في بداية الحرب العالمية الثانية أعلنت الدنمارك حيادها، وظلت مَحميَّة معظم مدة الحرب، حتى احتلتها ألمانيا. قُرر احتلال الدنمارك في برلين يوم 17 ديسمبر 1939.[1] في 9 أبريل 1940 نفذت ألمانيا النازية القرار، فاحتلتها بعملية فيزروبونغ. واصل الملك والحكومة عملهما كالمعتاد في أي دولة محمية فعلًا، حتى وضعت ألمانيا الدنمارك تحت الحكم العرفي العسكري في 29 أغسطس 1943، وبقي الوضع هكذا حتى انتصر الحلفاء في 5 مايو 1945. واصلت المؤسسات الدنماركية عملها بصورة طبيعية نسبيًّا حتى 1945، خلاف بقية الدول التي احتلتها ألمانيا. بقي الملك والحكومة في البلاد على علاقة قلقة مضطربة بين النظام الديمقراطي والشمولي، إلى أن استقالت الحكومة الدنماركية احتجاجًا على مطالبة ألمانيا بتطبيق عقوبة الإعدام على تهمة التخريب.
مات نحو 3,000 دنماركي نتيجة مباشرة للاحتلال[2] (فوقهم: 2,000 متطوع في «فيلق الدنمارك الحر» و«ڤافن إس إس» -ومعظمهم كانوا من الأقلية الألمانية في جنوب الدنمارك- ماتوا محارِبين في صف ألمانيا على الجبهة الشرقية،[3] ومات 1,072 تاجرًا بحريًّا في خدمة الحلفاء).[4] لكن هذا العدد إجمالًا أقل جدًّا من أعداد الدول المحتلة الأخرى ومعظم الدول المحارِبة.
نشأت حركة مقاومة فعالة ضد الاحتلال النازي قرب نهاية الحرب، وأُنقذ معظم اليهود الدنماركيين في 1943، بعدما أمرت السلطات الألمانية باعتقالهم ضمن حوادث الهولوكوست.
الغزو
لم يكن احتلال الدنمارك هدفًا مهمًّا للحكومة الألمانية في البداية، لكنها أقدمت عليه لسببين: تسهيلًا لهدف أهم كانت خططت له، هو غزو النرويج، وإجراءً وقائيًّا من رد بريطاني متوقع. رأى المخطِّطون العسكريون الألمانيون أن عملياتهم في النرويج يَلزمها إنشاء قاعدة في شمال يوتلاند -مطار آلبورغ تحديدًا- فخططوا لاحتلال أجزاء من الدنمارك. حتى فبراير 1940 لم يكن أي قرار احتلالي قد اتُّخذ بعد.[5] حُسم الأمر عندما شطب أدولف هتلر عبارة «طرف يوتلاند الشمالي» وكتب مكانها كلمة «الدنمارك».
كان شمال يوتلاند الدنماركية موطنًا لنسبة كبيرة جدًّا من الأقلية الألمانية، وكانت المقاطعة قد استُرِّدت من ألمانيا بعد استفتاء عامّ ناتج عن معاهدة فرساي، ومع ذلك لم تَبد ألمانيا مستعجلة ولا حريصة على ضمّها مجدَّدًا. أمل بعض النازيين في ضم الدنمارك في مرحلة ما إلى «اتحاد نوردي»، لكن لم تَر فكرتهم هذه النور. كان المبرر الألماني الرسمي للاحتلال: الرغبة في حماية الدنمارك من غزو بريطاني.[6]
في 4:15 من صباح 9 إبريل 1940، عبرت القوات الألمانية حدود الدنمارك المحايدة. بدأت العملية المنسَّقة بأن أنزلت سفن ألمانية قوات لدى مراسي كوبنهاغن. قاوم جنود دنماركيون في عدة مواقع على رغم قلة العدد والعتاد، أهمهم: الحرس الملكي في كوبنهاغن، ووحدات في جنوب يوتلاند. أثناء العبور أسقطت طائرات ألمانية منشورات «أوبروب» الشهيرة على طرقات كوبنهاغن، داعيةً الدنماركيين إلى الاستسلام بلا مقاومة، وزاعمة أن الاحتلال لحماية الدنمارك من فرنسا وبريطانيا العظمى. لاحقًا أكد العقيد لوننج (كان مخابراتيًّا بالجيش الدنماركي) أن الاستخبارات الدنماركية كانت على علم بأن الهجوم سيقع في 8/9 إبريل، فحذرت الحكومة، وأصدر هيرلوف سيلي (السفير الدنماركي في ألمانيا حينئذ) تحذيرًا مباشرًا، لكن أُهمل التحذيران.
