لمحة تاريخية
وُجدت دلائل على وجود الفاكهه أو الفيكة منذ عدّة قرون على الأقل، أمّا ما سبق فغير موثق. نشأت القرية على السفح الغربي لسلسلة جبال لبنان الشرقية. فهي قريبة من الخط التجاري بين بعلبك وبيروت ومدن شمال سوريا كحمص وحلب والقصير، وتدرأ بموقعها عن الجيوش العديدة التي اجتازت البقاع تاريخيًّا.
صناعة السجاد
في بلدة الفاكهه (أقصى البقاع الشمالي)، وفي غرفة من بيت محمد محمود سكرية، تجلس نساء على مقعد خشبي أمام آلة حياكة قديمة، يعملن على انجاز سجادة خلال أسبوع.
هذا البيت الذي تحول إلى محترف للسجاد (تشرف عليه نهلة عسكرية)، قد يكون، في تلك البلدة البقاعية النائية، الوحيد الباقي من عشرات محترفات كانت فيها وانتشرت إلى بلدات أخرى مجاورة.
كيف انتشرت هذه الصناعة الحرفية الدقيقة العريقة، ولماذا تتجه الآن نحو الانقراض؟
تؤكد السيدة نهلة سكرية أن صناعة السجاد في بلدة الفاكهه مهنة قديمة ترقى إلى أكثر من 300 عام، أدخلتها سيدة شمالية من عيدمون تزوجت من بلدة الفاكهه وعلمت الصنعة نساءْ أحببنها رغم دقتها وصعوبتها، فكانت الصنعة سبيلا ْ لتحسين وضع أسرهن المادي والاجتماعي.
وعن السيدة نايفة سكرية أن سجاد الفاكهه رفيع الجودة، ووصلت شهرته إلى أرجاء واسعة من العالم.
نهلة ونايفة سكرية تشرفان على عمل الصبايا في المحترف وتشرحان مراحل صناعة السجاد الفيكاني:
يبدأ من مادته الأولية: صوف الغنم الذي كان يتم شراؤه من بلدة عرسال وأسواق مدينة بعلبك ومن حمص في سوريا. وبعد انحسار تربية الماشية في البقاع، بات يشرى من حمص.
يتم غسل الصوف لتنظيفه جيدا ً قبل مراحل صناعة السجاد وهي حسب تسلسلها:
- تمشيط الصوف وهو يستغرق وقتا ً طويلا ً وجهدا ً مضنيا ً.
- تحويل الصوف إلى كويكبات.
- غزل الكويكبات وتحويلها خيوطا ً تلتف لتتحول مرة أخرى إلى كويكبات أخرى.
- تحويل الكويكبات الجديدة شللا ً تصبغ وفق المواصفات.
- بعد الصباغ: كبكبة الخيوط مجددا ً ثم تكوين السجاد الذي يتم عقده عقدا ً.
تعتمد حياكة هذا النوع من السجاد على أشكال هندسية ورسوم مستوحاة من السجاد العجمي.
الابداع الفني في صناعة السجاد في الفاكهه يبدأ من النقش أو اللوحة وفق ما يريدها الزبون، فأمام النول (آلة الحياكة) لوحة مرسومة على ورق ذي مربعات صغيرة تعيد الصبايا رسمها بخيوط الصوف على خيوط القطن أو الحرير المثبتة على النول بطوقين، لتكون النتيجة - بعد وقت طويل ومضن - سجادة هي أشبه بلوحة فنية لا تختلف في تفاصيلها عن الصورة الأصلية.
مد خيوط القطن أو الحرير لسجادة من 3 امتار عرضا ً و4 أمتار طولا ً، تستغرق على النول نحو أسبوع، ثم تتم حياكة خيوط الصوف وفق الألوان واللوحة المطلوبة لتتكون السجادة بعد شهرين، ومع عدد كاف من العمال يمكن انجاز ست سجادات أو ثمان في السنة على النول الواحد.
صناعة السجاد في الفاكهه، على طريق الانقراض سهام حلاني منحت نولها إلى مؤسسة تراثية في بيروت، وحولت مشغلها إلى "ميني ماركت"، مكتفية بعرض ما بقي من إنتاجها على الزوار، لأن صناعة السجاد يلزمها طول صبر وأناة.
عن يوسف خليل أن أم حسين خليل كانت الأشهر في حرفة صناعة السجاد في الفاكهه، ووصلت هداياها إلى بعض زعماء الدول العربية، وهي علمت نساء في الفاكهه هذه المهنة حتى وفاتها قبل سنوات.
محمد محمود سكرية يرى لصناعة السجاد في الفاكهه فضلا ً كبيرا ً على أبناء البلدة، إذ مكنت عائلات من تعليم أولادها، وتكاد نسبة حملة الشهادات العليا في هذه البلدة تكون الأعلى في لبنان. لكن غياب كبار الصنعة أو شيخوختهن، أثر على صرف النظر عن هذه المهنة، ويندر من يهتم بسجاد مصنوع يدويا ً، لكلفته العالية إذ يبلغ سعر السجادة 3×4 م نحو أربعة ملايين ليرة حدا ً أدنى، فيما الأسواق غارقة بسجاد لا يتجاوز سعر واحدتها 200 أو 300 الف ليرة.
السيدة مريم جرجي سلوم كانت شهيرة في هذه المهنة، ولا تزال تحتفظ بنولها العربي (عمره نحو 130 عاما ً) ونولها الغربي (عمره نحو 60 عاما ً) وببعض سجادات ابتدعتها في مسيرتها الحرفية.
ويجمع أهالي الفاكهه أن هذه الصناعة، منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، بدأت بالتراجع لأسباب منها:
- انفتاح السوق المحلية على الاستيراد.
- نزوح فئات واسعة ومتزايدة من الريف إلى المدينة سعيا ً وراء فرص العمل.
- حصول معظم الشباب والصبايا على شهادات علمية عالية.
هنا، ترى نهلة سكرية ضرورة تدخل الدولة بوزاراتها المختصة (الثقافة، الشؤون الاجتماعية، السياحة) للحفاظ على هذا الإرث التاريخي التراثي، وتشكيل دورات تصاميم تراثية، ووضع خطة للتعريف بالحرفة، واجراء اتصالات مع جهات أهلية ورسمية لتأمين تصريف الإنتاج، والمشاركة في المعارض الوطنية والدولية.
وتؤكد سكرية عودة هذه الحرفة الجميلة إلى الحياة، لأن كثيرين من أبناء الفاكهه يشتاقون إليها إذا وجدت الحوافز.
وتختم سكرية بالسؤال: لم لا تندرج صناعة السجاد على جدول هدايا الرؤساء والشخصيات الرسمية إلى ضيوفهم الأجانب، كما هي الحال مع بعض الصناعات الحرفية الأخرى؟