حظيت القدس وما تزال بمكانة عظيمة في الذاكرة الإنسانية لم تماثلها فيه أية مدينة منذ فجر التاريخ، وقد رسم العهد الكنعاني فيها وجهه حتى يومنا هذا، لنجدها ملتقى للاتصال والتواصل بين قارات العالم القديم، ومهداً للديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلامية، وقد جاء الفتح الإسلامي للمدينة تجسيداً لعروبتها وتأكيداً على مقومات حضارتها الكنعانية. وسنتحدث هنا عن القدس بعهد صلاح الدين الايوبي وعهد المماليك باعتبارهما مرحلتين من مراحل تاريخ القدس التي تربط الماضي بالحاضر.
أولاً-العصر الأيوبي في القدس
فتحت القدس من جديد في عهد صلاح الدين الأيوبي عام 1187، بعد انتهاء الحملات الصليبية ضدها، لنجده عمل على تحويل الكنائس إلى مساجد ومدارس، والمباني الصليبية إلى مؤسسات إسلامية، وتم أسلمت مباني الحرم الشريف مجدداً. أثبت صلاح الدين كردي بمهارته الحربية انه قائد عندما خاض الحروب وحاصر الصليبيين داخل اسوار القدس، وحظي المسيحيين ببيت المقدس بمعاملة لائقة إذ سمح لهم بأن يسكنوا فيها وان يؤمنوا ولا يزعجوا. وضع صلاح الدين برنامجاً في حكمه أهم ما ظهر فيه اقامته للتحصينات للحيلولة دون غزو صليبي آخر على بيت المقدس، وغسل الصخرة بماء الورد وأمر بعمارة المسجد الأقصى ورصفه بالفسيفساء، وظهر جلياً آثاره في سور المدينة ومقبرة باب الساهرة وقبة يوسف وجامع الجبل وأنشئ المدرسة الصلاحية والخانقاه الصلاحية وغيرها. وبعد صلاح الدين واجهت القدس تهديد حملة صليبية جديدة، واعيدت القدس ليد المسيحيين على ان يضل الحرم الشريف إسلامياً ويحظى المسلمين بحكم ذاتي لهم.
ثانيًا لقدس في عهد المماليك
تعدد سلاطين المماليك الذين تعاقبوا على حكم القدس وهذا انعكس على طبيعة حياة سكان بيت المقدس، وقد حافظت القدس على مكانتها وأهميتها الدينية إذا أصبحت مقصداً للحجاج من الشرق والغرب، سواء للدراسة أو الاعتكاف، واقيمت المؤسسات الخيرية وشيدت المساجد ودور العبادة والمحلات التجارية والأسواق والحوانيت، كل هذا حول الحرم وعلى طول الشوارع المؤدية اليه، ومن المنشأت التي أقيمت خان الشلطان وقنة العروب والدار الكبرى والخانقاه وغيرها. وبعد حقبة المماليك دخل العثمانيون القدس وحكموها من عام 1517 إلى عام 1917.
المراجع
- القدس عبر الحضارة والتراث منذ ستة آلاف عام، إبراهيم الفني، منشورات وزارة الاعلام، 1997.
- المفصل في تاريخ القدس، الجزء الأول، عارف العارف، مطبعة المعارف، 1999.
- اختلاق إسرائيل القديمة، إسكات التاريخ الفلسطيني، تأليف كيث وايتلام، ترجمة سحر الهنيدي، الكويت، 1999.