النظام السياسي
كان نظام الحكم السائد في مدينة اثيناالنظام الملكي وتورد الاساطير القديمة قائمة بحوالي ثلاثين ملكا حكموا اثينا في القديم و لكن القائمة مشوشة فيها كثير من الخلط و الاضطراب و قد ضعف الحكم الملكي بعد مجيء الدوريين ليفسح المجال لظهور حكم الارستوقراطيين (النبلاء) ال\ين استولوا تدريجيا على سلطة الملوك بعد ان كانوا قد هضموا حقوق الفلاحين فوسعوا نطاق املاكهم على حساب هؤلاء الفلاحين بكل الوسائل المشروعة و غير المشروعة فأصبحوا أصحاب ثروات ولم يكتفوا بذلك بل رجعوا بنسبهم و اصولهم إلى اسرات تنتمي إلى الآلهة أو الابطال و كان منها الفرسان الذين يملكون الخيل و السلاح و منهم المقاتلين و قادة الجيش.
و هناك خلاف بين المؤرخين حول أول وظيفة سحبت اليها بعض سلطات الملك أهي قيادة الجيش ؟ أم النظر في القضايا الحقوقية؟ كانت وظائف الملك في اوج قوة الملوك مثلها مثل وظائف أي ملك عند الأمم المعاصرة لهم وخاصة في الشرق هي الوظيفة السياسية حيث كان الملك الحاكم الاعلى وراس الكيان السياسي و الوظيفة الإدارية فهو الذي يدير شؤون المدينة أو المقاطعة و الوظيفة الدينية فهو الذي يراس الاحتفالات الدينية و ينظر في أمور و الإرث و الأيتام و يشرف على القصور و المعابد و يشرع القوانين (الوظيفة القضائية ) و مهما كان امر الخلاف فان المرجح ان الحكم في أثينا في بداية القرن السابع ق.م. توزع بين ثلاث اطراف:
الحاكم (ارخون) و الملك و القائد (بولينارك ) و ان هؤلاء كانوا منتخبين من الارستوقراطيين ولمدة سنة وقد توزعت السلطات بينهم فاختص الحاكم وكان أعلاهم مكانة و تسمى الفترات باسمه بالقضايا المدنية مثل رئاسة الاحتفالات و النظر في امور الزواج و الإرث و الايتام اما القائدتولى قيادة الجيش و النظر في القضايا الاجانب القاطنين في (اثينا ) اما الملك فانحصرت وظيفته في الامور الدينية فهو الذي يمثل المدينة امام الالهة و يشرف على القصور و المعابد و كان مركزه في الاكروبوليس ثم استحدثت وظيفة المشرعين و يشغلها ستة مشرعين وظيفتهم تسجيل الاحكام و القرارات ذات الصفة القانونية وحفظها حتى يمكن الرجوع اليها حين الحاجة ثم ضم افراد هذه الوظائف جميعا في مجلس سمي بمجلس التسعة الذي ادار شوؤن اثينا في العهد الارستوقراطي
مجلس الشيوخ
من المؤسسات التي ميزت الشعوب الارية (الأوروبية) عموما حيث يلاحظ وجود هذا المجلس عند كل الشعوب الارية و قد كان هذا المجلس موجودا في ايام الملكية و لكنه ازداد اهمية في الفترة اللاحقة في العهد الارستوقراطي ومن مهامه:
1- المحافظة على القوانين و إدارة شؤون الدولة.
2- انتخاب الرؤساء الثلاثة.
3- انتخاب و تعيين الموظفين.
و عندما الغي النظام الملكي في اثينا تسلط الارستوقراطيين و الاقطاعيين (ملاك الاراضي)على الحكم و اخذوا يتعاملون مع المواطنين على اساس طبقي.
طبقات المجتمع الاثيني
كانت أهم طبقات المجتمع الاثيني في الفترة 4طبقات
1- طبقة الارستوقراطيين (اوباتريد) هم الحكام و منهم الموظفين الكبار و منهم القضاة الذين كانوا يتحكمون بالناس عن طريق تفسير قواعد العرف و العادة حيث لم تكن هناك قوانين مكتوبة ثابتة.
2- طبقة الصناع اصحاب المهن الذين يشتغلون بالصناعة والتجارة و الملاحة على حسابهم الخاص.
3-طبقة المزارعين ويملك واحدهم قطعة صغيرة من الارض يفلحها و يعيش من انتاجها.
