الرئيسيةعريقبحث

الفرقة الناجية


☰ جدول المحتويات


الفرقة الناجية هو مُصطلح استنبطه علماء الحديث من الحديث النبوي : (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) [1]

فيُعرفون الفرقة الناجية بأنها هي المتبعة لما كان عليه الرسول وأصحابه، فهي بقية السلف، والمتفردة باتباع الكتاب والسنة بين بقية الفرق التي عصفت بها الأهواء، وذهب بها الرأي والشبهات كل مذهب

وهم الذين يعملون لإقامة شرع الله في الأرض وتحكيم شرعه[2]

وهذا الحديث المشهور بين الناس والذي يدور حول انقسام الأمة الإسلامية إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، يتعامل معه الكثير من الناس بشكل غير سليم، إلى جانب أن ذلك التعامل الخاطئ أحدث حالة من التفتت في جسد الأمة بادعاء كل فرقة أنها هي التي تمتلك الحق، وهي الأقرب لاتباع سنة النبى ، وذلك محاولة لها للنجاة من النار والفوز بالجنة باعتبارها هي الفرقة الناجية.[3]

وهناك تنفيد لهذا المعنى يتناول هذا الحديث من ناحية السند (تناول نصي)، ثم من ناحية المتن (تناول عقلي)، واخيرا من ناحية الاستدلال به[4]

سند الحديث

ذلك الحديث برواياته المتعددة لم يرد في الصحيحين البخاري ومسلم. وكتب الحديث الأخرى التي ذكرته ذكرت له روايات كثيرة فيها «ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، اثنتان وسبعون في النار واحدة في الجنة». وفي رواية أخرى «ستفترق أمتي على نيف وسبعين فرقة، الناجية منها واحدة» وفي أخرى «كلها في النار إلا واحدة».

عرف عن هذا الحديث برواياته المتعددة أنه "حديث صحيح" و لكن ذلك أمر يحتاج إلى إيضاح. فليست كل الروايات صحيحة وإنما كلها ضعيفة إلا رواية واحدة وهي الرواية التي ذكرت افتراق الأمة وذكرت عدد الفرق ولم تذكر أنها كلها في النار إلا واحدة. وهذه الرواية هي حديث أبى هريرة الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وفيه يقول: «افترقت اليهود على إحدى – أو اثنتين – وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة». وإذا نظرنا لسند ذلك الحديث وجدنا فيه "محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثى" وهو لم يوثقه أحد بإطلاق بل قالوا فيه أنه صدوق له أوهام. والصدق وحده لا يكفى ما لم ينضم إليه الضبط، فكيف إذا كان به أوهام؟ لذلك لم يعد هذا الحديث صحيحا لذاته، وإنما قالوا عنه أنه حديث صحيح وذلك لتعدد رواياته غير الصحيحة، فقيل عنه أنه "صحيح لغيره" أى ليس صحيحا في ذاته. وهذه الرواية التي ذكرناها للحديث والتي تعد أقوى طرقه نجدها في أقل درجات الصحة وهي "الصحيح لغيره". وأيا كان فإن الحديث خلا من عبارة "كلها في النار إلا واحدة" وهي النقطة الدائر حولها الحوار. أما ما دون هذه الرواية فهى روايات ضعيفة إنما قووها بانضمام بعضها إلى البعض والذي يراه بعض العلماء أن التقوية بكثرة الطرق لا يؤخذ بها دائما خاصة والأمر هنا يدور حول عصب الدين وهو أمور العقائد التي تستوجب التوثيق الشديد.

يقول الإمام بن حزم: إنها موضوعة لا موقوفة ولا مرفوعة وكذلك جميع ما ورد في ذم القدرية والمرجئة والأشعرية فإنها أحاديث ضعيفة غير قوية. أما العلامة ابن الوزير في حديث افتراق الأمة إلى نيف وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة فيقول: «في سنده ناصبي فلم يصح عنه».

ويقول الإمام الشوكانى: «أما زيادة "كلها في النار إلا واحدة" فقد ضعفها جماعة من المحدثين». إلى جانب الكثير من آراء العلماء.

متن الحديث ومعناه

وأما عن متنه ومعناه و دلالاته فرأي حجة الإسلام أبى حامد الغزالي يتلخص في أنه لا يحصر النجاة –بمعنى دخول الجنة وصحة الإيمان- في فرقة واحدة كما يجعل الهلاك من نصيب المكذبين للرسول وذلك بدلا من تفسير غلاة التعصب الذين يجعلون الهلاك من نصيب اثنتين وسبعين فرقة ما عدا فرقتهم التي يحتكرون لها صحيح الإيمان والنجاة. ويقول العلامة ابن الوزير: «وإياك الاغترار بـ "كلها هالكة إلا واحدة" فإنها زيادة فاسدة غير صحيحة القاعدة ولا يؤمن أن تكون من دسيسة الملاحدة».

