الرئيسيةعريقبحث

انضباط ذاتي


☰ جدول المحتويات


خلق الله الإنسان وجعل حب العيش مع الآخرين والاجتماع بهم من أهم مقومات الحياة لديه، فهو مدني بطبعة وينشأ في الغالب في أسرة تحتويه وتلقنه مبادئها التي ترغب في نقلها لأبنائها، وهذه المبادئ منها مايعد آراء بشرية يعتريها الصواب والخطأ وقد يشوبها التقصير والهوى وفيها مخالفة للمنهج الرباني، ومنها ماهو من عند الله فهو أمر يلتزم به الجميع ويترتب عليه الثواب والعقاب بحسبه، وتعد المبادي والقيم من أهم ما ينشأ الفرد على احترامها والالتزام بها، والاجتماعات البشرية بشكل عام تضع القواعد التنظيمية وتفرضها على الجميع لكي يلتزمون بها وترتب بعض العقوبات في حالة عدم الالتزام بها، ومع وجود هذه النظم إلا أن الناس يختلفون في التقيد بها من حيث مصدر هذا التقيد فمنهم من يتقيد بهذه الأنظمة من دافع ذاتي يراقب نفسه بنفسه حتى مع اختفاء مصدر السلطة، ومنهم من لا ينضبط إلا بوجود مصدر السلطة وفي حالة غيابه يطلق لنفسه كامل الحرية في كسر القواعد وانتهاكها، ويحسب هذا الأمر حتى على الطلاب في المدارس، ومن خلال ماتقدم سوف نناقش مفهوم الانضباط وأنواعه وسوف نركز على الانضباط الذاتي، ونخص بذلك الانضباط الذاتي للطلاب في المدارس.

مفهوم الانضباط

يدل الانضباط في مفهومه اللغوي على الحفظ بالحزم وهو مشتق من لفظ ضبط يضبطه ضبطاً، وهو لزوم الشيء وحبسه، ويقال فلان لا يضبط عمله إذا عجز عن ولاية ما وليه، ورجل ضابط أي قوي على عمله. [1]

أما بالنسبة للمعنى الاصطلاحي فنجد أن معاني الانضباط تتنوع على حسب المجال والحقل المستخدمة فيه، ففي مجال التربية والتعليم يشير البدري (2001) إلى أن الانضباط يشمل المعاني التالية:

1- المعالجة المناسبة للمتعلم من خلال تطوير القابليات بالتعليم والتدريب والتمرين.

2- التدريب على السلوك بموجب قواعد معينة.

3- الالتزام بالتعليمات والأنظمة.

4- الإصلاح.[2]

وبينت الإدارة العامة للمعجمات (1984) أن الانضباط هو "ضبط الميول والسلوك إما بإرادة الفرد نفسه أو بتأثير سلطة خارجية".[3]

أقسام الانضباط

ومن خلال التعريف السابق يتضح لنا أن الانضباط ينقسم إلى نوعين هما: انضباط خارجي وانضباط داخلي (ذاتي) وسوف نتناولها بشيء من التفصيل.

أولاً: الانضباط الخارجي

ففي مجال التربية والتعليم عرف ألبدري (2005) الانضباط الخارجي بأنه "مجموعة التوجيهات والتعليمات والتنبيه الصادر من المعلم أو المدير أو مسؤول الصف إلى الطلاب ودعوتهم للالتزام بالقواعد والأعراف لمناخ الصف التعليمي".[4]

إذاً فالانضباط الخارجي في المدرسة هو استخدام الصلاحيات الممنوحة لكل من الإداريين والمعلمين في تطبيق لوائح الانضباط المدرسي للمحافظة على النظام في المدرسة بشكل عام، وفي الفصل بشكل خاص من أجل تحقيق الأهداف العامة لسياسة التعليم.

