شهد تاريخ البرتغال على مر القرون فتح لوسيتانيا ودمار القوة القرطاجية على أيدي روما، وتأسيس الحضارة اللاتينية في شبه جزيرة أيبيريا، والحملات من قبل الآلانيين والسوفيين والمسلمين، وإعادة الاستيطان تحت حكم القوط الغربيين وسقوطهم على أيدي المسلمين الفاتحين لشبه الجزيرة الأيبيرية.[1][2][3]
كانت شبه جزيرة أيبيريا تمثل موطناً واحداً، وتاريخا مشتركا ما بين البرتغال و إسبانيا. أراد بعض الكتاب البرتغاليين ربط عرقهم بلوسيتانيا القديمة، وقد اقترحوا بأن لتاريخهم وجود منفصل ومستمر منذ القرن الثاني قبل الميلاد. اعتبرت ثورة لوسيتانيا ضد الإمبراطورية الرومانية توضيحاً مبكراً لحب البرتغاليين للحرية، ويعتبر قائدهم فيرياثيس بطلاً وطنياً. رغم ذلك، تعتبر هذه النظرية التي أديمت تحت عنوان اللوسياد، غير مؤكدة تأريخياً حالياً.
في عام 1095 كانت البرتغال إقطاعية حدودية من مملكة ليون. أراضيها بعيدة عن مراكز الحضارة الأوروبية، والتي تتضمن بشكل كبير الجبال والأراضي البرية والغابات.
الاسم "Portucelia" مشتق من الميناء الصغير "بورتوس كال" أو "فيلا نوفا دي غايا"، وهو الآن ضاحية من أوبورتو، ويقع في وسط دورو. السكان المحاطون من قبل أعدائهم المورس و منافسينهم الإسبان، والمشغولون بالحرب الأهلية، اشتقوا أساسيات حضارتهم من المصادر اللاتينية والإغريقية والسلتية التي امتلكوها. انطلاقاً من تلك البدايات الغامضة، نهضت البرتغال في خلال أربعة قرون لتكون من إحدى أعظم القوات البحرية والتجارية والإستعمارية في أوروبا والعالم كله.
يمكن تقسيم مراحل التاريخ البرتغالي إلى 11 فترة:
- بين عامي 1095 و 1279 تأسست المملكة البرتغالية وتمددت حتى وصلت إلى حدودها القارية الحالية.
- بين عامي 1279 و 1415 تعزز الحكم الملكي تدريجياً بالرغم من مقاومة ذلك من قبل الكنيسة والنبلاء ومملكة قشتالة المنافسة لها.
- في 1415 بدأت فترة الحملات الصليبية والاكتشافات، ومن بين ذلك اكتشاف الطريق المحيطي نحو الهند (1497 — 1499).
- من 1499 إلى 1580 أسسوا البرتغاليون إمبراطورية امتدت من البرازيل غربا إلى جزر الملوك شرقاً، ووصلت إلى قمة ازدهارها إلى أن دخلت فترة السقوط السريع.
- حكم الملوك الإسبان البرتغال من 1581 إلى 1640.
- الحدث الرئيسي من عام 1640 إلى 1755 كان الاستقلال عن إسبانيا وإعادة الحكم الملكي البرتغالي.
- بين عامي 1755 و 1826 تم إصلاح بومبال والحرب شبه الجزيرية لتهييئ البلاد للتغيير من الحكم المطلق إلى الملكية الدستورية.
- من 1826 إلى 1910، كانت البرتغال عبارة عن ملكية دستورية.
- في 1910 سقطت الملكية وتأسست الجمهورية.
- من 1926 إلى 1974 كانت البرتغال تحت النظام الدكتاتوري.
- في 1974 تم تأسيس النظام الديمقراطي فيها.