ويقول الشيخ الدكتور القرضاوى: «وفى متن هذا الحديث إشكال من حيث إنه جعل هذه الأمة التى بوأها الله منصب الشهادة على الناس ووصفها بأنها خير أمة أخرجت للناس أسوأ من اليهود والنصارى في مجال التفرق والاختلاف حتى إنهم زادوا في فرقهم على كل من اليهود والنصارى». وقال أيضا: «ثم إن هذا الحديث حكم على فرق الأمة كلها –إلا واحدة- بأنها في النار هذا مع ما جاء في فضل هذه الأمة وأنها مرحومة وأنها تمثل ثلث أهل الجنة أو نصف أهل الجنة. على أن الخبر عن اليهود والنصارى بأنهم افترقوا إلى هذه الفرق التى نيفت على السبعين غير معروف في تاريخ الملتين و خصوصا عند اليهود فلا يعرف أن فرقهم بلغت هذا المبلغ من العدد».

ورأي الدكتور محمد عمارة يتلخص في أن واقع الفرق الإسلامية لا يمكن التعبير عنه بأى حال من الأحوال بالعدد ثلاث وسبعين فرقة، فهى عند الأشعرى تزيد عن المائة، والشهرستانى عدهم ستا وسبعين فرقة، وابن حزم عدهم خمس فرق، والملطى عدها أربعا، والقاضي عبد الجبار عدها خمسا، والخوارزمى عدهم سبعا.

أما رأي الدكتور عبد الرحمن بدوي فيمكن حصره في النقاط الثلاث التالية

  • إن ذكر هذه الأعداد المحددة المتوالية 71-72-73 أمر مفتعل لا يمكن تصديقه فضلا أن يصدر مثله عن النبي.
  • لا نجد لهذا الحديث ذكرا فيما ورد لدينا من مؤلفات القرن الثاني بل ولا الثالث الهجري ولو كان صحيحا لورد في عهد متقدم.
  • أعطت كل فرقة لختام الحديث الرواية التي تناسبها فأهل السنة جعلوا الفرقة الناجية هي أهل السنة، والمعتزلة جعلوها فرقة المعتزلة وهكذا.

ورأي الدكتور محمد سيد أحمد المسير يمكن اختصاره في نقطتين

  • مفهوم الأمة في الحديث هو "أمة الدعوة" وليست "أمة الإجابة". وأمة الدعوة المقصود بها هو كل البشر الذين أرسل اللهُ النبىَ إليهم بالدعوة. وأمة الإجابة هم الذين أجابوا النبى إلى الإسلام.
  • بافتراض أن المقصود بالأمة هو "أمة الإجابة"، فإن انحصار الصواب في فرقة واحدة من الأمة والتسليم بكل آرائها هو غير ممكن. إذ كل الفرق فيها الصواب والخطأ. والميزان الصحيح هو أن ترد المسائل مسألة مسألة إلى كتاب الله وسنة رسوله

الاستدلال بالحديث

ذلك الحديث هو حديث آحاد (أى أن عدد سلاسله السندية قلت عن عشر سلاسل)، أى ليس متواترا، وشرط التواتر اشترطه غالبية فقهاء الأمة من شافعية وحنفية ومالكية بل وحنابلة وغالبية متكلمى الأمة وعلمائها عند الاستعانة بحديث ما في أمور العقائد. ولا يوجد إلا "أهل الحديث" وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل وبعض العلماء المعاصرين الذين يكتفون بكون الحديث آحادا فقط في الاستدلال به في أمور العقائد. ومن الحنابلة من اشترط التواتر، فبالتالى ذلك الحديث –إن صح- لا يعتد به في أمور العقائد طبقا لغالبية علماء الأمة.

حتى مع الذين يقولون بحجة حديث الآحاد في أمور العقائد، فالحديث الذي صح هنا أصبح "صحيحا لغيره" أى أنه في ذاته ليس صحيحا. إلى جانب أن الحديث الصحيح الذي ذكرناه يخلوا من جملة "كلها في النار إلا واحدة"، فلا يحق لأحد اعتمادا على هذا الحديث أن يحكم على فرقة أو مذهب ما أنه في النار. فغير مقبول أن يكون حديث له هذه الدرجة الواهية من الصحة أن يكون حكما على العقيدة.

يقول ابن حزم بعد أن ذكر الحديثين "القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة" و "تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة كلها في النار حاشا واحدة فهى في الجنة" يقول: هذان حديثان لا يصحان أصلا من طريق الإسناد وما كان هكذا فليس حجة عند من يقول بخبر الواحد فكيف من لا يقول به؟

ويقول الشيخ القرضاوى: «ثم إن الحديث يدل على أن هذه الفرق كلها جزء من أمته أعنى أمة الإجابة المنسوبة إليه بدليل قوله: "تفترق أمتى" ومعنى هذا أنها –برغم بدعتها– لم تخرج عن الملة ولم تنفصل من جسم الأمة المسلمة وكونها في النار (إن اعتبرنا عبارة "كلها في النار إلا واحدة") لا يعنى الخلود فيها كما يخلد الكفار بل يدخلونها كما يدخلها عصاة الموحدين»

انظر أيضاً

المراجع

موسوعات ذات صلة :