ثانيا: الانضباط الداخلي (الذاتي)

ويعتمد هذا النوع على قمع النزعات السلبية والرغبات الشريرة، ويقوم على قوة الإرادة والعزم والتحكم في النفس وعدم الانصياع للأهواء.[5]

هذا بشكل عام، أما بالنسبة للانضباط الذاتي للطالب في المدرسة فيعرفه أبو نمرة (2006) بأنه التزام الطالب بالتعليمات المدرسية والسير ذاتياً وفقاً لقوانينها وأنظمتها من خلال توجيه رغباته وتنظيم ميوله ودوافعه للوصول إلى نمو السلوك الاجتماعي المقبول الذي يتفق مع أهداف التربية والتعليم وغاياتها.[6]

ويتضح لنا أن الانضباط الذاتي يكون الضبط فيه صادر من الذات ويكون فيه الفرد ملتزماً بالأنظمة والتعليمات المدرسية من غير الحاجة إلى ضبط من جهات خارجية، وإن كان في الغالب أن الانضباط الذاتي يكتسب بداية من مصادر الضبط الخارجي، وهنا ينبغي التفريق بين الضبط الذاتي والانضباط الذاتي، وهو أن الانضباط الذاتي شامل للإجراءات الوقائية والعلاجية، بعكس الضبط الذاتي فهو يستخدم في الغالب في الإجراءات العلاجية فقط، وكذلك أشار كل من الكندي (1982) والريس (2002) إلى أن الضبط الذاتي يكون التوجيه إلى ما هو أحسن صادراً من خارج الشخص بعكس الانضباط الذاتي يكون صادراً من ذات الفرد.[7][8]

وفي حقيقة الأمر أنه لا يمكن الحكم على الفعل بأنه صواب أو خطأ إلا من خلال محكات الحكم على السلوك والتي يكون الدين هو المسيطر عليها في الغالب ومن ثم الأعراف في المجتمع الذي يكون الفرد عضواً فيه ومنتمياً إليه.

محددات الانضباط الذاتي

يتم تكوين الانضباط الذاتي من خلال مجموعة من المحددات والتي تمثل في الحقيقة محددات الشخصية والتي تتكون من المحددات التكوينية البيولوجية والتي تشتمل على الوراثة، حيث أنه لا يوجد مظهر من مظاهر الشخصية دون أن تؤثر الوراثة فيه، ويشتمل المحدد البيولوجي على الأجهزة العضوية فقد وجد أنه في حالة إصابة الدماغ بالالتهاب السحائي فإن الشخص يفقد التحكم والضبط تماماً، ويشمل هذا المحدد أيضا على التكوين البيوكيميائي والغددي للفرد، وأشار لويس يرمان إلى أن المريض النفسي والمريض العقلي والمجرم هم في الحقيقة ضحايا اضطراب إفرازات الغدد. [9]

أما المحدد الثاني فهو البيئة ولا يقصد علماء النفس بمصطلح البيئة البيئة الجغرافية أو البيئة المحلية، وإنما يقصد بها النتاج الكلي لجميع المؤثرات التي تؤثر في الفرد من بداية الإخصاب حتى الوفاة (عويضة,1966)، وينبغي هنا الأخذ بعين الاعتبار الميكانيزمات التي تنشاْ عن حياة الجماعة والتي تنمي شخصية الفرد والتي تشتمل على التقليد والإيحاء والتعاطف والتقمص والإسقاط والكف، والتي لها أبلغ الأثر في تكوين الانضباط الذاتي (خوري,1996)، ويمثل هذا المحدد كل من البيئة الثقافية والاجتماعية.[9][10]

و أشار أحمد (2000) إلى محدد ثالث وهو محدد الدور، فالفرد يلعب في المجتمع عدة أدوار فهو يقوم بدور الابن والطالب ويتطور الأمر إلى دور المربي والأب والقائد إلى غير ذلك من الأدوار التي تؤثر وبشكل ملحوظ في تكوين الانضباط الذاتي للفرد.[11]

وهناك محدد رابع وهو الموقف، فنجد أن الفرد يختلف سلوكه على حسب الموقف الذي يتم فيه السلوك وهذا المحدد لا يمكن تجاهله في تكوين الانضباط للفرد. [12]

ومع تعدد هذه المحددات إلا أنه يوجد من العلماء من ركز على محدد واحد في تكوين الانضباط الذاتي. فأشار الريس (2002) إلى أن الانضباط الذاتي إنما هو من الأمور المكتسبة والتي يكتسبها الفرد من البيئة التي يعيش فيها سواءَ كانت هذه البيئة كبيرة كالمجتمع العام وما يضمه من مؤسسات اجتماعية وثقافية، أو البيئة الصغيرة والتي تمثل الأسرة والتي على ضوئها يتفاوت الناس في درجة انضباطهم. [8]

في حين بين الزيني (1974) إنه لا يمكن الاعتماد على محدد واحد في تكوين الانضباط الذاتي، وإنما يجب الأخذ بعين الاعتبار جميع المحددات، وأوضح خليفة (1992) أن تكوين الانضباط للأطفال يتم على مبدأ اللذة والمنفعة ويتطور الأمر مع تقدم العمر بحيث يصبح ذو مصدر ذاتي.[13][14]

العوامل التربوية المؤثرة في الانضباط الذاتي.

