يعتبر المجتمع الدولي على نطاق واسع إنشاء المستوطنات الإسرائيلية في المناطق التي تحتلها إسرائيل غير قانوني على إحدى قاعدتين: إما أن المستوطنات تمثل خرقًا للمادة 49 من اتفاقية جنيف، أو أنها مخالفة للإعلانات الدولية. أكد كل من مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومحكمة العدل الدولية، والأطراف العليا الموقعة على الاتفاقية، أن اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق على المستوطنات الإسرائيلية.
أكد العديد من قرارات الأمم المتحدة والرأي الدولي المسيطر أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والقدس الشرقية، ومرتفعات الجولان، تمثل خرقًا للقانون الدولي بما في ذلك قرارات مجلس الأمن للأعوام 1979 و1980 و2016. يُشير قرار مجلس الأمن رقم 446 إلى اتفاقية جنيف الرابعة بصفتها الأداة القانونية الدولية المطبقة، ويطالب إسرائيل بالكف عن تحويل سكانها نحو تلك المناطق، أو تغيير التكوين الديموغرافي للمنطقة. أعلن 126 ممثلًا دوليًا في المؤتمر المنعقد للأطراف العليا الموقعة على اتفاقيات جنيف عام 2014 أن المستوطنات غير قانونية كما فعل العضو القضائي الأساسي في الأمم المتحدة؛ محكمة العدل الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
حاججت إسرائيل بضراوة أن المستوطنات لا تمثل خرقًا لاتفاقية جنيف الرابعة لأن المواطنين الإسرائيليين، من وجهة نظر إسرائيل، لم يُنقلوا أو يُحولوا إلى تلك المناطق، ولا يمكن اعتبار تلك المناطق أنها أصبحت مناطق محتلة بسبب عدم وجود سيادة دولية قانونية ومعترف بها سابقة للوجود الإسرائيلي. حاججت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بأن كل المستوطنات الموافق عليها قانونية وتتماشى مع القانون الدولي. عمليًا، لا تقبل إسرائيل أن اتفاقية جنيف الرابعة تطبق حكم القانون، ولكنها صرحت ولأسباب إنسانية بأنها ستحكم هذه المناطق بحكم الأمر الواقع من خلال أحكامها دون تحديد ماهية هذه الأحكام. يؤكد أغلب علماء القانون أن المستوطنات تمثل خرقًا للقانون الدولي، بينما أعرب آخرون عن آراء معارضة تدعم الموقف الإسرائيلي. لم تعالج المحكمة العليا الإسرائيلية ذاتها قضية مشروعية المستوطنات.
خلفية
بعد فترة قصيرة من الاستقلال، حكمت المحكمة الإسرائيلية العليا أن المبادئ الأساسية للقانون الدولي، المقبولة بصفتها ملزمة لكل الدول المتحضرة، يجب أن تؤَسَّس في النظام القانوني المحلي لإسرائيل. في الفترة التي أعقبت حرب الأيام الستة عام 1967، احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية، والقدس الشرقية، ومرتفعات الجولان. سُئل ثيودور ميرون، الذي كان في ذلك الوقت مسؤولًا في الحكومة الإسرائيلية حول موضوع القانون الدولي، والمستشار القانوني لوزير الخارجية الإسرائيلي، أن يوفر مذكرة تُعنى بوضع المستوطنات المقترحة في تلك المناطق من ناحية القانون الدولي، والتي رفعها لاحقًا إلى وزير الخارجية الإسرائيلي آبا إيبان في الرابع عشر من سبتمبر عام 1967. خَلُص ثيودور إلى أن المستوطنات العسكرية قصيرة الأجل جائزة، ولكن المستوطنات المدنية في المناطق المُشرف عليها تتعارض مع الأحكام الواضحة لاتفاقية جنيف الرابعة، مضيفًا أن منع مثل هذا الانتقال للسكان كان حاسمًا، وأن الاستيطان المدني في المناطق المُشرف عليها يتعارض مع الأحكام الواضحة لاتفاقية جنيف الرابعة. حاجج غيرشوم غورينبيرغ بأنه تبعًا لوجود ملفات لهذه الملاحظات، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، ليفي أشكول، علم أن الاستيطان المدني في المناطق التي احتلتها إسرائيل للتو سيخرق القوانين الدولية، وأن أشكول انخرط بشكل فعال بمرور الوقت في استكشاف كيفية استيطان المناطق المحتلة حديثًا. اعتُبر رأي ميرون القانوني الجلي سريًا للغاية ولم يُعرض للعامة.[1]
