الرئيسيةعريقبحث

الغنجة


> بنى الفينيقيون صور العمانية وأوجدوا فيها قواسم مشتركة مع صور اللبنانية. وصور عمان تتوسط شواطئ المحيط الهندي الصاخب بحركته والضاج بسير البشر على مياهه سفرا وتجارة وملاذاً للرزق دائم الاخضرار على رغم الزرقة التي تبدو لا متناهية.

في المنطقة الشرقية من عمان يمضي السائر إلى صور قرابة 350 كيلومتراً تقريباً. يعبر وسط عمان في اتجاه الطرف الآخر من البلاد حيث تنتظره صور كآخر طرف في حدود الخريطة، وهي أول طرف عربي يستقبل شعاع الشمس كل صباح. ولذا فإنها تستيقظ مبكراً على صوت البحر وأشعة الشمس لتدخل في حميمية كل يوم، اذ الامواج تنــادي الربابنة وتحاور الصيادين وتشرف على البيوت التي اختارت النظر إلى الزرقة كــل حين، ومن هذه الصورة يغـــدو للصــوريين منفــذ الــى آلاف الحكايات التي تخرج مـن بين الامواج فيتلقفها البشر وتتعدد الاسفار وفي كل سفر الــف حكاية وفي كل حكاية ألف معنى.

الصوري يتواصل مــع الموجــة ليغازلها تارة في اوقات الصفو الروحي وتارة يعمل بجانبها في صنع سفينة يعبر فوقها إلى موانئ العالم. وعلى امتداد الشاطئ هناك قوارب مقبلـــة وأخرى مبحرة واخرى تصنع على رغم ان الالوان تختلف، فالحداثة وصلت إلى قوارب الصيد لكن السفن بقيت نسيج هذا الصــوري الذي يجــلس ليحــيـك بأنامله ملامح سفينة فيحول الاخشاب المكدسة حواليه حتى تكاد تغطيه تحفة عابرة للموج، هذه الاخشــاب التــي كانت قبل زمن حاضنة كأشجار لمئات العصافيـــر هــا هــي تحتضن بعد قليل نداءات الموج وأصــوات النواخــذة وغنــاء البحارة: "زمن البحر ياللي دائم ما ننساك... يا بحر طاب ليلي معاك"، ويتواصلون: "البحر سفر سعيدة... والهواء ربي يزيده".

نكران وجمال

وقد تنكر البشر إلى حد ما لهذا الفن الجميل لكن ما زال العشــرات يعملــون الليــل والنهــار في صناعة السفن وتتكدس الاخشاب في مناجر يجلس بين اجزائها صناع السفــن يختارون أي الاخشاب اجدى لأجزاء هذا الكائن الذي يتكون بين ايديهم، فعمان لا تمتـلك من الاخشاب الا المأخوذ مــن اشجــار السدـر والقــرط وهـي قليلة، لكن الاشجــار العملاقة التي تقدم الأفضل لهذه الصناعة موجودة في الهند والساحل الشرقي ومن انواع هـذه الاخشاب الساج والينقلي والفيني والكندل.

وفيما تسكب الشمـس المحرقــة اشعتها على رؤوس هؤلاء الكادحين فإن الالواح تبقـــى ملاذاً ظليلاً يحتمون تحتها أو بأغطـية قماشيــة، هـؤلاء يواجهون الصيــف بمــا هــو معــروف عنه من درجة حـرارة تصل إلى الخمسين ودرجـة رطوبة تقترب من المئة، لكن عرق الرجال متواصل من اجـل الهواية والرزق على مدار العام، وفي الشتاء فإن الطقـس لــن يكون أكثر اراحة للجالسين امام تيارات الهواء الآتية من المحيط.

صناعة في أشهر

تستغرق السفينة حتى تكتمل صناعتها اشهراً عدة بحسب حجمها، وتبدأ اولاً من قطع الالواح الخشب وتسويتها بحسـب مقاسات محددة لكل وجهة في السفينة، وهناك من السفن ما يحتاج إلى سنة كاملة، ومن هذه الانواع "الغنجة" و"البغلة" ويعمل فيها عشرة عمــال على الاقل علـى مــدار العـام، وتراجعت صناعة السفن الضخمة التي كانت تحمل المسافرين والتجار إلى موانئ الساحل الأفريقي والهند والبـصرة وإيران وباكستان، والاقبال يدور حالياً على مراكب من نوع "السنبوق" التي تستخدم للصيد.