على ضوء ما تم مناقشته يتضح لنا أن هناك مكونات تسهم بشكل أو بآخر في تكوين الانضباط الذاتي، والتي كان من أبرزها البيئة الاجتماعية والثقافية والتي يلقى عليها العبء الأكبر في إكساب الفرد هذه السمة، وهذا ما يقودنا إلى مناقشة أهم العوامل البيئية التي تؤثر في الانضباط الذاتي والتي من أبرزها الأسرة والمدرسة وجماعة الرفاق ووسائل الإعلام.

أولا: الأسرة:

عرفها بوجاردوس في الكندري (1992) بأنها جماعة اجتماعية صغيرة تتكون عادة من الأب والأم وواحد أو أكثر من الأطفال، يتبادلون الحب ويتقاسمون المسؤولية وتقوم بتربية الأطفال حتى تمكنهم من القيام بمهامهم وذلك بتوجيههم وضبطهم ليصبحوا أشخاصاً يتصرفون بطريقة اجتماعية. [15]

وتعتبر الأسرة بتعدد أنواعها الشكل الاجتماعي الأول للحياة الإنسانية الذي يحيط بالفرد ويمرنه على الحياة ويشكله ليكون عضواً في المجتمع (ناصر واستيتية, 1984). فهي وعاء تربوي تتشكل بداخلة شخصية الطفل تشكيلاً اجتماعيًا وفرديًا، وهي مسؤولة إلى حد كبير عن سماته الشخصية والفكرية (بلبيسي, 2005)، ويعد الانضباط الذاتي من أهمها.[16][17]

وأشارت كرم الدين (2001) إلى أن الأسرة هي الوسيط الاجتماعي، الذي يقوم بعملية غرس القيم والعادات والتقاليد والمبادئ الأخلاقية والاجتماعية عند الطفل مبكرًا وإكسابه القدرة على معرفة الخطأ والصواب، ومن ثم بناء ضميره وخلقه وكافة ما يلزم لتحويله من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي يستطيع العيش والتوافق مع الجماعة التي تحيط به.[18]

ويقع على الأسرة مسؤوليات كبيرة إن قامت بها خير قيام فسوف ينشأ الفرد نشأة سليمة، ويتكون الانضباط الذاتي من خلال القيام بهذه المسؤوليات والتي منها تنمية قدرات الطفل الأساسية، وتدريب الطفل على المهارات الحركية، وتوجيه الطفل إلى مجتمع الأقران الصالح، وإبراز وصقل المهارات الشخصية والاهتمام بمشاعر الآخرين، وكذلك ضبط سلوك الطفل وتحديد الخطأ وتصويبه وتقديم النصح. [19]

إضافة إلى ماتقدم فإنه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار بعض العوامل الأسرية التي تكوّن الانضباط الذاتي، ومن ذلك الاستقرار الأسري واستراتيجية الأسرة في تنشئة أفرادها وترتيب الفرد بن أخوته وهل هو الولد الوحيد أم لا، وأيضا ثقافة المجتمع الذي تنظم إليه الأسرة.

ثانياً: المدرسة والمؤسسات التربوية الرسمية:

رغم أن الأسرة تعد العامل التربوي الأول في تكوين الانضباط الذاتي، ولكن مع التطور الحضاري والتقدم في شتى مجالات الحياة استلزم الأمر وجود عوامل أخرى لها باع كبير في تكوين الانضباط الذاتي للأفراد، ومنها المدرسة والمؤسسات التربوية الرسمية، فالمدرسة هي المؤسسة الاجتماعية المخول لها عملية التنشئة الاجتماعية المقصودة، والتي خطط المجتمع لها وفقاً للأهداف التي يسعى لتحقيقها،[20] ويمكن للمدرسة أن تقوم بتأدية رسالتها التربوية في المجتمع من خلال القيام بوظائف من أهمها تدعيم المعتقدات والقيم والاتجاهات التي تكونت في الأسرة، ومحو أثر بعض العادات والقيم غير السليمة التي اكتسبها الفرد من خلال أسرته والمساهمة في تعليم الفرد طرق التفاعل الإيجابي مع الغير وتكوين علاقات اجتماعية سوية مع الآخرين. [21]