استمرت الحكومة الإسرائيلية في السماح ببناء المستوطنات العسكرية لأسباب أمنية. بُنيت تلك المستوطنات على حدود تلك المناطق، على طول الجبهتين السورية والأردنية وعلى طول حدود شبه جزيرة سيناء. أعلنت إسرائيل أنها تقبل قرار مجلس الأمن رقم 242 وأنها مستعدة للتفاوض مع كل دولة عربية على كل فقرة في القرار. أخبر آبا إيبان جورج بول أن إسرائيل تنوي إعادة معظم الضفة الغربية إلى الأردن. طالبت مصر والأردن بمفاوضات وانسحاب بوقت واحد مع اقتراح الملك الأردني حسين أن المفاوضات إن لم تصل إلى سلام بغضون ستة أشهر أو سنة؛ فقد تعيد القوات الإسرائيلية المنسحبة احتلال الضفة الغربية، وعقد اتفاقية سلام منفصلة مع الفلسطينيين. أعلم ليفي أشكول واشنطن أن إسرائيل ستعيد المناطق السورية والمصرية مقابل السلام، ولكن لم يكن هناك أي ذكر لإعادة الضفة الغربية، رغم عقد محادثات سرية مع الأردن حول أشكال محتملة من التسوية بين البلدين في ما يتعلق بذلك. في ذلك الوقت، ومع الحصول على موافقة الحكومة، أعيد بناء مستوطنة كفار إتزيون في سبتمبر عام 1967، لتصبح أول مستوطنة مدنية تُبنى في الضفة الغربية. خلال سبعينيات القرن الماضي، حكمت المحكمة العليا الإسرائيلية بشكل اعتيادي بأن إنشاء المستوطنات المدنية من قبل القادة العسكريين أمر قانوني على أساس أنها تشكل جزءًا من الشبكة الدفاعية الإقليمية، واعتُبرت إجراءات مؤقتة تحتاجها إسرائيل لأغراض أمنية وعسكرية. بعد استلام حزب الليكود الحكم عام 1977، لم تعد الأرض مستخدمة على أسس قوانين هوغ لعام 1907، والتي تضمن وجودًا إسرائيليًا ذا طبيعة مؤقتة، بعد إعلان الحكومة الجديدة أن الأراضي في الضفة الغربية هي «أراضي دولة».
حكمت المحكمة العليا الإسرائيلية في عام 1979 وعام 1980، مدفوعة بسياسات الحكومة الجديدة، بقضيتين مهمتين تحددان شرعية الاستيطان الإسرائيلي في ظل القانون الدولي. في قضية أيوب وآخرون ضد وزير الدفاع (قضية بيت الطوباس)، حددت المحكمة أن اتفاقيات هوغ دون اتفاقيات جنيف يمكن أن تُطبّق من قبل المحاكم الإسرائيلية حول الأرض وقضايا الاستيطان في المناطق المحتلة. في السنة التالية، حكمت المحكمة بقضية دويقات وآخرون ضد حكومة إسرائيل (قضية إيلون موريه)، واضعة محددات اتفاقيات هوغ حول استحواذ إسرائيل على الأرض والاستيطان. لا يمكن اعتبار المستوطنات، سواء على أرض عامة أو خاصة، ذات طبيعة دائمة، ولا يمكن اعتبار الأرض مستولى عليها بشكل دائم، بل مؤقت. كانت المستوطنات على الأراضي الخاصة شرعيةً فقط في حال اعتُبرت ذات ضرورة عسكرية؛ يحتفظ المالك الأصلي بملكية الأرض وتُدفع له رسوم استئجار لاستخدام تلك الأرض. لا يمكن عزل ملكية الأراضي العامة ولا تغيير طابعها الأساسي.[2][3]
وضع المناطق
رغم أن كل المناطق قد احتلتها إسرائيل بعد حرب الأيام الستة عام 1967، عاملت إسرائيل تلك المناطق بثلاث طرق مختلفة:
القدس الشرقية: كانت القدس والمناطق المحيطة بها تُرى على أنها منطقة دولية خاضعة لإشراف الأمم المتحدة في خطة التقسيم عام 1947، والتي قبلتها المنظمة اليهودية، ورفضتها كل الدول العربية. في عام 1948، استولت الأردن على الجزء الشرقي من القدس وضمّته، بينما استولت إسرائيل الجزء الغربي منها وضمّته. بعد حرب الأيام الستة عام 1967، ضمّت إسرائيل الجزء الشرقي مع بعض القرى المحيطة به. في عام 1980، مرر الكنيست الإسرائيلي قانون القدس الذي ينص على أن «القدس، كاملةً وموحدةً، هي عاصمة إسرائيل».[4]
طبق قانون مرتفعات الجولان لعام 1981 «القانون والسلطة القضائية والإشراف الإسرائيلي» على مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل من سوريا في عام 1967. رغم عدم استخدام القانون لذلك المصطلح، فإن المجتمع الدولي وأطرافًا في المعارضة الإسرائيلية اعتبروه ضمًا لتلك المرتفعات.