ويحدد العمود الفقري للسفينـة حجمها وهو ما يأتي فــي المرتبة الثانية في الصناعة، فبعد تهيئة الاخشاب يقـام العمــود الفقري من الاخشاب العملاقة ويبدأ العاملون في التوزع على السفينة تحت اشـراف عارف بالصناعة يوجه ويحدد ويخطط لتتحمل هذه السفينة السير في المحيطات والبحر نصف قرن على الاقل ومواجهة الحيتان التي تتكاثر في المحيط.

وفي مساءات صور الراهنة يجلس النواخذة ومهرة الصناع يتذاكرون حكايات السفن التي صنعوها وقادوا اشرعتها ووجهوا بوصلاتها إلى اماكن مختلفة في اطراف هذا المحيط، ولدى كل واحد منهم ذكريات عن سفينة ابدعتها أياديه فإذا هي على سطح الماء تحمل اسفاراً وأسراراً ومواجهات صعبة مع البحر، يتمنون ان تعود أمجادهــم. فسواعدهم اعتادت وذاكراتهم تسبح بهـم الــى البعـيد حيث البحر وذكرياته، وهناك في صور أكثر من منجرة تود لو ان الشباب يقبل للعمل فيها. وعلى رغم الاجر الجيد إلا ان صناعة الماضي لم تعد مفيدة لبناء المستقبل، فالنواخذة الصوريون لم يعودوا كما هم والبحارة أصبحوا موظفين حكوميين لا يأمنـون للبحــر بسبـب ما سمعوه عن مفاجآته على رغم ان عشق البحر قائم على المغامرة بما في ذلك من لذة لا تقاوم.

وعلى الشارع البحري في صور تقف سفينة يشير اليها كل من يزور صور، وفي المساء يجلــس اليها الصوريون يتبادلون اطراف الحكايات والذكريات، يسمونها "فتح الخـير" أو "الخضراء" وحكايتها لا تختلف كثيراً عن حكايات البحر، فهذه السفينة التي صنعــت عام 1951 ظلت مع البحـر على علاقة استمرت 43 عاماً منها 25 عاماً مترددة على صور حيث مالكها الاصلي ومن ثم 18 عاماً في دبي واليمن، تحمل "فتح الخير" طاقم بحارة يتكون من 20 بحاراً وطولها 76 ذراعاً وعرضها 40 ذراعاً والعرض في الوسط 14 ذراعاً والارتفاع من الداخل حتى السطح 10 أذرع.

هذه السفينة زارت عشرات الموانئ وهي من نوع "الغنجة"، وبيعت إلى أكثر من شخص لكنهــا عادت إلى نقطة ابحارها الاولى وإلى أول موجة قبلتها على الشاطئ الصوري، وسميت "فتح الخير" لأن المطر هطل بغـزارة في أول يوم بنائها، ومقدمتها على شكـل طائـر الهدهـد وبيعت عام 1975 إلى تاجر في دبي اسمه سيف الجرواني الذي باعها لتجار من اليمن، وفكّر الصوريون بأن يسترجعوا هذه السفينــة لما فيهـــا من تاريخ وحميمية مع هـذه المدينة وتبرع كبار التجار بأكثر من 80 ألف دولار اميركـي لشرائـها وقاد مسيرتهـا مـن مينـاء المكلأ اليمني إلى مسقط رأسها نوخذة صوري.

ومن البحر إلى اليابسة غـادرت "فتح الخير" زرقة المياه لتطل عليها عن قرب وحولها عشاقها يتسامرون في حكاياتها وحكايات كل صوري غرس بيارقه في البحر.

انها السفن المتجددة دوماً والتي يصعب ان تغادر عيون من يشاهدونها ومخيلاتهم.

سفينة الغنجة نوع من السفن العمانية التي تشتهر بها ولاية صور في أقصى الشرق العماني كان لها دوراً فعال في النشاط الملاحي بين عمان واليمن من ناحية وسواحل الشرق الأفريقي والهند والصين

من ناحية أخرى.صنع كثيرا منها في خور البطح الشريان الرئيسي للولاية واحد أهم موانيء الجزيرة العربية.اما في الوقت الحاضر توقفت صناعة سفن الغنجة في صور وانحسرت على مركب

السنبوق(إحدى أنواع مراكب الصيد).وقد تم بيع كل السفن لتجار يمنين وبعض تجار دبي سوى سفينتين واحدة تستلقي في حي الرشة بولاية صور(سفينة فتح الخير) بعد أن صالت وجالت في المياه

الدولية أكثر من 40 عام والثانية في كورنيش مطرح قرب ميناء السلطان قابوس. وقت تمت محاولة صنع سفينة غنجة ضخمة لتخلد تاريخ هذا النوعمن السفن وللاسف تمت مداهمتها من مجهولين اضرمو

النار في مصنع السفن قرب حي الرشة.