وحتى تقوم المدرسة بوظيفتها التربوية والنفسية التي من شأنها تحقيق الانضباط الذاتي، لابد من تزويد الطالب بالأسس الدينية التي تمثل المنهج الصحيح الشامل بكل جوانب الخير والاستقامة والانضباط، وزيادة خبرات الطلاب الإيجابية من خلال المواقف والمناشط التربوية التي تكون للطالب الإطار المرجعي السليم لسلوكياتهم المختلفة، وتعزيز السلوك الإيجابي المرغوب فيه وذلك من خلال مكافئتهم عليه مادياً ومعنوياً، والحد من السلوكيات السلبية التي قد تتسرب للطالب من مصادر أخرى، والسعي في توفير الأنشطة المدرسية التي تشبع رغبات الطلاب وميولهم وتصقل مواهبهم وتبعدهم عن السأم، وكذلك توفير لوائح للانضباط المدرسي تكون كفيلة بتحقيق الانضباط بشكل عام، وكذلك مراعاة الأعداد المناسبة من الطلاب في الفصول الدراسية، إضافة إلى ماتقدم لابد من اختيار المعلم المناسب الذي يتصف بالصفات الحسنة والأخلاق الفاضلة حتى يشكل قدوة حسنة للطلاب، ويكون مهتماً بمشاكلهم وقادراَ على توجيههم وإرشادهم. [22]


ويعد المعلم محور عملية التعليم في المدرسة وله دور كبير في تحقيق الانضباط الذاتي في غرفة الصف وذلك من خلال:

1- الإدارة الجيدة للحصة، وللمواقف التعليمية من قبل المعلم، وتعميق التفاعل مع الطلبة وتنمية أدوارهم التعلمية والتعليمية.

2- تخطيط وإدارة الوقت للحصة التدريسية، ووضوح التنظيم فيها وتوفير مستلزمات نجاح الدرس من أنشطة ووسائل وماشابهها.

3- تعليم الطلبة لمبادئ الإنصات، واحترام الآراء والأشخاص وديمقراطية الطرح والنقد الموضوعي.

4- تعويد الطلبة على تنفيذ الواجبات، والمطالبة بالحقوق أو الموازنة بين كل من الحقوق والواجبات.

5- تقديم نماذج للانضباط الصحيح والسلوك المرغوب فيه، إما بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال المعلم نفسه أو من خلال تلاميذ آخرين.

6- تقليل المعلم من رقابته على التلاميذ والطلب إليهم تنفيذ بعض الأنشطة بشكل مستقل، على أن تكون الرقابة موضوعية وواقعية، ومما سبق اتضح لنا أهمية المدرسة كعامل تربوي مؤثر في تكوين الانضباط الذاتي.


ثالثًا: جماعة الرفاق:

إن أثر جماعة الرفاق في تكوين الانضباط الذاتي لا يقل عن دور المؤسسات التربوية الأخرى مثل الأسرة والمدرسة بل قد يتجاوزها، وهذا ما سوف يكون جلياً لنا من خلال مناقشتنا لهذا الموضوع.

ببلوغ الفرد سن المراهقة يتسع المجال الاجتماعي أمام المراهق، فلا تبقى الأسرة محور التفاعل لديه كما في الطفولة بل يمتد هذا المجال إلى علاقات خارجية تتمثل في تكوين أصدقاء –جماعة الرفاق- والتي تتصف في الغالب في هذا المرحلة بالشدة والعمق.[23]

وبين الزعبي (2007) أن جماعة الرفاق هم القرناء أو النظائر الذين يتقاربون في العمر الزمني ويشتركون في المشاكل والصراعات والميول، ويؤلفون مع بعضهم وحدة متماسكة في إطار اجتماعي خاص وأسلوب معين في الحياة.[24]

وهنا نجد أن جماعة الرفاق التي ينتمي إليها الفرد، تؤثر في تكوين سلوكه سلباً أو إيجاباً طبقا لأهداف هذه الجماعة، فنلاحظ أن الشخص الذي ينتمي لجماعة رفاق ذات انضباط ذاتي يحاول مجاراتها في هذه الخاصية، وعلى العكس من ذلك إذا كانت جماعة الرفاق لاتستجيب إلا للضبط الخارجي في توجيه سلوكها فهو في الغالب يحاكي جماعة الرفاق في تكوين هذا النوع من الانضباط، ويبين القرآن الكريم التأثير السلبي لجماعة الرفاق فقال الله تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ( 27 ) يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ( 28 ) لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا ( 29 )} سورة الفرقان.

