تاريخ الرق
التاريخ المعروف للبشرية يشير إلى أن الرق ظاهرة عريقة في القدم، تاريخها هو ذاته تاريخ الاستغلال وظلم الإنسان لأخيه الإنسان. وقد نشأت ظاهرة الاستعباد منذ عشرات الألوف من السنين، وتحديدًا في فترة التحول من الصيد إلى الاعتماد على الزراعة المُنَظّمة كوسيلة لاكتساب الرزق.. يقول المؤرخ الكبير "ول ديورانت" في موسوعته الشهيرة "قصة الحضارة" : (بينما كانت الزراعة تُنْشيء المدنيِّة إنشاءً فإنها إلى جانب انتهائها إلى نظام الملكية، انتهت كذلك إلى نظام الرق الذي لم يكن معروفًا في الجماعات التي كانت تقيم حياتها على الصيد الخالص، لأن زوجة الصائد وأبناؤه كانوا يقومون بالأعمال الدَّنيَّة، وكان فيهم الكفاية لذلك، وأما الرجال فقد كانت تتعاقب في حياتهم مرحلة تضطرب بنشاط الصيد أو القتال، يتلوها مرحلة من فتور الاسترخاء والدعة بعد الإجهاد والعناء. ولعل ما تنطبع به الشعوب البدائية من كسل قد بدأ – فما نظن – من هذه العادة. عادة الاستجمام البطئ بعد عناء القتال و الصيد، ولو أنها لم تمكن عندئذ كسلاً بمقدار ما كانت راحة واستجامًا ؛ فلكى تحوِّل هذا النشاط المتقطع إلى عمل مطرد، لابد لك من شيئين: العناية بالأرض عناية تتكرر كل يوم، وتنظيم العمل).
وأما تنظيم العمل فيظل مُنْحلَّ العرى لَدُنِّىَّ النشاط مادام الناس يعملون لأنفسهم، لكنهم إذا كانوا يعملون لغيرهم فإن تنظيم العمل لابد أن يعتمد في النهاية على القوة و الإرغام ؛ وذلك أن نشأة الزراعة وحدوث التفاوت بين الناس انتهيا إلى استخدام الضعفاء بواسطة الأقوياء اجتماعيًا ؛ ولم يتنبَّه الظافر في القتال قبل ذلك إلى أن الأسير الذي ينفعه هو الأسير الحى، وبذلك قلَّت المجازر وقلَّ أكل الناس بعضهم لحوم بعض كلما زاد نظام الرق اتساعًا. وإذن فقد تقدم الإنسان من حيث الأخلاق تقدمًا عظيمًا حين أقلع عن قتل زميله الإنسان أو أكله، واكتفى من أعدائه باسترقاقهم؛ وإنك لترى تطورًا كهذا يتم اليوم على نطاق واسع، إذ أقلعت الأمم الظافرة عن الفتك بالعدو المغلوب، واكتفت باسترقاقهم عن طريق التعويض الذي تكبّدهم إياه. ولما استقر نظام الرق على أسسه. وبرهن على نفعه، أخذ يزداد نطاقه بأن أضيف إلى الرقيق طوائف أخرى غير الأسرى، فأضيف إليهم المَدِينُون الذين لا يُوفَون الدَّيْن، و المجرمون الذين يعاودون الإجرام، هذا إلى إغارات تُشن عمدًا لاجتلاب الرقيق ؛ وهكذا كانت الحرب بادئ الأمر عاملاً على نشأة الرق، ثم أصبح الرق عاملاً على شن الحرب.
ولعل نظام الرق حين امتدت به القرون قد أكسب الجنس البشرى تقاليده وعاداته من حيث العمل، فلن تجد بيننا أحدًا يُقدم على عمل شاق عسير إذا كان في مقدوره أن يتخلص منه بغير أن يتعرض لشئ من العقاب البدنى أو الاقتصادى، وإذن فقد بات الرق جزءًا من النظام الذي استعد به الإنسان للقيام بالصناعة، هذا فضلاً عن أنه عمل على تقدم المدنيَّة بطريق غير مباشر، بأن زاد من الثروة فخلق الفراغ لفئة قليلة من الناس، ولما مضت قرون على هذا النظام، جعل الناس ينظرون إليه كأنه نظام فطرى لاغنى عنه، بهذا قال أرسطو: هذا النظام الاجتماعى الذي لابد أن يكون قد بدا لعينيه في عصره نظامًا قضى به الله) !!!.