قطاع غزة والضفة الغربية من جزء من المناطق التي عرضتها الأمم المتحدة لدولة فلسطينية من وجهة نظر عربية في خطة التقسيم، والتي رفضتها الدول العربية. من عام 1948 حتى عام 1967، احتلت مصر قطاعَ غزة، وضمت الأردن الضفةَ الغربية. وإلى جانب ضم القدس الشرقية المذكور أعلاه، لم يُعترف بضم الأردن للضفة الغربية دوليًا. منذ عام 1967، خضعت الضفة الغربية للاحتلال العسكري. احتُلت غزة أيضًا عام 1967، ولكن بعد خطة فك الارتباط الإسرائيلية أحادية الجانب عام 2005، أصبح وضع غزة متنازعًا عليه مع آراء متصارعة حول ما إذا كان الاحتلال انتهى أم لا.
اعتبر مجلس الأمن الدولي (القرارات 478 و479 المتعاقبة) قانونَ القدس وقانونَ مرتفعات الجولان غير شرعيين، ولم يعترف المجتمع الدولي بهما. امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على القرار 478 ومرر الكونغرس الأمريكي قانون سفارة القدس، مغيرًا فقرات أساسية لتجنب فيتو رئاسي، الذي يعتبر القدس عاصمة لإسرائيل. يمكن تأجيل أحكام القانون لتنفيذ نقل السفارة أو منعها عن طريق ممارسة التنازل التنفيذي. ترى الولايات المتحدة أن أجزاء من القدس ليست ضمن إسرائيل وأن الموقف الرسمي للولايات المتحدة حول وضع القدس يجب أن يُحل بالتفاوض. يرى الاتحاد الأوروبي القدس كيانًا مستقلًا، وتعتبر الأمم المتحدة أن إعلان إسرائيل للقدس بصفتها عاصمتها باطلٌ.
وقعت إسرائيل معاهدة سلام مع مصر (مزيلة كل المستوطنات الإسرائيلية في شبه جزيرة سيناء ومعيدة السيادة المصرية على شبه الجزيرة) ومع الأردن (معيدةً أجزاء صغيرة إلى السيادة الأردنية)؛ لا يوجد حاليًا أي معاهدات سلام تحكم حدود إسرائيل متعلقة بقطاع غزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان. يُعد تحديد أحكام نظام روما حول المحكمة الجنائية الدولية المتعلقة بنقل المدنيين معقدًا بسبب موقف إسرائيل، إذ اعتبرت إسرائيل نفسها مستهدفة. يُشير النظام، كما هو مبين في صيغته، إلى أن شكلًا واحدًا من أشكال الجرائم يحدث عندما ينقل مرتكب الجريمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة جزءًا من سكانه إلى المنطقة المحتلة، ويشترط أن يكون هذا الانتقال مفهومًا وفقًا لأحكام القانون الدولي ذات الصلة. صوتت إسرائيل في البداية ضد النظام الأساسي بسبب هذا المقطع، ولكن وقعت عليه لاحقًا في ديسمبر من عام 2000، لتعلن في يونيو عام 2002 أنها لا تعتزم المصادقة عليه.
المراجع
- Schmidt 2008، صفحة 361.
- Lustick 1981، صفحات 557–577.
- Cohen 1993، صفحات 103–104.
- Rabinowitz, Dan (28 March 2012). "17: Identity, the State and Borderline Disorder". In Thomas M. Wilson and Hastings Donnan (المحرر). A Companion to Border Studies. John Wiley & Sons. صفحات 307–308. .