وأكدت السنة المطهرة على أهمية التعرف على أهداف وسلوكيات جماعة الرفاق التي سوف ينتمي إليها الفرد حيث قال النبي "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" رواه أبو داود برقم (4833)، ولذلك فإن المعلم يجد صعوبة في بعض الأحيان أثناء استخدامه لأساليب الضبط المدرسي، حيث أن هذه الصعوبة ناتجة عن تأثير جماعة الأقران على الطالب غير المنضبط وخاصة إذا استخدم المعلم أساليب لا تساعد الطالب على تحقيق ذاته، فأنه غالبا ما يلجأ إلى أصدقائه من أجل تحقيق ذاته وممارسة دوره في البيئة المدرسية حتى ولو كان هذا يخل بانضباطه.[25]

رابعًا: وسائل الإعلام:

وتلعب وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها دور أساسيًا في النمو العقلي المعرفي والانفعالي والاجتماعي للمراهق، وذلك من خلال ما تنقله من معلومات قد توثر سلباً أو ايجابًا على نواحي النمو المختلفة.

وأشار ناصري ومراد والجبنياني (1992) إلى أن قابلية المراهق للتأثير بما يسمعه أو يشاهده كبيرة، مما يجعله عرضة لتمثيل كل ما يسمعه أو يقرؤه أو يشاهده عبر وسائل الإعلام المختلفة، ومن هنا تأتي ضرورة انتقاء مايكتب ويبث في تلك الأجهزة حتى يعود المحتوى بالنفع لا بالضرر على المراهق، ويذكر على أن بعض الأفلام التي تعرض في شكل كوميدي لحياة الطلاب في المدارس مثلاً نقلت إلى طلابنا زاداً وافراً من أساليب التهريج وإزعاج الأساتذة والإداريين.[26]

خامسًا: المسجد:

يُعد المسجد أبرز وأهم المؤسسات الاجتماعية التربوية، حيث أن المسجد لم يكن في المجتمع المسلم الأول مجرد مكان لأداء العبادات المختلفة فقط، بل كان أشمل من ذلك؛ إذ كان جامعاً لأداء العبادات من الفرائض والسُنن والنوافل، وجامعةً للتعليم وتخريج الأكفاء من الخلفاء والعلماء والفقهاء والأمراء، ومعهداً لطلب العلم ونشر الدعوة في المجتمع، ومركزاً للقضاء والفتوى، وداراً للشورى وتبادل الآراء، ومنبراً إعلامياً لإذاعة الأخبار وتبليغها، ومنزلًا للضيافة وإيواء الغرباء، ومكاناً لعقد الألوية وانطلاق الجيوش للجهاد في سبيل الله تعالى، ومنتدى للثقافة ونشر الوعي بين الناس، إلى غير ذلك من الوظائف الاجتماعية المختلفة.[27]

وفي تعويد الفرد منذ صغره على الصلاة في المسجد مع الجماعة وإلزامه بذلك حتى بعد السن العاشرة تتكون لدى الفرد العديد من الصفات الحميدة والتي يعد الانضباط الذاتي من أبرزها، مما يجعلنا لانهمل الدور الإيجابي للمسجد في ترسيخ الانضباط الذاتي لدى الأفراد، ومع بيان أهم العوامل التربوية التي تساعد في تكوين الانضباط الذاتي إلا أنه لايمكننا إهمال بعض العوامل التربوية الأخرى والتي تشارك بشكل أو بآخر في تشكيله، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر الثقافة السائدة في المجتمع.

