الكرد في حلب، للوجود الكردي في حلب تاريخ عريق، يمتد إلى العصور الغابرة ولكنه تأصل أكثر مع نشوء الدولة الأموية في الشام، حيث كانت العلاقات بين امراء الكرد والخلفاء الأمويين في اشدها. وبعد بروز الدولة الايوبية الكردية الاصل صارت حلب من ابهى مدن الدولة، وبنى صلاح الدين والامراء الايوبيين استحكامات ومدارس ومنشآت هامة في المدينة وارجائها. اما في عهد المغول وسيطرة السلاجقة والعثمانيين، فان النزاعات التي سادت بين الكرد والقبائل التي رافقت هذه الغزوات تكثر ورودها في بطون التواريخ الإسلامية، وكان أغلب هذه النزاعات تتمحور حول السيطرة على الثغور والمراعي، حيث ان القبائل الغز التركمانية التي سادت المنطقة بعد غزو السلاجقة والمغول كانت قبائل رحالة تبحث عن الكلأ لقطعانها[1].
الكرد في اطراف حلب في وثائق قديمة
ينقل الدكتور محمد علي الصويركي، الباحث الأردني عن الأكراد في ولاية حلب العثمانية، من بحث علمي موثق قام به د. خضر عمران حول" الحياة الاجتماعية في ولاية حلب في النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي/النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري"[2]. حيث اعتمد في مصادره على وثائق محاكم حلب الشرعية، أثبت من خلالها وجود الكرد في ولاية حلب منذ القرن الثاني عشر الميلادي – منذ أيام الدولة الأيوبية، والدولة المملوكية، والدولة العثمانية - وهذا البحث يدعم الآراء التي تؤكد أصالة الوجود الكردي في سورية (منطقة الجزيرة وعفرين) منذ مئات السنين، وقد وردت هذه الحقائق التاريخية ضمن أطروحة الدكتوراه التي تقدم بها إلى جامعة دمشق، كلية الآداب، قسم التاريخ، عام 1989م. ولقيمة المعلومات التاريخية التي وردت في إحدى فصول أطروحته عن الأكراد في حلب، نستلها من أطروحته كما هي: وفي العهد المملوكي، ذكر (القلقشندي) أنه وجد في ظاهر حلب وبرّها الممتد حاضرةً وبادية سكن كثيف، وأمم من طوائف (العرب والأكراد والتركمان)، كما أشار أيضاً إلى مرابطتهم في (الثغور)مع (التركمان)، يحاربون العدو البيزنطي. ومما ذكر في العهد المملوكي أيضاً، أنه كان يتبع حلب بعض قبائل (الكرد)، وكان بعض شيوخهم، يعينون من قبل السلطان، ويستدل من هذا أن العنصر الكردي في هذه الفترة كان يعيش في نواحي حلب حياة قبلية، ويعتمد على تربية الحيوانات، والرعي، والتنقل. وبعد استيلاء العثمانيين على بلا د الشام 922هـ/1516م، وخلال القرن العاشر /السادس عشر، نظمت مناطق الأكراد إدارياً، فجعلت لواء عرف (بلواء أكراد حلب)(4)،غير أن المصادر التي ذكرت ذلك لم تحدد المكان الذي يقع فيه (اللواء)، وإن كان يعتقد أنه يعنى به (جبل الأكراد) المتمثل (بعفرين، واعزاز، وكلّس)، كما أشير إلى وجود (الأكراد اليزيدية)(5) في هذا اللواء، وقيل إنهم كانوا يقومون بأعمال السلب والنهب، وقطع الطرق، وقد عاقبهم أمير اللواء (ابن عربو)(6) والد (جنبلاط بك)، فقتل أعداداً منهم، جزاء لما يقترفون(7), ولعل هذا كان يحدث في النصف الثاني من القرن السادس عشر. ولقد فُهم من (التنظيمات المالية العثمانية) لبلاد الشام في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي, أن الأكراد وجدوا في ولاية حلب كقبائل، لكل قبيلة زعيمها الذي يسمى (البيك)، وكانت تدفع له الرسوم والضرائب والغرامات المفروضة على هذه القبائل، سواء فيها المستقر أو المنتقل (8)... وبالنسبة للوثائق الشرعية، فقد ذكر (الأكراد) في ريف ولاية حلب (كطوائف) مثلما ذكرت البدو والتركمان، وقد جرى الاطلاع على (221) وثيقة تخص (أكراد الريف)، ذكر ضمنها 37 سبع وثلاثون طائفة كردية موجودة في ريف الولاية.. وذكر معها قضايا هذه الطوائف (بيع وشراء الكروم، ديون دفع الرسوم، طلاق ،تربية الحيوانات، علاقات بعضهم مع بعض، ومع التركمان والبدو، ومع السلطة الحاكمة، ومكان وجودهم في قضاء كلّس(مركز القضاء، ناحية الجومة، عزاز..)، وفي بعض قرى ناحية جبل سمعان، وفي ناحية العمق... وفي بعض المناطق خارج ولاية حلب.