وقد عرفت كل الحضارات والأمم السابقة على الإسلام ظاهرة الاستعباد للآخرين على أوسع نطاق ممكن.. فالرق كان موجودًا لدى الفراعنة.. إذ كان الملوك و الكهنة و قواد الجيش المصري القديم يتخذون أسرى الحرب عبيدًا لهم، يستخدمونهم فيما تحتاج إليه الدولة الفرعونية من أعمال كشق الترع و بناء الجسور و المعابد و الأهرامات. وعلى خلاف المعروف لدى الأمم الأخرى في تلك الفترة - كما يلاحظ محمد عطية الأبراشى كان عبيد القصور يتمتعون بمعاملة إنسانية في مصر، وكان مسموحًا للحرّ أن يتزوّج جارية. وكان محظورًا على الملاك قتل الرقيق، ومن قتل عبدًا فإنه يُقتل به على سبيل القصاص.. وكان الرق موجودًا على أوسع نطاق لدى الآشوريين.. وقد كانت قصورهم مليئة بالعبيد و الجوارى للخدمة و المتعة في آن واحد.. و من أطرف الوثائق و العقود التي عُثر عليها و تعود إلى عهد الملك نبوخذ نصر – كما يقول ول ديورانت – تلك العقود المتصلة بالعبيد. (وكان مصدر هؤلاء العبيد أسرى الحروب، و الغارات التي يشنها البدو الرحل على الولايات الأجنبية، ونشاط العبيد أنفسهم في التناسل. وكان ثمن الأرقاء يختلف من عشرين ريالاً إلى خمسة وستين للمرأة، ومن خمسين ريالاً إلى مائة ريال للرجل. وكان هؤلاء العبيد هم الذين يؤدون معظم الأعمال العضلية في المدن، وتدخل في هذه الأعمال الخدمات الشخصية.
وكانت الجوارى ملكًا خالصًا لمن يبتاعهن، وكان ينتظر منهن أن يمهّدن له فراشه ويطبخن له طعامه، وكان المعروف أنه سيستولدهن عددًا كبيرًا من الأبناء. وكان العبد و كل ما ملكت يداه ملكًا لسيده: من حقه أن يبيعه أو يرهنه وفاء لدين، ومن حقه أن يقتله إذا ظن أن موته أعود عليه بالفائدة من حياته. وإذا أبق العبد فإن القانون لا يبيح لأحد أن يحميه وكانت تقدر جائزة لمن يقبض عليه. وكان من حق الدولة أن تجنّده كما تجنّد الفلاح الحرّ للخدمة العسكرية أو تسخّره للقيام ببعض الأعمال العامة كشق الطرق، وحفر القنوات. وكان أكثر العبيد يقنعون من حياتهم بكثرة الأبناء، حتى صاروا أكثر عددًا من الأحرار. فكانت طبقة الأرقام الكبيرة تتحرك كأنها نهر تحتى جيَّاش يجرى تحت قواعد الدولة البابلية.
عرب الجاهلية
ولم يختلف الحال لدى العرب قبل الإسلام عن غيرهم من الأمم في ميدان الرق. فقد كان مألوفًا أن تتخذ القبائل المنتصرة من أطفال و نساء القبائل المهزومة عبيدًا و جوارى.
و كان بعض مشاهير مكة مثل عبد الله بن جدعان من تجار الرقيق. وتذكر كتب التاريخ أن عددًا من مشاهير الصحابة كانوا عبيدًا قبل الإسلام، منهم زيد بن حارثة رضى الله عنه الذي اختطف وهو صغير، وباعه الخاطفون في سوق عكاظ حيث اشتراه أحد أقارب السيدة خديجة رضى الله عنها. وكذلك اختطف بعض قطاع الطرق سلمان الفارسي رضى الله عنه أثناء رحلته إلى الشام، وباعوه لبعض يهود يثرب قبل هجرة النبى صلى الله عليه وسلم إليها. وكان بلال بن رباح وعمار بن ياسر وذويهما عبيدًا بمكة المكرمة قبل الإسلام، وتعرضوا لتعذيب مروّع من سادتهم لإجبارهم على ترك الإسلام. وكانت "سميّة" أم عمَّار رضى الله عنها أول شهيدة في الإسلام، إذا قتلها أبو جهل بطعنة في قلبها لرفضها الارتداد عن الإسلام. وكانت "ثويبة" إحدى مرضعات الرسول صلى الله عليه وسلم مولاة لعمه أبى لهب.. وكانت حاضنته "أم أيمن" جارية لأبيه عبد الله بن عبد المطلب قبل مولده، وانتقلت ملكيتها إليه بعد وفاة أبيه.