فلقد أشار زيدان (1972) إلى أن الفرد يتشكل تبعاً لثقافة المجتمع الذي يعيش فيه وهذا ما نسميه بالتنشئة الاجتماعية، ولكل ثقافة طابعها الخاص الذي يميزها عن غيرها من الثقافات، وتحاول كل ثقافة تطبيع أفرادها بطابعها الخاص.[28]

وفي الغالب أن الانضباط الذاتي لا يتكون من تأثير عامل تربوي واحد فحسب بل من تجمع عدة عوامل تربوية تسهم بدورها في تكوين الانضباط الذاتي.

شخصية الطالب غير المنضبط ذاتيا.

لقد قدم العلماء الذي تحدثوا عن الشخصية تعريفات توضح هذا المصطلح وكان من أهم هذه التعريفات تعريف خوري (1996) للشخصية حيث عرفها بأنها بنية دينامية داخلية تنتظم فيها جميع الأجهزة العضوية والنفسية بحيث تحدد ما يميز أو يمتاز به الفرد من سلوك وأفكار [11]

و من أهم السمات المميزة لشخصية الطالب الغير منضبط ذاتيا ما يلي: 1-الطالب الذي يتسم بضعف انضباطه الذاتي غالباً ما يعاني من انخفاض في قدراته العقلية مما يوثر ذلك على الآداب العامة وعدم التبصر بعواقب الأمور. 2-يتصف المنخفض ضبطه ذاتيا بنظرته السلبية إلى ذاته وعدم الرضا عن الذات ويعتقد أن هنالك من هو أفضل منه وقد يعمد إلى تقليد الآخرين معتقداً بذلك إنه يحقق ذاته. 3-سهل الانقياد فهو يرغب أن يكون تابعا للآخرين في سلوكهم وذلك لخوفه من سخريتهم أولا ولاقتناعه بأنهم على مستوى من الثقة. 4-يفشل في وضع خطة لحياته الدراسية المستقبلية وكذلك يفشل في تكوين حياة منظمة . 5-مندفع فهو يقوم بأعمال دون تفكير وقدرته ضعيفة على الحكم ويفشل غالباً في التعلم من الخبرة ويفتقر القدرة على الاستبصار الصادق 6-يقوم الذي يعاني من انخفاض الضبط الذاتي لديه بسلوكيات استعراضية أمام الآخرين لإثبات الذات وإخفاء ما يشعر به من تدني في قدراته وإمكاناته. 7-غير قادر على اتخاذ قرار في أي أمر من أمور حياته فهو بحاجة دائمة إلى دعم الآخرين وضبطهم له. 8-لا يقدر على مواجهة المشكلات ومن ثم يلجأ إلى الهروب كوسيلة للتخلص منها. 9-اتجاه جري نحو قول الكذب ولا يهتم ما إذا كانت أكاذيبه ستكشف أم لا. 10-عدم وجود الشعور بالحياء وعدم وجود الشعور بالأسف أو الندم. 11-عدم القدرة على تحمل المسئولية. 12-القسوة وعدم الإخلاص والعجز عن الحب وإقامة العلاقات. 13-العدوانية وتشمل الاعتداء على الغير والسب العلني والتمرد [29][30][31] [8 ]

دور الانضباط الذاتي في الحد من المخالفات السلوكية المدرسية

يقوم الانضباط الجيد على اقتناع الأفراد بأهمية قوانين المؤسسة المنتمين إليها كالمدرسة مثلا ً, فالطلاب الذين ينظرون إلى قوانين وأنظمة المدرسة على أنها شيء من صالحهم سوف يحافظون على هذه القوانين ويتصرفون بشكل مقبول.[32]

ولقد أكد التربويون على أن الانضباط القائم على التحكم الذاتي (الانضباط الذاتي) هو أفضل أنواع الانضباط لأنه شكل من أشكال الوعي الذاتي والذي يعطي الطلاب الفرصة لتقييم سلوكهم والتحكم فيه، ويقوم على الإيمان بأن الطلاب يستحقوا أن يكونوا موضع ثقة وتقدير.[33]

وتتضح أهمية الانضباط الذاتي في الحد من المخالفات السلوكية فيما يلي: 1-يساعد الانضباط الذاتي الطلاب في تبني القيم والمعايير التي تسهم في إيجاد مجتمع مدرسي منظم

2-يطور الانضباط الذاتي سلوكاً هادفاً ومنضبطاً عند الطلاب.