يمكن تتبع تاريخ البرتغال إلى ما يعود لنحو 400 ألف عام، حين كان يقطن البرتغال الحالية إنسان هايدلبيرغ. إذ اكتُشفت أقدم جمجمة أحفورية بشرية في كهف أرويرا في ألموندا. في وقت لاحق انتشر النياندرتال في شبه الجزيرة الأيبيرية الشمالية. وقد وصل الإنسان العاقل إلى البرتغال منذ نحو 35000 عام.
عاشت القبائل ما قبل الكلتية مثل الكاينتس في منطقتي الغرب (ألغارفي) وألنتيجو الدنيا قبل القرن السادس قبل الميلاد، وأنشأت مدينة تارتيسوس واللغة التارتيسية المكتوبة، وقد تركت وراءها العديد من اللوحات التذكارية في جنوب البلاد. في وقت مبكر من الألفية الأولى قبل الميلاد، غزت موجات الكلت القادمة من أوروبا الوسطى المنطقة وتزاوجوا مع السكان المحليين لتنشأ إثر ذلك عدة جماعات عرقية والكثير من القبائل. وبصورة مجملة يمكن تعقب وجودهم من خلال الأدلة الأثرية واللغوية. على الرغم من أنهم سيطروا على جزء كبير من المنطقة الشمالية والوسطى، إلا أنهم لم يتمكنوا من الاستيطان في الجنوب، الذي احتفظ بطابعه غير الهندو-أوروبي حتى الغزو الروماني. وقد أسس الفينيقيون القرطاجيون بعض المستوطنات الساحلية الصغيرة شبه الدائمة على الساحل الجنوبي.
استمر الغزو الروماني في القرن الثالث قبل الميلاد لعدة قرون، وأسست المقاطعتان الرومانيتان لوسيتانيا في الجنوب وغالايسيا في الشمال. تشمل المواقع الرومانية العديدة أعمال الهندسة والحمامات والمعابد والجسور والطرق والسيرك والمسارح ومنازل العامة والعملات المعدنية والتوابيت والسيراميك. وكما كان الحال في بقية أنحاء أوروبا الغربية، تراجعت الحياة الحضرية بشكل كبير خلال العصور المظلمة عقب سقوط روما. وسيطرت القبائل الجرمانية (التي أشار إليها الرومان باسم البرابرة) على المنطقة بين القرنين الخامس والسابع. حيث قامت مملكة السويبيين في براغا ومملكة القوط الغربيين في الجنوب. وفي ظل حكم القوط الغربيين برزت طبقة جديدة، وهي طبقة النبلاء، التي لعبت دورًاً اجتماعيًاً وسياسيًا كبيرًا خلال العصور الوسطى. وبدأت الكنيسة أيضًا بلعب دور مهم للغاية داخل الدولة، ولكن بسبب عدم إلمام القوط الغربيين باللاتينية، فقد استمر الأساقفة الكاثوليك بنظام الحكم الروماني. وبدأ رجال الدين يظهرون كطبقة رفيعة المستوى.
في عام 711، غزت الخلافة الأموية الإسلامية مملكة القوط الغربيين، وكانت تضم البربر من شمال إفريقيا والعرب من الشرق الأوسط بالإضافة إلى مسلمين آخرين من جميع أنحاء العالم الإسلامي، ثم أسسوا دولة الأندلس الإسلامية. تسيد الأمويون أيبيريا وتقدموا في فرنسا حتى معركة بلاط الشهداء (732)، لكنهم استمروا في أيبيريا حتى سقوط مملكة غرناطة (إسبانيا) في عام 1492. لكن لشبونة وغرب الأندلس وبقية ما يشكل البرتغال، أعيد احتلالها في أوائل القرن الثاني عشر. وفي نهاية القرن التاسع، نشأت مقاطعة صغيرة في منطقة بورتوس كالي تحت حكم الملك ألفونسو الثالث من أستورياس، وبحلول القرن العاشر، أصبح الكونتات يعرفون باسم (دوق البرتغال الكبير)، وقُسمت مملكة أستورياس لاحقًا بحيث أصبحت «البرتغال» الشمالية جزءًا من مملكة ليون.