من سرعة الأحداث لم يسنح للحكومة الدنماركية وقت لإعلان الحرب على ألمانيا، لكن موقفها كان ضعيفًا على كل حال: لم تكن مساحتها وعدد سكانها بشيء أمام ألمانيا، فلم تكن لتصمد فترة تُذكر، كانت أراضيها المنبسطة تسهُل جدًّا للدبابات الألمانية اجتياحها، فمنطقة يوتلاند مثلًا ملاصقة لمنطقة شلسفيغ هولشتاين الألمانية، ولذا كانت مفتوحة على مصراعيها لهجوم دبابيّ سهل. وليس في الدنمارك سلاسل جبلية مساعِدة على المقاومة كما في النرويج.[7]
مات في الاجتياح 16 جنديًّا دنماركيًّا، وبعد ساعتين استسلمت الحكومة الدنماركية، إذ رأت المقاومة غير مجدية، وأملت أن تتوصل إلى اتفاق مربح مع ألمانيا. كانت أرض يوتلاند المنبسطة مثالية لعمليات الألمانيين، وحال هجومهم المباغت على كوبنهاغن دون أي محاولة للدفاع عن زيلاند. وفوق ذلك سارعت ألمانيا إلى ترسيخ سيطرتها على جسر الحزام الصغير، فسهَّلت لنفسها الوصول إلى جزيرة فين. رأى مجلس الوزراء الدنماركي أن مواصلة المقاومة لن تسفر إلا عن خسائر غير مجدية في الأرواح الدنماركية، فقرر الخضوع لألمانيا «مع إعلان احتجاجه».[5] كانت القوات الألمانية أعلى تقنيًّا وأعظم عددًا، بل كانت القوات الدنماركية إلى جانبها قزمة، بأسلحتها تلك التي عفا عليها الزمن (التي كانت جزءًا من سياسة الدنمارك قبل الحرب، إذ خشيت استعداء الألمانيين إن زودت جنودها بأسلحة حديثة). حتى لو قاومت الدنمارك مقاومة شديدة، فلم تكن لتصمد طويلًا. ثارت أسئلة حول ما بدا على الألمانيين من استبعاد لأي مقاومة، إذ اجتاحوا الدنمارك بسُفن ومركبات غير مدرعة.[8]
جُزر فارو
بعد احتلال الدنمارك، غزت القوات البريطانية جزر فارو في 12 أبريل عام 1940 غزوًا استباقيًّا غير دموي، للحيلولة دون أن تحتلها ألمانيا.
تغلبت بريطانيا على مناطق كانت الدنمارك تقدِّم فيها الدعم، فصارت الجزر بذلك معتمدة على المملكة المتحدة، وبدأت المملكة تشارك في الإنتاج السمَكي، وأمدت الجزر بالسلع اللازمة.
حصّن البريطانيون مواقع استراتيجية مهمة. نُشر نحو 8,000 جندي بريطاني في جزر فارو -وكان فيها حينئذ 30,000 ساكن-. هاجم الألمانيون الجزر مرارًا وتكرارًا، لكن دون إصابات تُذكر. لكن فُقد 25 مركبًا فارويًّا، ومات 132 بحارًا (نحو 0.4% من سكان فارو حينئذ).
مقالات ذات صلة
مراجع
- "The diaries: Quisling sealed Denmark's WWII fate". Politico.dk. 20 December 2013. مؤرشف من الأصل في 05 أبريل 2019.
- Laursen, Gert (1997). "The Occupation in Numbers". milhist.dk. مؤرشف من الأصل في 06 مارس 201224 ديسمبر 2016.
- Christensen, Claus Bundgård; Poulsen, N. B.; Smith, P. S. (2006). Under hagekors og Dannebrog : danskere i Waffen SS 1940–45 (باللغة الدنماركية). Aschehoug. صفحات 492–494. .
- Caruso, Jesper Dahl (20 March 2014). "Oprejsning til danske krigssejlere". nyheder.tv2.dk. مؤرشف من الأصل في 27 سبتمبر 201524 ديسمبر 2016.
- Henrik Dethlefsen, "Denmark and the German Occupation: Cooperation, Negotiation, or Collaboration," Scandinavian Journal of History. 15:3 (1990), pp. 193, 201-2.
- Jørgen Hæstrup, Secret Alliance: A Study of the Danish Resistance Movement 1940–45. Odense, 1976. p. 9.
- William Shirer, The Rise and Fall of the Third Reich (New York: Simon & Schuster, 1990), p. 663.
- Flemming Østergaard, (19 March 2010). "Dan Hilfling Petersen: 9. april 1940 — hele historien. Hvad der virkelig skete". Jyllands-Posten. مؤرشف من في 06 مارس 2012.