3- يسهم الانضباط الذاتي في إيجاد اتفاق وتوافق بين الطلاب وقوانين المدرسة وتعليماتها.

4-يساعد الانضباط الذاتي الطلاب على فهم القوانين والتعليمات المدرسية والمحافظة عليها [6 ]

5-يجعل الانضباط الذاتي الطلاب قادرين على تحمل الخبرات غير السارة في المجال التحصلي ومقاومة آثارها السلبية.

6-يُمكن الانضباط الذاتي في فهم وتفسير الأفراد للملابسات المرتبطة بحدوث الخبرات الغير سارة وأسباب عدم وصوله إلى أهدافه.

7-ينمي الانضباط الذاتي القدرة على تأخير الإشباع الاجتماعي والمكافآت الاجتماعية.[34]

8-يوفر الانضباط الذاتي البيئة الصالحة للتعلم والمناخ النفسي والمادي الملائم للتواصل الفعال بين أطراف العملية التعليمية التعلمية.

9-يزيد الانضباط الذاتي ثقة الطالب بنفسه ويجعله يتردد عن ممارسة أي عمل من شأنه أن يسيء إليه وإلى مدرسته وزملائه.

10-يقلل الانضباط الذاتي من إثارة المشكلات التي من الممكن أن تعيق تحقيق الأهداف المنشودة.

11-يساعد الانضباط الذاتي المعلم في سيطرته على ألوان النشاط التعليمي التعلمي وتوجيهها بحكمة وبصيرة نحو الأهداف المنشودة

12-يسهم الانضباط الذاتي في إقامة علاقات تعاونية بين المعلم والطلاب مبنية على الثقة والاحترام المتبادل [6]

ختاماً إن التربية الإسلامية التي تستقى منهجها من القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، هي في الواقع أقوى مكون للانضباط الذاتي، والملتزم بالدين الإسلامي خير التزام يجعل نظر الله سبحانه ملازم له في كل ظروفه وأحواله، وهو بذلك يمقت الخيانية، والنفاق. هذا ما أحببت كتابته هنا، واتمنى ان أكون قد وفقت في طرحٍ مختصرٍ لهذا الموضوع هذا والله أعلى وأعلم.