باعتبارها تابعة لمملكة ليون، نمت سلطة البرتغال وأراضيها، وحصلت لفترات على الاستقلال الفعلي خلال أوقات ضعف حكم مملكة ليون. في عام 1071، أُعلن غارسيا الثاني ملك جليقية ملكًا للبرتغال، وفي عام 1095، انفصلت البرتغال عن مملكة جليقية. وفي نهاية القرن الحادي عشر، أصبح الفارس البورغندي هنري كونتًا للبرتغال ودافع عن استقلالها عن طريق دمج كونتية البرتغال وكونتية قلمرية. كما أعلن ابن هنري أفونسو هنريك نفسه أميرًا للبرتغال في 24 يونيو 1128 وملكًا للبرتغال عام 1139. وفي عام 1179 اعترف مرسوم بابوي رسمياً بأفونسو الأول كملك. وقد غزا الموريون الغرب في عام 1249، وفي عام 1255 أصبحت لشبونة العاصمة. وقد بقيت حدود البرتغال البرية دون تغيير تقريبًا منذ ذلك الحين. خلال عهد الملك جون الأول، هزم البرتغاليون القشتاليين في حرب لأجل العرش (1385) وأنشأوا تحالفًا سياسيًا مع إنجلترا (بموجب معاهدة وندسور عام 1386) استمر حتى يومنا هذا. في أواخر العصور الوسطى، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ارتقت البرتغال إلى مكانة قوة عالمية خلال «عصر الاستكشاف» في أوروبا حيث بنت إمبراطورية شاسعة، وقد تضمنت هذه الإمبراطورية أجزاء من أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا. على مدار القرنين التاليين، احتفظت البرتغال بمعظم مستعمراتها، ولكنها فقدت الكثير من ثروتها ومكانتها بشكل تدريجي، حيث استحوذ الهولنديون والإنجليز والفرنسيون على نصيب متزايد من تجارة التوابل والعبيد من خلال محاصرة أو احتلال المراكز التجارية والأراضي البرتغالية المنتشرة على نطاق واسع. ثم بدأت علامات التراجع العسكري بمعركتين مأسويتين: معركة وادي المخازن (أو معركة الملوك الثلاثة) في المغرب عام 1578 ومحاولة إسبانيا الفاشلة لغزو إنجلترا عام 1588 عن طريق الأرمادا الإسبانية (الأسطول)، إذ كانت البرتغال آنذاك في اتحاد أسري مع إسبانيا وساهمت بتقديم السفن لأسطول الغزو الإسباني. وقد ضعفت البلاد أكثر من خلال تدمير جزء كبير من عاصمتها في زلزال عام 1755، والاحتلال خلال الحروب النابليونية، وفقدان أكبر مستعمرة لها وهي البرازيل في عام 1822. ومن منتصف القرن التاسع عشر إلى أواخر خمسينيات القرن العشرين، غادر ما يقرب من مليوني برتغالي البرتغال للعيش في البرازيل والولايات المتحدة.[4]
في عام 1910، قامت ثورة أسقطت الملكية. في وسط الفساد وقمع الكنيسة، ودولة شبه مفلسة، أدى انقلاب عسكري في عام 1926 إلى تثبيت دكتاتورية استمرت حتى انقلاب آخر في عام 1974. وقد أسست الحكومة الجديدة لإصلاحات ديمقراطية شاملة ومنحت الاستقلال لجميع المستعمرات البرتغالية في أفريقيا في عام 1975. وكانت البرتغال عضوًا مؤسسًا في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أو إي سي دي)، ورابطة التجارة الحرة الأوروبية (الإفتا). ودخلت السوق الأوروبية المشتركة (الاتحاد الأوروبي الآن) في عام 1986.