الرق في فارس
وفى بلاد فارس كان الأرقاء يُتخذون للرعى و الزراعة، ويستخدمون فيما تحتاج إليه البيوت من الزينة و العمل. وإذا ارتكب الرقيق ذنبًا عوقب عقابًا معتدلاً، فإذا ارتكبه مرة أخرى فلسيده أن يعاقبه بما يشاء، وله أن يقتله. وكان الأكاسرة ينظرون إلى كل من هو غير فارسي على أنه عبد مملوك لهم، و لا حق له في أى شيء سوى الطعام و الشراب كأى حيوان !!.
الرق عند الهنود القدماء
كان لدى الهنود القدماء طبقات أعلاها: طبقة الأشراف وهم البراهمة، أما طبقة العمال، فهى الطبقة الدنيا التي تستخدم في الأعمال، وتعامل معاملة بشعة. وللطبقة الأولى السيادة والسيطرة، وعلى الطبقة الثانية – وهى طبقة الأرقاء – الطاعة والخضوع. ويستمر الرقيق خادمًا طوال حياته. وكانت القوانين التي يحاكم بها جائرة، فإذا اعتدى رقيق على بَرهَمى حكم على الرقيق بالقتل. و إذا شتمه بلفظ بذئ قُطع لسانه. و إذا احتقره عُوقب بوضع خنجر محمى بالنار في فمه. و إذا تجرأ و نصح لبرهمى نصيحة تتصل بواجبه أمر الملك بوضع زيت ساخن في أذنه و فمه. وإذا اغتصب برهمى شيءًا من الرقيق حكم عليه بدفع غرامة مالية. و إذا سرق عبد شيءًا من برهمى حكم عليه بالإحراق !!. و كانت الأعمال النجسة تترك للعبيد ليقوموا بها، و الأعمال المقبولة يقوم بها الخدم. و كانت في الهند طائفة أخرى منبوذة تُسَخَّر للخدمة كالعبيد.
الرق عند الصينيين
كان الفقراء من الصينيين القدماء يبيعون أبناءهم وبناتهم لشدة فقرهم و حاجتهم. و كان للسيد الحق في بيع من لديه من الأرقاء و أولادهم. و قد عرف الصينيون بالذكاء و الحكمة و الرقة و المروءة و الإنسانية. فالرقيق في الصين كان يعامل بشكل أفضل كثيرًا من نظرائهم في أوروبا.
الرق عند الإغريق
وفى أثينا كانت هناك طبقات ثلاث: طبقات المواطنين و الغرباء و العبيد. ويقدر سويداس Suidas عدد العبيد الذكور وحدهم بمائة وخمسين ألفًا، معتمدًا في تقديره على خطبة معزوة إلى هبيريدس ألقيت في عام 338 ق م، وإن لم تكن نسبتها إليه موثوقًا بصحتها. ويقول أثيديوس: إن تعداد سكان أتكا الذي أجراه دمتريوس فاليريوس- حوالي عام 317- يقدر المواطنين بواحد وعشرين ألف، والغرباء بعشرة آلاف، والأرقاء بأربعمائة ألف. ويقدر تيموس - عام 300- عبيد كورنثة بأربعمائة وستين ألفًا، ويقدر أرسطو- عام 340- عبيد أيجينا بأربعمائة وسبعين ألفًا. ولعل السبب في ضخامة هذه الأعداد أنها تشمل العبيد الذين كانوا يعرضون للبيع عرضًا مؤقتًا في أسواق الرقيق القائمة في كورنثة، و إيجينا و أثينا.