توزع العشائر الكردية في اواخر الدولة العثمانية
في بحث علمي موثق أعده الدكتور إبراهيم الداقوقي عن "أكراد الدولة العثمانية، "[3]، ذكر فيه (380) قبيلة وعشيرة كردية كانت منتشرة في بلاد كردستان(إيران وتركيا وسورية والعراق) أيام الدولة العثمانية، واستند في إثبات ذلك على أرشيف رئاسة الوزراء التركية الذي يحتفظ بكافة الوثائق الخاصة بالدولة العثمانية منذ نشوئها حتى سقوطها عام 1918.
وجاء في البحث بأن نفوس الكرد في الدولة العثمانية بلغ حوالي مليونين نسمة قبل سقوطها، وكان يطلق عليهم أسماء عديدة خلال ذلك العهد بلغت حوالي (17) اسماً خاصاً بهم، مثل: كرد، كردي، كردلي، كرديلي، كردلر مورتانا، كرد محمودلو، قره كوردلو، كوجوك كورد مهماتلي، توركمان اكرادي، كرمانج...، علماً بأن قسماً من هذه العشائر قد اندثر أو انصهر في العشائر الكردية الأخرى، ونستلّ من بحثه أسماء العشائر الكردية وأماكن استيطانها التي كانت ساكنة في شمالي سورية (منطقة الجزيرة وعفرين).
هوامش البحث ومصادره
ملاحظة : مصطلح سجل: يشير إلى سجلات محاكم حلب الشرعية المحفوظة في مديرية الوثائق التاريخية بدمشق.
- ابن الأثير:الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت،1965، 11/199
- القلقشندي: صبح الأعشى، القاهرة، 1914. 4/117-120-121
- دائرة المعارف،8/21
- ابن الحنبلي: در الحبب في تاريخ حلب، وزارة الثقافة، دمشق، 1973م. 1/437
- ينظر ذيل الملل والنحل للشهرستاني،33-40
- ابن الحنبلي: در الحبب،437-445وفيه ترجمة لجانبلاط بك ابن الأمير الكبير قاسم الكردي القصيري المشهور(بابن عربو) أمير لواء أكراد حلب
- المصدر نفسه،437-445
- Mantrant (R)sauvaget (J),Reglements, ottomans. Sytiennes ,Beyrouth,1951.p. 101-104
مراجع
- علي مسلم: فصل من كتاب الكرد في منطقة الباب وأطرافها“دراسة اقتصادية اجتماعية سياسية” [1] - تصفح: نسخة محفوظة 10 يناير 2019 على موقع واي باك مشين.
- د. خضر عمران: الحياة الاجتماعية في ولاية حلب في النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري 165-700م / 1060-1112هـ [2] - تصفح: نسخة محفوظة 26 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- إبراهيم الداقوقي، أكراد الدولة العثمانية: المجلة التاريخية المغربية للدراسات العثمانية (زغوان- تونس)، العدد(5-6) شباط 1992