مقدَمة: إنّ النّزاعات الدّولية ظاهرة قديمة تعود إلى ظهور الدول القوميّة، ولقد تميّزت العلاقات الدّوليّة بهذه الظاهرة عبر الفترات الزمنية المختلفة، فلقد اختلفت النّزاعات الدّوليّة وتعدّدت، وهو ما زاد من درجة تعقيدها، فعرف الحقل المعرفيّ لتحليل النّزاعات الدّولية العديد من المحاولات الفكريّة التي حاولت أن تدرس الظاهرة بجميع جوانبها المختلفة من نزاع إلى آخر، فاختلف المنظّرون والباحثون في دراسة النّزاعات الدّوليّة وتعدّدت الأفكار والمفاهيم و الأطر التّحليليّة من باحث لآخر، محاولين تفسير السلوك النّزاعي عن طريق نماذج مختلفة.
I.مفهوم مثلّث غالتونغ لتفسير النزاعات الدّوليّة "يوهان غالتونغ johan galtung" هو باحث مختص في علوم السّلام وهو يعتبر من أوائل مؤسّسي دراسات السلام، من مواليد 24/10/1930 بالعاصمة النّرويجيّة أوسلو، حيث نبذ العنف الهيكلي النّاتج عن سلطة الدّولة، وقام بتأسيس شبكة تحويل النزاع بالوسائل السّلميّة والتي سمّاها (تجاوز-Transcend)، و هو صاحب نموذج النزاع المثلّث 1-1-تعريف نموذج النزاع المثلّث: هو عبارة عن نموذج مفسّر للنزاعات، ويشتمل على كلّ من النّزاعات" المتماثلة Symmetric ،وغير المتماثلة Asymmetric"، حيث يقترح غالتون طريقة المثلّث في النّظر للنزاعات الدّولية، معتبرا النزاع يقوم على ثلاث أبعاد وهي: أولا: التّناقضContradiction يعبر عن نقطة انطلاق النزاع و التناقض يعبّر عن حالة الصّراع الكامنة، فالنّزاع ينشأ في الأساس من عدم التّوافق في الأهداف بين أطراف النّزاع الدّولي، والتي تعبّر عن تضارب المصالح . ففي العادة يعود أساس التّناقض هو رغبة كل طرف في تحقيق هدف منشود قد يتقاطع مع هدف الطرف الآخر (الطرف الأول يريد X، والطرف الآخر يريد X). ثانيا: المواقف Attitudes وهو العنصر الثاني بحيث يتضمّن التّصوّرات الخاطئة التي يحملها كلّ طرف عن الآخر، بحيث يمكن أن تكون ايجابية أو سلبية غير أنها في الغالب ما تكون سلبيّة عن الطّرف الآخر خاصّة في النزاعات العنيفة . ثالثا:السلوكBihaviour وهو العنصر الثالث من عناصر النّزاع لدى غالتونغ، بحيث يمكن أن يشتمل على التّعاون أو الإكراه مما يدلّ على نقاط التّوفيق أو العداء، ويتميّز سلوك الصراع العنيف بالتهديدات والهجمات المدمّرة، وتنافس المصالح المادية أو السلوكيّات يكون لها "دور فعّال نظرا لمصادر النّزاع"..[1] 2- -سلوكيّات العنف في النّزاع المثلّث: يعتبر نموذج النزاع المثلّث "ليوهان غالتونغ" العنف من الطّبيعة البشريّة، حيث حاول أن يوضّح الاختلافات في أعمال العنف من حيث المباشرة والثقافة و من حيث البنية . أولا: العنف البنيويStructural Violence و يعبّر عن الضر وف القمعيّة اتّجاه الطرف الآخر وللعنف البنيوي عدة وسائل منها: الظلم النظامي وعدم المساواة، الجشع والمعاملة بتسلط. . ثانيا: العنف الثّقافيCultural Violence يكون بعد العنف المباشر، (أو كردّة فعل للعنف المباشر)، ويعتمد العنف الثقافي على الوسائل التالية: الكراهية، التّرويج للصّورة السّيئة عن الطرف الآخر، التعبئة النفسيّة والإعلامية ضدّ الطرف الآخر عن طريق الدّعاية. ثالثا: العنف المباشرDirect Violence ويعبّر عن السّلوك المدمّر لطرف اتّجاه الطّرف الآخر، فتستخدم فيه العديد من الوسائل مثل: الحرب، التدمير عن طريق الأسلحة من قصف....الخ، إضافة إلى جرائم القتل و الاغتصاب.[2]
3--مراحل حل النزاع المثلّث: عمليّة حل النزاع حسب "غالتونغ" تنطوي على مجموعة من التغيرات الحيوية، وتبدأ بوقف تصعيد النزاع السلوك، وتغيير في المواقف، والتحول من المصالح المتضاربة (التناقضcontradiction ) ، و التّي هي في جوهر هيكل الصراع . كما فرّق "غالتونغ" بين العنف السلبي الذي اعتبره وقف العنف المباشر، والعنف الإيجابي المبنيّ على أساس التغلب على العنف البنيوي والعنف الثقافي ويتضمن الأفكار الرئيسية من 'الشرعية' و 'العدالة' . أ-بناء السلام Peace-building:هي عملية لاحقة( للتناقضcontradiction)،وما انجرّ عنها من عنف بنيوي. ب-صنع السلام Peace-making: تعتبر عمليّة لاحقة لما نتج من مواقف وما انجر عنها من عنف ثقافي. ت-حفظ السلام Peace- keeping: هي عمليّة متمّمة لسلوكيات الناتجة عن النزاع، وما انجر عنها من عنف مباشر.[3]
خاتمة: إنّ نموذج النزاع المثلّث الذي جاء به "يوهان غالتونغ " ، يعتبر من أبرز النّماذج التي حاولت إعطاء تفسير لمراحل النزاع عن طريق ثلاثيّة العناصر الممثلة في أطراف مثلّث، فأساس النزاع هو عنصر التناقض والخلاف بين أطراف النزاع، حيث يترجم التناقض في عنف بنيوي والذي بدوره ينتقل في مرحلة حل النزاع إلى بناء السلام بين الأطراف، ومن التناقض ننتقل إلى المواقف المعبرة عن التصورات الخاطئة للطرف الآخر وهو ما ينتج لنا عنفا ثقافيا يصل بنا في مرحلة الحل إلى صنع السلام، كما أنّ المواقف تتحول إلى سلوكيات، و السّلوك النزاعي حسب هذا النموذج يعبّر عنه عنف مباشر وهو ما يستلزم حفظ السلام في مرحلة حل النزاع. و في الأخير يمكن القول بأنّ "يوهان غالتونغ" أعطى لنا نموذجا مترابطا ومتماسكا و شامل للنزاعات المتماثلة وغير المتماثلة.[4]
المراجع
- Hugh Maill,Oliver , Ramsbotham ,Tom Woodhouse ,(Conflict analysis),P19,20.
- "Mormon Conflictology: an Introduction « Latter-day Satyagraha". مؤرشف من الأصل في 29 فبراير 2012.
- Contemporary Conflict Resolution ,Concepts and Definitions ,)pdf( .
- بن عريبة عبد اللطيف، النزاع المثلث،جامعة منتوري قسنطينة ، الجزائر 2011.