وهؤلاء العبيد إما أسرى حرب، أو ضحايا غارات الاسترقاق، أو أطفال أنقذوا وهم معرضون في العراء، أو أطفال مهملون، أو مجرمون. وكانت قلة منهم في بلاد اليونان يونانية الأصل ؛ وكان الهلينى يرى أن الأجانب عبيد بطبعهم لأنهم يبادرون بالخضوع إلى الملوك، ولهذا لم يكن يرى في استعباد اليونان لهؤلاء الأجانب ما لا يتفق مع العقل؛ لكنه كان يغضبه أن يسترق يونانى !!. وكان تجّار اليونان يشترون العبيد كما يشترون أية سلعة من السلع، ويعرضونهم للبيع في طشيوز، و ديلوس، و كورنثة، و إيجينا، و أثينا، وفي كل مكان يجدون فيه من يشتريهم. وكان النخاسون في أثينا من أغنى سكانها الغرباء؛ ولم يكن من غير المألوف في ديلوس أن يباع ألف من العبيد في اليوم الواحد؛ وعرض سيمون بعد معركة يوريمدون عشرين ألفًا من الأسرى في سوق الرقيق. و كان في أثينا سوق يقف فيه العبيد متأهبين للفحص وهم مجردون من الثياب، ويساوم على شرائهم في أى وقت من الأوقات، وكان ثمنهم يختلف من نصف مينا إلى عشر مينات (من 50 ريالاً أمريكيًا إلى ألف ريال). وكانوا يشترون إما لاستخدامهم في العمل مباشرة، أو لاستثمارهم؛ فقد كان أهل أثينا الرجال منهم والنساء يجدون من الأعمال المربحة أن يبتاعوا العبيد ثم يؤجروهم للعمل في البيوت أو المصانع، أو المناجم. وكانت أرباحهم من هذا تصل إلى 33 في المائة. وكان أفقر المواطنين يمتلك عبدًا أو عبدين. ويبرهن إسكنيز Aeschines على فقره بالشكوى من أن أسرته لا تمتلك إلا سبعة عبيد؛ وكان عددهم في بيوت الأغنياء يصل أحيانًا إلى خمسين، وكانت الحكومة الأثينية تستخدم عددًا منهم في الأعمال الكتابية وفي خدمة الموظفين، وفي المناصب الصغرى، وكان منهم بعض رجال الشرطة.
أما في الريف فكان العبيد قليلى العدد، وكانت أكثر الرقيق من النساء الخادمات في البيوت. ولم يكن الناس في شمالى بلاد اليونان وفي معظم الپلپونيز في حاجة إلى العبيد لاستغنائهم عنهم برقيق الأرض. وكان العبيد في كورنثا، و مجارا، و أثينا يؤدون معظم الأعمال اليدوية الشاقة، كما كانت الجوارى يقمن بمعظم الأعمال المنزلية المجهدة، ولكن العبيد كانوا فوق ذلك يقومون بجزء كبير من الأعمال الكتابية وبمعظم الأعمال التنفيذية في الصناعة، و التجارة، و الشئون المالية. أما الأعمال التي تحتاج إلى الخدمة فكان يقوم بها الأحرار و الغرباء، ولم يكن هناك عبيد علماء كما في العصر الهلنستى و في روما، وقلما كان يسمح للعبد بأن يكون له إناء، لأن شراء العبد كان أرخص من تربيته. وكان العبد إذا أساء الأدب ضُرب بالسوط، وإذا طلب للشهادة عُذّب، وإذا ضربه حر لم يكن له أن يدافع عن نفسه، لكنه إذا تعرض للقسوة الشديدة كان له أن يفر إلى أحد الهياكل.
وكان فلاسفة اليونان يجاهرون بتأييدهم للرق !! ويرى أفلاطون أن العبيد لايصلحون لأن يكونوا مواطنين !! وعليهم فقط لزوم الطاعة العمياء لسادتهم أحرار أثينا !!. ولا ندرى أى مدينة فاضلة تلك التي يكون ثلاثة أرباع أهلها من العبيد !!أما تلميذه أرسطو فهو يرى أن بعض الناس خُلِقُوا فقط ليكونوا عبيدًا لآخرين!!! ليوجهوهم كما يريدون، وبعضهم خُلِقُوا ليكونوا سادة، وهم الأحرار ذوو الفكرة و الإرادة و السلطان. فالعبيد خلقوا ليعملوا كأنهم آلات، و الأحرار خُلِقُوا ليفكروا و يلقوا الأوامر لينفذها العبيد !! ويجب في رأى أرسطو أن يستمر هذا الاستعباد حتى يتوصل الإنسان إلى صنع آلات معدنية تحل محل الرقيق !!
وفى بلاد اليونان كان العبيد يعملون خدمًا في البيوت، ولا يسمح لهم بأن يكونوا كهنة في المعابد كما يؤكد بلوتارك المؤرخ اليونانى المعروف.
