عند بدء التحدث عن السياق التاريخي لظهور العولمة يجب أن نبدأ من البداية حيث ظهرت العولمة كمفهوم ومصطلح منذ بداية العقد السابع من القرن التاسع عشر، غير انه تم التراجع عن هذه الفكرة بسبب التناقضات التي كانت تحملها الرأسمالية في طياتها, ومن أبرز هذه التناقضات الكساد الكبير الذي مس العالم سنة 1929, لكن سرعان ما تم الرجوع إلى هذه الفكرة نتيجة التطورات التي أحدثتها الثورة التكنولوجية والمواصلات والاتصالات ابتداء من أواخر الثمانيات(1), والتي تزامنت مع ظهور شبكة الأنترنت (www) (World, Wide, Web)، والتحضير لتحرير حركات السلع ورؤوس الأموال في أوروبا, وكذا سقوط جدار برلين, فالعولمة "Mondialisation" هي ترجمة فرنسية لما يسمى بالكوكبة "Globalisation" والتي لا تقتصر على فتح الحدود وتكثيف المبادلات التجارية, وإنما يقصد بها التقارب بين المجتمعات وهذا على المستوى الاقتصادي (وذلك عن طريق ربط المؤسسات والأسواق والجامعات والبث التلفزيوني بواسطة الأقمار الصناعية والأنترنت) أو على المستوى السياسي (ويتعلق الأمر بدفع دول العالم الإتجاه نحو اقتصاد السوق وهو ما يدعو إليه الفكر الليبرالي).
أول من استعمل مصطلح العولمة
حمزة وللإشارة فإن كل من (B.Danies Et Olivier Reiser) يعتبران أول من استعملا فعل يعولم (to Globalize)، بمعنى النظر إلى الكون كله كوحدة واحدة أو كل مترابط, حيث تنبأ بحدوث نوع من الاقتراب بين الثقافات والالتقاء بين الحضارات, وقد ارتبطت العولمة بالمشروع السياسي الأمريكي في مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة، ثم استعمله أيضا الباحث (Paul Fabra) في مقال نشر له في جريدة " Le monde " في 29-30 أفريل 1964، والذي تحدث فيه عن بداية مفاوضات جولة كينيدي المقرر إجراؤها آن ذاك في 04 ماي سنة 1964م.
المفهوم الشائع للعولمة
إن المفهوم الشائع للعولمة يتمثل في الاعتماد المتبادل للاقتصاديات العالمية وهذا بسبب إلغاء الحواجز الجمركية والتحرير ورفع القيود أمام تنقل السلع ورؤوس الأموال, وهذا ما جاء على وجه الخصوص في بنود جولة الأورغواي, حيث دعت كل الدول الموقعة على تعهدها الإلغاء أو التقليل من القيود الجمركية وغير الجمركية فيما بينها, وهذا من أجل تشجيع التجارة العالمية وتوسيع حجم الاستثمارات, ومن أجل احترام تطبيق هذه الاتفاقيات تم إنشاء المنظمة العالمية للتجارة (OMC) خلافا للاتفاقية العامة للحقوق الجمركية والتجارة (GATT). إن الهدف الرئيسي من الإلغاء أو التفكيك التدريجي للقيود الجمركية واعتماد أساليب التحرير من طرف عدد كبير من الدول السائرة في طريق النمو (كالجزائر, المغرب, تونس, مصر, سوريا, السينغال ودول إفريقية أخرى), هو جلب رؤوس الأموال والاستثمار الأجنبي المباشر على وجه الخصوص, والتي تساهم بدورها في دفع وتيرة درجة الاعتماد المتبادل بين اقتصاديات العالم, وهذا باعتبار أن سياسات التحرير وعدم التدخل من قبل الدولة في النشاط الاقتصادي يؤديان إلى تشجيع تداول رؤوس الأموال بشكل كبير على المستوى العالمي, وما سهل هذا التداول هو الثورة التكنولوجية والاتصالات التي عرفها العالم وخاصة الثورة المعلوماتية. وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار العولمة على أنها ظاهرة إضفاء الطابع المالي على الاقتصاد العالمي من خلال الحجم الكبير للصفقات المالية اليومية في أسواق الصرف, حيث سجل حجم المعاملات المالية 70 مرة حجم تجارة السلع والخدمات, فبلغ حجم التداول في الأسواق المالية ما يزيد عن 1500 مليار دولار يوميا في المتوسط في حين أن القيمة السنوية للتجارة العالمية تقدر بـ 5000 مليار دولار فقط(1), وبالتالي فإن حجم التعامل في الأصول المالية تجاوز حجم التعامل في السلع والتجارة الخارجية, فبلغ حجم التعامل اليومي في العملات ما يزيد عن 900 مليار دولار وحجم سوق السندات الدولي 1.6 مليار دولار وهذا سنة 1991.
مصادر
- ممدوح محمود منصور:العولمة دراسة في المفهوم والظاهرة والأبعاد، درا الجامعة الجديدة للنشـر، الإسكندريـة,2003, ص (14).
- Dagorn Renè, Une Breve Histoire du mot « Mondialisation », Articles Publiè dans « GEMDEV » : groupe d’ètude de la mondialisation et du devloppement, Paris, Karthala, 1999, p(02).
- سمير صارم، أوروبا والعرب, من الحوار إلى الشراكة, دار الفكر, سوريا 2000, ص(22).