المراجع

  1. [1 ]ابن منظور, محمد مكرم (2003). لسان العرب,ج9, الرياض: مكتبة الرشد.
  2. [2 ]البدري, طارق عبدالحميد (2001). الأساليب القيادية والإدارية في المؤسسات التعليمية. عمان: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
  3. [3 ] الإدارة العامة للمعجمات (1984). معجم علم النفس والتربية, مجمع اللغة العربية: دار الكتاب.
  4. [4]البدري, طارق عبدالحميد (2005). إدارة التعليم الصفي الأسس والإجراءات. عمان: دار الثقافة للنشر والتوزيع.
  5. [5] عمار, محمود إسماعيل (1999). تعليم بلا عقاب (الثواب والعقاب في التربية), الرياض: دار عالم الكتب.
  6. أبو نمرة, محمد خميس (2006). إدارة الصفوف وتنظيمها(ط2).عمان: دار يافا.
  7. [8] الريس, عبد الفتاح أحمد (2002). الانضباط الذاتي لطلاب المدارس ودور المدرسة والأسرة في تحقيقه. جدة: كنوز المعرفة.
  8. [7] الكندي, جعفر على بكر (1982). الانضباط المدرسي في المرحلة الثانوية (وسائله وأجهزة متابعة تحقيقه), رسالة ماجستير غير منشورة, جامعة أم القرى.
  9. [11] خوري, توما جورج (1996). الشخصية مقومتها, سلوكها, علاقتها بالتعلم. بيروت: المؤسسة الحامضة للدراسات والنشر والتوزيع.
  10. [10] عويضة, كامل محمد (1966). علم نفس النمو. بيروت: دار الكتب العلمية
  11. [12] أحمد, سهير كامل (2000). التوجيه والإرشاد النفسي. الإسكندرية: مركز الإسكندرية للكتاب.
  12. [9] غنيم, سيد محمد (1983). الشخصية. القاهرة: دار المعارف.
  13. [14] خليفة, عبد اللطيف محمد (1992). ارتقاء القيم دراسة نفسية. الكويت: عالم المعرفة.
  14. [13] الزيني, محمود محمد (1974). سيكولوجية الشخصية بين النظرية والتطبيق. القاهرة: دار المعارف.
  15. الكندري, أحمد محمد مبارك (1992). علم النفس الأسري. الكويت: مكتبة الفلاح.
  16. بلبيسي, منى عبدالقادر (2005). التنشئة الاجتماعية والبناء المتكامل لشخصية الطفل الفلسطيني, بحث مقدم إلى مؤتمر التربوي الثاني الطفل الفلسطيني بين تحديات الواقع وطموحات المستقبل المنعقد في الجامعة الإسلامية.
  17. ناصر, إبراهيم و استيتية, دلال ملحس (1984). علم الاجتماع التربوي. عمان: جمعية عمال المطابع التعاونية
  18. كرم الدين, ليلى (2001). دور الأسرة في بناء شخصية الطفل وتنميته, مؤتمر دور تربية الطفل في الإصلاح الحضاري. [نسخة الكترونية] القاهرة: مركز الدراسات المعرفية.
  19. العاجز, فؤاد علي (2002). العوامل المودية إلى تفشي العنف لدى طلاب المرحلة الثانوية في مدارس محافظات غزة, مجلة الجامعة الإسلامية, 10(2), 1-44.
  20. مخيمر, هشام محمد (2000). علم نفس النمو الطفولة والمراهقة. الرياض:اشبيليا للنشر والتوزيع.
  21. السمالوطي, نبيل (1986). التنظيم المدرسي والتحديث التربوي دراسة في اجتماعيات التربية الإسلامية (ط2). جدة: دار الشروق.
  22. السنوسي, نجاة (2001). الأثر الذي يولده العنف على الأطفال ودور الجمعيات الأهلية في مواجهته, مؤتمر نحو بيئة خالية من العنف للأطفال العرب. عمان.
  23. يوس, انتصار (1993).السلوك الإنساني. القاهرة: دار المعارف.
  24. الزعبي, أحمد محمد (2007). النمو الإنساني في الطفولة والمراهقة (مراحل النمو- المشكلات وسبل علاجها).دمشق: دار الفكر.
  25. الزامل, نجلاء عبدالرحمن (2003). الأساليب التربوية المستخدمة لتحقيق الضبط الصفي في التعليم الثانوي للبنات بمدينة الرياض. رسالة ماجستير غير منشورة, جامعة الملك سعود.
  26. ناصري, توفيق و مراد, سمير و الجبنياني, محمد ( 1992). النظام التأديبي وظاهرة عدم الانضباط بمؤسسات التعليم الثانوي, المجلة التونسية لعلوم التربية, 17(20), 7-75.
  27. أبو عراد، صالح بن علي (2003) مقدمةفي التربيةالإسلامية.الرياض: دار الصولتيةللتربية
  28. زيدان, محمد مصطفى (1972).النمو النفسي للطفل والمراهق وأسس الصحة النفسية. بنغازي: منشورات الجامعة الليبية.
  29. الغامدي, حسين حسن عبدالفتاح. (1404). دراسة مقارنة بين سمات لسمات الشخصية المميزة للجانحين وغير الجانحين في المملكة العربية السعودية, رسالة ماجستير غير منشورة, جامعة أم القرى.
  30. الأحمدي, نجلاء بنت عياد (1428). الشعور بالذنب والوجدنيات الموجبة والسالبة لدى عينة من طالبات جامعة أم القرى ذوات السلوك المنضبط وغير المنضبط, رسالة ماجستير غير منشورة, جامعة أم القرى.
  31. الفيومي, محمد محمد عيسوي (2005). اثر برنامج ترفيهي في التخفيف من إظهار العدوان لدى عينة من الجانحين, مجلة البحوث الأمنية, 14(30), 237-280.
  32. <references></references>
    <references/>Haroun, R., & O'Hanlon, C (1997). Do teachers and students agree in their perception of what school discipline is?. Educational Review, 49 (3), 237. http://search.ebscohost.com
  33. عطية, نجوى إبراهيم (2006). أساليب تحقيق الانضباط المدرسي لطلاب المدرسة الثانوية دراسة مقارنة. رسالة ماجستير غير منشورة,جامعة الزقازيق.
  34. كامل, محمد علي (2003). الأخصائي النفسي المدرسي وفرط النشاط واضطراب الانتباه. الإسكندرية: مركز الإسكندرية للكتب.