و قد اعتاد قدماء الإغريق السير في البحار، وخطف من يجدونه من سكان السواحل. وكانت قبرص و صاقس و سامس و المستعمرات اليونانية أسواقًا كأثينا يباع فيها الأرقاء ويشترون. وكان العبيد يعملون لمواليهم ولأنفسهم، ويدفعون لسادتهم مقدارًا محددًا من المال كل يوم. وكان في كل منزل بأثينا عبد للقيام بالخدمة، مهما كان صاحبه فقيرًا، وكان المولى حر التصرف فيمن يملكهم من عبيد.
وكان الرقيق إذا أخطأ عوقب بالجلد بالسوط وكلف القيام بطحن الحبوب على الرحى، وإذا هرب كوى على جبهته بالحديد المحمى في النار.
الرق عند الرومان
كان الرومان يحصلون عادة على الأرقاء من أسرى الحروب، و أولاد العبيد، و أولاد الأحرار الذين حكم عليهم القانون بأن يكونوا عبيدًا، كالمدينين الذين صعب عليهم الوفاء بديونهم. وكان ثلاثة أرباع سكان الامبراطورية الرومانية من الرقيق! وفي أثناء الحرب كان النخّاسون الذين يتجرون في الرقيق يلازمون الجيوش، وكان الأسرى يباعون بأثمان زهيدة. وأحيانًا كان النخّاسون من الرومان يسرقون الأطفال ويبيعونهم، ويسرقون النساء للاتجار بأعراضهن.
وكان الرقيق في روما يقف على حجر في السوق، ويدلل عليه البائع، ويباع بالمزايدة. وكان الراغب في الشراء يطلب أحيانًا رؤية العبد وهو عريان لمعرفة ما به من عيوب !!
وكان هناك فرق كبير في الثمن بين العبد المتعلم والعبد الجاهل، وبين الجارية الحسناء والجارية الدميمة. وكانت الجارية الحسناء تباع بثمن غال، ولهذا انتشر الفساد الخلقى، وانتشرت الرذيلة في روما. وكان الاتجار بالجوارى الجميلات من أسباب الثراء.
وكان الأرقاء قسمين: قسم ينتفع به في المصالح العامة كحراسة المبانى، والقيام بأعمال السجّان في السجن، و الجلّاد في المحكمة للمساعدة في تنفيذ حكم القاضى. وحال هذا النوع أحسن من سواهم، و قسم ينتفع به في المصالح الخاصة كالعبد الذي يتخذه مولاه لقضاء الأعمال في البيت و الحقل، و الجارية التي يجعلها سيدها لتربية الأولاد.
وكان القانون ينظر إلى الرقيق كأنه لا شيء، فهو ليس له أسرة، و لا شخصية، و لا يملك شيءًا. و العبد و ما ملكت يداه لسيده. و يتبع الرقيق أمه حين الوضع، فإذا كانت حرّة كان حرًّا، وإذا كانت رقيقة كان رقيقًا.
وكان لمالك الرقيق الحرية المطلقة في التصرف مع عبده كما يتصرف في الحيوانات التي يملكها فإذا أخطأ العبد عاقبه سيده كيفما شاء، أو بأية وسيلة شيطانية تخطر له على بال !! فكان يقيده بالسلاسل ويكلفه مثلاً بحرث الأرض وهو مكبل بالحديد، أو يجلده بالسياط حتى الموت، أو يعلقه من يديه في مكان مرتفع عن الأرض بينما يربط أثقالاً برجليه حتى تتفسخ أعضاء جسمه !! أو يحكم عليه بمصارعة وحوش كاسرة – كالأسود و النمور – تم حبسها و تجويعها أيامًا طوال كى تكون أشد افتراسًا و فتكًا بالعبيد البائسين الذين قُدّر عليهم أن يلقوا حتفهم بهذا الأسلوب الذي يقشعر له بدن الشيطان !!
ولم تكن هناك أية عقوبة في القانون الرومانى تُطبق على السيد الذي يقتل عبده أبدًا، فالقانون الرومانى كان ينص على أن العبد هو أداة ناطقة !! وكانوا يعتبرون الرقيق مجرد "أشياء" وليسوا بشرًا ذوى أرواح و أنفس !! وكان منظرًا عاديًا لديهم أن يشاهدوا جثثًا مصلوبة على جذوع الأشجار لعبيد شاء سادتهم المجرمون شنقهم، أو تعليقهم هكذا بلا طعام ولا شراب حتى الموت، أو حرقهم أحياء، أو إجبارهم على العمل الشاق وأرجلهم مقيدة بالسلاسل عراة تحت أشعة الشمس الحارقة !! وكانت الفقرة المحببة لدى الرومان في الأعياد والمهرجانات هي المبارزات الحية بكل الأسلحة الفتَّاكة بين العبيد حتى يهلك الأعجل من الفريقين !! وتتعالى صيحات المجرمين الرومان إعجابًا أو تلتهب الأكف من التصفيق الحاد حين يتمكن أحد العبيد من تسديد طعنة نافذة في جوف القلب تقضى على غريمه !!