هذه الطبقات الثلاث رغم التمايز الاقتصادي بينهما كان افرادها يعتبرون من الموظفين الاحرار و يشاركون جميعا في عضوية مجلس الشعب الاكليزيا
4-طبقة العمال المأجورين وهم أحرار ولكنهم لا يتمتعون بحقوق المواطنين وغالبيتهم من الاجانب (أي من اليونان أو السكان الاصليين من غير سكان اتيكا)
اعتمد سكان اتيكا على الزراعة في معيشتهم بالدرجة الاولى وعلى صيد الاسماك في السواحل وكانت موارد الزراعة كافية لهم عندما كان عددهم قليلا ولكن عندما تزايد عددهم لم تعد هذه الاراضي كافية لمعيشتهم فاضطروا إلى ركوب البحر للبحث عن موارد جديدة للمعيشة وقد اقتبسوا عن الفينيقيين اساليب الملاحة و بناء السفن وقد استطاع التجار اليونان السيطرة على التجارة البحرية وكانت التجارة قد بلغت درجة مهمه في المدن اليونانية على الشط الاسيوي شرقا وبرع اليونان في الاسفار البحرية حتي صارت الطرق البحرية أسهل عليهم جدا من الطرق البرية وسرعان ما اصبحوا يصنعون سفنا اعظم و اسرع بكثير من السفن الفينيقية
إن الاهتمام بالملاحة و التجارة قد ادى بالتأكيد إلى زيادة الاهتمام بالصادرات ولذا نرى الاتيكيين يزيدون اهتمامهم بكروم العنب و الزيتون من اجل انتاج الخمور و الزيت لتصديرها وهذا ايضا ادى إلى زيادة الاهتمام بصناعة الاواني الخزفية لتعبئتها و تدل الحفريات الاثرية على ان أول احياء اثينا الكبيرة قد انشاه الخزافون و انه كان يشتمل على مصانع كبيرة يعمل فيها عدد كبير من العمال بطريقة منظمه تدل على التقدم في مجال الصناعة
ومن التطورات الاقتصادية الهامة التي شهدتها اثينا في هذه الفترة بدء استخدام العملة و التحول من الاقتصاد الطبيعي إلى الاقتصاد الرأسمالي من النبلاء الذين كانوا اولا من كبار الملاك و الذين اخذوا يعملون في التجارة لزيادة اموالهم و بالغوا في ذلك لدرجة ان (صولون ) مشرع اثينا المشهور اتهمهم بان طمعهم لا يقف عند حد ولم يغير كل النبلاء طريقة معيشتهم بل حافظ بعضهم على التقاليد القديمة وعلى قطعانهم من المواشي وبذا قلت ثرواتهم عن اولئك الذين اتجهوا إلى التجارة فنشأت بذلك فروق في الثروة بين النبلاء انفسهم وتحولت طبقة النبلاء في الغالب إلى طبقة الاغنياء التي ضمت إضافة إلى النبلاء اغنياء اثروا وهم في الاصل من غير النبلاء الذين حققوا الثروة ونتيجة لهذا التغير الاقتصادي تغير نظام الطبقات حيث اصبح الناس يتمايزون ليس حسب انسابهم و انما حسب اموالهم و اصبحت الطبقات تتكون على النحو التالي:
الطبقة الاولى: وهي التي يزيد دخل افرادها عن (500)مكيال.
الطبقة الثانية: و هي التي يتراوح دخل الفرد فيها ما بين (300-500)مكيال.
الطبقة الثالثة: وهي التي لا يقل دخل فيها عن (200)مكيال.
الطبقة الرابعة: و هي التي تضم بقية المواطنين الاحرار الذين لا يحصلون على هذا الحد الاصغر أي الذين يقل دخلهم عن (200)مكيال.
كما كان من أهم التغيرات الاجتماعية التي حدثت في هذه الفترة اتساع المدن و ازدياد عدد السكان ونشاة مهن جديدة متنوعة وقيام طبقة قوية من التجار و الصناع و الذين ازدادت اهميتهم الاجتماعية و السياسية واخذوا في مقاومة سيادة طبقة النبلاء و امتيازاتهم ومن التغيرات الاجتماعية الاخرى التي حدثت ازدياد حالة العمال و الفلاحين بوسأ الذين وقعوا تحت طائلة الديون التي وضعوا مقابلها اراضيهم كرهن وكان اكثرهم يعجزون عن سداد ديونهم فيفقدون اراضيهم ويباعون هم انفسهم مع نسائهم و اولادهم في السوق كرقيق أو تحولوا إلى اقنان ارض يعملون لحساب المالكين الجدد وهذا ادى باللتالي إلى ازدياد عدد طبقة العبيد الذين نافسوا العمال الاحرار في المصانع فازدادت بذلك البطالة بين هؤلاء ان هذه التغيرات الاجتماعية وما رافقها من تغيرات اقتصادية قد ادت إلى شيوع جو من الفوضى و الاضطراب في مجتمع اثينا وزاد الفوضى شدة و اتساعا قيام ثورة (كيلون) ومحاولة الاستيلاء على الحكم بمساعدة ميغارة وفشله نتيجة قيام زعيم اسرة (القيمئونيد) ميغاليس باستقطاب العمال و الفلاحين و جماهير اثينا حولة و التي استاءت من استعانة كيلون بمدينة ميغارة في الثورة فحاصروا القوة الثائرة في معبد الاكروبول وبعد ايام استسلم الثائرون بعد فرار زعيمهم بشرط الإبقاء على حياتهم و لكن ميغاليس قتلهم بعد استسلامهم مما ادى إلى نشوب حرب بين اثينا و ميغارة الحقت اضرار كبيرة بمدينة اثينا مما ادى إلى استياء عام بين جماهير اثينا من اسرة القيمئونيد الذين لم يراع زعيمهم حرمه الالهه فحكمت على الاسرة كلها بالنفي خارج اثينا
