الشكل القطاع" اعتمد عليها لإيجاد علاقات المثلث الكروي ( زوايا وأضلاع ) والتي ساهمت في حلول للأشكال الكروية، كذلك استخدم البيروني في كتابه " مقاليد علم الهيئة" نتائج توفيقية بهدف تحديد العناصر المجهولة للمثلث الكروي.
وفي مجال الجبر فقد اشتمل كتاب " الطرائف في الحساب" لأبي كامل ( ت930م) على حلول توفيقية لبعض المعادلات الجبرية. وهناك العديد من الأمثلة الأخرى التي توضح بجلاء تمكن العلماء المسلمين من ناصية هذا العلم وإبداعهم في تطبيقه وتطويره.
إن إنجاز العلماء المسلمين فيما يتعلق بدمج وتوحيد مفاهيم حسابية عديدة، والتناول الواثق للعمليات الحسابية الأساسية لكل من الأعداد الصحيحة والكسور، واستعمال النظامين العشري والستيني، وقابلية التفاعل والتبادل بينهما، واستخراج الجذور التربيعية، وإجراء عمليات حسابية على الأعداد الصماء ( غير النسبية ) تمثل كلها جزء من نظام هذّبه ونقّحه وطوّره على مر عقود متتالية علماء الحضارة الإسلامية، ولقد أبدع عمر الخيام ( ت1133م) في وصف هذه العمليات الأساسية، واستخراج الجذر التكعيبي، وطرق استخراج الجذر الرابع والجذر الأعلى، ومعاملات ذات الحدين، وهي من العمليات الحسابية الراقية، والتي تعبر عن نبوغ في عقلية الرياضي العربي، والذي تسيد وبحق مسرح هذا العلم حتى القرن الخامس عشر الميلادي.[1]
- موسوعة الحضارة الإسلامية