ويقول م.ب تشارلز ورث في كتابه "الامبراطورية الرومانية" : (كان هناك - دون شك – الحاكمون بأمرهم، فقد أصر سيد على أن يقف العبيد حول المائدة صامتين، وكان يعاقب من يسعل منهم أو يعطس بالجلد !! واعتادت إحدى السيدات أن "تعض" جواريها في نوبات غضبها، وكانت أخريات يأمرن بجلد الجارية إذا لم تُحسن تصفيف شعر سيدتها !! و ألقى أحد العبيد المعذبين بنفسه من فوق سطح المنزل فخر صريعًا هربًا من السباب و إهانات سيده المتوحش، وطعن أحد العبيد الهاربين من الجحيم نفسه حتى الموت حتى لا يعود إلى الرق مرة أخرى. ومثل هذه الحوادث كثير).
وكان من الطبيعى أن تندلع ثورات عارمة احتجاجًا على وحشية السادة الرومان تجرى فيها دماء الطرفين أنهارًا، لكنها للأسف كانت تنتهى بمقتل جميع العبيد الثائرين، والويل لمن يبقى حيًا حتى ممن لم يشاركوا في التمرد !!
ومازلنا نذكر الأعمال الفنية الرائعة التي خلدت ثورات العبيد المطحونين، ومن أشهرها فيلم "سبارتاكوس محرر العبيد" وغيرها، وكذلك العشرات من الكتب و الأبحاث العلمية و التاريخية التي دونت فظائع الاستعباد في أوروبا.
القرون الوسطى
في القرون الوسطى كان الأرقاء في فرنسا و إيطاليا و الجزر البريطانية و أسبانيا القديمة يكلفون بالأعمال الزراعية من حرث و زرع و حصد؛ لأن الأعمال اليدوية في نظرهم كانت محتقرة لا يقوم بها الأحرار !! وكان الأرقاء في ألمانيا يقدمون إلى سادتهم مقادير معينة من القمح أو الماشية أو الملابس. وكان لكل عبد مأوى يقيم فيه، ويدبّر أحواله كما يريد.
وكان الفرنج – وهم الألمان الذين يقيمون على جانبى نهر الراين الأسفل – يعاملون الأرقاء أقسى معاملة، فإذا تزوج حرّ رقيقة أجنبية صار رقيقًا مثلها، وإذا تزوجت حرّة رقيقًا أصبحت رقيقة، و فقدت الحرية التي كانت تتمتع بها.
وفى لمبارديا كانت الحرّة إذا تزوجت رقيقًا حكم عليهما بالإعدام.
ولدى الأنجلوسكسون – وهم الأمم الجرمانية التي تناسل منها الإنجليز – كان الأرقاء ينقسمون قسمين: قسم كالمتاع يجوز بيعه، و قسم كالعقار يقوم بحرث الأرض و زرعها، و يباح لهم جمع مال يدفعونه لسادتهم.
وكانت نظرة الأوروبيين إلى العبيد حتى القرن التاسع عشر أنهم لا روح لهم و لا نفس، و لا إرادة. فإذا اعتدى زنجى على سيده أو على حر من الأحرار، أو سرق أى شيء كان القتل جزاء له.
وإذا هرب عوقب بقطع أذنه في المرة الأولى، وكوى بالحديد المحمىِّ في المرة الثانية، وقتل في الثالثة. وإذا قتل المالك رقيقه فللقاضى الحق في أن يحكم ببراءة المالك !
ولا يجوز لغير البيض اكتساب العلم و المعرفة. وكان القوط وغيرهم من القبائل في أوروبا يحكمون على الحرّة التي تتزوج من عبد بالحرق معه !! وفي قوانين قبائل الأسترغوط يحكمون بالقتل على الحرّة التي تتزوج بعبد و أولادهم جميعًا يسترّقون إن حدث إنجاب قبل قتلهم.
مصادر
- التاريخ الأسود للرق في الغرب لحمدي شفيق