ان هذه المشكلات و الاضطرابات التي حدثت في اثينا: الثورة، الحرب مع ميغارة، الاستياء الشعبي كانت سببا في اشتداد المنازعات بين الاحزاب و الطبقات المختلفة فكثرت حوادث الاعتداء و القتل مما دعا إلى وجود قوانين تضبط الامور و تحول دون سفك الدماء وظهر إلى الوجود الحزب الديمقراطي أي الحزب الشعبي و الذي حاول بشكل مستمر اجبار الحكومة على نشر القوانين هذه القوانين التي كانت في حقيقتها احكاما غريبة اوشاذة يصدرها الافراد الذين يسمون المشرعين و يدعون انها تعبير عن إرادة الالهه بينما لم تكن في الواقع سوى استغلال احتكار قديم بغيض ممقوت و كانت القوانين غير مكتوبة ويمكن للمشرع ان يغير أو يبدل فيها حسب ظروف الحكم الذي يطلب اليه الفصل فيه وهذا يعني ان الفوضى القانونية و التشريعية كانت تطغى على الجوانب القانونية ولذا سعت طبقة العامة إلى اجبار الحكومة الاثينية على تدوين هذه القوانين و نشرها لتتاح للعامة و الخاصة معرفتها وليغدو ممكنا اجبار من يمارس شؤون الحكم في المستقبل على التقيد بها كان العمل في تدوين هذه القوانين في اثينا قد بدأ من قبل المشرعين و لكنة كان بطيئا و يبدو ان هؤلاء المشرعين كانوا ضعفاء امام افراد الطبقة الاستوقراطية وقد يعيق بعض افراد هذه الطبقة عمل المشرعين ولكن و امام الوضع الجديد عهد في اثينا إلى المشرع داركوني بالقيام بهذه المهمة و اعطي سلطات استثنائية واسعة لوضع القوانين التي يراها صالحة كان داركون من المشرعين الذين اشتهروا بالعقل و الحزم و المعرفة الواسعة العميقة بالتشريعات المتعلقة بالتقاليد و الحقوق العائلية و كانت التشريعات التي جمعها و نسقها ووحدها من الاسس التي قام عليها دستور اثينا فيما بعد وكانت الفكرة الاساسية في تشريعاته مقاومة الاندفاع في اخذ الثار و ترسيخ مبدأ العقوبة الاجتماعية فمثلا في حوادث القتل إذا تراضي الطرفان لا تتدخل الدولة و لكن إذا لم يحصل اتفاق فلا بد ان ترجع اسرة القتيل إلى الدولة و فرض عقوبات شديدة على المخالفات التي تحصل لهذا الامر ان أهم تاثير احدثته قوانين داركون اضعاف العصبية العائلية حيث ميز بين الاقارب في درجة مطالبتهم بالحق فقسم الاقارب و صنفهم إلى درجات فالاب اولا ثم الابن ثم أبناء العم و أبناء أبناء العم الذين يشكلون نهاية سلسلة القرابة التي يحق لها المطالبة بالحق كما ساعدت هذه القوانين على تقوية الروح الفردية حيث صار كل عضو في الاسرة يشعر بقيمته الشخصية وحقة في الاستقلال بالراي كما اسهمت هذه القوانين في اضعاف الطبقية فالقوانين واحدة للجميع ولا تميز بين الطبقات كما انها عملت على تقوية سلطة الدولة
ان قوانين داركون تشكل حلقة أساسية في طريق الإصلاح فان اكمال الطريق على يد صولون(594-593)ق.م. ان القوانين دراكون رغم كونها خطوة كبيرة في طريق الإصلاح لكنها لم تكن كافية لازالة مظاهر الاضطراب وحالة الفوضى لانها تناولت جانبا من جوانب السلوك الاجتماعي ولم تمس صلب النظام الاقتصادي و الاجتماعي فقد كانت الاسرات الكبيرة لا تزال تتمتع بنفوذ عظيم و تحاول باستمرار زيادة رقعة المساحة التي تمتلكها و انماء ثروتها بشتى الوسائل فأخذت تغتصب الاراضي الاميرية و املاك المعابد و تسيطر على الجيش و إدارة الحكومة و المحاكم بينما ظلت الطبقات الفقيرة تزداد بوسا و تتأكد باستمرار بان الوسائل القانونية لم تعد تجدى نفعا فأخذت تبحث في احتمال القيام بثورة دموية لتغيير الاوضاع و انتزاع الحقوق و تقسيم الاراضي و الثورة بالتساوي بين الجميع و تبادلت الطبقات الفقيرة و النبلاء الاتهامات و الشكوك و التهدبدات و اخذت كل طبقة تستعد لمواجهة الموقف بطريقتها الخاصة ومن منطلقاتها و اصبح الموقف يهدد بالانفجار بين لحظة و اخرى واوضحت الحاجة ماسة إلى من ينتزع فتيل الموقف المتفجر في هذا الظرف التجأ الجميع إلى (صولون ).