أصل التسمية
كلمة البرتغال مشتقة من اسم مكان روماني كلتي اسمه بورتوس كالي. إذ كان كالي (أو كايلاخ) اسم إله كلتي، واسم مستوطنة مبكرة تقع عند مصب نهر دويرة (فيلا نوا دغايا الحالية)، والذي يجري إلى المحيط الأطلسي في شمال ما يعرف الآن بالبرتغال. ونحو عام 200 قبل الميلاد، أخذ الرومان شبه الجزيرة الأيبيرية من القرطاجيين خلال الحرب البونيقية الثانية، وفي نفس الوقت غزوا كالي وأعادوا تسميتها لتصبح بورتوس كالي (ميناء كالي). وخلال العصور الوسطى، أصبحت المنطقة المحيطة ببورتوس كالي معروفة من قبل السويبيين والقوط الغربيين باسم بورتوكالي.[5]
تطور اسم بورتوكالي إلى بورتوغالي خلال القرنين السابع والثامن، وبحلول القرن التاسع استخدم هذا المصطلح على نطاق واسع للإشارة إلى المنطقة الواقعة بين نهري دويرة ومينهو، حيث يتدفق نهر مينهو على طول ما سيصبح الحدود الشمالية بين البرتغال وإسبانيا. وبحلول القرنين الحادي عشر والثاني عشر، كان يشار إلى البرتغال باسمها الحالي.
أصل الكلمة الدقيق لـ (كالي) غامض إلى حد ما، على الرغم من أن الأصل الأكثر منطقية يشير إلى أن كالي اسم كلتي، كما العديد من الأسماء الأخرى الموجودة في المنطقة. لكن في الواقع، فإن كلمة كالي cale أو كالا cala تعني ميناء أو مدخل أو مرفأ، ما يدل على وجود ميناء كلتي أقدم. بالإضافة لذلك، فإن معنى كلمة الميناء في اللغة الغالية (الإيرلندية) الحالية هو في الواقع «كالا». ويجادل البعض أن أصل الكلمة يعود إلى غالايسيا، وهو اشتقاق كلتي أيضًا. وهناك نظرية أخرى تدعي أن الكلمة مشتقة من كالادونوم Caladunum.[6]
في أي حال، استخدمت كلمة Portu في كلمة Portucale كأساس لتسمية بورتو، وهو الاسم الحديث للمدينة التي تقبع على موقع مدينة كالي القديمة عند مصب نهر دويرة. وأصبح بورت هو الاسم الإنجليزي للنبيذ الذي يجري إنتاجه فعليًا في الداخل، في منطقة وادي دويرة العليا، لكن يُصدر عبر بورتو. وينعكس اسم كالي اليوم في فيلا نوا دغايا، وهي مدينة تقع على الضفة الجنوبية للنهر.
معرض صور
طالع أيضا
- أستقلال البرتغال
- الحملات البرتغالية على أسيا
- الإمبراطورية البرتغالية
- الغزو البرتغالي للخليج العربي
- مملكة البرتغال
- مملكة الغارف
- مملكة البرازيل
- الجمهورية البرتغالية
- أنغولا البرتغالية
مراجع
- Anderson, James Maxwell (2000). "The History of Portugal". . مؤرشف من الأصل في 24 يناير 2020.
- Knutsen, Torbjörn L (1999). "The Rise & Fall of World Orders". . مؤرشف من الأصل في 20 ديسمبر 2019.
- The Virtual Jewish History Tour Portugal - تصفح: نسخة محفوظة 21 يناير 2017 على موقع واي باك مشين.
- "Portugal Seeks Balance of Emigration, Immigration". Migrationinformation.org. 2002-08-09. مؤرشف من الأصل في 2 يناير 201422 أغسطس 2010.
- Cale, the mother goddess of the Celtic people, the one who armed with a hammer formed mountains and valleys. She hides in the rocks. She is Mother Nature. Her other name is Cailleach (Gallaecia/Galiza)
- Smith, Sir William (1856). Dictionary of Greek and Roman Geography. مؤرشف من الأصل في 24 يناير 202022 أغسطس 2010.